12‏/10‏/2014

سينما ديفيد لينش السيريالية

مصدر المقالة :- ------------
ترجمة:- ممدوح شلبى
ديفيد لينش
ظهرت السيريالية كحركة فنية فى العشرينات وكانت تستهدف التعبير عن اللاوعى دون الإلتزام بالحقيقة والمنطق، السيريالية تستكشف الطرق التى تتداخل فيها العوالم المختلفة أو تتواجد معاً أو تتصل ببعضها بعضاً، ومن هذا التعريف المُبسط نستطيع وصف ديفيد لينش بانه مخرج سينمائي سيريالي، فإنتاجه الفنى وخاصة أفلامه السينمائية تقدم هذه السيريالية.
والسيريالية أيضاً كانت أول حركة فنية ترتبط بالسينما عن قرب، فالسينما كانت أكثر الوسائل ملائمة لتصوير إنعدام الحدود بين عالم الأحلام وعالم الواقع، وكان السيرياليون هم أول من كشفوا عن التشابه بين الصور فى أحلامنا وفى لاوعينا وبين الصور الخيالية فى الأفلام، وكانوا يطمحون إلى التأثير على التصورات الإنسانية عن الواقع عن طريق إظهار أن الواقع ليس إلا واقعاً إسمياً، ونحن من نسميه واقعاً.
ديفيد لينش مخرج سينمائى أمريكى، تمثل أفلامه السينما المستقلة الناجحة، وديفيد لينش هو الوحيد من المخرجين الأمريكيين الذين نجحوا فى عمل أفلام فنية على الطريقة الأوروبية، وبالإضافة إلى أن ديفيد لينش مخرجاً فإنه منتجاً وسيناريستاً، وهو أيضاً رساماً ومصوراً فوتوغرافياً وموسيقياً.ونستطيع ان نجد فى كل أفلامه أن العلاقة بين الاحلام والواقع من الموضوعات الاساسية، فالسيريالية واللامعقول دائماً موجودان، وهو لا يلقى بالاً إلى الوسيط الفنى الذى يستخدمه سواء كان هذا الوسيط هو السينما أو التليفزيون، وغالباً فإن ديفيد لينش يميل إلى الإحتفاظ بتأويلات أفلامه لنفسه فهو لا يبوح بها، فهو يترك هذه التأويلات لكى يستكشفها الجمهور بنفسه، ولإن افلامه تصدر عن لا وعيه، فقد قال أنه يستمتع كثيراً بتأويلات الجمهور لأفلامه، وهذه التأويلات غالباً ما تكون مختلفة كلية عن رؤاه الخاصة.
وُلد ديفيد لينش فى ميسولا بمونتانا فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1946، وبصرف النظر عن ان عائلته تنقلت كثيراً، فإن ديفيد لينش عاش طفولة سعيدة، ورغم أنه وعائلته عاشا حياة الطبقة المتوسطة العادية، فديفيد لينش الطفل عرف أن الحدود بين الواقع والأحلام ليست جامدة، فقد قال "أنه عرف أن ثمة عالم آخر تحت سطح العالم الذى نعيشه، وأن عوالم أخرى يمكن إكتشافها إذا حفرت عميقاً تحت السطح"، ويقول لينش بانه عرف هذا عندما كان طفلاً لكنه يقر بأنه استعصى عليه أن يجد دليلاً على زعمه.
العنصر السيريالى فى أعمال ديفيد لينش شديد الوضوح لان عملية إخراج فيلم أو إبداع اى شكل فنى من وجهة نظره ما هى إلى عملية لا وعى خالصة.
السينما من وجهة نظر ديفيد لينش هى عملية تحويل حلم إلى فيلم سينمائى بالكشف عن لامعقولية العالم الحلمى فى الظروف العادية، ومن اجل هذا يستخدم ديفيد لينش السرد المُتجزء وعدد لا حصر له من الكوابيس واللقطات التى تُشبه الحلم، وسوف نلاحظ فى أفلامه تكراراً للقطات للنار، والطرق السريعة ليلاً، والدخان، والأضواء المتقطعة، ولقطات عديدة مُشوهة.
أراد ديفيد لينش أن يُصبح رساماً عندما كان عمره 9 سنوات، لكنه وبينما كان يتعلم ليصبح رساماً، أدرك أنه بإستخدام الوسيط السينمائى يستطيع عمل صور مؤثرة وان السينما يمكن أن تكون أكثر الوسائط تأثيراً فى التعبير عن رؤاه.
