15‏/05‏/2013

مدخل الى نظرية الفيلم



فيلم نقطة زابريسكى

محاضرة : تونى مكيبن
ترجمة: ممدوح شلبى

ما اهمية نظرية الفيلم؟ هذا هو السؤال الذى يجب ان نهتم به فى الاسابيع العشرة التى يستغرقها هذا الكورس الدراسى، وحتما نحن نقر مسبقا ان النظرية يمكن ان تصبح لغة استعلائية وجدال بين المنظرين انفسهم الذين لا يملكون الا القليل ليعملوه مع السينما نفسها، ان الافكار يتم استحضارها من خبرة مشاهدة الافلام، وانه من المفيد ان نفكر فى تعليق بول كوتس فى "قصة الانعكاس المفقود" "The Story of the Lost Reflection" حيث قال "إن نظرية الفيلم وُجدت للناس الذين شاهدوا القليل من الافلام حتى يستطيعون ممارسة النقد السينمائى".

هذا الرأى على ايه حال لا يوافق عليه ستيفن برنس، ففى مقال بعنوان "نظرية فيلم التحليل النفسى والمُشاهد المفقود" "Psychoanalytic Film Theory and The Missing Spectator"  حيث يشير برنس "إن الناقد يتقدم ويرتقى بسبب قوة خطابه والمامه اللغوى، وبسبب مهارته فى الاستشهاد اثناء فحص الافلام موضوع الدراسة"، ويعتمد هذا بالتأكيد على درجة الجودة فى النقد، فانتونى لان فى جريدة "نيويوركر" "New Yorker" او ستانلى كوفمان فى جريدة "نيو ريبابلك" "The New Republic" يميلان الى الاسلوب البليغ نوعا ما، لكن من المؤكد ان آخرين يهتمون اكثر بالوصول الى حقيقة العمل الفنى. 

واثبت اندريه بازن "Andre Bazin " انه واحدا من اهم المفكريين المؤثرين فى السينما رغم انه كان يعمل بعيدا تماما عن النطاق الاكاديمى فهو كان يعمل بالكتابة فى النقد السينمائى لعديد من المجلات، اما اعمدة الناقدة جوديث وليامسون فى جريدة "نيو ستاتس مان" "The New Statesman" فهى ممتازة وتقدم تحليلات مدققة للافلام.

ولعله من المفيد ان نستشهد بالفروق التى وضعها ارسطو للتفريق بين المنهج والحدس، وفى الماضى كان المفكر يحاول ان يصل الى الحقائق من خلال التدقيق والفحص الجيد للحقائق، اما الاعمال القائمة على الحدس فهى مجرد حجج قائمة على المحتمل والمعقول.

وسواء رضى المُنظرون بهذا ام لم يرضوا، فكثير من اداءهم فى التفكير - مثلهم مثل النقاد - يتحقق بالحدس، فالقضية ليست دائما بين البحث عن الحقيقة والبلاغة - فالنظرية فى جانب والنقد فى جانب -، لكن مستوى جودة عقل المُفكر فى اى من المجالين هو الاهم: وعلى الناقد ان يجعل ما يكتبه بمثابة اسلوب فى النقد السينمائى: اما الباحث الاكاديمى فعليه ان يركز على النظرية.  

والاختلاف فى الكتابة الاكاديمية غالبا ما يكون فى اختيار النظرية الجمالية، اما النقد فلا اهميه فيه الى النظريات الجمالية، وفى اصدار حديث من مجلة "سينياست" "Cineaste" ثمة ملاحظات هذا نصها "فى الاشهر الاخيرة فقد النقاد الامريكيين وظائفهم، وتم تقليص دور النقد وتم شراء المجلات النقدية من قبل ناشرين" لكن النقد مازال مستمرا حتى وان كان العائد المادى منه اصبح قليلا عما قبل.

هذه المحاضرة  لا تهدف الى اعلاء قيمة النقد على حساب النظرية، فما نريد ان نفعله هو ان نترك جانبا مسألة التصنيفات وان نقتنع بان جودة التفكير – ومهما اتخذت من شكل – هى ما يهمنا، ان ما يهمنا سواء من النقد او التنظير هو ان يكونا نوعا من الذخيرة الفكرية التى تسمح لنا ان نفهم استجاباتنا الشخصية للسينما، هذه هى القضية، اننا لا ننشد الرأى الشخصى ولا التقرير الموضوعى لكننا نريد شيئا بين هذا وذاك، وكما تساءل الفيلسوف والكاتب السينمائى جيل دولوز فى احد المرات، ما الذى يجعل الرأى اكثر اهمية، فاجاب قائلا انه طريقة استخدام وخلق التصورات.

