20‏/07‏/2014

تأملات فى سينما النجوم

محاضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى
كل رجال الرئيس

1
فى مشهد عظيم من فيلم "كل رجال ارئيس" لدينا ما يشبه المواجهة التقليدية بين إرادتين، داستن هوفمان وروبرت ردفورد صحفيان مشهوران، هما "برنستين" و"وودوارد" وسرعان ما تظهر فضيحة ووترجيت، لكن برنستين لا يعتقد ان وودوارد يستطيع الكتابة عن الفضيحة فيعيد ترتيب موضوع الفضيحة تلقائياً.

وهذا قلب نظرية الصراع المنصوص عليها فى الكتب: نظرية الصراع التى تصر على أن شخص ما يريد شيئاً وان عقبات كثيرة تقف فى طريقه حتى يتمكن من الوصول إلى هدفه، لكن ما يثير الإهتمام فى روبرت ريدفورد أنه فى مستوى لا يجعله فى قلب الصراع، وإنما يتبع نظام القيم الذى يُضحى بالطموح الشخصى لصالح المبادئ، فالمصلحة العامة تفوق مصلحة الانا، هذا بالطبع ما يلتقى مع شخصية ريدفورد السينمائية الفائقة فهو فى حياته الشخصية من نُشطاء الحفاظ على البيئة، ومن فاعلى الخير الإجتماعى الذى يريد أقل قدر ممكن ليفعله مع هوليوود والشهرة.

وكما يقول بنفسه، انه يكره فكرة ان بعض أفلامه السينمائية تُعلى من قيمة الموضوعات التى تطرحها، وهو يعتقد أن هذا ينطبق حتى على فيلم "كل رجال الرئيس" والفيلم الذى اخرجه بنفسه عن صيد السمك "اللطش" تحت عنوان "نهر يجرى خلالها" " A River Runs Through It " والذى يقود إلى زيادة فى أعداد الصيد اللطش الذى يهدد إستقرار البيئة لأنهار معينة.

لكن روح الإيثار هذه موجودة كثيراً جداً فى أفلامه، وإذا قارنا مشهداً شهيراً من فيلم "إرين بروكوفيتش" حيث تُثبت جوليا روبرتس كفاءتها كمساعدة فى مكتب محاماة، وتكشف انها تستطيع أن تهدد كل المدعين المتورطين فى القضية، قبل أن تقول للمراة أنها تكره أسلوبها فى اللبس، نستطيع – بهذا المثال- ان نرى كيف يتفادى ريدفورد هذا الصراع المحورى.

فبينما ينزل ريدفورد ليرى ما فعله هوفمان بعمله، ويلاحظ أن هوفمان أجاد العمل، فيتراجع إلى منضدة هوفمان ويقول إنه على حق، فهذا أحسن كثيراً، لكنه وبينما هو سعيد ان هوفمان قام بتحسين النص، فهو لم يكن سعيد بخصوص الطريقة التى عُمل بها الموضوع، هل كان يتوجب على هوفمان ان يستشيره؟ ما فعله ريدفورد هنا هو تحويل الصراع إلى مستوى الروح: إلى القول أنه لا يوجد صراع بين ذات وذات فى العمل (برنستين هو الكاتب الأفضل بشكل واضح) لكنه بسوء نية اخلاقية يريد بسرعة ان يعيد كتابة الموضوع.

يوجد فى افلام ريدفورد هذا الإحساس بان روح الإيثار والمنفعة العامة أكثر اهمية من اى إحساس بالمنفعة الشخصية. (فى تناقض كامل لنظرية الصراع المحورى التى تقول مقدمتها الاساسية ما يلى " تبدا القصة عندما يريد شخص ما ان يحصل على شيئ ما وان شخصاً آخر لا يريده ان يحصل عليه" ). فى فيلم مثل "بروباكر" " Brubaker " يلعب ريدفورد دور مامور لسجن وهو يحاول ان يُحسن من حقوق المساجين، لكن فى نهاية الفيلم نراه يرحل بكرامة، وهذا يعنى ان العمل الإصلاحى فى تحسين حقوق المساجين سوف يذهب أدراج الرياح، لكن ريدفورد لابد ان يتمسك بنظام القيم فوق أى إحساس بالمنفعة: ما معنى ان تحسن حياة على المدى القصير إذا كان من اللازم علينا ان نُضحى بقيمنا العامة فى سبيل هذه الاهداف قصيرة المدى؟ فى فيلم " Up Close and Personal " يكون طموح ريدفورد كصحفى مجرد شيئ ثانوى بما يلمح انه لن يتنازل.