قال ديفيد لينش أنه يُفضل السينما عن أى شكل فنى آخر، لأن السينما نفسها تحتوى على فكرة الزمن والسرد والحوار والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وهذه الأشياء تُتيح له ان يعبر عن أفكاره وأحاسيسه التى لا يمكن التعبير عنها بإستخدام أى وسيط فنى آخر.
وهو يُفضل الصورة عن الكلمة، وهذا واضح فى أفلامه وخاصة فيلم "رأس الممحاة" الذى يتميز بشُح الحوار، وديفيد لينش على أيه حال ظل محافظاً على وجود ضوضاء تغلف شريط صوت أفلامه، كما انه يكتب موسيقى أفلامه بنفسه، وهو يستخدم الكلمات الغامضة كعنصر من عناصر عالمه الحلمى.كما ان الستارة الحمراء هى أحد الرموز التى يتكرر ظهورها فى أفلام ديفيد لينش، وظهرت للمرة الأولى فى فيلم "الأزرق المخملى". وقد عبر عن ولعه بلحظة محددة – وهى لحظة جلوسك فى صالة السينما بينما الأضواء تنطفئ وتنفتح الستارة ويبدأ الفيلم، وهذا يأخذك إلى عالم آخر- هذه اللحظة المحددة هى التى ألهمت ديفيد لينش أن يستخدم رمز الستارة الحمراء أكثر من مرة فى أفلامه.
وتُمثل الستارة الحمراء نوعاً من الفاصل بين الواقع المادى الحقيقى وبين عالم الحلم، ففى "توين بيكس" فإن الغرفة الحمراء بالستائر الجدارية الحمراء هى المكان الذى تتخذ فيه الأرواح شكلها المثالى، وهى المكان الوسط بين عالمين حيث يمكن لأى شيئ أن يحدث ولا توجد مشكلة بالنسبة للزمن.

الأحلام

الأحلام هى واحدة من أكثر الموضوعات المُستخدمة فى أفلام ديفيد لينش، وهو يفترض فى معظم افلامه ان العالم الذى نعيش فيه ليس هو العالم الوحيد المتاح، وبالنسبه له فأن الواقع اليومى الذى نعيشه هو مجرد ظل لأفكار مظلمة وخطيرة وشهوانية تسيطر على الإنسان العادى.
معظم مواضيع أفلامه تبدو أسيرة الحدود الغير واضحة بين واقعين مختلفين، ولكن بدون معرفة يقينية بما هو الواقع الحقيقى وما هو الواقع الحلمى، فشخصية "إيجنت كوبر" فى "توين بيكس" يسأل نفس السؤال الذى يراودنا عندما نفكر فى الأحلام، فهو يسأل "هل تعرف من أين تأتى الأحلام؟، الخلايا العصبية المركزية تُطلق شحنات عالية الفولت إلى مقدمة الدماغ، هذه الشحنات تُصبح صوراً، والصور تُصبح أحلاماً، لكن لا أحد يعرف لماذا نختار تلك الصور بالتحديد" ، وعن سر إهتمامه بالأحلام قال ديفيد لينش "عندما تنام، فانت لا تتحكم فى أحلامك، وانا احب ان أخوض فى العالم الحلمى الذى أختلقه، فهو العالم الذى إخترته والذى اتحكم فيه بشكل كامل".
التباين بين الحلم والواقع وبين الخير والشر موجودان فى فيلم "الأزرق المخملى" حيث تنقسم بلدة إلى قسمين، قسم للخير والثراء وقسم للفقر والوضاعة، ونفس الحال مع الشخصيات الرئيسية، فهى تخلق تبايناً، فشخصية جيفرى تُمثل الخير وشخصية فرانك تُمثل الشر، وشخصية ساندى تُمثل البراءة بينما شخصية دوروثى تُمثل الدناءة، والحقيقة ان العديد من عناصر أفلام ديفيد لينش تقابلها عناصر عكسية فيما له علاقة بإيمانه بالعوالم الحلمية وبحقيقة أن كل صورة كبيرة جميلة يمكن أن تحتوى على تفاصيل بشعة.
ومرة أخرى، فثمة توازى يمكن إكتشافه بين قناعات ديفيد لينش فى العوالم البديلة وبين كل العناصر فى أفلامه التى ترمز لهذا، ففى واحدة من رسوماته التى تحمل إسم "أنا أنظر إلى نفسى" نرى جانبى شكل معروضين، فهو هنا يصور قناعاته بالشيئ وعكسه –الخير والشر، والحلم والواقع، والظلام والنور، والجمال والقبح، وكذلك يكشف عن المنطقة الوسطى بين العالمين حيث نجد ان الغرفة الحمراء فى فيلم "توين بكس" تعبر عن هذه المنطقة الوسطى، ويعلق ديفيد لينش عن هذا قائلاً "إن الشيئ يقابله نقيضه، وهذا يعنى وجود شيئ فى المنتصف، وان المنتصف ليس لتعادل النقيضين ولكن الوسط هو قوة النقيضين".
