29‏/12‏/2012

صراع على الشاطئ : مهرجان كان 1968


المخرج الفرنسى لوى مال

مقال : ريتشارد . ت . كيلى .
ترجمة : ممدوح شلبى .

روح الاحتجاج الثورية التى اجتاحت عواصم العالم فى عام 1968 كانت بمثابة اضرام للنار فى مهرجان كان السينمائى ، ولقد تغيرت والى الابد الطريقة التى كان يمارسها رواد المهرجان من المنتجين .

كان مهرجان "كان" يستعد لدورة جديدة ، والآن نحن نعود الى الاحداث الدرامية لشهر مايو من عام 1968 من خلال مطبوعتين ، الاولى كتبها كيرون كورلس وكريس دارك بعنوان ( مهرجان كان .. من داخل اعظم مهرجان للعروض الاولى للافلام ) وهذه من اصدارات ( فابر اند فابر 2007 ) ، والمطبوعة الثانية – وهى الاولى –  ( الثورة .. انفجار عالم السينما فى الستينات ) من تاليف بيتر كوى ( اصدار فابر اند فابر 2004 )

روح الثورة فى شوارع مدينة كان الفرنسية .

مع بدء عام 1968 فقدت السينما الفرنسية دورها الريادى فى السينما الاوربية ، اما مهرجان كان السينمائى – تلك الدرة الفرنسية – فقد ظل يلعب دوره السيادى ، فكل الناس يذهبون الى مهرجان كان ولازالوا يذهبون ، لكن اثناء حقبة الستينات لم يكن هذا المهرجان سوقا سينمائيا مسعورا كما هو الآن .

اننى اتذكر لقاءا صحفيا انعقد بالقرب من مانديلى ، وكان يضم اورسن ويلز الذى كان يدير محاكمة من فوق مقعد قبيح بينما تريفو واخرين موجودين فى صحبته .
كان مدير المهرجان روبرت فافر لوبرت من الاشخاص المتفانين ويبدو كريماً مرة وقاسى مرات ، وعلى الرغم من ان موريس بيسى رئيس التحرير السابق ل ( سين موند ) كان المدير العام للمهرجان ، - بمعنى انه كان رئيس لجنة اختيار الافلام –  فانه وفى الخلفية  فقد كان لفافر لو برت حضورا مؤثرا ، وكان من المتعين ان يظل فافر لوبرت فى رئاسة المهرجان حتى عام 1984

لقد بدأ عام 1968 بخبر اشاع جوا من الارتياح فى تشيكوسلوفاكيا ، فقد اصبح الكسندر دوبسك السكرتير الاول للحزب الشيوعى فى الخامس من يناير خلفا لانتونين نوفوتونى ، ان هذا التغيير سيقود الى ما اصطلح على تسميته ربيع التشيك ، حيث تم تحرير المعتقلين السياسين وتم اعادة الاعتبار لهم ، كما تم توسيع هامش الحرية فى وسائل الاعلام .

لكن لم تكد تمضى خمسة وعشرين يوما حتى سمعنا انه فى هيو وحول سايجون فى الشمال الفيتنامى ان فيت كونج اعلن خطة هجوم تيت الساحق .
ان الصحفى آى . اف . ستون قال فى مؤتمر صحفى حاشد فى واشنطن ان الامبريالية الامريكية هى العدو الحقيقى ، وكان معظم الامريكيين يعترفون بانهم خسروا فى فيتنام ، بينما فل ودانيال بريجان – القسيسان الجيزويتيان فى ميريلاند - فقد اشعلا النار فى كومة من الوثائق امام الناس ، وعندئذ بدأت الاضطرابات تتخذ شكلا جادا داخل الحرم الجامعى .
ان الحركة التى قادها دانيل كوهن بندت واحتل بها جامعة نانتر بمساعدة حشد هائل من الطلبة فى 22 مارس ، ربما كانت الشرارة التى اطلقت احداث مايو 1968 ، كما كانت عملية  طرد هنرى لانجلوس من عمله كرئيس للسينمايك الفرنسى فى  9 فبراير هى التى اثارت حفيظة الانتلجنسيا فى باريس .
لقد كان المسؤول عن هذا القرار هو اندريه مالرو وزير الثقافة الفرنسى ، ولقد اطلق جان كوكتو تسميه على لانجلوس ( التنين الذى يحرس تراثنا ) ، لقد كانت صورة لانجلوس عند السلطات تبدو مثل الخنزير ، اما فى نظر المخرجين والنقاد وهواة السينما ، فقد كان الشخص الاكثر استحوازا على محبتهن .

بيير باربين هو الذى حل محل لانجلوس ، وقد يكون قد حقق نجاحا فى عمله كرئيس للرحلات و مهرجانات السينما ، لكنه لم تكن له ايه فرصة فى عمله الجديد لانه جاء ضد ارادة المجتمع السينمائى ، بالرغم من ان لانجلوس كان يتعامل بطريقة مدرسية مع المحفوظات السينمائية وطريقة تصنيفها .

لقد اندلعت مظاهرة عارمة تأييدا للانجلوس وضمت نجوما مثل كاترين دى نيف وجان بول بولموندو وسيمون سيجنوريه وألن رينيه وجان لوك جودار وفرنسوا تريفو ، لقد حدث هذا امام قصر شيو - وهو يضم احد قاعات السينماتيك ، بينما كانت القاعة الاخرى فى شارع رودام – وكان الجو فى هذه الاثناء مصحوبا برياح ربيعية باردة .

ولقد عبر جيلبرت أدير عن روح المظاهرة فى روايته ( الابرياء المقدسون ) واصفا الممثل جان بيير ليود الذى يبدو بعيونه الواسعة كما لو انه شبح المسيح ، والذى كان يقرأ بصوته الاجش ما جاء فى البيان الذى تم توزيعه على المتظاهرين ، وكانت الشرطة قد احطت بالمتظاهرين وتعاملت معهم ، وقد عانى الكثيرمن السينمائيين من الاصابات مثل تريفو وجودار وبرتراند تافرنير .


كلود ليلوش وجان لوك جودار وفرنسوا تريفو ولوى مال ورومان بولانسكى يحضرون الجبهة الموحدة .

برناردو برتولوتشى : ان جميع حركات الاحتجاج لعام 68 والتى شملت بيركلى ، وشيكاغو وجامعة كولومبيا ، قد بدأت جميعها فى فبراير عندما تم طرد لانجلوس ، فللمرة الاولى هاجمت الشرطة  مجموعة من المتظاهرين السلميين كان كل مطلبهم ان يعود لانجلوس الى عمله فى السينماتيك الفرنسى ، ولقد كان هجوم الشرطة والعنف المصاحب له هو المحرك للاحداث ، ولذلك فالسينما قد اصبحت متورطة منذ البداية .  

ومع حلول الحادى والعشرين من ابريل فقد فقدت الحكومة الفرنسية المعركة ، وعاد لانجلوس الى مقعده فى شارع رودام ، وفى 2 مايو اعاد السينماتيك فتح ابوابه ، وفى ظهيرة نفس اليوم – المعروف باسم الجمعة الحمراء -  فان اولى معارك مايو 1968 قد حدثت فى الحى اللاتينى بين الطلبة والشرطة ، تبعه هجوم عسكرى على مبانى الجامعة ، وفى العاشر والحادى عشر من مايو تزايدت حدة العنف حيث تم احراق السيارات ، كما هاجمت الشرطة حصون المتظاهرين ، , تم الاعلان رسميا عن اصابة 367 شخصا كما تم اعتقال 460 آخرين فى يوم 10 مايو فقط .

بدت الثورة كما لو انها على وشك الحدوث وكان مخرجو السينما الفرنسيين فى طليعة هذه الاحداث ، وكان من المقرر ان مهرجان كان السينمائى والذى يتصادف توقيته مع اضطرابات مايو - فبدا كما لو كان عرضا جانبيا اقليميا للاحداث الاساسية ، ولكن ونظرا الى الظروف فان المهرجان لم ينعقد وكانت هذه هى المرة الثالثة فى تاريخه – او على الاقل – لم ينعقد بشكل كامل – فقد نادت الاصوات بايقافه نظرا لان مجموعة من السينمائيين اصبحوا جزءا من المعمعة السياسية الدائرة .

كان مقررا انعقاده بين 10 الى 24 مليو ، وكانت هذه هى دورته الواحدة والعشرين ، وكانت لجنة تحكيم المهرجان تضم رومان بولانسكى ولوى مال ومونيكا فيتى - ملهمة انطونيونى – وترانس يونج – الذى كان مخرجا لاول افلام جيمس بوند .

وكان من بين الافلام ال 26 المختارة فى المسابقة الرسمية ، فيلم ( احبك .. احبك ) لآلن رينيه ، وقيلم ( كرة رجل المطافئ ) لميلوس فورمان ، وفيلم ( تقرير عن الحفلة والمدعويين ) لجان نيمك ، وفيلم ( بيتوليا ) لريتشارد ليستر ، وفيلم ( نعنان فرابي ) لكارلوس ساورا .
ولكن وعلى الرغم من ان المهرجان يبعد 500 ميلاً عن باريس ، وبالرغم من توقف التليفزيون عن البث مراعاة لدموية الاحداث فى باريس ، فان مهرجان ( كان ) لم يكن بعيدا عمل يحدث فى العاصمة .

ففى 13 مايو اصدرت جمعية النقاد بيانا تدعو فيه الحاضرين الى الانضمام الى مظاهرة لدعم الطلبة ( لنتظاهر ضد العنف الذى تمارسه الشرطة الجائرة والذى يعتبر اعتداءا على ميراث فرنسا فى الحرية الثقافية ، وعلى التقاليد العلمانية فى جامعاتنا ، وعلى مبادئنا الاساسية ) ، لقد طالبوا بتأجيل المهرجان ، لكن فافر لو برت رفض متعللا ان المشاركين الاجانب لا يجب الزج بهم فى  ما يمكن اعتباره شأنا فرنسيا ، لكنه – على ايه حال – اوقف الاحتفالات وحفلات الكوكتيل والعشاء .

