17‏/11‏/2012

مارتن سكورسيزى

مقالة  :- جاسون انكنى روفى .

ترجمة :- ممدوح شلبى .

مارتن سكورسيزى

مارتن سكورسيزى – واستشهادا بجميع المراجع السينمائية – هو اكثر صانعى الافلام شهرة فى هذه الحقبة ، لقد ارسى قواعد السينما الامريكية الحديثة طوال السبعينات والثمانينات ، انه يمتلك اسلوبا سرديا خاصا واسلوبية فى الصورة كما لو انه يعيش ويتنفس السينما . لقد حطى بشهرة تتناسب  مع شغفه بالسينما وقدراته التى وظفها فى سلسلة من الافلام الرائعة ، لقد كان يعمل عكس التيار السائد ، وبدأ العمل فى السبعينات وسرعان ما بدا عملاقا فى صناعة السينما ، لقد حقق نوعا من الشهرة والاشادة على مستوى العالم مثل جميع نظرائه من عباقرة السينما ، لقد عاش حياته مدافعا بلا كلل عن السينما ، كما عمل على تقليص الفجوة بين ماضى السينما ومستقبلها مثلما لم يفعل اى مخرج آخر ، ولقد تحدث سكورسيزى عن السينما التى الهمته فذكر انه تأثر بالكلاسيكيات الهوليودية والموجة الجديدة الفرنسية وحركة السينما السرية فى نيويورك – تلك التى ظهرت فى بداية الستينات – ولقد اعاد سكورسيزى روح هذه السينمات عبر ابداعه ورؤيته الخاصة ، لقد ظلت افلامه دائما معبرة عن سينما طليعية ، تدفع نحو تزويد التجربة السينمائية بنوع من الطاقة والاقدام ، وهو امر لم يستطع ان يحققه اى احد من مخرجى جيله .

وُلد سكورسيزى فى 17 نوفمبر عام 1943 فى منطقة فلاشنج فى نيويورك ، لقد كان الابن الثانى للاب تشارلز سكوسيزى  والام كاثرين سكورسيزى ، ولقد ظهر كل منهما كضيوف فى افلامه ، وفى طفولته عانى سكورسيزى من حمى حادة ، وعلى اثر ذلك فقد حُرم من المشاركة فى الالعاب الرياضية وباقى الانشطة المعروفة فى مرحلة الطفولة .

لقد عاش سكوسيزى فى منطقة تكتظ بدور العرض السينمائى ، وسرعان ما اصبح مهوسا بالسينما ، ونظرا الى نشأته فى اجواء كاثوليكية فقد بدأ فى الدراسة لكى يصبح قسيسا ، لكنه غير مساره واتجه لدراسة السينما فى كلية السينما بجامعة نيويورك ، وكان اول افلامه كطالب فى عام 1963 بعنوان ( ماذا تفعل فتاه رقيقة مثلك فى مكان كهذا ؟ ) ثم كان فيلمه الثانى 15 دقيقة بعنوان ( لست انت فقط يا موراى ) فى عام 1964 وهى سنة تخرجه .
ثم جاء عمله التالى فى عام 1967 وكان بعنوان ( المذبحة الكبرى ) ، وفى عام 1969 فقد اكمل فيلمه الروائى الطويل المثير للجدل ( من ذا الذى يطرق بابى ؟ ) وهو فيلم درامى وقام ببطولته الممثل هارفى كيتل ، الذى مثل الكثير من انجح افلام سكورسيزى ، وكان هذا الفيلم ايضا هو بداية التعاون من المونتيرة ثيلما شونميكر التى لازمته طوال حياته ، كما اُعتبر الفيلم حجر الاساس فى رؤية سكورسيزى الثورية للسينما .

ولقد امضى اسكورسيزى مرحلة قصيرة فى تدريس السينما فى جامعة نيويورك ، وكان من بين تلاميذه اوليفر ستون وجوناثان كابلان ، وبعد ذلك عرض سكورسيزى الفيلم التسجيلى ( مشاهد من الشارع ) والذى صور فيه مظاهرات الطلاب قى مايو 1970 احتجاجا على الغزو العسكرى لكمبوديا . وبعد هذا الفيلم سافر مباشرة الى هوليود مودعا نيويورك ، والتحق بالعمل كمونتير فى افلام ( وودستوك ) و( دواء بول كارافان ) و ( ألفيس فى جولة ) ولقد اطلقوا علي سكورسيزى  لقب ( الجزار ) جراء عمله فى مونتاج افلام شركة السينما الامريكية العالمية لروجر كورمان .

