31‏/03‏/2014

سينما النجوم وسمات الممثل

محاضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى
 
دانييل داى لويس


دعونا نبدأ هذه المحاضرة بمقدمة إستفزازية، وهى أن الممثل العظيم لا يكون عظيماً بإتساع وتنوع الشخصيات التى يستطيع تمثيلها، ولكنه الممثل الذى يتركز جهده فى تمثيل عدد أقل من الشخصيات ولكنه يُمثلها بإحساس عميق وتميز وجاذبية.

إذا فكرنا فى بعض كبار الممثلين الأمريكيين الذين بدوا كما لو أنهم هربوا من نظام نجم الأستوديو الذى أنتج جون واين وجارى جرانت وكلارك جيبل، ألن تظل إستجابتنا لهم لنفس الأسباب؟، فالممثلون مثل مارلون براندو وجاك نيكلسون وروبرت دى نيرو أفقدوا السينما سحرها وجلبوا لها واقعية خشنة، ففى أفلام السبعينات تحدث ديفيد تومسون عن جاك نيكلسون قائلاً (يمكن أن يكون غير حليق الذقن ووضيع أو كريه تماماً على الشاشة) ويقول فى "قاموس السير الذاتية للسينما" أن روبرت دى نيرو (نوع من الممثلين الذين يُذكروك كيف كانت السينما الأمريكية أنيقة) لكن هذا لم يُقلل من نجوميتهم، فما نريده من النجم ليس الرونق فقط.

فاذا لم يكن الأمر دائماً أن بريق الممثل فى جانب وتعدد الادوار التى يُمثلها فى جانب آخر، فما الذى نتوقعه من النجوم؟ فأفضل طريقة لشرح ما نناقشه هو أن نتحدث عن الصفات: ماهى السمات التى نبحث عنها فى الممثل وخاصة أن الصفات تختلف كثيراً من ممثل إلى آخر.
ما نقصده بالصفات هنا، هى كل من العناصر الجسمانية مثل الإبتسامة والصوت والعينان والمشية والشكل والشعر، وكذلك العناصر الغير ملموسة مثل الهالة وإحساس الحميمية والسحر أو الرقة التى يستطيع الممثل تقديمها، فعلى سبيل المثال، يتمتع جاك نيكلسون بإبتسامة رائعة والتى قال عنها مرة، إنها ليست مُفتعلة، بينما روبرت دى نيرو يتمتع بإبتسامة شديدة البلاهة حتى أن الناقدة بولين كيل " Pauline Kael " قالت عنها فى "عندما تخفت الأضواء" " When the Lights Go Down " أنه عندما يبتسم يبدو شبيهاً بأبلة القرية.

هل تؤثر فينا نيكول كيدمان بسبب أنفها الجميل جداً والذى تتمنى أى إمرأة تبحث عن الجمال أن يكون لها أنف مماثل؟، وماذا عن بول نيومان الذى قال ممازحاُ فى احد المرات، أنه إذا كانت عيونه الزرقاء الشهيرة بُنية ما كان أصبح نجماً سينمائياً؟ هل معظمنا يُفضل جورج كلونى عن توم كروز لأن كلونى يتمتع بصوت أكثر عمقاً وسلاسة يفتقر إليهما توم كروز رغم أنه يصغر كلونى بسنتين فقط؟

وهناك أيضاً سمات أقل وضوحاً، تلك الصفات التى يتمتع بها الممثل والتى لا تنتمى إلى الصفات الجسمانية، فنحن قد لا نهتم بصوت توم كروز لانه من نوع الممثلين الذين يجعلون الحبكة تتطور، فتوم كروز غالباً يُمثل شخصيات لها طموح كبير مثل فيلم "جيرى ماجواير" وفيلم "أوائل المقاتلين" "Top Gun" وفيلم "الشركة" " The Firm" وهو غالباُ ساذج كما فى فيلم "أعمال خطرة" " Risky Business " وفيلم "لون المال" " The Color of Money " وكذلك فيلم "العيون الواسعة تغمض" " Eyes Wide Shut ".

ومازال توم كروز يتمتع حتى اليوم بشخصية شبابية تساعده على الحفاظ على نجوميته: ولكن هل سيتغير ذلك عند وصوله إلى منتصف وأواخر الخمسينات من العمر؟ فكل أدواره فى أفلام "العين الواسعة تغمض" و"ماجنوليا" و"الرهن" "Collateral" و"أُسود من أجل الحملان" " Lions for Lambs " كانت أكثر نُضجاً، فهل كانت هذه الشخصيات إستمراراً لأدواره عن الشخصيات الساذجة والعفوية ؟ ربما ننظر إلى هذا الأمر كإخفاق من جانبه فى تمثيل الشخصيات الناضجة: فتوم كروز فى نهاية الثلاثينات وبداية الأربعينات من عمره كان غير قادر على إقناعنا بأنه شخص ناضج فى منتصف العمر، فالرعونة كانت مُلازمة له.

