29‏/11‏/2010

سيرجى ايزنشتين

اعداد ممدوح شلبى.


اسمه بالكامل :- سيرجى ميخايلوفيتش ايزنشتين ، ولقد وُلد فى 23 يناير عام 1898 فى مدينة ريجا – لايتفيا ، وقد اصبح واحدا من اشهر صناع السينما فى النصف الاول من القرن العشرين , وينتمى نسبه من ناحية جديه الى اصول يهودية , وكان والده يعمل فى بناء السفن حتى عام 1910 ، وهى السنة التى انتقلت فيها العائلة الى سانت بترسبيرج ، حيث كان لتدربه على فن العمارة والهندسة اثره الكبير فى عمله السينمائى لاحقا .
ولقد تأثر ايزنشتين بمفاهيم عصر النهضة عن المساحة والحيز ، كما  درس اعمال ليوناردو دافنشى وتأثر بكتابة فرويد عن دافنشى ، ولقد حاول ان يسد الفجوة فيما احسه من تشوه للمساحة والحيز الناتج عن التكنولوجيا , عبر سعيه الى تحقيق ذلك فى اخراجه للافلام , لقد حاول ان يفهم كيف ان الاحاسيس فى عصر الآلة يمكن ان تندمج مع اسلوب عصر النهضة العظيم وكيف ان انسانية الماركسى يمكن ان يكون لها جذور فى روح فن القرن السادس عشر فى ايطاليا , ذلك الفن الذى سُمى الكواتروسنتو .    
ولقد تم تجنيده فى الجيش الاحمر ، وتعاون فى تنظيم وبناء النظام الدفاعى ، وفى هذا العمل بدأ مشواره الفنى كسينمائى عبر انتاج افلام ترويحية للجنود ، ثم قرر ان الحياة العسكرية لا تتناسب معه ، وفى عام 1920 دخل مسرح البرولتكولت ( مسرح العمال السوفيتى ) فى موسكو وعمل مهندسا مساعدا للديكور ، وسرعان ما اصبح مخرجا , ولكنه فى جميع اعماله لم ينس ابدا مهامه السياسية وحتى عندما اصبح مخرجا سينمائيا مشهودا له فى النظام الشيوعى .   