موضوع الحلم غالباً ما يتحول إلى موضوع الحلم الأمريكى- الذى غالباً ما يظهر فى اعمال ديفيد لينش أيضاً – من المشاهد الأولى المُدهشة فى فيلم "الأزرق المخملى" إلى قصة بيتى إلمس، حيث تحاول فتاة صغيرة أن تصنع هذا الحلم الأمريكى فى هوليوود، فكرة الحلم الأمريكى يمكن ان يكون لها جذور من طفولته، فالعالم فى طفولة لينش كان فى الضواحى شديدة الصغر، وعلى أيه حال، فهو غالباً ما يلمح ألى عناصر القبح فى حياة الضواحى، وهذا أيضاً موصوف فى أفلامه.
التناقض بين الجمال التام وبين التفاصيل القبيحة يمكن رؤيته فى المشهد الإفتتاحى من فيلم "الأزرق المخملى" حيث تنتقل الكاميرا من صورة لمنزل جميل مبنى على بقعة من العشب الأخضر المقصوص، لتكشف لنا الكاميرا عن العنف الشديد لحياة الحشرات تحت هذا المنظر البديع فى جماله.
هذا الملمح من العنف فى الحلم الأمريكى يتكرر فى أعمال ديفيد لينش، إنه يفحص الجانب المظلم من المجتمع، الذى يمكن أن يوصف بانه واحد من العوالم البديلة التى يحرص لينش على تقديمها كثيراً، فهناك شيئ ما يحدث ويمكن رؤيته وثمة شيئ آخر مختلف كليةً يحدث تحت السطح، والذى يمكن إكتشافه هو عندما تدخل ما يسمى المنظقة الوسطى فقط، فيلم "توين بيكس" و فيلم "مولهولاند درايف" وفيلم "الأزرق المخملى" هم أكثر أفلام ديفيد لينش التى ينطبق عليها ما سبق من توصيف لأسلوبه.
فيلم الأزرق المخملى
الازرق المخملى


يداوم لينش على تحدى أبعاد الواقع وغالباً فإنه من المستحيل أن نعرف ما هو الحقيقى فى أفلامه وما هو حلم، فأى تفصيلة يومية تحتوى على هذه الحالة، وحتى الأشياء الأكثر إعتيادية يمكن ان تُصبح مؤرقة، ويفعل ديفيد لينش هذا مع المنازل كالبيت الذى عاش فيه فى طفولته حيث يبدو خانقاً وكئيباً "البيت هو المكان الذى تتجه فىه الأشياء فى إتجاه خاطئ "
فيلم "الأزرق المخملى" فيلم تذهب الأشياء فيه إلى الإتجاه الخاطئ. بطل الفيلم "جيفرى" هو ولد مراهق عادى، وبعد أن يكتشف أذناً مفصولة، فإنه ينخرط فى عصابة منحرفة تحتبس زوج أحد المغنيات وإبنها كرهينتين حتى ينالوا منها جنسياً، المشاهد العنيفة يمكن أن تُرى كرمز للعنف الأسرى داخل العائلات، ففرنك يمثل الأب المتعسف وجيفرى إبنه، الفيلم يستكشف العقدة الأوديبية بمشاهد مشوشة حيث "الوليد يريد ان يمارس الجنس".
فيلم الأزرق المخملى لا يُصدر مشكلات العالم، فكل المشكلات التى يتعاطى معها الفيلم هى مشكلات تدور فى المنطقة السكنية وداخل عقول الناس، ويصور الفيلم الظهور البرئ والساذج لبلدة صغيرة، حيث العالم السفلى القبيح يواصل الظهور، لاشئ سوى الأسود والأبيض، والتباين الموجود فى فيلم "الازرق المخملى" يعبر عن هذا، فالفساد والجرائم والدعارة وإضطهاد النساء من الأشياء المخفية تحت سطح الحياة فى بلدة من بلدات الضواحى الهادئة.
جيفرى له دور فى الفعل كجسر بين العالم السفلى المظلم وبين حياة الضواحى البريئة، بينما كل من العالمين مختلفين كلية عن بعضهما بعضاً "انا أرى شيئاً مخفياً دائماً، انا فى منتصف شئ غامض وكل ما فيه سرى" يبدا جيفرى فى ملاحظة إزدواجية الحياة حتى فى بلدته الصغيرة.