لكن هذا الأمر يتعلق بشخصية الممثل أكثر مما يتعلق بعُمره، ولهذا السبب لا يعانى براد بت ولا جونى ديب من نفس المشكلة فى تمثيل الأدوار الناضجة، تلك المشكلة التى لا نجدها مع جورج كلونى ودانييل داى لويس وشون بن فادوارهم تحتوى على هذا النُضج، وإذا كانوا واعين أن أفضل أدوارهم لن تتحقق بتمثيلهم لأدوار "أوائل المقاتلين" ولكن فى تمثيل أدوار منتصف العمر المُركبة؟ كيف تكون شخصياتهم كممثلين بهذا القدر من التنوع؟

وحتى جاك نيكلسون – ذلك الممثل العظيم- لم يكن مستعداُ لتغيير أدواره، ويعتقد الكثيرون أن أفضل أدوار جاك نيكلسون كانت فى حقبة الثلاثينات من عمره، فيما بين عام 1969 فى فيلم "إيزى رايدر" " Easy Rider " إلى عام 1980 فى فيلم "سطوع" " Shining ".

وفى فيلم "خمس قطع سهلة" " Five Easy Pieces " وفيلم "التفصيلة الأخيرة" " The Last Detail " وفيلم "الحى الصينى" " Chinatown " وفيلم "طار فوق عش المجانين" " One Flew Over the Cuckoo’s Nest " وفيلم "المُسافر" " The Passenger " كان جاك نيكلسون يعبر عن الإنسان الغير راضى والواعى بسخرية الحياة وفشلها، لكنه يبحث عن أكثر من هذا فى الحياة.

وإذا كان توم كروز لا يستطيع إقناعنا بأنه أصبح فى منتصف العمر، فهل هذا لأن شخصيته مُهيئة لتمثيل أدوار الشباب؟ وفى نفس السياق كان روبرت دى نيرو ممثلاً عظيماً إبتداءاً من فيلم "شوارع قذرة" " Mean Streets " وحتى "ملك الكوميديا" " King of Comedy " انها عشر سنوات حيث قام بتمثيل شخصيات تبحث عن المصداقية فى عالم يسخر من محاولاته للتواصل بهذا العالم كما فى فيلم "سائق التاكسى" " Taxi Driver " أومحاولته لبناء سمعة وصيت كما فى فيلم "الثور الهائج" " Raging Bull " أومحاولته للنجاح كما فى فيلم "ملك الكوميديا"، وحتى في فيلم "صائد الغزلان" " The Deer Hunter " حيث قام بتمثيل دور "مايك" وهو بطل من أبطال حرب فيتنام المتقاعدين، وتوجب عليه أن يُمثل دور الغريم العاطفى لشخصية كريستوفر ووكن، فالإثنان كانا يحبان نفس المرأة، لكن ووكن هو الذى كان يتودد لها: أما دى نيرو فكان يعاملها بقسوة.

ما نناقشه حتى الآن هو الملمح الجسمانى والملمح غير الجسمانى: ملامح الشكل وملامح الشخصية كما يروق لنا أن نسميهما، وسوف نميزهما من خلال مقاطع الفيدو التى سنشاهدها اليوم.
فى فيلم "باتش كاسيدى وطفل صندانس" " Butch Cassidy and The Sundance Kid " يُمثل بول نيومان وروبرت ردفورد الدورين المُسمى بهما الفيلم، وهما إثنان من الخارجين على القانون الذان يحشران نفسيهما فى أمور السلطة ويكسران القوانين ويفعلان أى شيئ يعبر عن وجودهما، أن الدورين عكس بعضهما، فبول نيومان يُمثل دور "كيد" " Kid " وروبرت ردفورد يمثل دور باتش كاسيدى.
 
توزيع الأدوار فى هذا الفيلم يجعلنا نفهم الأمر: فبول نيومان كان دائماً ممثلاً جسمانياً أكثر من ريدفورد، سواء فى فيلم "شخص ما هناك يُشبهنى" " Somebody Up There Likes Me " أوفى فيلم "لوقا صاحب اليد الباردة" " Cool Hand Luke " أو فيلم "طلقة لها صوت" " Slap Shot " كان نيومان يتحرك خلال حيز من المهارات الرياضية أكثر مما يستطيع ريدفورد، فهو يضرب زعيم العصابة ويُنصب نفسه زعيماً بمنتهى الهمة، فدائماً أدوار نيومان أكثر جسمانية من أدوار ريدفورد: بصرف النظر عن دور لاعب البيسبول الذى مثله ريدفورد فى فيلم "الطبيعى" " The Natural" ودور المُتزلج فى فيلم " إنحدار المُتسابق" " Downhill Racer " فقوته تكمن عادة فى تجسيده لادوار الشخص الواعى وهذا يتناسب مع لقطة الكلوس أب المتوسطة.

وعلى الرغم من ان مشاركة نيومان لريدفورد من المعتقد انها كانت غير مُرضية له، فريدفور كان دائماً يحصل على لقطات كلوس أب اكثر من نيومان فى فيلم "باتش كاسيدى وطفل صندانس" رغم ان نيومان أكثر نجومية وهذا منطقى، فنيومان ممثل يتحرك بفاعلية ونشاط خلال المساحة المكانية، وبناءاً عليه فهو يستفيد من اللقطات المتوسطة واللقطات العامة المتوسطة، أما ريدفورد فهو ممثل أكثر مُلائمة للمواقف الدرامية، وهذا ليس حقيقياً فقط في هذا الفيلم، لكنه ينطبق أيضاً على فيلم "كل رجال الرئيس" " All the President’s Men " وفيلم "المُرشح الرئاسى" " The Candidate " و فيلم "بروبيكر" " Brubaker " وفيلم "أسود من أجل الحملان" " Lions for Lambs".

فى فيلم "كل رجال الرئيس" كان ريدفورد الذى مثل شخصية بوب وودورد فى ازمة مع داستين هوفمان الذى مثل شخصية كارل بيرنستين بخصوص العمل وتحول الأمر إلى موقف مبدئى فيما يتعلق بقضية السلوك العادل، وفى فيلم "أسود من أجل الحملان" يشرح ريدفورد - بوصفه أستاذ جامعى- إلى تلاميذه لماذا الكفاح من أجل العدالة الإجتماعية ليس موضوعاً ساخناً، فإذا كانت شخصيات نيومان غالباً ينقصها التعلم، فإن شخصيات ريدفورد تحتوى على أحقية أخلاقية يتعامل بمقتضاها.

وإذا كنا نعتقد أن نيومان تناسبه اللقطة العامة المتوسطة (بصرف النظر عن عيونة الجميلة التى تستحق لقطات الكلوس أب)، وأن ريدفورد تناسبه لقطات الكلوس أب المتوسطة، فماذا عن دانييل داى لويس؟ أليس هو الممثل الذى يعطى الإنطباع غالباً بملأه لحدود الكادر السينمائى؟ سواء فى فيلم "بإسم الأب" " In The Name of the Father " حيث بدا فيه كأنه يشغل حدود الكادر رأسياً، أو فى اللقطات الواسعة فى فيلم "سيوجد دم" " There Will be Blood " حيث كان يملأ الكادر أفقيا، داى لويس ممثل رائع فى التعبير السينمائى.

سيدعى البعض ان أداءه مسرحى جداً ومفتعل جداً بالنسبة للسينما، لكننا إذا رأيناه كنقيض لروبرت دى نيرو لأدركنا كيف انه أكثر ملائمة للسينما، ما هى الادوات التى نحتاج إلها لنشرح هذا الأمر؟ إن صوت داى لويس قوى وذى نبرة، وفى فيلم مثل "البوتقة" " The Crucible " وفيلم "عصابات نيويورك" " Gangs of New York " وفيلم "سيوجد دم" سنجد انه يتمتع بقدرة على تجسيد الأدوار المُسيطرة.

وكذلك فإن إيماءاته برأسه ليست مجرد إيماءات لكنها تحتوى على معانى: تماماً مثل التمثيل المسرحى، كما لو أن داى لويس مناسباً للأمكنة أكثر من لقطات الكلوز أب السينمائية، أنظروا كيف يستخدم حواجبه فى فيلم "سيوجد دم" وفى فيلم "عصابات نيويورك" وأنظروا كيف أصبحت أقدامه الطويلة وسيلة تعبير، أنه العنصر الذى يسمح له أن يحتوى الكادر، وحتى عروق وجهه تبدو انها تُضيف إلى حدة اداءه التمثيلى.

هذه الطريقة لا تتشابه مع التعبير الهادئ لروبرت دى نيرو، فتعبيرات داى لويس حادة، إن تمثيله التعبيرى يجعل الشخصيات التى يمثلها أهم مما نراه فى الواقع، ولكى نفهم ما إذا كان هذا أداءاً تمثيلياً مفتعلاً يجب علينا أيضاً ان نُلقى نظرة على ما يجب ان تكون عليه "التيمة" فى السينما، فى فيلم "سيوجد دم" يمثل داى لويس شخصية رجل له طموح وأحادى النظرة، فيظهر كما لو كان رجل يفرض نفسه على الحياة: تاملوا الخمسة عشر دقيقة فى بداية الفيلم حيث نراه يحفر ويحفر.

وبناءاً عليه يُعتبر داى لويس ممثلاً يتجاوز الحد، بينما الممثلة الفرنسية الرائعة كاترين دى نيف فهى على النقيض منه، وربما تكون المثال الاول للممثلة التى تحتاج ان تعمل مع مخرج مُتمكن فالتمثيل ليس هم المهم، فالأهمية هى وضعية الممثل داخل الكادر وهذا دور المخرج.

عندما قال مايكل انجلو انطونيونى لديفيد هيمنجز فى فيلم "تكبير الصورة" " Blow Up " انه ليس من المهم بالنسبة لهيمنجز ان يعرف كثيراً عن الشخصية، فذلك لأن أنطونيونى يستخدم الكادر بنفس الأسلوب حتى يمكن للشخصية أن تظهر خلال حركة الكاميرا، وهذا ينطبق أيضاً على الكثير من أفلام كاترين دينيف " Deneuve " مثل فيلم "شمسيات شيربورج" " The Umbrellas of Cherbourg " وفيلم "التنافر" " Repulsion " وفيلم "يوم جميل" " Belle de Jour " وفيلم "تريستانا" " Tristana "

إنها ممثلة عظيمة لحالات السكون والغموض وتستحوز على وجه سينمائى يبدو شبيهاً بالقناع مثلها مثل الممثل ألان ديلون والممثلة شارلوت رامبلينج والممثلة مونيكا فيتى: فالكثير من الغموض يمكن الإفصاح عنه من خلال وجه لا يكشف إلا عن القليل من الأشياء، ويعتقد بعض النقاد أن كاترين دينيف شقراء جليدية، بالرغم من انها لم تعمل أبداً مع هيتشكوك- أستاذ الممثلات الشقراوات الجليديات-

ولكن ماذا عن المخرج الذى يُصر على توظيف الممثل بعيدا عن نمطه، وهل هذا ما تجنب ستانلى كوبريك تنفيذه مع توم كروز فى فيلم "العيون الواسعة تغمض"؟ ففى هذا الفيلم يبدو دور توم كروز صعباً عليه حيث يبدو مستسلماً لرؤية ستانلى كوبرك، ونرى هذا فى المشهد الذى يحضر فيه توم كروز ونيكول كيدمان حفلاً مُترفاُ حيث يركز ستانلى كوبريك على شخصية نيكول كيدمان كمركز للإهتمام حيث تتم اللقطة بزاوية واسعة تجعل توم كروز يبدو قصيراً ومقُرفصاً، بينما كل من جليسة الاطفال وصاحب الحفل يتحدثان عن جمال نيكول كيدمان: ويترك توم كروز وكأنه وصيفها.

وخلال الفيلم يبدو توم كروز طويلاً بالمعنى الحرفى للكلمة، فطبقاً للمقاييس المجرية نراه أطول عدة بوصات مما هو عليه فعلاً: ونفس الحال مع النموذجين "the two models، وهذا حقيقى أيضاً بمصطلح القصة فهو لا يستطيع ان يتعامل مع الناس الذين يصرون على رفضه وإرباكه، وشخصية توم كروز لا يمكن التعرف عليها بدقة من القصة، فستانلى كوبريك يفصلها عن الشخصية، فالأمر يبدو كما لو ان محدودية توم كروز كممثل تتناسب مع محدودية الشخصية.

ونفس الحال مع أفلام كاترين دينيف التى أخرجها بونويل وبولانسكى وجاريل وآخرون، فالمخرج يتحكم فى الأداء التمثيلى ولكنه أحياناً يهتم باللعب على شخصية الممثل أيضاً، وفى توزيع الدور على توم كروز والذى جاء عكس النمط الذى يناسبه، هل كان ستانلى كوبريك يسخر نوعاً ما من محدودية توم كروز كممثل؟.
من الواضح ان التمثيل مهمنة حساسة وذات خصوصية: وما نستطيع أن نستكشفه ونستفيد منه هنا، هو كيف يتعاملون المخرجون مع هذه الحساسية وكيف يتعاملون مع خصوصية الممثل.