واثناء ذلك اخرج اول افلامه الذى لم يحظ باى فرصة للتوزيع خارج الولايات المتحدة الامريكية ، كان هذا الفيلم هو ( السيارة الصندوق بيرثا ) فى عام 1982 وكان من بطولة باربارا هيرشى وديفيد كارادين .
وبعد ذلك عاد الى نيويورك ليبدأ العمل فى اول تحفه السينمائية ( شوارع قذرة ) عام 1973 ، انه فى هذا الفيلم يغوص بعمق فى السير الذاتية ويستقصى الازمات الداخلية والروحية التى تواجه نفس مجموعة الشخصيات الذين ظهروا فى فيلمه السابق ( من ذا الذى يطرق بابى ؟ ) ، ان فيلم شوارع قذرة يؤسس لاسلوب سكورسيزى الذى يتميز بتوظيف شخصيات مهمشة لا تتميز بالبطولة ، وكذلك اسلوبه غير التقليدى فى التصوير وتقنية المونتاج ، ويظهر فى الفيلم ولعه بحياه رجال الدين ورجال العصابات ، كما يظهر توظيفه العبقرى للموسيقى الشعبية ، لقد كان هذا الفيلم هو الذى وضع سكوسيزى فى مقدمة جيل جديد من عباقرة السينما الامريكية ، كما ان هذا الفيلم ايضا يؤسس  لعلاقة سكورسيزى مع الممثل روبرت دى نيرو ، والذى دائما ما جسد الشخصية المحورية فى معظم افلام سكورسيزى بعد ذلك .

وبعد ذلك سافر سكوسيزى الى الامازون ليبدأ تصوير فيلمه ( آليس لم تعد تعيش هنا ) فى عام 1974 ، وجاء هذا الفيلم كنوع من التحدى ، فقد اتهمه النقاد بانه لا يستطيع تقديم فيلما عن شخصية نسائية ، وكانت المفاجأة ان الممثلة الين برستين التى قامت بدور البطولة ، حصلت على جائزة الاوسكار كاحسن ممثلة فى نفس العام ، كما ترشحت الممثلة دايان لاد لاوسكار احسن ممثلة مساعدة عن نفس الفيلم .

وبعد ذلك وفى نفس العام قدم سكورسيزى فيلما تسجيليا بعنوان ( الامريكى الايطالى ) ودائما ما يُشير سكورسيزى الى هذا الفيلم باعتباره احب افلامه على الاطلاق ، وهذا الفيلم التسجيلى يتناول تجربة الهجرة للايطاليين ، كما يتناول الحياه فى حى ( ايطاليا الضغيرة ) فى نيويورك ، وكان بطلا هذا الفيلم هما اب وام سكورسيزى ، وتضمن الفيلم اسرار عمل صلصلة الطماطم لكاثرين سكورسيزى ( ام المخرج ) .

سائق التاكسى .

ثم بدأ سكورسيزى العمل فى الفيلم المذهل ( سائق التاكسى ) فى صيف عام 1974 ، وهذا الفيلم كتب له السيناريو بول شرودر ، ان هذا الفيلم يتناول ظاهرة العنف فى المجتمع الامريكى المعاصر ، وكان من بطولة روبرت دى نيرو الذى جسد شخصية ترافيس بيكل .لقد حصل فيلم سائق التاكسى على السعفة الذهبية فى مهرجان كان 1976 ، وبعد خمس سنوات اصبح هذا الفيلم موضوعا للتحقيق بسبب احتواءه على محاولة اغتيال مرشح رئاسى ، ولقد تصادف ان تعرض رونالد ريجان الى محاولة اغتيال من شخص يدعى جون هينكلى ، وقيل ان الفيلم ألهمه .

وبعد هذا الفيلم اخرج سكورسيزى فيلم ( نيويورك .. نيويورك ) وهو فيلم موسيقى من بطولة روبرت دى نيرو وليزا مانيلى ، ان هذا لم يحقق لسكوسيزى نفس النجاح النقدى الذى حظيت به جميع افلامه ، كما اُعتبر هذا الفيلم بمثابة سقطة .

وعلى الرغم من براعته فى الافلام الروائية ، فانه واصل عمله التسجيلى لفيلم عن توديع فرقة موسيقية للعروض ، وقد تم تصوير فى عام 1976 ، وقد ظهر فى هذا الفيلم عديد من الرموز الغنائية الامريكية كضيوف شرف مثل مودى ووترز ، وبوب ديلان وفان موريسون .
اما فيلم ( الفالس الاخير ) فقد اخرجه سكورسيزى فى عام 1978 ، وقد شارك هذه الفيلم فى العديد من المهرجانات ، كما نال اعجاب محبى اغانى البوب الامريكيين .
اما فيلم ( ولد امريكى .. صورة لستيفن برينس ) فقد كان يتناول شخصية بائع الاسلحة الذى سبق ظهوره فى فيلم سائق التاكسى ، وتم اخراج هذا الفيلم فى عام 1978 ايضا .

