10‏/07‏/2012

جماليات سينمائية جديدة . تأثير الثورة الرقمية فى بناء الحقيقة .

 لقطة من فيلم عشرة لعباس كياروستامى



دراسة :- اليزا هانسل
ترجمة :- ممدوح شلبى 

الملخص :-
الفن السينمائى فى عمومه من مرحلة الانتاج انتهاءا بمرحلة العرض الجماهيرى، هو شكل من اشكال النشر، وهذه الدراسة تناقش كيف ان المعلوماتية وتكنولوجيا الاتصالات فى السينما قد ساعدت فى بناء جيل جديد من الواقعية السينمائية فى عالم السينما.
وتركز هذه الدراسة فى الاساس على فيلم ( عشرة ) الذى اخرجه الايرانى عباس كياروستامى، وسيدلل هذا البحث على ان ظهور التكنولوجيا الرقمية غيرت التقاليد الراسخة فى عملية انتاج الفيلم وما بعدها من مراحل كما جعلت توزيع الفيلم وعرضه ابسط اجرائيا، ان ظهور التكنولوجيا الرقمية منح صناع الفيلم المستقلون الوسائل لخلق الحقيقة بجماليات الواقعية . 

مفاتيح الدراسة 

 صناعة الاقلام الديجيتال – الواقعية السينمائية – الدمقرطة – الانتاج وما بعد الانتاج السينمائى – المونتاج – العرض السينمائى – ايران – الصناعة – عباس كياروستامى.
( ان عام 2000 سيشهد بدء سينما متحررة من المونتاج التقليدى ، وسوف تستعيد نظرية ( فن الحقيقة ) ارضيتها ما يجعلها تقفز الى اعلى ذروة ، حيث ستصبح ولاول مرة ( الحقيقة مُنتج فنى )، هذه هى النبؤة الاخيرة من المنظر السينمائى اندريه بازن وكان قد كتبها فى عام 1948( ماثيوس 1999 )
الواقعية السينمائية فى ابسط تعريفاتها وكما عرفها اندريه بازن هى ( الاستحضار الكامل والكلى للحقيقة ) وهو استحضار لما هو ( موجود فى المسافة بين الحقيقة والمشهد المأخوذ عنها ) ( مانوفيتش 2001 صفحة 187 )
هذه الدراسة ستقدم تحليلا يتعلق بان ظهور تكنولوجيا الفيلم الرقمى ساعدت فى  تجذير مفهوم الواقعية السينمائية لخلق صورة للحوار الاجتماعى الثقافى الذى يشغل المجتمعات عبر اطارات تنظيرية لطبيعة الواقعية السينمائية الممزوجة مع مستحدثات التكنولوجيا فى انتاج الفيلم ومراحل ما بعد الانتاج فى اطار الثورة الرقمية، وهذه الدراسة سوف تتناول نموذجا هو المخرج الايرانى عباس كياروستامى لتشرح هذه الاطارات التنظيرية.
ان الدراسة ستركز بصفة اساسية على استخدام كياروستامى للتكنولوجيا الرقمية لخلق صورة للواقع الايرانى بنوع خاص من السرد فى فيلمه ( عشرة )

ان الجدل المتزايد والمتنامى فى عالم السينما عن المزايا التنافسية، يتمحور حول منح الناس الفرصة لتقديم حكاياتهم  الخاصة بعيدا عن القبول والتسليم بما تفرضه هوليوود وامثالها من سينمات تجارية.
ان الكاميرا الرقمية ولانها صغيرة الحجم ومناسبة ورخيصة الثمن وسهلة الحمل والتطويع لمقتضيات البيئة المرغوب تصويرها وكذلك قدرتها على التسجيل وحفظ الصور فى مساحة تخزينية كبيرة وعالية الجودة اكثر من اى نوع كاميرات آخر، كل هذا يساعد الكاميرات الرقمية فى ان تلعب دورا حاسما فى هذه المزايا التنافسية
ومع ظهور تيار من الانتاج الفيلمى الرقمى فثمة ميل فى جماليات الفيلم الواقعى الى السرد الفيلمى المعتمد على الواقع، وكذلك ، فان ظهور تكنولوجيا المعلومات قد خلق جيل من السينما الرقمية فى العالم كله يقودها مخرجين معروفين يستخدمون تقنية الفيلم الرقمى.