الأزرق المخملى
والمرأة التى تقع فى ورطة هى واحدة من أكثر مواضيع أفلام ديفيد لينش، فى فيلم "الأزرق المخملى" يتم التعدى على دوروثى فالنس من فرانك، مما يجعلها واهنة وغير سوية من الناحية العقلية، بينما فرانك بوث - المجرم الذى يحتجز زوج دوروثى وإبنها كرهينتين – يعتدى عليها جنسياً مراراً وتكراراً، إنها تصبح مُدمرة لدرجة انها تبدأ فى إعتبار أمر الأعتداء الجنسى عليها كشئ مفيد " جزء منك معى، انت تضع مرضك بداخلى وهذا يساعدنى، فهو يجعلنى قوية" وعندما تكتشف جيفرى فى شقتها بعد ان إعتدى عليها فرانك لتوه، وبينما يذهب جيفرى إليها ليهون عليها، فإنها تستحلفه ان يضربها.
وبينما تصبح شخصيات الفيلم على علم بنفوسها المظلمة، فإنهم يقبلون هذا ويواصلون الحياة، فالحياة تستمر دائماً، ويصور الفيلم قناعة ديفيد لينش بالطبيعة الإزدواجية للعالم، فأينما كان هناك ضوء فهناك أيضاً ظلال – فلا يوجد شئ كامل، المشهد الأخير من الفيلم يصور عصفوراً يجلس على حافة النافذة، وفى منقاره عقد يمسك به– فهناك دائماً عالم سفلى مظلم، وبإدراك هذه الحقيقة فلا شئ آخر يمكن عمله إلا مواصلة الحياة.
يبدأ الفيلم بأذن وينتهى بأذن، بينما جيفرى يستيقظ فى نهاية الفيلم، بينما الكاميرا تتباعد "زووم اوت" عن أذنه، وهذا قد يلمح إلى أن كل ما حدث فى الفيلم ما هو إلا خيال من جيفرى، والمشاهدون يُتركون مرة ثانية لتأويل الفيلم على الطريقة التى يحبوها.
فيلم "مولهولاند درايف"
"مولهولاند درايف" واحد من أكثر أفلام ديفيد لينش التى تعبر عن أسلوبه، وعلى أيه حال، فهو أيضاً واحد من أفلامه التى رفض ان يحلله أو يفسره، الفيلم يستكشف الكثير من مواضيع ديفيد لينش الأكثر شيوعاً فى أسلوبه، مثل الذاكرة والهوية والمدينة الكبيرة الغير واقعية – وهى لوس انجلوس فى هذا الفيلم – كما لا يوجد سرد تقليدى فى الفيلم، وعلى أيه حال فإن الشخصيات وذواتهم يتدمرون ببطء وعلى غير المتوقع.
مولهولاند درايف
فالممثلة الطامحة بيتى إلمس تصل إلى لوس أنجلوس وتكتشف إمرأة تعانى من فقدان الذاكرة تعيش فى الشقة التى من المفروض ان تكون شقتها، فتصبح المراتين صديقتان وتحاولان تجميع أجزاء القصة الغير مفهومة، وبينما يتقدم الفيلم، فلأمر يصبح أكثر وضوحاً فى انه من المستحيل أن نجد إستنتاجاً واحداً صحيحاً للقصة، ومع فقدان الذاكرة للشخصية المحورية وحقيقة أن نفس الممثلات يؤدين أدواراً مختلفة، فإن الجمهور يتشتت كثيراً، وعندما يجلس رجلان للعشاء، يناقشان حلم مر به احدهما عندئذ نرى نفس الوحش الموصوف فى الحلم خلف عشاءهما، ويبدأ الجمهور مرة ثانية فى التشكيك فيما هو واقع وما هو خيال.
ويتحول الفيلم أكثر إلى السيريالية عندما تكتشف المرأتان صندوقاً أزرقاً ومفتاحاً مطابق لقفله، فتلح بيتى على الذهاب فوراً إلى نادى "سيلينشيو" بالرغم من ان الساعة قاربت الثانية ليلاً، وفى النادى يشاهدان إمرأة تغنى، وفجاة تنهار وتقع بينما صوت الغناء يستمر، الممثلتان يبدوان فى شخصيتين مختلفتين الآن، وهذا يجعلنا نستشكل فى كل حبكة الفيلم حتى تلك اللحظة.