وبهذا المعنى فإن شخصية ريدفورد ليست برجماتية على الإطلاق، وأيضاَ فإن هذا ليس نوع البرجماتية التى نتوقعها من الرجال القادة الذين لديهم فكرة فى عقولهم ولن يوقفهم شيئ عن تحقيقها. هذه ليست عقلية الرجل الذى سيفعل ما يجب عليه ان يفعله، مثل نموذج كلينت إستوود وبريسون ولى مارفين، على الرغم من انه بالطبع معاصر لهم، لكن بدلاً من ذلك هناك طريقة معينة للبقاء فى العالم حيث يجب ان تحترم نفسك، وتحترم الآخرين وتحترم البيئة، ريدفورد مشهور بانه يرفض أدوارأ تمثيلية اكثر من التى يقبلها، ونحن نتسائل عما إذا كان موقفه الرافض فى قبول ادواراً يلمح إلى الطريقة البديلة للنظر إلى العالم على عكس ممثل آخر سيصر على تمثيل هذه الادوار.

2

إذا كان ريدفورد يلمح إلى الشخصية التى لا تؤثر الذات، فإن توم كروز يقدم ذاتاً وثابة دائماً، ذات لن يكون لها وجود إذا لم تركز على هدف على حساب أى نظام قيم حقيقى، وهذا بالطبع لا يجعل توم كروز ممثلاً غير اخلاقى، ففى الكثير من أفلامه يوجد مشهد لتوم كروز وهو يفيق، حيث يلاحظ ان شخصاً ما يجعله يفيق ويجعله يتنازل عن قيمه، او يتسبب فى جعله يعيد عملياته الفكرية، شخصية توم كروز نادراً ما تكون ألمعية، على عكس ريدفورد، فانت لا تحصل على الإحساس ان ادواره يمكن ان تفهم كل المتغيرات فى الموقف.
أعمال محفوفة بالخطر

وهذا يرجع جزئياً لأن توم كروز – وكما يلمح إسمه – انه دائماً يدفع نفسه إلى التقدم للامام، إن إسمه حقيقى، ولكنه يبدو كما لو كان إسمه من صنيعة وكالة للممثلين، نحن نرى توم كروز على الدوام يركب طائرة، مثل فيلم "اوائل المقاتلين" " Top Gun " او فى سيارة سرعة، مثل فيلم "أعمال محفوفة بالخطر" " Risky Business" وفيلم "المهمة المستحيلة الجزء الثانى" أو يجرى من مكان إلى مكان، كما فى فيلم "الشركة" وفيلم "تقرير الأقلية" إنه كممثل مثل محرك دفع، وعندما يكون فى لحظة تامل – كما فى فيلم "مهمة مستحيلة الجزء الثانى" – فإن الفيلم يمنحه صحراء كاملة، كما لو ان توم كروز يحتاج مساحة واسعة من البرية لنفسه.