 نظريات الواقعية السينمائية 

 تتعدد الرؤى حول تعريف الواقعية السينمائية . وكان بازن يرى ، على عكس تعريفات منظرى السينما امثال كومولى او باردويل اوستيجر بان الواقعية السينمائية هى اللصيقة اكثر بالواقع، ان رؤاه تتأسس على حقيقة ان ثمة حاجة الى الثقة فى الصورة والثقة فى الواقع، ذلك ان عمق الميدان والذى تم تقديمه بريادية اخراجية كما فعل المخرج الفذ اورسون ويلز، قد منح المشاهدين الفرصة لاستعراض فراغ الصورة السينمائية بحرية ( بازن 1967 ).
ان نظرية بازن يتم الاعتماد عليها فى هذه الدراسة كاطار نظرى فهو يرى ان الصورة السينمائية فى اكثر اشكالها تجردا، هى رؤية مبسطة ومثالية لقدرات الصورة على تصوير الواقع، وهذا فى مقابل عزل الصورة عن محيطها الخارجى الذى يؤثر على نقاءها.
وفى المناخ الحالى من صناعة الافلام ، فانه من المهم ان ننشغل بالتعريفات البديلة التى تترسخ وتقدم وجهات نظر جديدة للحركة ، وكذلك الماهية التى تُضيفها هذه التعريفات  الى جمالات السينما المعاصرة.
لقد تحدث مانوفيتش عن تحامل كورنولى على طبيعة الواقعية السينمائية عندما قال انها تستهدف مُضاعفة الرؤية عن طريق تثبيت وتحديث واقعيتها ( 2001 : 186 )، ولقد تحقق هذا من خلال التأثير الذى تم ابتداعه بواسطة الاضافات الفكرية ذات الصلة والبدائل التى تحققت فى التكنولوجيا والتقنية  ( 2001 : 186 )
والاكثر من ذلك ، فان مانوفيتش كتب عن بوردويل وستينجر انهما دعما وجه النظر التى تؤكد على ان نظرية صناعة السينما تتأثر بالطريقة التى يقوم فيها المخرج  بتصوير اللقطة وبالطريقة التى يقوم فيها مشاهدى الفيلم بالتعاطى مع هذه اللقطة ودلالاتها ( 2001 : 186 )، وهذه من الامور اتى يتم التركيز عليها من خلال الاحتياج الحالى الى صناعة افلام تكون اكثر فاعلية، وتقدم وسائل انتاج جديدة وتدعو الى جودة قياسية للفيلم.
ان توظيف هذه الامور فى الانتاج الرقمى ينعكس على صناعة الافلام، وهذه التعريفات والشروح التى تتعاطى مع طبيعة الواقعية السينمائية يجب ان تُوضع فى الاعتبار عندما نفكر فى جماليات جديدة صارت امرا واقعا فى عالم السينما.
وكأن نقول ان صناعة الفيلم الرقمى والتكنولوجيا ساعدوا فى ( مُضاعفة الرؤية ) لان هذه من الامور المستحدثة التى سمحت لصانعى الافلام بالمقابل بان يبدعوا نوعا جديدا من الصورة، وكذلك فان سياسات صناعة السينما والمهرجانات بشكل عام تمتلك القدرة بحيث تفرض اسلوبا معينا على الطريقة التى يُعرض بها فيلم وكذلك الصورة التى تصل الى المشاهد.
وعلى سبيل المثال ، فقد اختار مهرجان كان السينمائى فى عام 2000 فيلما للمخرجة الايرانية سميرة مخملباف ، انه فيلم ( السبورات ) وهو يحكى قصة مدرسين ايرانيين علقوا سبورات المدرسة على ظهورهم وبحثوا عن التلاميذ لكى يعلموهم اثناء الحرب الايرانية – العراقية، ان هذا المثال يوضح ان ثمة عوامل لها تأثير على ترشيحات المهرجان وقد قيل ان السياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية تضع الموقف السياسى فى الشرق الاوسط على قمة اولوياتها، وعليه فان عملية اختيار افلام المهرجانات يمكن بالتأكيد ان يعكس صدى الاهتمام السياسى الاجتماعى فى حقبة، والحقيقة ان هذا ما يحرص المشاهدون على مشاهدته وهذا شائع فى كل حقبة.
انه من الثابت ان العوامل الخارجية للصدى السياسى الجتماعى تؤثر على طريقة تصوير اللقطة وعلى طريقة السرد الفيلمى وعلى طريقة مشاهدة الفيلم من قبل الجمهور وهذا تحدى لفكرة بازن عن ان السينما ستكون فى التحليل النهائى ( الحقيقة مُنتج فنى )
وبالاضافة الى ذلك ، فلابد من الاخذ فى الاعتبار بوجود ( الحقيقة منتج فنى ) ، وعلى ايه حال فلابد من وجود الاهتمام بالعوامل الخارجية التى تُشارك فى بنية الصورة والطريقة التى تُعرض بها هذه الصورة.

 الانتاج الرقمى ومراحل ما بعد الانتاج فى بناء الحقيقة.

احد تعريفات الفيلم الرقمى انه ( ظاهرة تكنولوجية حيث يمكن تصنيع السينما بها وتقطيعها وتوزيعها عبر الوسيط الالكترونى الرقمى، وكذلك فانه نوع من السينما التى اتت لتبقى عبر هذه المتستحدثات ) ( جانز وخاتيب : 2006 : 21 ).
ان الحدث المباشر فى وقتنا هذا يمكن ان يُسجل فى فيلم او فيديو او بصورة مباشرة فى نسخة رقمية. ( مانوفيتش 2006 : 5  )
وفيما يتعلق بالسؤال عن الاختلافات بين صناعة الفيلم على شرائط السلولويد والتسجيل الرقمى ؟ فان ماك كيرنان يقدم تعريفا للاسلوب الرقمى بانه يرى ذلك كما لو انه اسلوبا يستطيع به جهاز الكومبيوتر ان يعالج المعلومة ويقوم بتصغيرها الى لغة الكومبيوتر على نحو 01 – 01 ( 2005 ).
ان التسجيل الرقمى يمنح جودة فائقة للصورة عن طريق التقاط  المعلومات فى مدى زمنى لموجة الصورة والقيام بتحويل هذه المعلومات الى كود ( ماك كيرنان : 2005)
ان القدرة على تقليل الحيز من خلال الادماج الرقمى يجعل المادة المصورة سهلة فى المعالجة والنسخ والمونتاج، وهذا عكس اسلوب الفيديو الذى يستخدم التصحيح العمودى، فان الاسلوب الرقمى يعتمد على التصحيح الافقى. ( ويير : 2001 )
ومع ظهور صناعة الفيلم الرقمى، فان اللقطات المُصورة يمكن الآن تخزينها فى ملفات الكترونية مما يقلل من تكاليف طباعة النيجاتيف فى فيلم السلولويد، وبالاضافة الى ذلك فان التصوير بالاسلوب الرقمى هو تطوير غير مسبوق لتصوير اللقطات فى عامنا المعاصر، وفى صناعة الفيلم التقليدى، فان العلاقة بين الشخص الذى ينظر الى شئ ما والموضوع  الذى ينظر اليه هذا الشخص ينتج عنها لقطتان يتم تصوير كل منهما على حدا، ويركز كل من جانز وخاتيب على فكرة انه حينما نصور بالاسلوب الرقمى فيوجد عديد من الكاميرات وليس كاميرا واحدة، لقد كتبا ( توجد غالبا كاميرات متعددة ، وثانيا لوجود امكانية الاعادة وتغيير المسافة الخلفية والامامية للكاميرا، فان المجال فى الدراما الرقمية شديد السعة ) ( جانز وخاتيب 2006 : 22 )
ان الصورة الرقمية حقيقة واقعة، وعندما ننظر الى تلك الصورة شديدة الوضوح، فاننا نلاحظ الحدود المكانية والابعاد وهى من الامور التى كانت مهملة فى السينما التقليدية، وبناءا عليه ، فان هذا يؤثر على طريقة استقبالنا لهذه الصورة وهذا تم تطبيقه من خلال التقنية الرقمية التى استخدمها عباس كياروستامى ، وهذا الموضوع سوف نعيد بحثه لاحقا فى هذه الدراسة.