وكان فرنسوا تريفو – وعلى اثر نجاح الحملة فى الدفاع عن السينماتيك – اصبح لديه هدف وهو ايقاف المهرجان ، ان الدعوة الى ايقاف المهرجان اتت فى شكل اقتراح تم الاجماع عليه من منظمة تم انشاءها حديثا اثناء الاحداث وسمت نفسها ( الاملاك العامة للسينما الفرنسية )
وكان هذا نوع من الاشارة الى ( الاملاك العامة ) التى تم اعلانها فى الثورة الفرنسية عام 1789 ، والتى حملت فى عام 1968 دلالتين ، ففى احد جوانبها ، وضع المشاركون فى احداث عام 68 انفسهم فى الفصيل الثورى التقدمى التاريخى ، وفى الجانب الآخر ، فان هذه الحركة كانت بمثابة عدم  اعتراف صريح  بالنموذج البرجوازى الذى يمثلوه ، ان ( الاملاك العامة للسينما الفرنسية ) تشكلت من ألف طالب سينمائى واعدادا من اعضاء نقابة المهن  السينمائية وكذلك المخرجين والنقاد والممثلين ، الذين عقدوا اجتماعاتهم العادية لنحو اسبوعين فى موقع معهد السينما الفرنسى فى شارع فوجيرار .

لقد كان هدفهم التغيير الجذرى لمؤسسات السينما الفرنسية ، وظهرت الدعوات التى تطالب باضراب عام لكل العاملين فى السينما وفى الوسائل السمع بصرية ، لقد استجاب الجميع الى الدعوة ، والاكثر من ذلك ، انهم طالبوا بايقاف مهرجان كان ، وكان المسؤول عن ذلك فرنسوا تريفو ورفاقه الشيوعيين فى الريفيرا الذين لم يتهاونوا فى تحقيق هذه الهدف .
فرنسوا تريفو

وفى صباح السبت الموافق 18 مايو ، ذهب تريفو الى المؤتمر الصحفى المنعقد فى صالة جان كوكتو – وكان منظمو هذا المؤتمر هم لجنة الدفاع عن السينيماتك ، وكان جودار موجودا ايضا وكذلك كلود ليلوش الذى حضر فى يخته الخاص الى المهرجان ، وكذلك لوى مال وميلوس فورمان الذى ألقى البيان الذى تسلمه من ( الاملاك العامة للسينما الفرنسية ) ودعى النقاد والمخرجين الى اغلاق مهرجان كان ، كما اعلن ميلوس فورمان وسط تصفيق الحاضرين انه يسحب فيلمه ( كرة رجل المطافئ ) من المسابقة .

وبعد ان ترك فورمان المنصة حل محله رومان بولانسكى الذى تابع المؤتمر واشار الى جودار وقال ( ان كل ما قلته اعادنى الى ذكرياتى عندما كنت فى بولندا اثناء الحقبة الستالينية ) ، وكنوع من الدعابة قيل ان بولانسكى قال ان تريفو وليلوش وجودار ( اطفال صغار يمثلون دور الثوريين ) واضاف ( اننى انسحب كنوع من التضامن مع الطلبة الذين ادعمهم بكل قلبى ، وانا لا اريد مطلقا ان يتم تفسير قرارى بالانسحاب على انه رفض لمهرجان كان ) . 


الفوضى تحيط عرض فيلم ( نعناع فرابى ) لكارلوس ساورا

اليوم التالى ونصف اليوم الذى تلاه اصبحا حلقة مستمرة من النقاس والمواجهات التى تنطلق فى صالة جان كوكتو وتتواصل فى الصالة الكبرى ثم تتكرر مرة اخرى ، وكان هذا النقاش مصحوبا بهتافات فكاهية وشتائم مهينة .
وحتى فى المراحل الاولى ، فقد كان واضحا ان هناك فروقا تكتيكية بين هؤلاء الذين ينادون باغلاق المهرجان ، فالبعض كان يفضل الاغلاق التام ، اما الآخرون فكانوا يطالبون بالتعديل بحيث تستمر عروض الافلام ، وبسبب التباين بين مواقف الراديكاليين والاصلاحيين فقد نتجت مشادات شديدة الحدة ، وفى تلك الاثناء كان لوى مال – عضو لجنة التحكيم – مشغولا جدا وراء الكواليس .
( ان واجبى ان اقنع لجنة التحكيم بالانسحاب ) ، ظنت اللجنة انه اذا استقالت لجنة التحكيم فان المهرجان لا يمكنه ان يستمر ، واثناء مقابلة مع لجنة التحكيم أعلن تيرانس يونج انه تلقى اتصالا تليفونيا من النقابة الفرنسية وانه – بصفته عضوا – فيجب عليه ان يمتثل لرأى النقابة ، ( لقد اقنعت مونيكا فيتى ) ، اما تريفو فقد ذهب ليقابل رومان بولانسكى الذى قال انه يود ان ينسحب لكنه اعتذر بسرعة عن ذلك .

اذن لم يكن الانسحاب بالاجماع ، ومع ذلك فان لجنة التحكيم لم تحرك ساكنا ، ونقل لوى مال الاخبار الى زملاءه الذين هرعوا الى الصالة الكبرى ، عندئذ اصبح الموقف امام كاميرات التصوير وكان الناس يتدفقون فى الممرات .

وبعد اعلان لوى مال ، اعلن فافر لو برت ان المهرجان لن يمنح جوائز لكنه اصر على استمرار المهرجان ، واشار ديفيد روبنسون فى الفيننشال تايمز ان مديرى مهرجان برلين وفينسيا اعلنوا ان جميع افلام المسابقة سوف تشارك فى المهرجانين فى يوليو واغسطس .
كان هذا كسباً لنصف المعركة ، واصبح الموقف اكثر مرارة ، واعلن لوى مال بعد ذلك انه يتحمل المسؤولية عن اغلاق المهرجان وفال ( لقد اصبحت شخصا غير مرغوب فيه فى مهرجان كان )

( المنتجون كانوا غاضبين وترددت الاشاعات التى تشير الى انها كانت غلطتى ... وعنما ذهبت الى المقهى الازرق المقابل لقصر المهرجان ، رفض العاملون خدمتى ) ومع ذلك فقد شارك لوى مال فى مهرجان كان العام التالى بفيلمه التسجيلى الذى صوره فى كالكتا بالهند فى نفس العام ، لكن فيلمه عُرض خارج المسابقة .
ان منتج الافلام الامريكى الشاب ساندى ليبرسون ، وجد نفسه لاول مرة فى ( نيك روج ) وكذلك فان عرض دونالد كاميل ظهر فى مهرجان كان لعام  1968 ولابد انه يتذكر جيدا المردود المادى لعمله .

لقد انتابتهم الصدمة مما حدث – ليس الفرنسيين – ولكن الناس الذين جاءوا الى مهرجان كان والذين ترتبط اعمالهم به ، ( ان هذا عملنا ، لقد جئنا لنرى الافلام ونبيع ونشترى الافلام ونعقد الصفقات ، اننا لسنا جزءا مما يحدث رغم اننا وجدنا انفسنا فيه ، اننى احب هذا ، اننا فى الولايات المتحدة الامريكية لا يمكن ان نكون يساريين ، لقد انتهى هذا العهد .... شيوعية ... انت تُهرج ؟ ، ان كلمة اشتراكية من الكلمات القبيحة بالنسبة لليبراليين ، لذلك فان ما حدث فى مهرجان كان 1968 هو قلة ادب ، ان الفرنسيين عملوها ، كانت عندهم الشجاعة لكى يقفوا ضد الحكومة) .

بعض المنتجين استغرقتهم الحالة  من منطلق انهم غير ثوريين ، وفى يوم الاحد 19 مايو اعتصموا على سلالم قصر المهرجان لكى تستمر العروض السينمائية
وبالنسبة للعروض التجارية فقد وجدت لها مكانا فى الشوارع الخلفية وقد استمرت عدة ايام ،

وعلى الرغم من الاضراب وندرة الوقود فقد قدم مهرجان كان العون للمنتجين والموزعين - الذين يتجمعوا كل عام فى مهرجان كان - لكى يواصلوا عمل صفقاتهم فى روما ، وهى اقرب عاصمة .

وقدمت مجلة فاريتى تقريرا قالت فيه ان اليزابيث تايلور وريتشلرد بيرتون استقلال طائرة خاصة من لندن لكى ينقلوا طاقم شركة يونيفرسال الذين تقطعت بهم الوسائل فى مدينة كان .

ومن اكثر الاشياء التى تميز اللقطات الاخبارية المصورة عن المهرجان تلك التى اظهرت التفاعل على المسرح بين قادة المتظاهرين وخاصة تريفو وجودار ، لقد استطاع تريفو ان يؤدى دوره جيدا فى التواصل وتقديم المعلومات للجمهور عن الاسباب التى تدعو لاغلاق المهرجان بالرغم من انه بدا كما لوكان  يُهدأهم بامكانية استمرار العروض .

اما جودار من الجانب الآخر فقد ظهر بوجه عبوس وكان متعاليا ومحتجا ، وكان واضحا انه كان يفتقد طبيعته التهكمية التى تعودناها منه ، لقد بدا المنظر كما لو ان الاثنين يمثلان على المسرح ارتجاليا دورى شرطى طيب وشرطى شرير ، ففى احد اللحظات كان جودار يوجه التهم الى الذين تجمعوا فى الصالة الكبرى ويتهم السينما بشكل عام كونها فشلت فى تقديم الحالة الثورية ( لا يوجد فيلم واحد اظهر المشاكل التى تعرض لها العمال والطلبة ، ولا فيلم واحد ، سواء لفورمان او لى او لبولانسكى او فرنسوا ، لقد فقدنا القارب )

واصر جودار وسط همهمة الحاضرين ( ان القضية ليست استمرار او عدم استمرار عروض الافلام ، القضية هى ان تُظهر السينما تضامنها مع حركة الطلبة ، والشئ الوحيد العملى لعمل ذلك هو ان تتوقف كل العروض فورا ) وفى لحظة اخرى , فقد جودار اعصابه وانهال بسيل من الشتائم على هاوى سينمائى سئ الحظ تجرأ وابدى ملاحظة مُعارضا جودار .
وقد اهتز جودار من ثورة الغضب وصاح ( انتم تتحدثون عن التضامن مع الطلبة والعمال في الوقت الذى تُناقشون فيه لقطات الترافلينج ( المصاحبة ) ولقطات الكلوس اب ، انكم منفصلون )  لقد كانت لحظة غريبة لمن يُشاهد ، فقد بدأ جودار يتراجع الى الخلف لحدة كلماته وكان تريفو يقف بجواره وملامحه تدل على الألم .