لكن دعونا لا نكون قساة على الممثل، وبدلاً من ذلك نفكر مرة ثانية فى الروح وفى النمط، ما هو نمط الشخصية الذى يرد إلى فكرنا بخصوص شخصية توم كروز؟ بغض النظر عن ان توم كروز الآن فى الخمسينات من عمره، شخصياته عادة تشير إلى مرحلة الشباب، فهى شخصيات فى مرحلة التعليم نوعاً ما (ففى كل أفلامه يلاحظ أنه ينحرف قليلاً عن الطريق الصحيح) لكن وبينما يتقدم فى السن فهذا الامر يتغير، لكن بعض الثوابت الأساسية قد تظل ملازمة لشخصيته، حيث ينتقل من فيلم الحركة إلى فيلم التحرى والتحقيق، فى أفلام الحركة كان السعى أساساً ناحية النضح العاطفى الخاص بالمرء، ونستدل على ذلك من فيلم "اعمال محفوفة بالخطر" و"اوائل المقاتلين" وفيلم "لون المال" وفيلم "كوكتيل" وفيلم "الشركة" حيث يمثل توم كروز دور شاب طموح يريد ان يتعلم قليلاً من الدروس عن الحياة.

لكن فيلم "الشركة" يميل أيضاً إلى نوعية فيلم التحقيق، فتوم كروز محامى شاب يقرر ان يعرف الفساد الحاصل فى الشركة التى يعمل فيها، وفى مجموعة افلام "مهمة مستحيلة" وفيلم "العيون الواسعة تغمض" " Eyes Wide Shut " وفيلم "تقرير الاقلية" فهو لا يهتم كثيراً بطبيعة شخصيته بقدر التطلع إلى حل المشكلة الموجودة هناك فى العالم، ولكننا نستطيع ان نقول ان ثوابت شخصيته تظل هى نفسها: حيث توجد فكرة عن الهدف المحدد الذى يسعى إليه- حتى وإن كان الهدف المحدد أقل حضوراً  كما فى فيلم "العيون الواسعة تغمض" للمخرج كوبريك)، توم كروز ليس أفضل ممثل فى العالم فى التعبير عن حالة عدم اليقين، إنه ممثل للصراع المحورى اكثر من الصراع الذى يدور داخل الشخصية.

ويمكن لنا ان نقول ان ريدفورد وكروز يمثلان شكلين مختلفين من الامريكيين حتى ولو كانا يبدوان من نفس النوعية، لكن كل منهما من النجوم الأمريكيين الوسماء فى كل أجيالها، وكل منهما مولع بكشف المستور– (حتى وإن كان ريدفورد قد قدم هذا فقط فى فيلمين هما "كل رجال الرئيس" وفيلم "ثلاثة أيام للكوندر" " Three Days of the Condor " كما ان كل منها كان قادراً على إنتقاء وإختيار أفلامهما طوال مشوارهما الفنى.

ولكن روح كل منهما تختلف عن الآخر، فريدفورد يلمح إلى أمريكا الغنية التى تمنح ثراءها لمواطنيها: حتى ان الديمقراطية تكمن فى قدرة الفرد على إحترام الآخرين وإحترام العمل المُشرف وإحترام البيئة، وفى أفلام توم كروز فإن أمريكا بشكل أساسى هى موطن الفرص: وهى غالباً موطن الفساد، لكنها أيضاً المكان الذى يسمح لك أن تكون أى شيئ تريده لنفسك، وبالنسبة لريدفورد فهذا قد يكون نصف المشكلة، وبالنسبة لتوم كروز فهذا يبدو كأنه حقيقة مقررة.

إذا كان الممثلان الإثنان يعملان غالباً مع اللقطة الكلوس أب، فإن الكلوس أب لريدفورد يشير إلى إمعان تفكيره فى الأحداث (كما فى المشهد الذى يدور بين "باتش كاسيدى" " Butch Cassidy " و"طفل صندانس" " Sundance Kid " حيث نرى صندانس يشاهد قتال باتش): اما الكلوس أب لتوم كروز فهى تُظهر طموحه وتطلعاته، مثل فيلم "لون المال" الذى مثله مع بول نيومان.

3

الممثلة إيزابيل هوبير ممثلة فرنسية عملت مع العديد من كبار مخرجى السينما الفرنسية مثل جودار وشابرول وبيالا، كما عملت مع مخرجين عظام آخرين خارج فرنسا مثل، كلود جوريتا وورنر شرتتر، وغالباً فإن تمثيلها يحتوى على عنصر غير قابل للتفسير، مثل المشهد الهام فى فيلم "معلمة البيانو" " The Piano Teacher " فإيزابيل هوبير جامدة الإحساس بشكل أساسى حتى عندما تُمثل بإنفعال، إنها معلمة البيانو التى تضع كوباً " glass " فى جيب التلميذ، لكن هذا كان مجرد رد فعل مُبالغ فيه على حادث عرضى، واننا سوف نسأل ماذا وراء هذا وماذا وراء الغيرة التافهة.
معلمة البيانو

دائماً ما يوجد فى ادوار هوبير مزيج من الفعل الحاسم والفعل غير الحاسم وهذا يتركنا فى حالة من التفكير فى دوافعها، فى فيلم "شكراً على الشوكولاتة" " Merci pour le chocolat " تبدو عاقدة العزم على قتل إبنة زوجها بدون اى سبب واضح: فالأمر يبدو كما لو انها تريد قتلها لمجرد انها تستطيع قتلها، فالأمر بهذا القدر من البساطة وأنه فى نفس اللحظة شديد التعقيد أيضاً؟

ولجعل شيئ ما سهل، فإن المخرج سيخلق دافع واضح للفعل: مثل الطمع والغيرة والطموح، وهذا الدوافع تبدو ذات صلة بافعال شخصية هوبير، لكن لا توجد اسباب لهذه الدوافع سوى شحنات فوضوية مختزنة، وهى قد ترتكب فعلاً فظيعاً مثل الفعل الذى تقوم به فى المشهد المشار إليه من فيلم "معلمة البيانو" وهو بدون سبب، ولكنه ربما لمزيج من الأسباب التى لا تستطيع ان تفسرها لنفسها، فهى أسباب معقدة يصعب تفسيرها، وأن هذه الأسباب بدلاً من ذلك تكشف عن نفسها فى التصرفات الحادة، كذلك فثمة حالة من رد الفعل فى شخصية هوبير، وهذا يظهر خلال مشهد فيلم "معلمة البيانو".

فهى إلى حد ما يكون لها رد فعل عندما يغازل تلميذها والتر عازفة البيانو، لكن يمكن ان يكون لها رد فعل لانها لا تعتقد أن عازفة البيانو جيدة – والدليل على ذلك فى المشاهد الاولى حيث تقول لوالدة الفتاة أن إبنتها تحتاج إلى بذل مجهود كبير، هل عندما وصلت إلى حد قولها ان الفتاة تحتاج ان تبذل مجهوداً اكثر – هل قالت هذا لانها لا تحب الفتاة، أم ان ما قالته كان رأيها المهنى الحقيقى؟ فبعد كل شيئ، وفى احد مستويات الفيلم أثناء إختبارات والتر لدخول مدرسة الموسيقى التى تعمل فيها هوبير، وبينما جميع المدرسين الآخرين يعتقدون أنه لابد ان يدخل المدرسة، بينما هوبير كان لها موقف منه واصرت على انه لا يجب ان يدخل المدرسة.

ما نجده كثيراً فى شخصيات هوبير هو رد الفعل، لكنه رد فعل لا يتمحور على سبب واحد، ولقطاتها الكلوس أب أكثر تعقيداً من لقطات الكلوس أب لريدفورد وتوم كروز، فى فيلم "الحفلة" " La Ceremonie " على سبيل المثال، تريد شخصية هوبير فعلاً ان تنتقم من العائلة البرجوازية الثرية التى يعمل صديقها عندها، ولكن وحيث صديقها كان قاد ترك العمل لتوه فقد كان لديها مبرر منطقى للغضب، لكن إنتقام هوبير لم يكن محدداً، وتصاعد غضبها حتى وصل لحد الإنتقام، وعقدت العزم على أن العائلة لابد ان تُقتل.

هذا النمط من التمثيل وهذا النمط من الشخصيات يقود إلى شكل مختلف جداً من السينما التى إعتدنا على مشاهدتها، إنه النمط الذى يُعتبر توم كروز أستاذاً فيه، فنحن نمضى القليل من الوقت نترقب الحدث التالى لكى نقيم علاقة مع الصور، على الرغم من ان إيماءات هوبير الحادة تميل كثيراً إلى التشويق، مثل فيلم "معلمة البيانو" لكننا نتعامل مع الدوافع المحتملة التى قد تولد فعل حاد.

يختلف تمثيل هوبير فى الأفلام الأمريكية التى مثلتها مثل فيلم "بوابة السماء" " Heaven’s Gate "  وفيلم "الهاوى" " Amateur " وفيلم "أنا احب عائلة هاكابى" " I Heart Huckabees " واحياناً تقدم نفس صورتها، لكن فى فيلم "انا احب عائلة هاكابى" فإن التمثيل مغلف بروح الدعابة، أما فى فيلم مثل "معلمة البيانو" فإننا نعمل فكرنا لكى نفهم ما يرمى إليه  هذا الفيلم.

4

من العناصر التى نادراً ما يتم التحدث عنها فى علاقتها بالممثلين هى مسألة حجم الممثل ووزنه، بغض النظر عن اهميتهما فى الأفلام الكوميدية، ألا تستسفيد كوميديا لوريل وهاردى من الفارق فى حجمهما؟ لكن دعونا ألا نُقصر الحجم على الكوميديا ودعونا نناقشه فى السينما بشكل عام، ممثلون معينون يوحون بالسمنة والبعض الآخر بالنحافة، كما ان البعض يتميز بطول القامة والبعض الآخر يتميز بانه صغير الحجم.

والآن دعونا نتحدث عن هذا الأمر فيما له علاقه بحقيقة حجم الممثلين، فالممثل ليام نيسون قصير جداً على الشاشة، لكن ممثلين آخرين يتميزون بطول القامة ومع ذلك لا يعطون نفس الإنطباع على الشاشة مثل الممثل وارن بيتى، وأحياناً يظهر احد الممثلين طويلاً على الشاشة رغم انه غير ذلك فى الطبيعة مثل أرنولد شوارزنيجر، فهو على الشاشة يبدو أطول عدة سنتيمترات.

يمكننا القول إذن ان الحجم والوزن يمكن النظر إليهما بمصطلح "حضور" الممثل: ما هو نوع التأثير الجسمانى الذى يستدعيه الممثل على الشاشة؟ فمما لا شك فيه ان الممثل "براين بلييسد" رجل قصير القامة، لكنه وبسبب صوته الاجش وطبيعته الجريئة يبدو ضخماً، ونستطيع ان نقول ان نقيضه هو الممثل جونى ديب، فهناك دائماً شكلاً كرتونياً له فى عدد من أفلامه، مثل فيلم "إدوارد سيزورهاندز" وفى فيلم "سليبى هولو" وكذلك وبشكل خاص فى فيلمه الأحدث "شارلى ومصنع الشوكولاتة"، ومن المصادفات ان له بنية تشبه ممثلى الأفلام الموسيقية والراقصين فى الأفلام القديمة مثل فريد أستر وجين كيللى.
شارلى ومصتع الشكولاتة

ويقول المخرج تيرى جيليم عن جونى ديب فى كتاب سيرته الذاتية " Gilliam on Gilliam " وهو يستدعى تجربة العمل معه فى فيلم "الخوف والكراهية فى لاس فيجاس" " Fear and Loathing in Las Vegas " فيقول "إنه أروع ممثل من الناحية التكنيكية فى السرعة والإبتكار ....." وإنه يتخطى بعدة مليميترات العلامة - او الخط الذى لابد للممثل ان يتخطاه حتى يكون فى الوضعية الصحيحة داخل الكادر-

وبناءاً عليه فإن جونى ديب ممثلاً جيداً بالنسبة للمخرجين الذين يعنون كثيراً بالميزانسين، ويستخدمون الممثلين كجزء من تصميماتهم الحركية الجمالية، بعض المخرجين – ومن ضمنهم كن لوتش ومايك لى – نوعاً ما – ومخرجى حركة الدوجما الدنماركيين – يحبون ان يتركوا الممثل على حريته حتى انهم يضبطون "فوكس" الكاميرا على المنظر ويتركون الكاميرا تلتقط الاداء التمثيلى.