ومع استحداث تقنية الانتاج الرقمى ، فان مراحل ما بعد الانتاج فى صناعة الفيلم التقليدى يتم اعادة هيكلتها، فبدلا من حدوث مراحل ما بعد الانتاج فى نهاية صناعة الفيلم، فيوجد الآن امكانية رؤية ومونتاج واعادة عمل ملف الفيلم اوتوماتيكيا بعد تصوير اللقطات وهذه الامور تفتح آفاقا جديدة فى عالم المونتاج السينمائى.
ان كل من جانز وخاتيب يدعمان هذا الرأى بقولهما ( ان التحول من منظومة البناء التقليدى فى انتاج السينما يؤدى الى دمج مراحل ما قبل الانتاج والانتاج وما بعد الانتاج، كل فى خطوة واحدة )، وكذلك فان تحقق اسلوب المونتاج الحادث الآن والذى لا يعتمد على مونتاج شرائط السلولويد، فان هذا المونتاج المعاصر يسمح بادخال اى اطار مُختار ضمن اللقطة بعمل نقرة واحدة بفأرة الكومبيوتر يقوم بها مونتير الفيلم باصبعه وهذا يوفر فرصا جديدة لعملية صناعة السينما، ان السلولويد غالى الثمن، كما ان اجراء المونتاج عليه واستبعاد بعض اللقطات منه يعنى خسارة مادية، وباتباع برامج مونتاج الكترونية مثل ( افى سينث ) فقد اصبح بمقدور الانسان العادى ان يلج الى صناعة السينما بعد ان كان هذا محظرا على امثاله فى السينما التقليدية نظرا لوسائلها القديمة فى المونتاج.
ان طريقة الانتاج الرقمى وتقنيات ما بعد الانتاج التى تقدم التسهيلات لخلق واقعية سينمائية ذات خصائص معينة تقود الى جماليات، ذلك ان التصوير الرقمى يعنى بالضرورة تكلفة منخفضة للانتاج ، هذه التكلفة تعتمد على نوع الكاميرا المستخدمة، لكن المعنى المقصود هنا، انه مع استحداث الفيديو الرقمى، فان اى صانع افلام اصبحت لديه القدرة على امتلاك معدات التسجيل ليخلق جمالياته الخاصة به ( ماك كيرنان : 2005 )
ان الفيديو الرقمى – بجودته المتاحة للمستخدمين – يوفر واقعية لا يستطيع الفيلم السلولويد بجماله ان يصل اليها، فصانعى الافلام يستطيعون بميزانيات منخفضة ان يعملوا افلامهم وان ينفذوا اعمالا كثيرة فى فيلمهم مثل التصوير وكتابة السيناريو والاخراج والمونتاج، لقد انفتحت الآفاق بالفعل فى انتاج الفيلم الرقمى ومراحل ما بعد الانتاج وهذا مكن صانعى الافلام من تجسيد رؤاهم الفنية.

واقع المشاهدة

يجب التذكير بان الدخول الى عالم التقنية الرقمية والقدرة على صناعة الافلام لا يعنى بالضرورة ضمان الحصول على جمهور، وهذه المقولة دعمها كل من بوردويل وستيجر فى بحثهم، ذلك ان الممارسات المتنامية التى تولدت فى صناعة الافلام تؤثر على الطريقة التى تُصنع بها الصورة والطريقة التى تُشاهد بها هذه الصورة، ان المهنية والخبرة لصانع الافلام ومدى شهرته فى عالم السينما يكون لها الاثر فى مشاهدة افلامهم ، كما ان سياسة مهرجانات السينما تُظهر انحيازا فى عملية الاختيارات تضرب عرض الحائط بالطبيعة الديمقراطية للفيلم الرقمى.
ويناقش داباشى استحواذ فيلم المهرجانات على ميل الى استحضار السينما الغريبة ذات الطابع القومى مثل ادراج السينما الايرانية فى مهرجانات السينما العالمية بما تتميز به هذه السينما من سمات سرد سينمائى غريب، بما يمكن فهمه على انه انحياز من جانب هذه المهرجانات لاسباب اجتماعية وسياسة ( 2001 : 245 ).
وبناءا عليه ، فثمة عمليه اختيار غير عادلة تعتمد عليها هذه المهرجانات فى اختيار او استبعاد الافلام، وبالاضافة الى ذلك فان التكاليف مسؤولة عن انتشار العرض الرقمى كما انها مسؤولة ايضا - بصورة او اخرى - عن اعاقة وصول الافلام الرقمية الى الجمهور، فدور العرض السينمائى مازالت فى حاجة الى تقديم ضمانات فعالة باعتبار ان نشاطها مالى، بما يعنى ان دور العرض هذه يجب ان تدفع نفس الاسعار – كتعريفة موحدة -  لاى ملفات للافلام الرقمية ( كيرة : 2003 ) وعموما، فان توزيع الفيلم الرقمى وتقنيات العرض له مازالت مرهونة بعملية الربح والخسارة وهى نفس الامور التى تؤثر على اختيارات المهرجانات السينمائية ودور العرض والميل العام للسينما.
وعلى ايه حال ، فان القدرة على استثمار وسائل العروض الاقليمية والمستقلة مازالت فى طور التطوير فيما يتعلق باستثمار تكنولوجيا الاقمار الصناعية والعروض التليفزيونية الفضائية، اضافة الى هذا، فان الشئ الاكثر اهمية وتأثيرا فى ظهور الوسائط الرقمية، هو ان الوسائل التقليدية فى توزيع الافلام اصبحت بلا جدوى، لقد اصبح الانترنت هو المنافس الاول فى معركة تغيير وسائل توزيع الفيلم، وقد كتب لوجرناير ( ان ظاهرة اليوتيوب هى افضل مثال، فالناس وبمجرد ان يمتلكوا كاميرت رقمية يستطيعون ان يؤسسوا استديوهات منزلية ويبدأون فى نشر اعمالهم بانفسهم، ان القدرة على تحميل المحتوى الفيلمى على الانترنت زود صانعى الافلام المستقلين بالادوات لعرض افلامهم بدون الحاجة الى وسائل التوزيع التقليدية، وعلى ايه حال، فان القدرة على عرض الافلام الروائية الطويلة باسلوب الوسائط الرقمية لم يلق نجاحا كبيرا على عكس الافلام القصيرة التى اصبحت تشكل ركنا من اركان صناعة السينما فى العالم وخاصة السينما الايرانية.

العقيدة السينمائية الايرانية .. عباس كياروستامى وما هو حقيقة فى فيلمه ( عشرة )