الثور الهائج .

وفى ابريل عام 1979 ، وبعد عام من الاعداد ، بدأ سكورسيزى فى اخراج فيلم ( الثور الهائج ) وهو يعتمد على السيرة الذاتية للملاكم ( جاك لاموتا ) وقد كان هذا الفيلم ابيض واسود ، انه اكثر افلام سكورسيزى طموحا حتى ذلك الوقت ، كما اعتبره النقاد افضل افلام الثمانينات ، وحصل روبرت دى نيرو على اوسكار احسن ممثل لتجسيده شخصية جال لاموتا ، كما ترشحت الممثلة الصاعدة كاثى موريارتى لاوسكار احسن ممثلة عن دورها فى تجسيد الزوجة الثانية لجاك لاموتا ، كما حصلت المونتيرة ثيلما شونميكر على اوسكار احسن مونتاج عن هذا الفيلم .

وفى عام 1983 عاد روبرت دى نيرو مرة اخرى الى مارتن سكورسيزى ، فى فيلم ( ملك الكوميديا ) الذى يتناول بسخرية حياه البذخ والشهرة .
الاغواء الاخير للمسيح .

ونظرا الى ان سكورسيزى كان يحلم منذ ان كان فى العاشرة من العمر ، ان يقدم فيلما عن حياة يسوع المسيح ، فقد كان على وشك تحقيق هذا الحلم فى عام 1983 عندما اعد رواية نيكولاس كازنتزاكس التى تحمل عنوان ( الاغواء الاخير للمسيح ) ، لكنه وقبل اربعة اسابيع من تصوير الفيلم ، فوجئ سكورسيزى بعدم توفر الميزانية الكافية للفيلم .

وفى عام 1985 ، ونظرا لصعوبات مادية صادفت سكورسيزى ، فقد اضطر للموافقة على اخراج المسرحية الكوميدية ( بعد الساعات ) لاحد مسارح نيويورك .
وفى عام 1986 ، بدأ سكورسيزى فى اخراج فيلم ( لون المال ) ، من بطولة بول نيومان الذى حصل عنه على اول جائزة اوسكار احسن ممثل ، وكان فيلم ( لون المال ) هو اول افلام سكورسيزى التى نجحت جماهيريا ، وعلى اثر ذلك فقد اصبح قادرا على اخراج فيلم ( الاغواء الاخير للمسيح ) ، وكان من بطولة ويليام دافو ، وقد ظهر هذا الفيلم الروائى فى عام 1988، وقد تعرض الى الانتقاد الشديد فيما يتعلق بحقيقة حياه المسيح ، لكن هذا الانتقاد كان احد اسباب نجاح الفيلم جماهيريا كما ترسخ اسم سكورسيزى كمخرج سينمائى جماهيرى .

وفى عام 1989 اخرج سكورسيزى جزءا من فيلم شارك الاخراج فيه كل من فرانسيس فورد كوبولا وودى ألن ، انه فيلم ( قصص نيويورك  ) وكان من بطولة روبرت دى نيرو .
وفى عام 1990 بدأ فى اخراج الفيلم التحفة ( اولاد طيبون ) الذى يعتمد على كتاب لنيكولاس بيليجى يتناول جريمة قتل حقيقية ، وتناول الفيلم تفاصيل العالم الاجرامى وخفاياه فى نيويورك ، وقد حصل الممثل جو بيسكى على اوسكار احسن ممثل مساعد .

ونظرا الى ان سكورسيزى كان قد وقع عقدا مع شركة يونيفرسال التى انتجت له فيلم ( الاغواء الاخير للمسيح ) فقد اقتضى على سكورسيزى ان يخرج للشركة فيلما آخر يكون تجاريا ، فكان هذا الفيلم هو ( الرأس المرعب ) عام 1991 ، وهو اعادة انتاج لفيلم اثارة هوليودى قديم .