بدا الامر كما لو كان هجوم جودار تراجعا عن القناعات السينمائية التى آمن بها مع تريفو ، ويمكن ان نحلل ما حدث كما لو انها اللحظة التى تبرأ فيها جودار من فلسفته السينمائية بسبب موقف سياسى راديكالى . ان الاعوام التى تلت اظهرت انه تخلى عن اخراج اى فيلم تجارى ، انها ادت ايضا إلى الإنهاء الحاد لعلاقته بتريفو الذى وصف جودار وصفا لا يمكن لهما ان يتصافى بعده ، لقد قال واصفا جودار ( انه اورسولا اندرس المتعصب ) .
جان لوك جودار

ان محاولات اغلاق المهرجان لم تخل من الفكاهة ، فقد كانت هناك لحظة لا تقدر بثمن اثناء احتلال القاعة الكبرى ، حيث تصايح الجمهور للمطالبة بعرض فيلم ( نعناع فرابى ) لكارلوس ساورا ، ومن بطولة جيراليدن شابلن ، وكان هذا بالرغم من ان ساورا سحب الفيلم من المسابقة ، وبعد ان أطفئت الانوار تمهيدا لعرض الفيلم ، صعد الثوار على المنصة ليقوموا بعمل الشئ الوحيد المتاح لهم .

وبمساعدة من مخرج الفيلم وممثلته الاولى ، فقد مسكا الستارة ليمنعا العرض وظلا محافظين على اغلاقها حتى لا يرى المشاهدون الفيلم على الشاشة ، لقد جُرح جودار فى رأسه وفقد نظارته ، وهاجم احد المشاهين تريفو وطرحه ارضا ، ثم اُضيئت الانوار واعلن رئيس المهرجان فافر لو برت بيانه الثانى بالغاء عروض الظهيرة والمساء .

وعندئذ وصلت الامور الى مستواها النهائى من الازمة ، وقال أعضاء من المخابرات لفافر لو برت ( لا نستطيع عمل شئ لصناعة السينما ) فنوى ان يستقيل من مهرجان كان بسبب الفوضى التى حدثت ، وطلب من عمدة مدينة كان ان يستخدم قواته ليُخلى قصر المهرجان من المتظاهرين ، لكن طلبه رُفض ، وادرك فافر لو برت وفريقه ما تنطوى عليه ( ليلة المتاريس ) من اهمية ويتوجب عليهم ان يمنعوا تكرارها فى كروست ، وفى ظهيرة الاحد 18 مايو أعلن فافر لو برت اغلاق مهرجان كان السينمائى .

( لقد كانت لحظة عظيمة ) هكذا قال لوى مال عن عام 1968 , ( لقد توقفت البلد كلها فورا ، وبدأ الناس يفكرون فى حياتهم والمجتمع الذى يعيشون فيه ويفكرون فى كل احتمالات حل الازمة ، ان القليل من هذه الخيارات كان ممكنا ، وعندما انتهى كل شئ فاننى فكرت ( يجب على الواحد ان يجعل المهرجان معهداً ، ان مايو 1968 يجب ان يتكرر كل اربعة سنوات ، ان حالة التطهر كانت اكبر من حالة التطهر فى الاولمبياد الرياضى ) .

مقال : ريتشارد . ت . كيلى .
ترجمة :- ممدوح شلبى .

17‏/11‏/2012

مارتن سكورسيزى

مقالة  :- جاسون انكنى روفى .

ترجمة :- ممدوح شلبى .

مارتن سكورسيزى

مارتن سكورسيزى – واستشهادا بجميع المراجع السينمائية – هو اكثر صانعى الافلام شهرة فى هذه الحقبة ، لقد ارسى قواعد السينما الامريكية الحديثة طوال السبعينات والثمانينات ، انه يمتلك اسلوبا سرديا خاصا واسلوبية فى الصورة كما لو انه يعيش ويتنفس السينما . لقد حطى بشهرة تتناسب  مع شغفه بالسينما وقدراته التى وظفها فى سلسلة من الافلام الرائعة ، لقد كان يعمل عكس التيار السائد ، وبدأ العمل فى السبعينات وسرعان ما بدا عملاقا فى صناعة السينما ، لقد حقق نوعا من الشهرة والاشادة على مستوى العالم مثل جميع نظرائه من عباقرة السينما ، لقد عاش حياته مدافعا بلا كلل عن السينما ، كما عمل على تقليص الفجوة بين ماضى السينما ومستقبلها مثلما لم يفعل اى مخرج آخر ، ولقد تحدث سكورسيزى عن السينما التى الهمته فذكر انه تأثر بالكلاسيكيات الهوليودية والموجة الجديدة الفرنسية وحركة السينما السرية فى نيويورك – تلك التى ظهرت فى بداية الستينات – ولقد اعاد سكورسيزى روح هذه السينمات عبر ابداعه ورؤيته الخاصة ، لقد ظلت افلامه دائما معبرة عن سينما طليعية ، تدفع نحو تزويد التجربة السينمائية بنوع من الطاقة والاقدام ، وهو امر لم يستطع ان يحققه اى احد من مخرجى جيله .

وُلد سكورسيزى فى 17 نوفمبر عام 1943 فى منطقة فلاشنج فى نيويورك ، لقد كان الابن الثانى للاب تشارلز سكوسيزى  والام كاثرين سكورسيزى ، ولقد ظهر كل منهما كضيوف فى افلامه ، وفى طفولته عانى سكورسيزى من حمى حادة ، وعلى اثر ذلك فقد حُرم من المشاركة فى الالعاب الرياضية وباقى الانشطة المعروفة فى مرحلة الطفولة .

لقد عاش سكوسيزى فى منطقة تكتظ بدور العرض السينمائى ، وسرعان ما اصبح مهوسا بالسينما ، ونظرا الى نشأته فى اجواء كاثوليكية فقد بدأ فى الدراسة لكى يصبح قسيسا ، لكنه غير مساره واتجه لدراسة السينما فى كلية السينما بجامعة نيويورك ، وكان اول افلامه كطالب فى عام 1963 بعنوان ( ماذا تفعل فتاه رقيقة مثلك فى مكان كهذا ؟ ) ثم كان فيلمه الثانى 15 دقيقة بعنوان ( لست انت فقط يا موراى ) فى عام 1964 وهى سنة تخرجه .
ثم جاء عمله التالى فى عام 1967 وكان بعنوان ( المذبحة الكبرى ) ، وفى عام 1969 فقد اكمل فيلمه الروائى الطويل المثير للجدل ( من ذا الذى يطرق بابى ؟ ) وهو فيلم درامى وقام ببطولته الممثل هارفى كيتل ، الذى مثل الكثير من انجح افلام سكورسيزى ، وكان هذا الفيلم ايضا هو بداية التعاون من المونتيرة ثيلما شونميكر التى لازمته طوال حياته ، كما اُعتبر الفيلم حجر الاساس فى رؤية سكورسيزى الثورية للسينما .

ولقد امضى اسكورسيزى مرحلة قصيرة فى تدريس السينما فى جامعة نيويورك ، وكان من بين تلاميذه اوليفر ستون وجوناثان كابلان ، وبعد ذلك عرض سكورسيزى الفيلم التسجيلى ( مشاهد من الشارع ) والذى صور فيه مظاهرات الطلاب قى مايو 1970 احتجاجا على الغزو العسكرى لكمبوديا . وبعد هذا الفيلم سافر مباشرة الى هوليود مودعا نيويورك ، والتحق بالعمل كمونتير فى افلام ( وودستوك ) و( دواء بول كارافان ) و ( ألفيس فى جولة ) ولقد اطلقوا علي سكورسيزى  لقب ( الجزار ) جراء عمله فى مونتاج افلام شركة السينما الامريكية العالمية لروجر كورمان .

واثناء ذلك اخرج اول افلامه الذى لم يحظ باى فرصة للتوزيع خارج الولايات المتحدة الامريكية ، كان هذا الفيلم هو ( السيارة الصندوق بيرثا ) فى عام 1982 وكان من بطولة باربارا هيرشى وديفيد كارادين .
وبعد ذلك عاد الى نيويورك ليبدأ العمل فى اول تحفه السينمائية ( شوارع قذرة ) عام 1973 ، انه فى هذا الفيلم يغوص بعمق فى السير الذاتية ويستقصى الازمات الداخلية والروحية التى تواجه نفس مجموعة الشخصيات الذين ظهروا فى فيلمه السابق ( من ذا الذى يطرق بابى ؟ ) ، ان فيلم شوارع قذرة يؤسس لاسلوب سكورسيزى الذى يتميز بتوظيف شخصيات مهمشة لا تتميز بالبطولة ، وكذلك اسلوبه غير التقليدى فى التصوير وتقنية المونتاج ، ويظهر فى الفيلم ولعه بحياه رجال الدين ورجال العصابات ، كما يظهر توظيفه العبقرى للموسيقى الشعبية ، لقد كان هذا الفيلم هو الذى وضع سكوسيزى فى مقدمة جيل جديد من عباقرة السينما الامريكية ، كما ان هذا الفيلم ايضا يؤسس  لعلاقة سكورسيزى مع الممثل روبرت دى نيرو ، والذى دائما ما جسد الشخصية المحورية فى معظم افلام سكورسيزى بعد ذلك .

وبعد ذلك سافر سكوسيزى الى الامازون ليبدأ تصوير فيلمه ( آليس لم تعد تعيش هنا ) فى عام 1974 ، وجاء هذا الفيلم كنوع من التحدى ، فقد اتهمه النقاد بانه لا يستطيع تقديم فيلما عن شخصية نسائية ، وكانت المفاجأة ان الممثلة الين برستين التى قامت بدور البطولة ، حصلت على جائزة الاوسكار كاحسن ممثلة فى نفس العام ، كما ترشحت الممثلة دايان لاد لاوسكار احسن ممثلة مساعدة عن نفس الفيلم .