لكى نستطيع نصنيف افلام عباس كياروستامى فمن الضرورى ان نلقى نظرة على تاريخ الموجة الجديدة فى السينما الايرانية، فبعد ثورة 1979 فان السينما الايرانية حققت سبقا عالميا، ان الفضل فى هذا يرجع الى ظهور الكاميرا الرقمية والحكومة الاصلاحية التى مهدت الطريق لاعتبار ان السينما وسيط لصناعة الثقافة. ( فازيرى 2002 )، ومثلها مثل الواقعية الايطالية الجديدة التى بدأت فى خمسينات القرن العشرين، فان الموجة الجديدة للسينما الايرانية انتجت العديد من الافلام الايرانية الناجحة.
ان السينمائيين الايرانيين وُصفوا بالتميز خلال مشاركاتهم فى مهرجانات السينما العالمية، وبصورة خاصة مهرجان كان السينمائى ومهرجان نيويورك السينمائى، ان مخرجى الموجة الجديدة الايرانيين الذين اشتهروا عالميا مثل عباس كياروستامى ومحسن مخملباف وابنته سميرة مخملباف ومؤخرا ايضا جعفر باناهى المسجون- لقد سُجن جعفر باناهى لاخراجه افلاما يعترض فيها على الانتخابات الايرانية الرئاسية الاخيرة - وهذا يوضح وجود قوانين صارمة فى الرقابة على السينمائيين الايرانيين ويكشف عن وجود ضغوط على صانعى الافلام الذين يعملون داخل ايران لكى يقوموا بتنقية افلامهم السينمائية من الرؤى السياسية.
وقد علقت موروزى على طبيعة السينما الايرانية وكتبت ( ان السينما الايرانية التى جاءت بعد الثورة قد استرعت انتباه الحركة النقدية السينمائية فى الخارج، وفى داخل ايران فقد اثارت جدلا ثقافيا وسياسيا وتقنيا، وفى ظل القيود السياسية للجمهورية الاسلامية، فان الفيلم اصبح واحدا من اهم الاشكال التى تتطرق بحذر وحساسية الى  موضوعات الساعة التى تشغل المجتمع الايرانى ( 1999 : 52 )
ونفس الحال مع العقيدة السينمائية الجديدة فى الدنمارك ( الدوجما) والتى تزامنت مع ظهور الثورة الرقمية والتى ركزت على الحقيقة والتبسيط الثقافى بفصل نفسها عن جماليات السينما الهوليوودية، ولقد اتبع عباس كياروستامى ايضا نفس الطريق فى غالبية افلامه( بادلى و آل : 2006 )، فالتحول فى العقيدة السينمائية نحو الواقعية الاجتماعية كان يعكس تحولا نحو الواقعية السينمائية فى افلام كيلروستامى الايرانية.
بينما توجد اختلافات بين النظريتين الجماليتين - الايرانية والدنماركية - من حيث الخصائص والتقنيات المختلفة لهما كعقيدتين سينمائيتين، الا انه توجد سمات اصيلة مشتركة بينهما.
ان المقولات مثل ( تحمل المخاطرة – اعملها بنفسك – صناعة الفيلم على مسؤولية صاحبه )  لقد تم الترويج لهذه المقولات فى العقيدة السينمائية وهى بلا شك دليل على معاصرة افلام كياروستامى، ويحكى فيلم ( عشرة ) قصة امرأة ايرانية تحمل فى سيارتها عشرة مسافرين مختلفين عن بعضهم بعضا، ومن بين المسافرين ابنها الصغير واختها وكذلك مومس التقطتها من الشارع ، ويحتوى الفيلم على عشرة مشاهد يتم تقديمها باسلوب السرد غير التصاعدى، وهذه المشاهد تستكشف تيمات الحب والالم والامومة والانسانية ( هايز : 2002 : 1 )
ومع طبيعة هذه المشاهد المتقشفة، فان فيلم ( عشرة ) يستكشف الحوارت المتعمقة بين الممثلين المبتدئين الذين يوظفهم عباس كياروستامى ويستكشف من خلالهم ما يُقال فى ايران، انه بهذا يقدم سينما معاصرة تعكس الواقع الايرانى المعاصر.
ان عباس كياروستامى بتوظيفه للكاميرات الرقمية يكشف دائما عن جانبى السيارة، واضعا اربعة اشكال من السرد غير التصاعدى والواقعى وهذا ينتمى الى الواقعية السينمائية، واختار كياروستامى كمخرج ان يبقى بعيدا عن هؤلاء الممثلين الغير محترفين والذين يجدون الحرية فى عرض عواطفهم فى لقطات الفيلم، فلم يتدخل كياروستامى بتوجههم وفرض رأيه عليهم.
ان هذا الحضور يقدم بدوره ( مُضاعفة الرؤية ) بدون مقاطعة من صانع الفيلم، وهذا الاسلوب فى صناعة الافلام يدعو المشاهدين الى عزل انفسهم عن شخصيات الفيلم، والحقيقة ان الكاميرا الرقمية تلعب دورالشخصية الصامتة فى السرد الفيلمى، او تلعب دور العارف ببواطن الامور - اذا كان هذا يروق لك – ان سينما واقعية جديدة قد ظهرت من خلال هذا المثال، واضافة الى ذلك  فان هذه النظرة الانسانية الى حياة النساء فى ايران تقدم وجهة نظر لنرى من خلالها القضايا الاجتماعية والسلوك فيما يتعلق بايران وقت تصوير الفيلم، ان هذا الاسلوب يختلف عن التقنية التصاعدية والجمال الذى يتوفرفى فيلم السلولويد، اما فيلم كياروستامى فانه يساعد فى بناء الحقيقة.

فى الختام .

ان اندرية بازن ربما ما كان ليصدق بان تمنياته فيما يتعلق ب ( الحقيقة مُنتج فنى ) قد تحققت من خلال جماليات الفيلم الرقمى. ان الانتاج وتقنية ما بعد الانتاج التى تحققت فى التكنولوجيا الرقمية منحت الحياة لموجة جديدة من صناعة الافلام، مع التركيز على الحقيقة تحت مظلة من التحديات لقضايا اجتماعية وسياسية تجتاح عالم السينما اليوم.
ان هذه الدراسة ناقشت الطريقة التى من خلالها يستطيع الفيلم الرقمى ان يقدم الحقيقة من خلال المعطيات التكنولوجية المستحدثة، والجماليات وصانعى الافلام الذين اختاروا ان يستخدموا هذا الوسيط ليقدموا رؤاهم ، وبشكل خاص المخرج الايرانى عباس كياروستامى، وفى المقابل فان جماليات جديدة فى الانتاج السينمائى قد برزت فى الاسلوب السردى لعدد من الافلام الهامة، وبشكل اساسى، فان عملية صنع الافلام اصبحت ديمقراطية بالرغم من ان عروض الافلام مازالت تخضع لعوامل سياسية واجتماعية تشغل العالم.

ترجمة:- ممدوح شلبى
 



References
Andrew, G. (2005), 10, London: BFI.
Badley, L. et al (2006) Traditions in World Cinema :Edinburgh University Press
Bazin, A. (1967) What is Cinema? University of California Press
Belton, J. (2002) “Digital Cinema: A False Revolution” in OCTOBER 100, Spring 2002, pp. 98–114 MIT Press
Currah, A. (2003) “Digital Effects in the Spatial Economy of Film’ in Area, Vol. 35, No. 1 pp. 64-73: Blackwell
Publishing
Currah, A. (2007) ‘Managing creativity: the tensions between commodities and gifts in a digital networked
environment’, Economy and Society, 36: 3, 467 — 494
Dabashi, H. (2001) Close Up: Iranian Cinema: Past, Present and Future Verso: London: New York
Dabashi, H (2007) Masters and Masterpieces of Iranian Cinema Library of Congress
“Digital Cinema System Specification V1.2” (2008) Available at: http://www.dcimovies.com/
DCIDigitalCinemaSystemSpecv1_2.pdf Accessed 13th April 2010

El-Assyouti (2004) “Citizen K” in Al-Ahram Weekly June 2004 Issue 694 Available at http://weekly.ahram.
org.eg/2004/694/cu5.htm Accessed 16th April 2010
Ganz, A. & Khatib, L. (2006) “Digital Cinema: The transformation of film practice and aesthetics” in New
Cinemas: Journal of Contemporary Film 4 (1) p21-36: Intellect
Hayes, E. (2002) ‘10 x Ten: Kiarostami’s journey into modern Iran’ in Open Democracy Accessible at http://
www.opendemocracy.net/content/articles/PDF/815.pdf Accessed: 20th May 2010
King, G. (2005) American Independent Cinema Indiana University Press: Bloomington and Indianapolis
Lugmayr, A. et al (2008) “E = MC2 + 1: a fully digital, collaborative, high-definition (HD) production from
scene to screen” in Computers in Entertainment (CIE) 6 (2) p1-35
Manovich, L. (2001) The Language of New Media MIT Press
Manovich, L. (2006) “Essays: What is Digital Cinema? Available at: http://www.manovich.net/TEXT/digital-
cinema.html Accessed 12th April 2010
Matthews, P. (1999) “The Innovators 1950-1960: Divining the Real” in Sight and Sound August 1999 Accessible
at: http://www.bfi.org.uk/sightandsound/feature/176
McKernan, B (2005) Digital Cinema: The Revolution in Cinematography, Post-Production and Distribution
McGraw Hill
Mir-Hosseini, Z. (2001) “Iranian Cinema: Art, Society and the State” in Middle East Report, No. 219 (Summer,
2001), pp. 26-29
Moruzzi, N.C. (1999) “Women’s Space/ Cinema Space: Representations of Public and Private in Iranian
Cinema” in Middle East Report No. 212, Pushing the Limits: Iran’s Islamic Revolution at Twenty (Autumn,
1999), pp. 52-55: MERIP
Naficy, H. (1995) “Iranian Cinema Under the Islamic Republic” in American Anthropologist New Series, Vol.
97, No. 3 (Sep., 1995), pp. 548-558: Blackwell
Semati, M. (2008) Media, Culture and Society in Iran: Living with Globalisation and the Islamic State
Wheeler, P. (2001) Digital Cinematography Focal Press: Oxford: MA
Vaziri, P. (2002) “Iranian Documentary Cinema: Between Reality and Fiction” in Middle East Report No.
225 (Winter, 2002), pp. 53-54