الغرض من هذا الكورس الدراسى ان نجد طريقة لاستخدام النظرية فى طريقة تفكيرنا التى نمارسها يوميا وفى تعاطينا مع الافلام السينمائية، فعلى سبيل المثال، اذا اعتقدنا ان فيلما ما بطيئ، فهل نقصد انه بطيئ جدا (استجابة شخصية مباشرة) ام انه يوظف ما اصطلح الفرنسيين على تسميته (الزمن الضعيف) أو "الزمن الميت" "temps mort "، ان الفرض الاخير يسمح لنا باطار تصورى من اجل التفكير فى تطورالسينما، اما الفرض الاول فهو لا يخبرنا بأكثر من رد الفعل الشخصى لاحد المشاهدين على الفيلم، وعلى ايه حال، فهذا لا يعنى اننا نريد فى هذا الفصل الدراسى ان نجعل الناس يغيرون من طريقة تعبيرهم الشخصى على الافلام، فغرض هذا الكورس التعليمى ان نضيف شيئا جديدا الى الرأى الشخصى- لكى نولد عملية تفكير بدلا من الاستجابة العاطفية الشخصية الفورية لمشاهدة الافلام.

ولكى نستطيع ان نفهم هذا الامر، فمن المفيد ان نشاهد فقرات قليلة من الافلام ونستمتع بما يقوله كل من النقاد والاكاديمين حول هذه الفقرات، ففى فيلم "السنة صفر فى ألمانيا" "Germany Year Zero"، على سبيل المثال، علق اندريه بازن – بعد ان اوضح كيفية استخدام الافلام للاطفال- بان "اهمية الفيلم تكمن فى رفض روبرتو روسللينى المتعمد للجوء الى التعاطف الوجدانى" ويضيف بازن "انه وبرغم ان الطفل كان فى الحادية عشر او الثانية عشر فانه كان من السهل او حتى الطبيعى ان يهتم السيناريو والتمثيل بمساعدتنا على الدخول الى اعماق وعى الطفل" وروسليينى لم يفعل ذلك، وبناءا عليه فاندريه بازن نظر الى الفيلم من وجهة نظر تتعامل مع الطفولة بنوع من الطزاجة، وفى نفس الوقت انتهز الفرصة للحديث عن قناعته النظرية فى ان الواقعية هى الاجدر لعمل افلام عظيمة.

وعندما قال فيما له صلة بوعى الاولاد بعد الفعل المروع "ان الطفل يمشى ويمشى، باحثا هنا وهناك وسط التدمير: لكن الناس واحدا وراء الآخر يتخلو عنه" ان الشئ الهام بالنسبة الى بازن ليس الوعى بالذنب بحد ذاته، ولكن الطريقة التى يتوصل فيها الوعى الى علاقة مع الواقع اليومى، فمن الممكن ان يكون الولد مصابا بالهلوسة على غرار رينتون فى فيلم "المهتم" "Trainspotting" لكن هذا لم يكن خيار روسللينى لتأطير الموضوع.

ولمعرفة كيف يساعدنا النقاد والاكاديميون فثمة خيارات متاحة ضمن نفس الاشكالية، ففيلم "لمهتم" ينحو فى اتجاه اسلوب تعبيرى بلا قيود، بينما فيلم "السنة صفر في ألماني" اكثر واقعية بشكل ملحوظ.
كان لبازن رأى مخالف نوعا ما لهذا النوع من الجماليات الشكلية، مثله مثل آخرين من بينهم سيرجى ايزنشتين- المنظر والمخرج السوفيتى العظيم-
 
سيرجى ايزنشتين

وعندما لا يوافق احد منظري المدرسة الواقعية على اسلوب ايزنشتين - مثل سيجفريد كروكر- فانه يقول ذلك على النحو التالى "هذه هى تصورات ايزنشتين عن الكلوس اب".
فالوظيفة الرئيسية للكلوس اب - والكلام لايزنشتين- "انها لاتعرض ولاتقدم لنا شيئا ذى بال، كأن تقدم الدليل او تمنحنا معنى اوتوضحه لنا" فهذا يحدث عادة خلال المونتاج، ولذلك فاكثر الاشياء اهمية الا تعرض الشخصية وهى تتحرك فى الفراغ، ولكن ان تعرض من خلال المونتاج طبيعة الازمة، وفى فيلم "اضراب" "Strike" -على سبيل المثال- يُثبت ايزنشتين انه استاذ فى تجميعه لعناصر متضادة فى سياق واحد، فايزنشتين كان يرى الاضراب من وجهة نظر العمال ورؤساءهم على حد سواء، ولذلك كان يقطع بين تفاصيل متعددة متورطة فى الاضراب ليستحضر العلاقات فيما بينها، اما روسللينى فاراد ان يستحضر ازمة الولد: ولذلك فايزنشتين يمنح معنى لطبيعة الاضراب.
 
فيلم اضراب لايزنشتين

ومن الجلى ان هذا هو الاختلاف - نوعا ما - بين الازمة التى تتعلق بالفرد (فى فيلم روسللينى) والازمة التى تتعلق بالمجموعة (فى فيلم ايزنشتين)، ولكننا ربما نتساءل عما اذا كانت خياراتهما للموضوعين تتوافقان مع خياراتهما الجمالية؟

لقد تعرضت بشكل مقتضب الى النظرية الواقعية والنظرية الشكلية، ولكن ماذا تقول لنا السيميائية عن السينما؟ وخاصة اذا وضعنا فى الاعتبار ما كتبه كريستيان ميتز بان "السينما فن سهل، وهى فى خطر ان تسقط ضحية لهذه السهولة" فكيف نتجنب مخاطر هذه السهولة وهل تستطيع السيميائية ان تساعدنا؟

دعونا نستحضر مصطلحان يُستخدمان عادة فى فهم السينما: وهما "الدلالى" و "التلميحى" ففى اصطلاح الدلالى، لدينا - طبقا لرأى جيمس موناكو- (توصيفا محددا وصارما)، اما فى "التلميح" فيوجد (فهم فضفاض وعام للتعبير)، ومعظم الافلام توظف الواقعية فيما تقدمه وتوظف ايضا بعدا رمزيا فى اختيارها لصور معينة، فعندما يقطع المخرج على لقطة لنيران بينما حبيبان يُقبلان بعضهما، فهذه النار تظل نارا (المعنى الدلالى) لكنها ايضا والطبع لها بعدا تلميحيا فهى تعبر عن الشهوة المحمومة بين العاشقين.

الأمر ربما يكون واضحا بهذه الكيفية، ولكن الوعى بالدلالى والتلميحى يمكن ان يكون مفيدا للمخرجين ويجب ان يتجنبوا الكلاشيهات ويرفضوا استخدام الصور التلميحية المباشرة (مثل القطع على لقطة لنيران بينما حبيبان يقبلان بعضهما)، كما يجب ان يحاولوا ان يبتدعوا بدائل اخرى غير نمطية.

ويعتبر مايكل انجلو انطونيونى من المخرجين المهمين ليس فقط بسبب ريادته فى السيميائية، فدائما فى ميزانسين افلامه سنجد احتمالات تلميحية، لكنه وفى نفس الوقت يقدم الواقعية باسلوب دلالى، ففى فيلم "نقطة زابريسكى" "Zabriskie Point" يكبر اطونيونى لوحات الاعلانات ويصور من زوايا غير مألوفة ليستحضر الطبيعة الاستهلاكية للمجتمع الامريكى، ولم يكن هذا مجرد فيلم عن حياة الامريكيين، بل كان فيلما عن اكثر المجتمعات الاستهلاكية فى العالم، ان اهم الاسئلة التى اهتم بها انطونيونى هى كيف نناقش اولوياتنا التى تتغير بسرعة فى العالم الحديث، وانطونيونى حقق هذا من خلال الاطار واستخدام الألوان وتكبير لوحات الاعلانات والشوارع الخالية (كما فى مشاهد فيلم "تكبير الصورة" "Blow-Up" - التى صورها فى لندن) ليشير الى ضعفنا فى مواجهة الواقع المتغير.
 
مايكل انجلو انطونيونى

سنتحدث كثيرا عن السيميائية فى الاسابيع القادمة، لكننا اليوم ولكى نختتم المحاضرة سنتحدث عن العنصر الرابع فى نظرية الفيلم، انه الايديولوجية والسياسة، وهذا العنصر يمكن ان يتخذ اشكالا لا حصر لها، لكننا هنا سنتحدث عن شيئين لعلاقتهما بالايديولوجيا وهما (الايديولوجيا المعلنة والايديولوجيا المتضمنة).

فهل الموضوع السياسى هو ما يريد مخرجى الافلام ان نلاحظه ام انهم يتعمدوا ان يخفوا ما هو سياسى؟ ويخبرنا المخرج الامريكى ارفين كرشنر قصة فى كتاب مارك ليتواك "بكرة الطاقة" "Reel Power" عن مخرج روسى قابله اثناء المرحلة الشيوعية وقال له، فى السينما الامريكية "انت تفتح الثلاجة فى الفيلم فتجدها مكدسة ومملوءة بالطعام والناس يستخرجون منها الطعام، فيسكبون اشياءا ويسحبون الطعام ويمشون، انهم يتعاملون مع الطعام كأنه لا شئ، ياربى، انها دعاية سياسية"، هذه الكلمات تعد مثالا واضحا للدعاية السياسية المتضمنة والمخرج بدون شك لم يقصد ان ينتقد الرأسمالية الامريكية من خلال ثلاجة الطعام.

ولكن ماذا عن الشكل المُعلن للايديولوجيا؟ ويرد عن ذلك كل من جورج ويد وجورج ليليس فى كتابهما "السينما: الشكل والوظيفة" "Film: Form and Function" فهما يستخدمان مصطلح (سينما الاقناع) ليصفا الافلام التى تتميز بخصوصية فى الشكل والمحتوى مثل فيلم "المدرعة بوتمكين"، وفيلم "انتصار الارادة" "Triumph of the Will" وفيلم "لو" " If " وفيلم "إيزى رايدر" "Easy Rider"، وهذه الافلام التى اشاروا اليها تُحرض فى اتجاه اجندة ايديولوجية.

عندما نتحدث عن الايديولوجيا بشكل خاص، فسوف نفند الطرق المختلفة التى بمقتضاها نستطيع رؤية الافلام على نحو ايديولوجى.
محاضرة : تونى مكيبن