وبعد ذلك وفى نفس العام قدم سكورسيزى فيلما تسجيليا بعنوان ( الامريكى الايطالى ) ودائما ما يُشير سكورسيزى الى هذا الفيلم باعتباره احب افلامه على الاطلاق ، وهذا الفيلم التسجيلى يتناول تجربة الهجرة للايطاليين ، كما يتناول الحياه فى حى ( ايطاليا الضغيرة ) فى نيويورك ، وكان بطلا هذا الفيلم هما اب وام سكورسيزى ، وتضمن الفيلم اسرار عمل صلصلة الطماطم لكاثرين سكورسيزى ( ام المخرج ) .

سائق التاكسى .

ثم بدأ سكورسيزى العمل فى الفيلم المذهل ( سائق التاكسى ) فى صيف عام 1974 ، وهذا الفيلم كتب له السيناريو بول شرودر ، ان هذا الفيلم يتناول ظاهرة العنف فى المجتمع الامريكى المعاصر ، وكان من بطولة روبرت دى نيرو الذى جسد شخصية ترافيس بيكل .لقد حصل فيلم سائق التاكسى على السعفة الذهبية فى مهرجان كان 1976 ، وبعد خمس سنوات اصبح هذا الفيلم موضوعا للتحقيق بسبب احتواءه على محاولة اغتيال مرشح رئاسى ، ولقد تصادف ان تعرض رونالد ريجان الى محاولة اغتيال من شخص يدعى جون هينكلى ، وقيل ان الفيلم ألهمه .

وبعد هذا الفيلم اخرج سكورسيزى فيلم ( نيويورك .. نيويورك ) وهو فيلم موسيقى من بطولة روبرت دى نيرو وليزا مانيلى ، ان هذا لم يحقق لسكوسيزى نفس النجاح النقدى الذى حظيت به جميع افلامه ، كما اُعتبر هذا الفيلم بمثابة سقطة .

وعلى الرغم من براعته فى الافلام الروائية ، فانه واصل عمله التسجيلى لفيلم عن توديع فرقة موسيقية للعروض ، وقد تم تصوير فى عام 1976 ، وقد ظهر فى هذا الفيلم عديد من الرموز الغنائية الامريكية كضيوف شرف مثل مودى ووترز ، وبوب ديلان وفان موريسون .
اما فيلم ( الفالس الاخير ) فقد اخرجه سكورسيزى فى عام 1978 ، وقد شارك هذه الفيلم فى العديد من المهرجانات ، كما نال اعجاب محبى اغانى البوب الامريكيين .
اما فيلم ( ولد امريكى .. صورة لستيفن برينس ) فقد كان يتناول شخصية بائع الاسلحة الذى سبق ظهوره فى فيلم سائق التاكسى ، وتم اخراج هذا الفيلم فى عام 1978 ايضا .

الثور الهائج .

وفى ابريل عام 1979 ، وبعد عام من الاعداد ، بدأ سكورسيزى فى اخراج فيلم ( الثور الهائج ) وهو يعتمد على السيرة الذاتية للملاكم ( جاك لاموتا ) وقد كان هذا الفيلم ابيض واسود ، انه اكثر افلام سكورسيزى طموحا حتى ذلك الوقت ، كما اعتبره النقاد افضل افلام الثمانينات ، وحصل روبرت دى نيرو على اوسكار احسن ممثل لتجسيده شخصية جال لاموتا ، كما ترشحت الممثلة الصاعدة كاثى موريارتى لاوسكار احسن ممثلة عن دورها فى تجسيد الزوجة الثانية لجاك لاموتا ، كما حصلت المونتيرة ثيلما شونميكر على اوسكار احسن مونتاج عن هذا الفيلم .

وفى عام 1983 عاد روبرت دى نيرو مرة اخرى الى مارتن سكورسيزى ، فى فيلم ( ملك الكوميديا ) الذى يتناول بسخرية حياه البذخ والشهرة .
الاغواء الاخير للمسيح .

ونظرا الى ان سكورسيزى كان يحلم منذ ان كان فى العاشرة من العمر ، ان يقدم فيلما عن حياة يسوع المسيح ، فقد كان على وشك تحقيق هذا الحلم فى عام 1983 عندما اعد رواية نيكولاس كازنتزاكس التى تحمل عنوان ( الاغواء الاخير للمسيح ) ، لكنه وقبل اربعة اسابيع من تصوير الفيلم ، فوجئ سكورسيزى بعدم توفر الميزانية الكافية للفيلم .

وفى عام 1985 ، ونظرا لصعوبات مادية صادفت سكورسيزى ، فقد اضطر للموافقة على اخراج المسرحية الكوميدية ( بعد الساعات ) لاحد مسارح نيويورك .
وفى عام 1986 ، بدأ سكورسيزى فى اخراج فيلم ( لون المال ) ، من بطولة بول نيومان الذى حصل عنه على اول جائزة اوسكار احسن ممثل ، وكان فيلم ( لون المال ) هو اول افلام سكورسيزى التى نجحت جماهيريا ، وعلى اثر ذلك فقد اصبح قادرا على اخراج فيلم ( الاغواء الاخير للمسيح ) ، وكان من بطولة ويليام دافو ، وقد ظهر هذا الفيلم الروائى فى عام 1988، وقد تعرض الى الانتقاد الشديد فيما يتعلق بحقيقة حياه المسيح ، لكن هذا الانتقاد كان احد اسباب نجاح الفيلم جماهيريا كما ترسخ اسم سكورسيزى كمخرج سينمائى جماهيرى .

وفى عام 1989 اخرج سكورسيزى جزءا من فيلم شارك الاخراج فيه كل من فرانسيس فورد كوبولا وودى ألن ، انه فيلم ( قصص نيويورك  ) وكان من بطولة روبرت دى نيرو .
وفى عام 1990 بدأ فى اخراج الفيلم التحفة ( اولاد طيبون ) الذى يعتمد على كتاب لنيكولاس بيليجى يتناول جريمة قتل حقيقية ، وتناول الفيلم تفاصيل العالم الاجرامى وخفاياه فى نيويورك ، وقد حصل الممثل جو بيسكى على اوسكار احسن ممثل مساعد .

ونظرا الى ان سكورسيزى كان قد وقع عقدا مع شركة يونيفرسال التى انتجت له فيلم ( الاغواء الاخير للمسيح ) فقد اقتضى على سكورسيزى ان يخرج للشركة فيلما آخر يكون تجاريا ، فكان هذا الفيلم هو ( الرأس المرعب ) عام 1991 ، وهو اعادة انتاج لفيلم اثارة هوليودى قديم .

وفى عام 1993 ، اخرج سكورسيزى فيلم ( زمن البراءة ) اعتمادا على رواية لاديث وارتون ، ويتناول الفيلم عادات مجتمع نيويورك فى سبعينات القرن التاسع عشر ، وكان من بطولة دانييل داى لويس وميشيل فيفر .
وفى عام 1995 ، قدم سكورسيزى فيلمين ، اولهما ( كازينو ) الذى يوثق لصعود وانهيار مدينة لاس فيجاس فى السبعينات ، اما فيلمه الثانى فكان ( رحلة شخصية مع مارتن سكورسيزى خلال السينما الامريكية ) وهو يتناول تطور عملية اخراج السينما فى هوليود .
وفى عام 1997 اكمل فيلم ( كاندن ) الذى يتناول سنوات من حياة الدالى لاما فى المنفى ، وفى نفس العام حصل سكورسيزى على جائزة معهد السينما الامريكى عن مجمل اعماله .
وفى عام 1998 شارك سكورسيزى فى احتفالية معهد السينما الامريكى التى حملت عنوان ( مائة عام .. مائة فيلم ) وقدم سكورسيزى رؤيته للعلاقة بين سينما الماضى وسينما المستقبل .
ثم عاد سكورسيزى مرة اخرى لاخراج الافلام فى عام 1999 بفيلم ( استخراج الميت ) وهو فيلم درامى طبى من بطولة نيكولاس كيدج .

عصابات نيويورك .

فيلم عصابات نيويورك

ومع بدء الالفية الجديدة اخرج سكورسيزى اول افلامه لشركة ميراماكس الذى حمل عنوان ( عصابات نيويورك ) ، وكان هذا الفيلم يراود ذهن سكورسيزى طوال ربع قرن الى ان تمكن من اخراجه ، وتم عرضه فى ديسمبر 2002 ، وفى هذا الفيلم نرى صراع عصابات نيويورك اثناء الحرب الاهلية ، وقد حصد هذا الفيلم العديد من جوائز الاوسكار ، من بينها احسن فيلم واحسن مخرج ، وقد كان هذا الفيلم سببا لكى يقوم سكورسيزى بدور المنتج المنفذ فى فيلمه التالى الذى حمل عنوان ( يمكنك ان تعتمد على ) .
ثم اخرج فيلم الطيار وهو عبارة عن السيرة الذاتية للمليونير الامريكى هوارد هيوز ، ويركز الفيلم على ايام صباه ، ان  سكورسيزى استعان بالممثل الامريكى ليوناردو دى كابريو فى فيلمى ( عصابات نيويورك والطيار ) بعد كان يستعين بروبرت دى نيرو .
وفى عام 2004 ، شارك سكورسيزى فى تمثيل احد شخصيات فيلم التحريك ( قصة سمكة قرش )
وفى عام 2005 انجز سكورسيزى فيلما تسجيليا من اربع ساعات ، وهو عبارة عن مقابلات مع الموسيقى بوب ديلان الذى كرس حياته للحفلات الموسيقية فى بريطانيا  ، حيث ثار عليه الجمهور بسبب استخدامه للآلات الموسيقية الكهربية .

الراحل .
فيلم الراحل

وفى العام التالى ، اخرج سكورسيزى فيلم ( الراحل ) من بطولة ليوناردو دى كابريو ايضا ، وهذا الفيلم يعتمد على رواية  ( امور جهنمية ) ويحكى عن شرطى سرى ، وقد شارك فى التمثيل جاك نيكلسون ومات ديمون ، وقد اُستقبل الفيلم بحفاوة من النقاد ، كما حظى بنجاح جماهيرى لم يسبق لسكورسيزى ان حققه ، كما جعل المخرج يحصل على العديد من الجوائز من بينها الجولدن جلوب كاحسن مخرج ، كما حصل على الاوسكار عن مجمل اعماله .

وفى عام 2008 قدم سكورسيزى فيلما تسجيليا عن موسيقى الروك ، ( بريق الضوء ) وهو اول افلامه الذى عُرض على الشاشات بتقنية ( آى ماكس ) .
وفى عام 2010 اخرج سكورسيزى فيلم الاثارة ( الجزيرة المحطمة ) معتمدا على رواية لدانيس لاهان ، ان هذا الفيلم ايضا من بطولة ليوناردو دى كابريو .
كما واصل سكورسيزى اخراج الافلام التسجيلية فقدم فيلما عن مغنية البوب ويتى فران ليبوتز ، كما قدم فيلما عن المخرج الامريكى اليا كازان بعنوان ( خطاب الى اليا ) ، كما قدم فى عام 2011 فيلم ( جورج هاريسون : العيش فى عالم الماديات ) .
وفى عام 2011 قدم فيلم ( هوجو ) وهو يعتمد على كتاب لبراين سيلزنك ، وهذا الفيلم يمثل تحديا تقنيا لسكورسيزى لانه استخدم تقنية الفيلم ثلاثى الابعاد لاول مرة ، ونتيجة لجودة الفيلم فقد حصل الفيلم على عدة ترشيحات  للاوسكار الامريكى اكثر من اى فيلم امريكى آخر لهذه السنة ، ولقد حصل سكورسيزى على جائزة الجولدن جلوب كاحسن مخرج ، كما حصل على الاوسكار ، وحصل ايضا على جائزة نقابة المخرجين لهذا الفيلم .
مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى .

02‏/10‏/2012

السينما تكافح للبقاء



محمد سعد فى فيلم بوحة


ممدوح شلبى

تحقق السينما المصرية عائدا سنويا من دور العرض السينمائى فى مصر يبلغ نحو 100 مليون جنيه مصرى ، بينما تحقق السينما الامريكية فى عروضها السينمائية فى الولايات المتحدة الامريكية وكندا نحو 10 مليار دولارا سنويا .

ان الارقام دالة ولا يمكن ان نمر على هذه الحقيقة بدون تعليق ، فالمواطن المصرى ينفق نحو جنيها وربع سنويا على سينماه الوطنية بينما نظيره الامريكى والكندى يدفع نحو 28 دولارا سنويا ، انه فارق شاسع ويزيد اذا وضعنا فى الاعتبار فارق صرف العملتين ، فتكون النتيجة ان المواطن الامريكى والكندى يدفع نحو مائة وخمسين ضعف ما يدفعه المواطن المصرى .

وايضا ينبغى الاشارة الى ان معدل مشاهدة الامريكيين للسينما يبلغ نحو ثلاث مرات سنويا ، فعدد التذاكر المباعة يصل الى اكثر من مليار تذكرة سنويا ، بينما المصريون يزورون السينما مرة واحدة كل عشر سنوات  فعدد التذاكر المباعة  يصل الى نحو ثمانية مليون تذكرة سنويا .

ان المليارات العشرة من الدولارات ، تحصدها السينما الامريكية من شباك التذاكر فقط ، فهذا الاحصاء لا يشمل العوائد الاخرى للسينما الامريكية مثل التوزيع فى باقى انحاء العالم وخاصة اوروبا ، عوضا عن اشكال التوزيع الاخرى مثل الدى فى دى او العروض التليفزيونية ، ان الرقم الاجمالى الذى تحققه السينما الامريكية يمكن تقديره بنحو 20 مليار دولارا سنويا .

هذه المقدمة لا غنى عنها لبدء النظر الى السينما المصرية ، فهى غير قادرة على التطور ولا تستطيع ان تنافس ، كما ان استحواذ الاسلاميين على الشأن السياسى والتشريعى فى مصر يضع السينما المصرية فى ازمة نظرا للعداء الضمنى بين التيارات الدينية وبين الفن - وعلى الرغم من ان الرئيس المصرى الاخوانى محمد مرسى اعلن عن وقوفه بجانب الفن والفنانين وانه مع حرية الابداع – الا ان هذا لا ينفى حقيقة ان العداء للسينما متأصل فى ادبيات التيارات الدينية وهو ما يُؤشر لصعوبات هائلة ستصادف الانتاج السينمائى فى مصر فى السنوات القليلة القادمة  وقد تصل الى حد الغاء الانتاج السينمائى تماما او جزئيا .

ومن هذه المقدمة ايضا نفهم ان الشعب المصرى لا يعتبر السينما شيئا هاما باستثناء جمهور الاطفال الذين يذهبون الى السينما بكثافة فى الاعياد ، وهو الموسم المسؤول عن مبيعات السينما المصرية  ، اننى اقرر هنا وبناءا على هذه الارقام ان السينما المصرية شديدة الضعف وليس لها جمهور يساندها .

ان  شيئا هاما آخر ينبغى الاشارة اليه ، وهو ان ما تحصده السينما من اموال والبالغ 100 مليون جنية ، هى نفس تكلفة هذه الافلام ، فالتقديرات تشير ايضا الى ان تكلفة الانتاج السينمائى فى مصر تصل الى 100 مليون جنية ، وهنا ايضا نتوقف عند حقيقة ان عائد شباك التذاكر يتشارك فيه اربعة شركاء هم المنتج والموزع وصاحب دار العرض والضرائب ، ما يجعلنا نقرر ايضا ان العائد الذى يصل للمنتجين لا يتعدى ربع ال 100 مليون جنية ، فتكون النتيجة ان السينما المصرية تخسر سنويا نحو 75 % وهذه الخسارة لا تعوضها العوائد الاخرى مثل الدى فى دى او العروض التليفزيونية ، فهذه العوائد قليلة جدا ، كما ان الدى فى دى يتم استنساخه او عرضه على شبكة الانترنت بصورة غير شرعية .

هذه هى الحقائق فيما يتعلق بالانتاج السينمائى فى مصر ، واذا وضعنا فى الاعتبار ان افلاما معينة تنجح جماهيرا فانها بالكاد تغطى تكلفتها ، اما باقى الافلام فانها تفشل فشلا ذريعا .

لقد تداعت الى ذهنى كل هذه الاشياء عندما استمعت الى زعيم حزب دينى سلفى يقترح فيه الاستغناء عن القرض من البنك الدولى والبالغ اكثر نحو 4.8 مليار دولارا امريكيا ، وتجميع هذه الاموال من مصر عن طريق الغاء النشاط الفنى لمدة عام ، وكأن النشاط الفنى فى مصر يحقق ارباحا تصل الى اكثر من اربعة مليار دولار سنويا .

ان كلام الزعيم السلفى يعبر عن عدم ادراكه لتكلفة الانتاج الفنى فى مصر ، لكنه يُظهر العداء والتربص من جانب التيارات الدينية لاى نشاط فنى وثقافى مصر وهو ما يهدد صناعة السينما فى مصر الى حد الغاءها جزئيا او كليا كما سبق وان اشرت .

ان المنتجين فى مصر يستشعرون الخطر ، انهم لن يخاطروا بدفع اموالهم فى انتاج سينمائى كان يحقق لهم الخسائر ، والآن وبعد ان قفزت التيارات الدينية لتتسيد المشهد السياسى والتشريعى ، فان المنتج السينمائى المصرى لا يجد امامه الا ان يتوقف تماما ونهائيا عن الانتاج السينمائى .

ودعونى ارد على الزعيم السلفى لكى اثبت ان السينما تمثل اضافة كمية فى الاقتصاد ، فالسينما تتميز بانها سلعة  زمنية لا تتأثر بعدد مستهلكى هذه السلعة سواء كان العدد كبيرا او صغيرا ، وهذه الميزة تتشابه مع سلع زمنية اخرى مثل المسارح والمتنزهات والمباريات الرياضية .
ان المستهلكين لهذه السلع لا يتعاطون مع مادة تفنى بالاستهلاك مثل  سلعة الطعام او الشراب او الدواء ، لكنهم يستهلكون الزمن ، ولان الزمن متاح وهو ممتد ومتصل ويمكن اختيار هذا الزمن والتوقيتات المناسبة ، فان سلعة السينما بهذا الوصف تُعتبر سلعة زمنية ، وهى احد مزايا صناعة السينما لان ازدياد مستهلكى السينما لا يتطلب بالضرورة زيادة استثمارات جديدة ، فالامر يمكن اختصاره على انه اشغال لمقاعد دور العرض السينمائى الموجودة اصلا لكنها خالية .

لكن تشجيع الجمهور المصرى على الذهاب الى دور العرض السينمائى ليس عملا سهلا كما انه اصبح اكثر مشقة عن ذى قبل فى ظل هذه المقترحات التى سمعناها من الزعيم السلفى بايقاف الانتاج الفنى ، ان ما يجول فى عقل الزعيم السلفى يلخص وجهة نظر التيارات الدينية فى الفن والسينما على وجه الخصوص .

 ان هذا لابد ان يكون قد اثر على منتجى السينما المصرية الذين يفكرون فى تأجيل انتاجهم لحين وضوح الرؤية ، ولا شك انهم يضعون فى اعتبارهم احتمال اشتداد تأثير التيارات الدينية بعد ان عاصرنا ظهور كيانات منظمة تنتسب للتيارات الدينة قامت بغزو مدينة الانتاج الاعلامى منذ اكثر من شهر لارهاب المذيعين واصحاب القنوات الخاصة التى تنتقد الاخوان المسلمين ، ان هذه الكيانات المنظمة  تستطيع اذا شاءت ان تغزو دور العرض السينمائى وتدمرها ، تماما كما تدمرت مكتبة الاسكندرية فى بداية القرن الخامس الميلادى على يد متشددين دينيين ايضا بدعوى محاربة الوثنية ، ان الدعوة الحالية ستكون تحت اسم جديد مثل محاربة الضلال .

لكن هذا الامر سينطوى على خطيئة كبرى وهى نفس خطيئة احراق مكتبة الاسكندرية ، فالسينما فنا يستهدف توحيد الشعب ويستهدف الارتقاء بذوقه وتثقيفه ، عوضا عن ذلك تأثيره الايجابى على الاقتصاد الوطنى .


واذا كنا لا نستطيع ان نلمس فى الوقت الحالى اى اثر للسينما على الاقتصاد الوطنى نظرا لضآلة العائد من هذه السينما ، فمبلغ ال 100 مليون جنية سنويا لا يساوى شيئا اذا قارناه مثلا بثمن غذاء المصريين ليوم واحد ، فالمصريون ينفقون نحو 800 مليون جنيه يوميا على الغذاء ، وهذا يهمش عوائد السينما المصرية ، الى حد اعتبارها كأنها غير موجودة .

لكن حال السينما المصرية الحالية ليس قياسا لاهمية السينما المصرية من الناحية الاقتصادية ، فقد حققت السينما نجاحات فى الماضى جعلتها تصل الى ثانى مورد تصديرى بعد القطن ، كما وصلت هذه السينما الى ابعد من نطاقها الجغرافى ، فبعض افلام ام كلثوم تم توزيعها فى البرازيل وحققت نجاحا جماهيريا .

لقد انتظر السينمائيون ثورة 25 يناير لكى يبدأوا فى اصلاح حال السينما وتحويلها الى فنا شعبيا واسع الانتشار كما كانت ، بحيث تتضاعف ايرادات هذه السينما ، فيظهر اثر ذلك على الاقتصاد القومى ..

دعونا نتخيل لو ان المصريين انفقوا 1 % من دخلهم فى شراء سلعة زمنية مثل السينما ، ان الاثر المباشر هو انخفاض اسعار الغذاء والسكن بنفس النسبة وهو ما يحد من عامل التضخم الذى يعانى منه المصريون وخاصة محدودى الدخل .

اننى اؤكد على ان زيادة عوائد السينما المصرية من الممكن تحقيقه ، وان هذه الزيادة لا تعنى زيادة الاستثمارات الحالية ، لكن الامر يتعلق بتحسين صناعة السينما وتشجيع الجمهور على ارتياد دور العرض السينمائى ، والرد على دعاوى التيارات الدينية ومقاومتها .

مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى .

29‏/09‏/2012

أليخاندرو أمينابار




ممدوح شلبى .

كانت ملاحظتى الأولية بعد أن شاهدت فيلم أجورا للمخرج الاسبانى اليخاندرو أمينابار ، إننا بصدد عبقرية سينمائية إستثنائية قلما يجود بها عالم السينما ، لقد أعجبنى الفيلم كثيراً ولم أندهش عندما قرأت أن بعض النقاد يعتبرون بعض افلام أمينابار  من أروع أفلام السينما العالمية ، إنهم يقصدون فيلم ( البحر بالداخل ) وفيلم ( أجورا ) تحديداً ، لأن باقى افلامه تفتقد شيئا ما يمنع تصنيفها كتحف سينمائية .

لقد تتبعت اثر هذا المخرج المدهش وشاهدت له فيلم ( الآخرون ) ايضا لكننى لاحظت ان الثلاثة افلام التى شاهدتها تختلف عن بعضها بعضا ، وان كل منها يحتوى على نوع من التجريب ، وبشكل عام فان اليخاندرو امينابار يتميز بنوعية من السينما الغنية التى يلعب فيها السيناريو اهم الادوار ، كما تختلط فى افلامه عناصر الابهار بالرؤية الفلسفية ، ان هذا لا يمنع ايضا تذمرى الشديد من فيلم (الاخرون) رغم اللغة السينمائية الغنية لفيلم تدور احداثه جميعا داخل مكان واحد مغلق ، لقد تمنيت ان يكون ثمة تأثر بانجمار برجمان ، لكنه كان يصنع فيلما تجاريا واعتقد انه اهان عبقريته كثيرا بهذا الفيلم او انه كان يتنازل من اجل ان يغزو الشاشات الامريكية ، فهذا الفيلم كتبه امينابار وارسله الى توم كروز بعد ان اشترى توم كروز حقوق اعادة انتاج فيلمه السابق ( افتح عيونك ) الذى حملت نسخته الامريكية اسم فانيلا سكاى .

بداية اليخاندرو فى السينما الروائية الطويلة  بفيلم (الاطروحة) لا يمكن باى حالى ان تُرهص بفيلم اجورا ، ففى فيلم الاطروحة فانه يحشد كل اسباب النجاح الجماهيرى لفيلمه ويتخذ اسلوب الاثارة وجريمة قتل ، هذه العناصر لا تنتمى الى السينما الفنية بل الى ميراث هوليود فى السينما الجماهيرية التى لا تصل الى مهرجانات السينما ولا تحظى بالترحيب من النقاد ، ولن نستغرب هذه البداية فقد عبر اليخاندرو عن اعجابه بالمخرج الامريكى ستيفن سبيلبيرج الذى يُعد اسطين السينما الامريكية التجارية .

لكن اليخاندرو امينابار ومنذ فيلم ( البحر بالداخل ) ومن بعده ( اجورا ) فيبدو انه صحح مساره الفنى ولم يعد يهتم بافلام الاثارة ولذلك فقد اقترب من السينما الفنية التى تحظى باعجاب النقاد وتجد لها مكانا فى المسابقات الرسمية للمهرجانات الكبرى ، وتحصل ايضا على جوائز كبرى .

وُلد اليخاندرو امينابار فى شيلى عام 1972 ، لاب شيلى وام اسبانية ، وعندما كان عمره سنه واحدة رحلت عائلته الى اسبانيا ، وكان هذا قبل خمسين يوما فقط من الانقلاب السياسى الذى قاده الديكتاتور بينوشيه فى شيلى .

ويقول امينابار ( اننى مازلت اتذكر غناء امى على جيتارها ، لكنها عندما وصلت اسبانيا فانها توقفت عن العزف ، ان ذاكرتى تستدعى ايضا اغنية قديمة لجيمينى كريكت ، وعندما كنت فى السادسة عشر من العمر ، فاننى اشتريت جهاز تسجيل – ولم يكن لدينا فى منزلنا فى مدريد جهاز تسجيل حتى ذلك الوقت – ووقتها وجدت نفس الاغنية . )

ويستذكر ايضا ( اخبرانى والداى اننى كنت معتادا ان اقول بابا وماما قبل ان نصل الى اسبانيا ، لكننى فى اسبانيا  صمت تماما عن الكلام حتى انهما اخذانى الى طبيب .....
وثمة ذكرى اخرى اتذكرها من طفولتى ، وهى اننى لم اكن ألعب مع الاطفال الاخرين فى الشارع ، اننى لا اعرف السبب ، والآن فاننى اعتقد ان سبب ذلك ان هؤلاء الاطفال لم يكونوا مألوفين لى ) .

( كنت غالبا لا اشاهد السينما ، لكننى احببت افلام مثل ( اى تى ) وانديانا جونز ، واوضح لى اخى ان الفيلمين من اخراج ستيفن سبيلبيرج )

بدأ اليخاندرو امينابار دراسة السينما فى عام 1990 ، وكانت الدراسة تركز على تقنييات الصورة والصوت ، كان هذا فى جامعة ( كومبلوتنس ) فى مدريد ، ولسوء الحظ فان هذه الدراسة كانت تفتقر الى التدريبات العملية ، ولذلك فقد ترك الدراسة بعد ان رسب عدة مرات بشكل تعسفى ، ثم بدأ فى  اخراج الافلام القصيرة منذئذ ولقد انفتحت الدنيا امام هذا السينمائى الصغير .

الافلام القصيرة والبدايات .

فى عام 1991 وكان عمره 19 عاما ، فانه عرض اول افلامه القصيرة ( الرأس ) الذى نال جائزة جمعية صناع السينما الهواه المستقلين ، كما كان هذا الفيلم هو بداية زمالته مع ماتيو جيل - كاتب السيناريو والمخرج الاسبانى – والذى يعتبر شريكا فنيا لامينابار فى مشواره الفنى .

ثم جاء فيلمه القصير الثانى فى عام 1992 ، وكان بعنوان ( الاجنحة الغشائية ) ولقد فاز بجائزة احسن فيلم فى مهرجانين هما ( أليكانتى ) ومدريد .
( لقد اردت من البداية ان اكون مخرجا ، بالرغم من اننى لم اكن اعى متطلبات الاخراج ، لكننى فى عامى المهنى الاول كمخرج ادركت المعنى الحقيقى للاخراج ، لقد كنت انا وصديقى ماتيو جيل نعمل اول افلامنا ) .

وفى عام 1994 كتب امينابار واخرج ثالث افلامه القصيرة ، انه فيلم ( القمر ) الذى فاز بجائزة لويس جارسيا بيرلانجا كاحسن سيناريو وجائزة اخرى كاحسن شريط صوت عن نفس الفيلم .

لقد اشتهر اليخاندرو امينابار بتعدد وظائفه فى الفيلم الواحد ، فهم يخرج ويكتب السيناريو ويمنتج ويمثل ويؤلف الموسيقى .
كما عمل ايضا كمصور ومونتير ومؤلف موسيقي لأول افلام صديقه ماتيو جيل وكان يحمل عنوان ( قبل القُبلة كنت احلم اننى قتلتك )

بعد هذه الافلام القصيرة الناجحة ، قرأ المخرج جوزيه لويس كويردة سيناريو من تأليف امينابار وماتيو جيل ، لقد كان فيلما طويلا بعنوان ( الاطروحة ) .

فيلم الاطروحة .

ان حبكة الفيلم تعتمد على الاثارة والدم  وتدور فى نفس الجامعة التى لم يكمل امينابار الدراسة بها ، لقد تم عرض الفيلم فى عام 1996 ، ولقد ادهش النقاد منذ عرضه الاول فى مهرجان برلين السينمائى ، لقد حصل هذا الفيلم على سبع جوائز ( جويا ) – انها جوائز اسبانية تعادل الاوسكار الامريكى -  ومن ضمن هذه الجوائز جائزة احسن فيلم واحسن سيناريو مكتوب خصيصا للسينما واحسن مخرج .