المونتاج الذهنى او الدعائى .
كان فيلم ( اضراب) الثورى هو اول افلامه ولقد تم انتاجه فى عام 1924 وتبعه بنشر مقالته الاولى فى نظريات المونتاج فى مجلة ( ليف ) والتى كان يرأس تحريرها الشاعر العظيم ماياكوفسكى .
لقد اسس اسلوب مونتاج جديد ، ذلك المعروف باسم المونتاج الذهنى او الدعائى او التحريضى ، وهو الاسلوب الذى يقول بضرورة الاختيار القصدى للقطات بمعزل عن سياق الحدث ، ضمن خلق كل ما من شأنه احداث التأثير النفسى فى ابلغ صوره .      
وعلى ضوء ذلك ، فان المخرج السينمائى يجب ان يهدف الى تشكيل وعى المشاهدين عبر العناصر التى تقودهم الى الفكرة التى يريد المخرج ان يوصلها لهم , فيجب على المخرج ان يعمل لوضع الجمهور فى الحالة الروحية والموقف النفسى وهذا ما يمنح الحياه لتلك الافكار ، كما ان ايزنشتين كان يرى ان السينما نشاط مركب يجمع بين الفن والعلم .
هذه المبادئ هى التى استرشد بها ايزنشتين طوال مشواره السينمائى ، كما كان لها تأثيرها على مخرجى السينما منذ ذلك الوقت وحتى الآن , نظرا لاختلافها الجذرى عن الاسلوب الامريكى فى السينما والذى يعتمد على المونتاج السردى .
افلام ايزنشتين .
فى فيلم ( اضراب ) والذى يعيد تجسيد عملية القمع التى مارسها جنود مدينة سار على المضربين ، فان ايزنشتين مزج بين لقطات للعمال يتساقطون تحت نيران المدافع وبين لقطات لذبح الخراف فى المذبح ، ونتج عن ذلك تأثيرا مُذهلا رغم تشويه  الحقيقة الموضوعية .
وفى عام 1925 ومن اجل احياء ذكرى ثورة 1905 فان الحزب الشيوعى اشاد بفيلم بوتمكن والمعروف ايضا باسم ( المدرعة بوتمكن ) ، ولقد تم عمل هذا الفيلم فى ميناء اوديسا على البحر الاسود ، ولقد اختير هذا الفيلم فى عام 1957 ضمن تصويت نقاد السينما من جميع انحاء العالم باعتباره احسن فيلم على الاطلاق فى تاريخ السينما
والفيلم التالى لايزنشتين كان فيلم ( اكتوبر )  الذى يدوم ساعتين وهو معروف ايضا باسم آخر هو ( الايام العشرة التى صدمت العالم ) وهو يتعاطى مع التحولات الثورية بين شهرى فبراير واكتوبر من عمر الثورة ، حيث يظهر لينين ويظهر الصراع بين البلاشفة وبين اعداءهم .   
وبعد عدة افلام مثيرة للجدل مثل فيلم ( القديم والجديد ) و ( الخط الرئيسى ) و( المعنوية الشاعرية ) و ( رعد فوق المكسيك ) فان ايزنشتين استطاع عمل الفيلم الملحمى عن العصور الوسطى والذى اسمه ( اليكسندر نيفسكى ) متزامنا مع سياسة ستالين فى تمجيد ابطال روسيا , لقد تم عمل هذا الفيلم فى عام 1938 وهذا الفيلم يُظهر الروح الجماعية ، ويستعين الفيلم بموسيقى بروكوفيف ، ذلك الموسيقار الروسى الشهير حيث يمزج الفيلم بين الصورة وبين الموسيقى فى وحدة ايقاعية مترابطة .
وظل ايزنشتين يسعى لنشر مهنة الاخراج السينمائى ، كما استفاد من اهتمامه المبكر بمسرح الكابوكى اليابانى ودراما ( النوه ) واسلوبهم فى استخدام الاقنعة ، حيث ظهر هذا فى فيلمه ( ايفان الرهيب ) .
واثناء الحرب العالمية الثانية ، فان ايزنشتين بدأ يعمل فى فيلمه الملحمى الذى يدور عن ايفان السادس فى مدينة سار ، وهو عن تللك الشخصية التى كانت محل اعجاب ستالين ، وقبل ان ينتهى ايزنشتين من الجزء الثالث من هذا الفيلم فقد وافته المنية ، بعد ايام قليلة من عيد ميلاده الخمسين ، كان ذلك فى 11 فبراير من عام 1948
ان دوره كسياسى ربما كان قليلا ، لكن انجازه فى نظرية السينما والمونتاج لا يمكن ان يُنسى .

فيلم المدرعة بوتمكين .
يتناول الفيلم حادثة تمرد بحارة المدرعة بونمكن على ضباط المدرعة والتى حدثت فى عام 1905 ، وكما اشرت من قبل فان هذا الفيلم تم تسميته افضل فيلم فى تاريخ السينما العالمية طبقا لاقتراع نقاد العالم فى عام 1957 ، انه ايضا يُعتبر اكثر الافلام الدعائية تأثيرا فى تاريخ السينما فى العالم .
وينقسم هذا الفيلم الصامت الذى يستخدم العناوين ، الى خمسة اقسام وكل قسم يحمل عنوانا ، وهم :-
1-   الرجال والدود . حيث يحتج البحارة على اللحم الفاسد الذى يكشف عنه طبيب المدرعة ويقٌول انه صالح للاكل .
2- دراما على سطح السفينة ، وفيه يتمرد البحارة حيث يتم قتل فاكولينشوك
3- رجل ميت ينادى بالعدالة ، وفيه نرى اهل مدينة اوديسا يشيعون جثمان فاكولينشوف
4- سلالم الوديسا ، انه اشهر مشهد فى تاريخ السينما ويتم الاشارة اليه دائما فى ادبيات المونتاج السينمائى لتوضيح نظرية المونتاج الذهنى او التحريضى , وفيه نرى المذبحة التى تعرض لها اهل مدينة اوديسا وهى من خيال ايزنشتين .
5- لقاء مع الاسطول ، وفيه يتم انهاء مهام المدرعة بدلا من تخفيض مهامها ، فيُهلل البحارة .
كتب ايزنشتين هذا الفيلم ضمن نوعية السينما الدعائية الثورية ، كما انه اختبر فيه نظريته عن المونتاج الذهنى او التحريضى ، وهى النظرية التى اختبرها مخرجو السينما السوفييت فى مدرسة كوليشكوف ، بهدف التأثير على الجمهور من خلال المونتاج .
وقد حاول ايزنشتين ان يُمنتج الفيلم بنفس الطريقة لكى يُحقق اكبر تأثير عاطفى على الجمهور ، وذلك بجعل الجمهور يتعاطف مع بحارة المدرعة بوتمكن الثائريين ، وان يصبوا جام غضبهم على سادتهم ، على  غرار كل الافلام الدعائية ، والتى تهدف الى شحن الجمهور عاطفيا وتوجيههم الى الانحياز للجانب التى يدعو لها الفيلم . 
ان اسلوب ايزنشتين كان ناجحا فى هذا الفيلم ، لكنه شعر بالاحباط نتيجة لعدم اقبال الجمهور على هذا الفيلم ، لكن الفيلم – من جانب آخر – تم توزيعة فى بلدان شتى حيث كان استقبال الجمهور له ايجابيا ، لكن الفيلم صدم الجمهور السوفيتى والبلدان الخارجية ، ليس بسبب مقولته السياسية ، ولكن بسبب مشاهد العنف التى لم يكن الجكهور معتادا عليها فى ذلك الزمان .
ان هذا الفيلم تم الاشادة به من قبل جوزيف جوبيلز وزير الدعاية النازى فى ألمانيا باعتباره فيلما  رائعا لا مثيل له فى السينما ، فاى شخص يُشاهد هذا الفيلم – طبقا لهذا الوزير -  فسوف يُصبح بولشوفيا حتى وان لم تكن له ميول لهذه العقيدة السياسية . 
مشهد سلالم الاوديسا .

ان اكثر مشاهد الفيلم احتفاءا على صعيد النقاد فى العالم كله ، هو مشهد سلالم الوديسا التى شهدت مذبحة مواطنى اوديسا ، وفى هذا المشهد نرى جنود ( سار) يصطفون فى طابور يبدو طويلا  ، بينما مظهرهم النظامى وحركاتهم تبدو كآلة جهنمية ، ويطلقون النار على الجمهور ، بينما جزء من هؤلاء الجنود يُحاكمون الحشود فى اسفل سلالم الاوديسا .

ان الضحايا من بينهم امرأة عجوز ، وطفل رضيع مع امه ، وطالب فى زى المدرسة وتلميذة فى سن الصبى ، كما ان احد الامهات تدفع طفلا فى عربته الصغيرة ، ثم تسقط ميتة على الارض بينما عربة الطفل تتهاوى على سلالم الوديسا بينما الناس يهرعون هربا ،
ان هذه المذبحة لم تحدث ابدا على سلالم الاوديسا ، ولكن الحقيقة ان ميناء الاوديسا على البحر الاسود شهد فعلا تظاهرات شعبية كبيرة من اهل اوديسا اثناء انتظارهم لوصول المدرعة بوتمكن ، وافاد مراسل جريدة التايمز البريطانية ان الجنود اطلقوا النار على الحشود وان اناس - ليس معروفا عددهم – قد قُتلوا . 
فالحقيقة انه لم تكن هناك مذبحة بامر القيصر على سلالم الاوديسا ، تلك التى يُصورها الفيلم ويكتسب بفضلها كل هذا الاهتمام النقدى ، لدرجة ان هذه المذبحة اصبح مقررا انها حدثت فعلا .