ومثلما فى فيلم "الازرق المخملى" يرسل لنا الفيلم رسائلاً بأن لا شئ يبدو كحقيقته، فلا يوجد مكان أفضل من هوليوود للتعبير عن ذلك، كما أنها المكان حيث المظهر هو كل شئ ولكنه لا يكفى، وبينما الممثلون الذكور يجب عليهم أن ينالوا بإستمرار الأدوار التى تجعل منهم أشخاصاً آخرين، فمن السهل أن ننسى الهوية الحقيقة لأحد الممثلين، ويبحث ديفيد لينش أيضاً فى هذا الملمح فى فيلمه "إمبراطورية أرضية" " Inland Empire "
الستائر الحمراء تظهر فى هذا الفيلم مرة أخرى، كما لو كانت رأس "رجل من مكان آخر" " Man From Another Place " الذى نراه فى فيلم "توين بيكس" وملح جيد من الإزدواجية يُضاف إلى قائمة ديفيد لينش عن الأشياء ونقيضها، مثل السذاجة واللؤم، الأضواء المتقطعة يتم تقديمها أيضاً كشواهد متعددة لحالة النوم والتى توحى بالأحلام، وهذه الأضواء واحدة من التيمات الرئيسية فى الفيلم.
الحياتان المتوازيتان للمراتين يمكن تفسيرهما كحلم، فكل منهما تنام كثيراً وكل منهما لديها طموح، وعلى أيه حال، ففى هذا الفيلم لا توج إجابة صحيحية واحدة ولا يوجد عالم حقيقى، وبينما يهتم ديفيد لينش بالعوالم المتوازية وبإزدواجية كينونتنا، فثمة ما يجعل بعض من مشاهد هذا الفيلم تقع فى المنطقة الوسطى بين عالمين.
مولهولاند درايف
وهناك فى هذا الفيلم فقرت يمكن وصفها بانها تصدر من اللاوعى والبعض الآخر مجرد قصص فرعية فى الفيلم وهى تقود للاشئ، بينما الشخصيات تصل إلى حالة من التقبل لحيواتهم الإستثنائية ويتعلمون ان يتعايشوا معها، وكذلك الحال مع المشاهدين، فيلم "مولهولاند درايف" لا يعبأ بالحقيقة، فالشئ المهم هو العزف على ألحان سوداوية والإكثار من التفاصيل واللعب بالضوء.
ديفيد لينش علق بنفسه على الضوء فى مدينة لوس أنجلوس قائلاً أنه أكثر ملمح يميز المدينة، وعلى الرغم من ان لوس أنجلوس تُصور بطريقة مرعبة اكثر فى فيلم "مولهولاند درايف" فقد قال لينش أن لوس أنجلوس مدينة تجسد رهابه من المدن الكبرى بسبب الإضاءة الخاصة التى يدعى بانها تتميز بها، الفيلم جميل من الناحية الجمالية وتجربة شديدة الذاتية – وتفسير الفيلم منوط بمن يشاهده، وعلى أيه حال فالفيلم يترك المُشاهد وبداخله إحساس بالجمال المؤرق.
ديفيد لينش مخرج يستطيع ان يتركنا نشعر بالتشوش والصدمة، وان يجعلنا مذهولين ومرتبكين، أفلامه تأتى من لا وعيه، وأفلامه تبدو كامكنة شديدة الظلمة، إنه شخص روحانى إلى أقصى حد، وتصور شخوصه هذه الظلمة ببراعة، لأن لا احد من شخصياته يتصف بالخير المطلق أو الشر المطلق، كذلك فديفيد لينش يؤمن بوجود أكثر من وجود او عالم، وهو يوحى أيضاً بحتمية وجود شيئ يربط هذه العوالم، وهذا المكان ليس واقعياً تماماً وليس خيالياً تماماً.
يستخدم ديفيد لينش موتيفات تشتهر بها أفلامه، مثل الطرق السريعة ليلاً، والستائر الحمراء، والنار، والدخان، والنساء الجميلات اللاتى يقعن غالباً فى مشاكل، كما يستخم أكوام الزبالة وةيتبنى مفهوماً خاصاً عن الصوت، وأكثر المواضيع التى تركز عليها أفلامه، هى العائلة والجنس والعنف الجنسى والهوية والأحلام ، وعدم واقعية الحياة التى نحياها.
أنه يوظف التفاصيل الصغيرة والسرد الغير تصاعدى ليخلق صوراً مؤرقة لقصص مستحيل تصديقها ولكنه يحيل هذه الإستحالة إلى حقيقة، وهو يتركنا دائماً مُندهشين، إنه يتركنا ونحن غير متيقنين من اى شيئ، وان تلك الأحلام هى جزء من حقائق حياتنا، وبينما نشاهد أفلامه، فنحن غالباً لا نحصل على كل الإجابات، وهذا يجعل لا وعينا يكشف عن نفسه، ويسمح بتفسيرات لا حصر لها لمغزى أفلامه.