( كنت اقرأ عن افلام القتل ، وكان الشئ الوحيد الذى كنت على ثقة فيه ، هو اننى اريد ان احكى قصة عن كلية تزدحم باناس تافهون مغرمون بالسينما وحيث الاساتذة اناس اشرار . )

والفيلم يحكى عن انجيلا التى تدرس  فى اكاديمية السينما ، انها تعمل فى اطروحة عن العنف فى الافلام ، وكعون لها فى عملها فان معلمها ( فيجيورو ) يعدها بان يبحث فى المكتبة الفلمية عن اكثر الافلام عنفا ، وفى نفس الوقت فان زميل دراستها ( شيما ) يدعوها لمشاهدة العديد من افلام العنف والجنس فى منزله .

وفى المكتبة الفلمية يكتشف ( فيجيورو ) عن طريق الصدفة تجاويف فى قاعات تحت الارض مملوءة بمئات من افلام الفيديو ، انه يختار واحدا من هذه الافلام ثم يخرج ، وفى الصباح التالى فان انجيلا تكتشف موته فى غرفة العرض السينمائى ، وتقوم انجيلا بسرقة شريط الفيديو الذى شاهده الاستاذ ثم تأخذه معها الى بيتها ، ونظرا لحالة الخوف الشديد الذى انتابت انجيلا تجاه هذا الفيديو فانها تقرر ان تستمع الى الصوت فقط ، الذى يتكون من صرخات امرأة .

ويكتشف ( شيما ) وجود شريط الفيديو ويقرر مع انجيلا ان يُشاهداه ، ان الشريط عبارة عن فيلم من افلام القتل ويقوم القاتل بتصوير الفيلم  ، ان انجيلا ترى فى الفيلم عملية تقطيع اجزاء جسم القتيلة ، ويقوم ( شيما ) بتحليل الصورة ويكتشف نوع الكاميرا التى اُستخدمها القاتل فى تصوير الفيلم .

وبعد عدة ايام تتقابل انجيلا فى المعهد مع شاب يُسمى ( باسكو ) انه يحمل نفس نوع الكاميرا ، وتكتشف انجيلا ان هذا الشاب صديق حميم ل ( فانيسا ) ، انها الفتاة المقتولة فى الفيلم .

وبعد ذلك تكتشف انجيلا ان العديد من نفس نوع الكاميرا تم شراءها بواسطة المعهد منذ عدة اعوام ، وتتقابل انجيلا مع البروفيسير ( كاسترو ) فى مكتبه ، انه الاستاذ الذى يعمل بالتناوب مع الاستاذ السابق رؤيته ( فيجيورو ) وذلك لمناقشة عملها البحثى .

وبعد محادثة متوترة بينهما ، يكشف لها ( كاسترو ) شريط فيديو ، فترى انجيلا نفسها  فى هذا الشريط وهى تقوم بسرقة شريط فيلم القتل من غرفة العرض السينمائى .

ان ( كاسترو ) يطلب منها تسليمه شريط القتل ولكنها تهرب ، وتُدرك انجيلا انها دخلت عالم محفوف بالمخاطر وانها ربما تكون الضحية القادمة التى ستظهر فى فيلم القتل التالى ، لكنها تقرر ان تنأى بنفسها عن هذا الخطر .
ان اليخاندرو امينابار لم يكمل تعليمه الجامعى فقد رسب فى مادة ( التاليف السينمائى ) ، ان الاستاذ الذى تسبب فى رسوب اليخاندرو فى هذه المادة كان اسمه كاسترو ، وهو نفس اسم الاستاذ الذى يظهر فى فيلم الاطروحة ( 1996 )
ومن المفارقات ان امينابار والذى رسب فى مادة التأليف السينمائى اصبح واحدا من افضل سينمائى العالم بفضل كتابته لسيناريوهات افلامه بنفسه وبمشاركة احيانا مع ماثيو جيل .
ويقول امينابار عن فيلم الاطروحة ، انه فيلم ممتع ومهم انطلاقا من حقيقة انه من اوائل افلام الجريمة فى السينما الاسبانية .


افتح عيونك .
ثم جاء فيلمه الطويل الثانى ( افتح عيونك ) الذى يمثل عودة الى الاثارة السيكولوجية مُضافا اليها عناصر من الخيال العلمى ، لقد كان هذا الفيلم مثل ( ثيسس ) فقد استحدث اساليب جديدة غير معروفة فى السينما الاسبانية .
وبعد نجاح هذا الفيلم فى مهرجانات برلين وصاندانس وطوكيو ، فان فيلم ( افتح عيونك ) كان نقطة البداية لشهرة امينابار العالمية .
فى ظلمة زنزانة سجن تخص الامراض النفسية نرى ( سيزار ) وهو شاب فى الخامسة والعشرين من العمر ، انه يبدأ فى قص اسباب مجيئه هنا الى الطبيب النفسى ( انتونيو ) ، ان هذا الشاب يتمتع بوسامة وله اسلوبه الخاص فى استمالة النساء ، وبالاضافة الى كل هذا فانه ورث ثروة كبيرة ، ان ( سيزار ) هو من الناس الذين منحهم القدر الكثير فى حياتهم لكى يكونوا اسعد الناس .
وفى احدى الليالى فانه يتعرف على ( صوفيا ) ، ان صديقه ( بيلايا ) هو الذى عرفه الى صوفيا ، ويشعر سيزار بانه يحب صوفيا من اول نظرة ، ولا يجد غضاضة فى اخذها من صديقه بيلايا ، انه يفعل ذلك ببساطة والاكثر من ذلك ان علاقتهما تبدو رائعة .
وفى نفس الليلة يذهب سيزار الى نوريا ، انها شابة مغرمة به الى حد الهوس ، ويحاول سيزار ان يتخلص منها لكن اصرارها على البقاء معه يدفعه الى الذهاب معها فى السيارة ويتركان المنزل ، ان الغيرة تملأ قلب نوريا ، وتصطدم بالسيارة فتموت نوريا فى الحادث ويتشوه سيزار الى حد اختفاء ملامحه كلها .

وبعد عدة اشهر ، يعجز الجراحون عن استعاده ملامح سيزار بالرغم من ان سيزار وعدهم بدفع اى مال يطلبونه ، وفى احد الايام يرى صوفيا التى لم يرها منذ الحادث ، انها تغيرت ، فقد اصبحت باردة وغير قادرة حتى على رؤية وجهه .
ويدرك سيزار مقدار التغير الكبير فى ملامحه ، وكيف ان حياته انقلبت رأسا على عقب ، انه يشعر باليأس الشديد ويلجأ الى الخمر ويصل الى حد انه ينام فى الشارع ، لكنه فى الصباح التالى يجد شيئا يغيره تماما ، فانه يرى صوفيا تعود اليه ، انها تقول له انها تحبه ، وبعد عدة ايام يُخبره الاطباء انهم يستطيعون استعاده ملامحه بعملية جراحية .
ويعود الحظ مرة اخرى اليه ، لكن صوفيا تختفى فى احدى الليالى ، وتحدث مفاجأة لسيزار ، فالفتاه نوريا التى سبق وعرفنا انها قٌتلت فى حادث السيارة ، نراها فى منزل سيزار وتدعى انها صوفيا ، ويتحول الموقف الى كابوس لان سيزار لا يستطيع اخبار البوليس ان نوريا – المتوفاه من وجهة نظرهم – مازالت على قيد الحياه .
ان نوريا معها اوراق رسمية تُثبت ادعاءها بانها صوفيا ، ان بيلايا ايضا يقف بجوارها ويؤكد ادعاءها ، ان سيزار ييأس تماما ويذهب لطبيب نفسى يلتمس العون ، انه يتخيل ان ثمة عملية احتيال كبيرة تُحاك ضده ، انه يتمنى ان يكون كل ما حدث عبارة عن حلم وليس حقيقة .
ويعلق امينابار عن فيلم اقتح عيونك قائلا ( تخيل نفسك انك صحوت ذات صباح وخرجت الى الشارع واكتشفت انه لا يوجد اى انسان ، انك تذهب الى الميدان الرئيسى فى مدريد على سبيل المثال ، وتجده خاليا تماما ، وتكتشف انك وحيدا فى هذا العالم ، هذا ما سوف تشعر به فى فيلم افتح عيونك ) .
ويقول امينابار عن هذا الفيلم ( ان فيلم افتح عيونك يتحدث عن العزلة ، العزلة بكل اشكالها ، ما الذى نعرفه عما يحيط بنا ؟ وكم عدد الاشكال التى يتشكل بها الواقع من حولنا ؟ وانطلاقا من هذا المعنى فاننى اعتبر ان فيلم افتح عيونك هو اكبر تحدى لى وقت اخراجه ، مع الاخذ فى الاعتبار وضع الكاميرا وكيف استطيع ان اعبر عى وجهة نظرى كمخرج ، ان هذا الفيلم يعبر عن قدرتى على الملاحظة فى اجلى صورة ) .
( ان هذا الفيلم يتحدث كثيرا عن الظهور ، عما نعتقد انه موجود او غير موجود ، ان كل شئ يحدث فى الفيلم هو نتاج الشخصية التى مثلها ادواردو ، انها الشخصية التى لا يمكن لنا ان ننساها ، ان حاله ينتهى به الى معهد للعلاج العقلى ، ولكن من هم الشخصيات الاخرى ؟ ان قصتنا تحتوى على الكثير من الاسئلة ولا نجد اجاباتها الا فى نهاية الفيلم ) .
( ان سيزار شخصية لها وجوة عديدة ، انه ممزق فى مثلث يمثله ويمثل نويرا وصوفيا ، ان نويرا تمثل الرغبة والشبق والمغامرة ، بينما صوفيا تمثل النقيض فهى معادلا للاسقرار والحنان والشفافية ) .
( اننا قد نقول ببعض الثقة ان شخصية سيزار التى مثلها ادواردو نوريجا فى فيلم افتح عيونك ، انها تمثل نوعا من العقاب الذى يُصيب الشاب الثرى ، او كما قال جوزيه لويس كويردا ، انها الشخصية التى تجد نفسها مدفوعة الى نقطة تهديد بسبب شخصه وخصوصيته ) .
( ان الشخصية يمكن النظر اليها على انها كوميدية نوعا ما ثم تتحول لكى تكون فى اسوأ كابوس ، ان فيلم افتح عيونك فيلما من افلام الاثارة مع العديد من العناصر مثل الحب والتشويق والرعب والخيال العلمى ) .
ويتحدث اليخاندرو امينابار عن بداية تعرفه بالممثل ادواردو نوريجا بطل الفيلم فيقول ( ماتيو وانا كان لنا صديقا يسمى كارلوس مونتيرو ، وقد كان هو ايضا يريد ان يكون مخرجا ، لقد وضع اعلانا فى الكلية يطلب ممثلين ، ولقد كان من المرشحين ممثلا يسمى ادواردو نوريجا من المعهد العالى للفنون المسرحية ، لقد وجدت ان اداءه غير مشوق ، لكنه بعدئذ مثل مثل افلام وودى ألن فكان طبيعيا ، لقد مثل بروعة )
فقد اعاد توم كروز انتاج نفس الفيلم من بطولته مع بنيلوب كروز وكان من اخراج كاميرون كرو ، وحمل الفيلم الامريكى اسم ( فانيلا سكاى ) .

وبعد هذه التجربة ، قدم امينابار لتوم كروز سيناريو فيلم ( الاخرون ) ، انه ثالث افلام امينابار الطويلة ، ولقد قرر توم كروز ان ينتج الفيلم للسينما الامريكية من بطولة نيكول كيدمان ، ان فيلم الاخرون هو اكثر افلام امينابار التى تلخص منهجه السينمائى الخاص بافلام الرعب الكلاسيكية ، لقد انتقده النقاد كثيرا لكنه حقق نجاحا جماهيريا كبيرا .


الاخرون .
يحكى الفيلم عن امرأة تدعى جريس تعتزل الحياه مع طفليها فى قصر ، ان احداث الفيلم تدور فى نهاية الحرب العالمية الثانية ، وتعيش جريس فى انتظار زوجها الذى يحارب على الجبهة ، ان ابنتها وابنها يعانيان من مرض غريب ، فهما لا يمكن لهما ان يريا ضوء الشمس والا تعرضا لتداعيات مرضية خطيرة .
ان جريس تعيش منعزلة عن العالم وتسيطر عليها مفاهيم دينية غريبة وظالمة ، الى ان تحتاج الى تشغيل مجموعة من الخدام لرعاية اطفالها ، ان حضور الخدم الى القصر يؤدى الى مواجهة بينهم وبين جريس حول مفاهيمها الدينية ، لكن هذا يقود الى تداعيات غير متوقعة .
ويبرر اليخاندرو امينابار اقدامه على فيلم ( الاخرون ) قائلا .
( بينما كنت اخرج فيلم ( افتح عيونك ) متنقلا بين تلك الامكنة الكثيرة المتنوعة ومتنقلا بين الازمنة ، فكرت اننى لابد لى ان أقدم موضوعا راديكاليا مختلفا ، لقد اردت ان اضع الممثلين فى بيت ثم اغلق عليهم والقى بالمفتاح ، اردت ان اخلق تشويقا بعناصر قليلة  ، لقد فكرت ايضا ان هذا الفيلم لابد ان يكون فيلم رعب جيد لاننى احب هذه الافلام وافتقد المخرجين الذين كانوا يخرجون هذه الافلام بجدية )

لقد عُرض فيلم ( الاخرون ) فى مهرجان فينسيا السينمائى وكان هذا الفيلم هو الاكثر نجاحا فى اسبانيا فى ذلك العام ، لقد حصد ثمان جوائز ( جويا ) من بينها احسن فيلم واحسن مخرج واحسن سيناريو مكتوب خصيصا للسينما ، كما ترشح هذا الفيلم كاحسن فيلم فى الاكاديمية الاوربية .
وفى عام 2004 ادهش امينابار العالم مرة اخرى عندما عرض فيلمه ( داخل البحر ) .


فيلم البحر بالداخل .

لقد حصل فيلم البحر بالداخل على الجائزة الكبرى فى مهرجان فينيسيا السينمائى فى عام 2004 ، وحصل ايضا على اوسكار احسن فيلم اجنبى فى عام 2005 ، كما حصل نفس الفيلم على ثمان جوائز ( جويا ) من بينها احسن مخرج واحسن سيناريو مُعد خصيصا للسينما واحسن موسيقى .
يدور فيلم البحر بالداخل عن الظرف المرضى العصيب الذى يعيشه رامون سامبدرو ( خافيير باردن ) فهو عاجز تماما عن الحركة ولا يتحرك من سريره ويتعين ان يحصل على المساعدة من الاخرين ، ان الممثل خافيير باردن كان يتستعد للدور كل يوم تصوير لمدة خمس ساعات وهو الوقت الذى كان يقتضية الماكياج الخاص به .
اننا اذا نظرنا داخل شخصية رامون ، فاننا يمكن ان نرى انه هادئ وشجاع وقادر على مواجهة المتاعب دون ان يفقد ابتسامته ، ان هذا الشخص المريض اعتاد ان يقول ( عندما لا تجد لنفسك طريقا للهروب ، فانك تتعلم ان تصرخ وانت مبتسم )

يرقد رامون  فى الفراش منذ ثلاثين عاما ، وتقوم عائلته برعايته ، بينما نافذته الوحيدة التى تطل على العالم هى نافذة غرفته ، انها تكشف البحر ، وقد سبق لرامون ان سبح فيه عندما كان سليما ، انه نفس البحر الذى اصابه بالعجز من جراء حادث .

ومنذ هذا الحادث الاليم الذى مضى عليه ثلاثين عاما ، فان رغبة رامون الوحيدة هى ان ينهى حياته لان كرامته لا تسمح له بالعيش عاجزا عن الحركة .
ان عالم رامون الخاص ينهار مع وصول امرأتين ، الاولى هى جوليا ، وهى محامية تريد ان تساعده حتى يُنهى حياته ، والمرأة الثانية هى روزا ، انها جارته ، وهى تحاول ان تشجعه لكى يعيش ويواصل حياته .

ان موقف رامون الحكيم يُسعد المرأتين ، انه يستخلص منهما افضل المواقف الاخلاقية ، ان رامون يعرف ان المرأة التى ستساعده حتى اخر لحظة فى حياته  ستكون هى التى تحبه اكثر .

فيلم اجورا .

ان فيلم اجورا تحفة سينمائية قلما تتكرر ، لقد سبق لى ان كتبت عن هذا الفيلم اكثر من مرة ، ويمكن قراءة ما كتبته فى موقع عين على السينما تحت عنوان ( اجورا : وقائع موت معلن ) ، لكننى ايضا وبسبب اعجابى الشديد بالفيلم لا ارى صعوبة فى الكتابة عنه مرات اخرى ومن زوايا متعددة .

يتحدث الفيلم عن زمن استثنائى صادف نهاية الصراع بين الوثنية والدين المسيحى فى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الميلادى ، وهذا التاريخ تحديدا يُشار اليه على انه بداية التاريخ الحديث فى العالم فلقد انتهت الوثنية تماما بعد انهيار اكبر وآخر حصونها وهى مدينة الاسكندرية ومكتبتها الشهيرة .

اشتهرت فى هذه الاثناء شخصية حبيشة السكندرية ، انها فيلسوفة ورياضية وعالمة فلك ومخترعة لجهاز الاسطرلاب الذى يسمح بمعرفة مواضع الاجسام السماوية ، يتمحور الفيلم حول شخصية حبيشة واعتمادا على منقول سيرتها ، ومن خلالها نرى الاسكندرية فى زمنين ، احدهما قبل تخريب المكتبة عندما كانت الوثنية هى الدين والثقافة السائدة فى الاسكندرية ، ثم الزمن التالى وتدور احداثه بعد عشرين عاما ، انه الوقت الذى انتصرت فى المسيحية بشكل نهائى على الوثنية ومن ثم بدأ تاريخ العالم الحديث .

يتكون الفيلم من جزئين ، فى الجزء الاول نلاحظ البناء التقليدى للسيناريو ، اما الجزء الثانى فيميل الى الشكل الملحمى المتأثر بالتراجيديا الاغريقية وخصوصا مسرحية انتيجون .

هذا الفيلم يتميز بالابهار سواء على مستوى الديكور او الملابس او المجاميع ، كما ان بلاغة السيناريو الذى أحاط بتفاصيل مجتمع فى ظرف تاريخى تسمح لنا باعتباره فيلما ملحميا بينما هو فى نفس الوقت فيلما دراميا عن شخصية حبيشة التى لا تتنازل عن ثقافتها الوثنية وتجد نفسها فى مواجهة مع المجتمع كله وينتهى الصراع بمقتلها .

يتشابه زمن الفيلم مع الزمن الحاضر ، ومن المصادفات ان عرض فيلم اجورا جاء قبل شهور قليلة من اندلاع اول الثورات الاجتماعية المعاصرة ، كان هذا فى اليونان ، ثم اتت الثورة التونسية ومن بعدها الثورة المصرية ، ان هذه الثورات جميعها تشترك فى كونها ثورات اجتماعية احتجاجا على الاحتكار الراسمالى للثروات ، ان جميع هذه الثورات فشلت فى تحقيق اهدافها حتى الآن ، فالثورة اليونانية إنتهت الى عودة اليمين مرة اخرى الى سدة الحكم ، كم انتهت ثورتى تونس ومصر بتصدر التيارات الدينية ذات الميول اليمينية سدة الحكم ، ولعلنا ننتظر بعض الوقت ، فالثورات لا تتم فى يوم واحد او عام واحد ، لقد استغرق التحول فى زمن فيلم اجورا عشرون عاما ، اننا فى زمننا الحاضر لن ننتظر طويلا فلابد ان تنتصر الثورات فى النهاية – مع ملاحظة ان الصراع بين الوثنية والدين المسيحى فى الفيلم ، يقابله الآن الصراع بين الرأسمالية والعدالة الاجتماعية.

مع اجمل تحياتى
ممدوح شلبى .