04‏/02‏/2015

الجذور الدادية للسيريالية

المصدر:- ------
ترجمة:- ممدوح شلبى
سلفادور دالى

تعود أصول السينما السيريالية إلى الحركة الدادية، تأسست الحركة الدادية فى زيوريخ بسويسرا عام 1915 من مجموعة من المثقفين والفنانين من جنسيات مختلفة فروا إلى سويسرا التى كانت محايدة فى الحرب العالمية الأولى، وكان فرارهم إحتجاجاً على هذه الحرب، وكانت هذه المجموعة ترى أن جنون العظمة والرأسمالية الصناعية كانتا وراء إندلاع الحرب العالمية الأولى، ولذلك فإنهم يعتبرون أن الحركة الدادية ثورة أخلاقية.
 
فى عملية إبداع الفن الدادى، ليس للفنان أهمية خاصة، فهو -أو هى- مجرد وعاء يظهر من خلاله الإبداع، فالعملية الإبداعية أصبحت عملية آلية، تعتمد على فرص إحلال صوت اللاوعى.
 
أحس الداديون أنهم بسماحهم لمثل هذه القوى العشوائية وغير الشخصية أن تقود العملية الإبداعية، فالفن أصبح "صرخة من الأحشاء"، هدف الدادية كان التشكيك فى قوة اللغة والأدب والفن فى تقديم الحقيقة، التى شعروا بأنها غير قابلة للتقديم وفوضوية بصورة عبثية، وهو ما أطلقوا عليه "ضد الحقيقة"، ورأت الدادية الفن بوصفه ترفاً وإسرافاً، ولذلك فقد عملوا على تغيير محتوى العملية الإبداعية، فالفن يجب أن يكون نتاج معايشة.
 
تجنب مارسيل دوشامب ( 1887-1968) الرسم الفنى فى عام 1913 وبدأ فى إختيار ما أسماه "النماذج الجاهزة" وهى الموضوعات اليومية التى لا تحمل قيمة فنية، وكانت لوحة "النافورة" أكثر اللوحات تعبيراً عن هذا الميل، فهى ببساطة ترسم خط ماء النافورة الذى يميل إلى جانبه، وإبتدع فنانو الدادية تيار الوعى فى الشعر، وإبتدعوا الفوتومونتاج فى الرسم، وفى النحت إبتدعوا موضوعات جديدة، وإبتدعوا المسرح الإرتجالى المتبجح الذى يستهدف إغضاب المشاهدين وإدهاشهم، أراد الداديون أن يدفعوا الجمهور إلى التساؤل عن ماهية ومذاق ومكان الفن فى المجتمع المعاصر، وكان الجمهور فى العروض المسرحية والمعارض الفنية للداديين يصخب ويهتاج ويبدو الأمر وكأن أحداث شغب على وشك أن تندلع، وكان هذا من دواعى سرور الفنانين.
 
وسرعان ما أصبح تريستان زارا (1896-1963) قائداً لحركة الدادية ونشر بيانه عن الدادية عام 1918، وفى إثناء رئاسته إزدهرت الدادية وإشتهرت بالعدمية والفوضى وعدم الجدوى وحس الفكاهة الكئيب، وبعد أن إنتهت الحرب العالمية الأولى، قدم زارا الدادية إلى المثقفين فى باريس عام 1919، وبدأت باريس تتقبل الدادية بعد ان أحدثت لهم صدمة فى بادئ الأمر، ثم طوروها، لكن ما حققته الدادية من فن يستهدف خلق الهواجس والفوضى فى المجتمع بدأ فى التلاشى، كما أن صراعاً بين زارا وبريتون بدأ فى الإحتداد، فبريتون بدأ يناقش أطروحة سيجموند فرويد فيما يتعلق باللاشعور وأراد أن يجعل نظرية فرويد إطاراً للعملية الإبداعية للدادية.
 
 
رأى زارا أن التحليل النفسى مجرد أداة للتضليل وللتصورات البرجوازية، وهذا من وجهه نظره يتعارض مع الدادية بوصفها ضد الواقع، أما بريتون فكان يرى أن إفتقاد زارا إلى الجدية كان هو السبب فى التدمير الذاتى للدادية، واراد بريتون أن يعيد تنظيم الدادية ويعيد إحياءها، وكان يعمل على دمج ولعه بفرويد مع الفن التلقائى الدادى، وهو ما ادى إلى ظهور السيريالية كحركة فنية جديدة.
 
وبحلول عام 1922 كانت الدادية قد ماتت، بينما كان العديد من الداديين ينظرون إلى بريتون بإعتباره خائناً للدادية، لكن عدداً آخر من الداديين تحولوا إلى السيريالية، وبعد مدة زمنية وجيزة سُميت "الحركة السرية" حيث كان السيرياليون يُعرفون حركتهم الفنية بإعتبارها الدادية التى زالت، ونشر بريتون – الذى كان يُسمى عراب السيريالية- البيان السيريالى الأول فى عام 1924، وهو إعلان السيريالية عن حقوق الإنسان عبر تحرير اللاوعى.
 
كان هدف السيريالية هو دمج الحلم بالواقع حتى يستطيع الفن الناشئ أن يتحدى محدودية التعبير والتصور، وتخلت السيريالية عن هدف الدادية فى الفن بوصفه تصديراً مباشراً للفكر وركزت بدلاً من ذلك على التعبير عن تهافت وإزدواجية اللغة عبر الصور.
 
الصورة السيريالية يمكن أن تحتوى على معنى لفظى ومعنى تصويرى، فللصورة وظيفة مزدوجة، أولاً، الصور التى تبدو متعارضة مع بعضها بعضاً لابد من دمجها معاً من أجل خلق مقارنات غير مسبوقة تساعد على تعطيل إستمتاع المُشاهد السلبى ولكى تعطل التوقعات التفليدية التى ينتظرها المُشاهدون من الفن، هذا التكنيك ربما كان مُتأثراً بنظرية المونتاج السوفيتى، والذى كان مألوفاً بالنسبة للسيرياليين، وثانياً، يجب على الصورة أن تحدد بداية إستكشاف اللامعلوم أكثر من مجرد تقديم شئ بشكل جمالى، فبدلاً من أن تتعاطى السيريالية الجمال فإنها كانت تهتم بالإضطرابات النفسية، و" الجمال المشوش" يتم خلقه من خلال الصور الإستثنائية والتحليلات التى تولدها الصورة فى عقل المُشاهد.
 
إستخدم الرسام السيريالى سلفادور دالى تكنيك الواقعية الفوتوغرافية من أجل التشكيك فى العالم الحقيقى، فكان يصور موضوعات الحلم ( مثل تلاشى الساعات) فيما يحيط بنا فى حياتنا اليومية العادية، كما أزال الحدود بين الواقع والخيال، وتعتمد لوحاته كثيراً على التصورات الفرويدية.
رينيه ماجريت
 
وكان الرسام رينيه ماجريت (1898- 1967) يعمل على تغريب الأشياء المألوفة مثل (القبعات والتفاح والغليون) عن طريق فصلها عن معانيها فى اللغة، ويعيد تقديم هذه الأشياء كألغاز عبثية.