ومع مخرج شديد الاسلوبية مثل جيليم او المخرج تيم بارتون أستاذ الاسلوبية  – والذى عمل معه جون ديب فى عدد من المناسبات – نجد ان التوكيد يكمن فى الكيفية التى يكون فيها الممثل متوافقاً مع النموذج البصرى، فيبدو جونى ديب وكانه جزء من تصميم المشهد أكثر من كونه دخيلاًً عليه.

من هو الممثل او الممثلة التى ترد إلى ذهننا عندما نتحدث عما يمكن ان نسميه "ميزانسين التمثيل"- الممثلون الذين يتميزون بالرشاقة والجمال؟

الممثلة ميشيل فايفر لديها هذه المواصفات، وكذلك الممثل لورانس اوليفيه عندما كان شاباً – كما فى فيلم هاملت – وكذلك الممثل إيرول فلين والممثلون الموسيقيون الذين ذكرناهم لتونا – فريد أستر وجين كيللى، اما الممثلون الذين لا يملكون هذه الصفات فمن ضمنهم روبرت دى نيرو وكذلك الممثل بينيشيو دل تورو، فكلا الممثلين مثلا فى أفلام المخرج تيرى جيليم – روبرت دى نيرو مثل فى فيلمه "برازيل"، والممثل دل تورو مثل فى فيلمه "الرعب والكراهية فى لاس فيجاس" – وكليهما تسببا فى مشاكل للمخرج تيرى جيليم لان اسلوبهما كان ببساطة شديد الإختلاف عن أسلوبه.

وكما يقول جيليم "بينيشيو كان يشبه روبرت دى نيرو فى فيلم "برازيل": كان الأمر صعب لاننى لم أستخدم إيقاع" بينما دى نيرو ودل تورو أرادا الدخول فى أداءهما التمثيلى، جيليم أراد التمثيل ان يتماشى مع الميزانسين اولاً وقبل أى شيئ، دى نيرو ودل تورو فى هذا المشهد كانا ممثلان "ثقيلان" مثل مارلون براندو وشون بن الذى يعطى الإنطباع بأنه يعمل من خلال الشخصية أكثر من الكادر، وعلى هذا النحو نستطيع ان نرى أن الوزن لا يكمن فقط فى الحضور الجسمانى الطبيعى ولكنه موجود أيضاً فى الطريقة التى يمثل بها الممثل امام الشاشة.

5

الممثلة جولى كريستى تجمع فى شخصيتها بين الروح السماوية والروح الدنيوية فى آن واحد، كما لو أن مكانها فى هذا العالم مؤقت، فهى ببساطة تنتمى إلى العالم السماوى، وهذا بالطبع موجود فى واحد من أعظم ادوارها – شخصية لورا باكستر فى فيلم "لا تنظر الآن " Don’t Look Now " لكن هذا موجود أيضاً فى لحظات من فيلم "بيلى الكذاب" " Billy Liar " حيث تبدو وكانها خارج المكان الذى تعيش فيه فى البلدة الشمالية، وكذلك فى فيلم "حرارة وغبار" " Heat and Dust " حيث كانت مُنتجة للبى بى سى تبحث عن جذور عائلتها فى الهند، وعلى أيه حال، فإن بعض النقاد يجدها أقل إثارة للإهتمام كممثلة.
لا تنظر الآن

فالناقد السينمائى ديفيد تومسون على سبيل المثال يذكر فى "قاموس السير الذاتية  للسينما" انها "واضحة فى جهدها...خرقاء، وواعية" ويعتقد ديفيد شيبمان على أيه حال أن "دخول جولى كريستى فى فيلم "بيلى الكذاب" يُعد واحداً من أكثر الأشياء الممتعة فى سينما الستينات" دعونا نتجاهل راى تومسون الفظ، ونسال أين تكمن جاذبية جولى كريستى، فى حواراتها الصحفية تبدو متواضعة دائماً، وعادة فإنها تستهجن نفسها، وهى صادقة عندما تتحدث عن الادوار التى أخذتها وعن حظها الجميل فى أن تعمل مع مخرجين كانوا يتفهمون قدراتها، ولكنهم ربما بدلاً من ذلك كانوا مخرجين يعرفون كيف يستحثون قدراتها، وهى التى قالت فى "سير ذاتية للسينما البريطانية" " An Autobiography of British Cinema " انها ممثلة لا تهتم كثيراً بالدور الذى تمثله، "انا اهتم بالمخرج وانا اعتقد ان هذا الأمر لن يتغير الآن،  انا مؤمنة تماماً بالمخرج، وأعترف أن المخرج هو الشيئ الوحيد الذى يستحق الإهتمام، فهو أو هى سيصنعون الفيلم أو يحطموه" وهذا ربما لأن المخرجين يمسكون بعنصر من شخصيتها امام الكاميرا اكثر مما تجده هى فى الشخصية المكتوبة فى السيناريو.

قد يبدو هذا غامضاً بعض الشيئ، ولكن دعونا نفكر فى تعليق قاله المخرج الفرنسى روبير بريسون فى كتابه "ملاحظات للسينمائى" – وهو الكتاب الذى إستشهدنا به فى المحاضرة التى تتعلق بالأسلوب- فهو نقيض المخرجين الذين تحب جولى كريستى ان تعمل معهم، فقد قال "انا نادراً ما أغير زوايا الكاميرا، فالشخص ليس هو نفس الشخص، إذا رأيناه من زاوية فإنه سيكون شخصاً مختلفاً تماماً فى الزوايا الاخرى".

مثلت جولى كريستى مع مخرجين مثل نيكولاس روج وريتشارد ليستر وجون شيلسنجر وروبرت ألتمان، وقد صوروها فى زوايا متعددة، فاوحت بفروق طفيفة من لقطة إلى أخرى، دعونا نفكر فى مشاهد من فيلم "لا تنظر الآن" حيث المخرج نيكولاس روج يلتقط إيماءات كريستى القليلة، مثل الطريقة التى تحرك بها يدها فى بداية الفيلم بمعنى أن إبنتها تعلمت التمثيل الصامت، أو الطريقة التى ترتب بها نفسها امام المرآة بعد أن مارست الجنس.

نحن نعرف ان مثل هذه اللحظات ليست فى السيناريو، لكنها لحظات كان المخرج هو الذى يوجهها، انها ليست الممثلة التى توحى بالصلابة الممثلات العظام مثل كاثرين هيبورن وبت ديفيس وميريل ستريب وجودى دينش، هؤلاء ممثلات يمكن للمخرجين ان يوظفنهن بسبب براعتهن التكنيكية، ومهارتهن فى النطق وجودتهن فى الإلقاء، لكن المخرجين يوظفون جولى كريستى أكثر بسبب حساسية ذوقها.

ومن المثير ان جولى كريستى تحدثت عن الطريقة التى "يخدم بها النجوم هدفاً فى عالم لا دين فيه، انا وصلت إلى هذا الإستنتاج فى أمريكا... انا فهمت بنفسى هذه النظرية التى تعتبر النجوم مثل الرموز الدينية: نحن لسنا حقيقيين، وإنه من الحمق ان نتظاهر اننا حقيقيون" وكذلك فإن كريستى ليست افضل ممثلة فى "التظاهر" – فى التمثيل- إنها تمنح لنفسها الحق فى كل دور تمثله ان تتجاوز كونها ممثلة حرفية، أو نجمة مثل النجوم، وذلك حتى تقدم شيئاً حقيقياً تماماً، وربما يظهر هذا فى اللهاث "النهجان" والصوت الرخيم، وإستعدادها للسماح للمخرجين ان يصوروا وجهها من زوايا متنوعة، وإيماءاتها التى تقول الكثير.