وفى عام 1993 ، اخرج سكورسيزى فيلم ( زمن البراءة ) اعتمادا على رواية لاديث وارتون ، ويتناول الفيلم عادات مجتمع نيويورك فى سبعينات القرن التاسع عشر ، وكان من بطولة دانييل داى لويس وميشيل فيفر .
وفى عام 1995 ، قدم سكورسيزى فيلمين ، اولهما ( كازينو ) الذى يوثق لصعود وانهيار مدينة لاس فيجاس فى السبعينات ، اما فيلمه الثانى فكان ( رحلة شخصية مع مارتن سكورسيزى خلال السينما الامريكية ) وهو يتناول تطور عملية اخراج السينما فى هوليود .
وفى عام 1997 اكمل فيلم ( كاندن ) الذى يتناول سنوات من حياة الدالى لاما فى المنفى ، وفى نفس العام حصل سكورسيزى على جائزة معهد السينما الامريكى عن مجمل اعماله .
وفى عام 1998 شارك سكورسيزى فى احتفالية معهد السينما الامريكى التى حملت عنوان ( مائة عام .. مائة فيلم ) وقدم سكورسيزى رؤيته للعلاقة بين سينما الماضى وسينما المستقبل .
ثم عاد سكورسيزى مرة اخرى لاخراج الافلام فى عام 1999 بفيلم ( استخراج الميت ) وهو فيلم درامى طبى من بطولة نيكولاس كيدج .

عصابات نيويورك .

فيلم عصابات نيويورك

ومع بدء الالفية الجديدة اخرج سكورسيزى اول افلامه لشركة ميراماكس الذى حمل عنوان ( عصابات نيويورك ) ، وكان هذا الفيلم يراود ذهن سكورسيزى طوال ربع قرن الى ان تمكن من اخراجه ، وتم عرضه فى ديسمبر 2002 ، وفى هذا الفيلم نرى صراع عصابات نيويورك اثناء الحرب الاهلية ، وقد حصد هذا الفيلم العديد من جوائز الاوسكار ، من بينها احسن فيلم واحسن مخرج ، وقد كان هذا الفيلم سببا لكى يقوم سكورسيزى بدور المنتج المنفذ فى فيلمه التالى الذى حمل عنوان ( يمكنك ان تعتمد على ) .
ثم اخرج فيلم الطيار وهو عبارة عن السيرة الذاتية للمليونير الامريكى هوارد هيوز ، ويركز الفيلم على ايام صباه ، ان  سكورسيزى استعان بالممثل الامريكى ليوناردو دى كابريو فى فيلمى ( عصابات نيويورك والطيار ) بعد كان يستعين بروبرت دى نيرو .
وفى عام 2004 ، شارك سكورسيزى فى تمثيل احد شخصيات فيلم التحريك ( قصة سمكة قرش )
وفى عام 2005 انجز سكورسيزى فيلما تسجيليا من اربع ساعات ، وهو عبارة عن مقابلات مع الموسيقى بوب ديلان الذى كرس حياته للحفلات الموسيقية فى بريطانيا  ، حيث ثار عليه الجمهور بسبب استخدامه للآلات الموسيقية الكهربية .

الراحل .
فيلم الراحل

وفى العام التالى ، اخرج سكورسيزى فيلم ( الراحل ) من بطولة ليوناردو دى كابريو ايضا ، وهذا الفيلم يعتمد على رواية  ( امور جهنمية ) ويحكى عن شرطى سرى ، وقد شارك فى التمثيل جاك نيكلسون ومات ديمون ، وقد اُستقبل الفيلم بحفاوة من النقاد ، كما حظى بنجاح جماهيرى لم يسبق لسكورسيزى ان حققه ، كما جعل المخرج يحصل على العديد من الجوائز من بينها الجولدن جلوب كاحسن مخرج ، كما حصل على الاوسكار عن مجمل اعماله .

وفى عام 2008 قدم سكورسيزى فيلما تسجيليا عن موسيقى الروك ، ( بريق الضوء ) وهو اول افلامه الذى عُرض على الشاشات بتقنية ( آى ماكس ) .
وفى عام 2010 اخرج سكورسيزى فيلم الاثارة ( الجزيرة المحطمة ) معتمدا على رواية لدانيس لاهان ، ان هذا الفيلم ايضا من بطولة ليوناردو دى كابريو .
كما واصل سكورسيزى اخراج الافلام التسجيلية فقدم فيلما عن مغنية البوب ويتى فران ليبوتز ، كما قدم فيلما عن المخرج الامريكى اليا كازان بعنوان ( خطاب الى اليا ) ، كما قدم فى عام 2011 فيلم ( جورج هاريسون : العيش فى عالم الماديات ) .
وفى عام 2011 قدم فيلم ( هوجو ) وهو يعتمد على كتاب لبراين سيلزنك ، وهذا الفيلم يمثل تحديا تقنيا لسكورسيزى لانه استخدم تقنية الفيلم ثلاثى الابعاد لاول مرة ، ونتيجة لجودة الفيلم فقد حصل الفيلم على عدة ترشيحات  للاوسكار الامريكى اكثر من اى فيلم امريكى آخر لهذه السنة ، ولقد حصل سكورسيزى على جائزة الجولدن جلوب كاحسن مخرج ، كما حصل على الاوسكار ، وحصل ايضا على جائزة نقابة المخرجين لهذا الفيلم .
مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى .