30‏/12‏/2010

جان لوك جودار


جان لوك جودار


ترجمة :- ممدوح شلبى

اُعتبرت جميع المراجع السينمائية ان جان لوك جودار – العضو المؤسس للموجة الجديدة الفرنسية – انه المخرج الفرنسى الاكثر تأثيرا فى حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بداية بفيلمه الروائى الطليعى ( على آخر نفس ) او ( اللاهث ) فى عام 1959، لقد قام بتثوير شكل الفيلم السينمائى وحرره من القيود التى ظلت من المسلمات فى لغة السينما من خلال اعادة كتابة قواعد السرد والتتابع والصوت والتصوير السينمائى، كما تحدى الاساليب التقليدية فى انتاج السينما الروائية وتوزيعها وعرضها، فى محاولة لتقويد قواعد السينما الهوليودية واستحداث نوع جديد من السينما.

وُلد جودار فى باريس فى الثالث من ديسمبر عام 1930، وكان ترتيبه الثانى فى ترتيب اخوته الاربعة، وبعد انهاءه لتعليمه الاساسى فى مدينة نيون بسويسرا، التحق جودار بجامعة السوربون لدراسة ( اصل الانسان )، لكنه كان يقضى كل وقته فى نادى سينما الحى اللاتينى حيث التقى لاول مرة بفرنسوا تريفو وجاك ريفت، وفى مايو من عام 1950 اتفق الثلاثة على اصدار جريدة السينما، وهى جريدة شهرية صدر اول اعدادها فى نوفمبر من نفس العام وظهر فيها اول مقالين نقديين لجودار وختمهما بالتوقيع باسمه الحقيقى واسم اخر مستعار هو ( هانس لوكاس ).

وفى عام 1950 ايضا مثل جودار فى اول افلام ريفت، وهو فيلم روائى قصير بعنوان ( كادريل ) وهو اول ظهور لجودار كممثل، وفى العام التالى ظهر ايضا فى مقدمة فيلم ( شاروت وصاحبه ستيك ) للمخرج اريك رومر، وفى يناير من عام 1952 بدأ جودار الكتابة فى مجلة ( كراسات السينما ) ذات التأثير الكبير، وعلى ايه حال فاول وظيفة لجودار فى مجلة كراسات السينما لم تدم طويلا، ففى خريف عام 1952 ترك جودار فرنسا وعاد الى سويسرا حيث عمل فى بناء سد ديكسنس الكبير، واستطاع ان يدخر الاموال ليُنتج اول افلامه، وهو فيلم تسجيلى قصير بعنوان ( عملية اسمنت مسلح ).


وعند عودته الى فرنسا فى صيف 1956 استأنف جودار عمله فى مجلة كراسات السينما بعد انقطاع عن الكتابة دام اربعة سنوات، وصعد سريعا ليصبح واحدا من اهم نقاد السينما الفرنسيين وشجعه ذلك على اخراج ثلاثة افلام قصيرة باسلوب اخراج متميز وجديد، وهم ( الاولاد جميعا اسمهم باتريك ) عام 1957، والفيلم الثانى هو ( شارلوت وصديقها) والثالث هو ( قصة الماء ) وكلاهما فى عام 1958.

وفى عام 1959 اخرج جودار اول افلامه الروائية الطويلة ( اللاهث )، وتصادف ان عرض الفيلم فى السينمات جاء متزامنا مع فيلم ( الضربات الربعمائة ) لفرنسوا تريفو، وفيلم ( هيروشيما حبيبى ) للمخرج ألن رينيه، وساعد هذا على انطلاق ما عُرف باسم الموجة الجديدة الفرنسية، وهى حركة سينمائية ثورية تبناها كتاب مجلة كراسات السينما، وحقق فيلم ( اللاهث ) نجاحا عالميا فى وقت قصير باعتباره فيلما يؤرخ لعصره، وبين عشية وضحاها اصبح جودار اهم عبقرى سينمائى فى جيله.
لقطة من فيلم اللاهث


وفى عام 1960 اخرج جودار ثانى افلامه الروائية الطويلة ( الجندى الصغير )، وكان من بطولة زوجته أنا كارينا التى قامت ببطولة العديد من افلامه اللاحقة، لكن هذا الفيلم مُنع من العرض فى فرنسا لمدة ثلاثة سنوات بسبب موقف فريق الفيلم من الازمة الجزائرية آنذاك.

ثم اخرج فيلمه الثالث ( المرأة هى المرأة ) باسلوب السينما سكوب وهو عبارة عن حكاية كوميدية، وفى العام التالى اخرج فيلم ( عاشت حياتها ) وقامت ببطولة الفيلمين زوجته أنا كارينا ما جعل النقاد يتهمونه بانه يستخدم زوجته ليس كممثلة، ولكن لمجرد ان يستفيد من جاذبيتها على الشاشة وانه يخادعها حتى انها لا تعى كلية بأمر الفيلم الذى تعمل فيه، وفى عام 1963 اخفق جودار من الناحية النقدية فى فيلمه عن الحرب المسمى ( الدرك ) لكن فيلم ( الاحتقار ) - وهو دراسة عن السينما نفسها ومن بطولة بريجيت باردو - اعاد اليه اعتباره فى الكتابات النقدية.
أنا كارينا فى فيلم عاشت حياتها


وبعد ذلك دخل جودار فى مرحلة من التفرد والامتياز بداية من فيلم ( مجموعة منفصلة )  وايضا فى فيلم ( السيدة مارى ) و ( بيرو لو فو ) و ( الفافيل ) و ( مغامرة غريبة لليمى كوسيون ) وهذا الفيلم هو محاولته الوحيدة فى افلام الخيال العلمى ، وهذه الافلام عملها جودار فى عام 1965، وفى العام التالى اخرج ثلاثة افلام هى ( مذكر.. مؤنث ) و ( صُنع فى امريكا ) و ( اثنين او ثلاثة اشياء اعرفها عنه ) وفى عام 1967 اخرج جودار فيلم ( الصينية ) و ( بعيدا عن فيتنام ) واخيرا فيلم ( عطلة نهاية الاسبوع الفظيعة ) وهو اكثر افلامه راديكالية منذ فيلمه الاول ( اللاهث ). 

وابتداءا من عام 1968 دخل جودار فيما اصطلح على تسميه ( المرحلة الراديكالية ) فقد اصبح صريحا فى توجهه السياسى الذى ارهص به فى افلامه الاولى، والآن اصبح التوجه السياسي هو المسيطر عليه، وفى عام 1968 الذى شهد اضطرابات سياسية عمت العالم، قدم جودار فيلم (Le Gai Savior ) وهو عبارة عن سلسلة من الحوارات السياسية، ثم تلاه بفيلم ( فيلم مثل الافلام الأخرى ) وهو عبارة عن مجموعة من الصور التى تتداخل مع حوارات عديدة تدور بين العمال والطلبة، ثم فيلم ( واحد + واحد ) وهو صور وثائقية وعرف ايضا باسم ( التعاطف مع الشيطان ).

وفى صيف نفس العام اسس جودار جماعة سينمائية سماها ( جماعة دزيجا فيرتوف ) من اجل عمل افلام سياسية ومن اجل تثوير قواعد الفيلم السينمائى، وهذه المجموعة قدمت افلاما من انتاجها وتأليفها تأسست على مفهوم الصراع الطبقى والمادية الجدلية، وكان جودار يعمل مع الاعضاء الاخرين فى مجموعة دزيجا فيرتوف ملتزما بنظام سينما المؤلف بصرامة، وكان يصور الافلام بمقاس 16 مللى وبميزانيات صغيرة جدا، وتخلى عن القنوات التقليدية لتوزيع وعرض الافلام، فقدم فى عام 1969مجموعة من الافلام هى ( اراك وانت ماوى ) و  ( رياح شرقية ) و (Amore e Rabbia ) وقدم فى عام 1970 فيلم ( فلاديمير وروزا ) والفيلم الغير مكتمل ( حتى النصر ) الذى لم يراه الا الطلبة ودائرة النشطين، وكان فيلم (Tout Va Bien) فى عام 1972 هو آخر مرحلة ( مجموعة دزيجا فيرتوف )، وكان هذا الفيلم محاولة لايصال رسائل الى مشاهدى الافلام التقليدية، وتم توزيع هذا الفيلم فى اطار تجارى وكان تمويله وانتاجه من الامريكيين.

وبعد انتهاءه من فيلم ( رسالة الى جين ) ترك جودار باريس ليستقر فى ( جرينوبل ) ووضع مخططا لانشاء ستوديو لافلام الفيدو ليؤسس انظمة جديدة للانتاج وتوزيع الافلام، وهناك التقى مع آن مارى ميفيل، واقاما معا تعاونا دام مدة طويلة بداية من فيلم ( هنا وفى اماكن اخرى ) فى عام 1974، ثم تلاه بفيلم ( العدد اثنين )، وفى العام التالى قدم فيلم ( كيف حالك؟)، وفى عام 1976 انتقل جودار وآن مارى ميفيل الى مدينة رول السويسرية قليلة السكان وانهمكا فى اعمال الفيديو والتلفزيون.

ومن ضمن مشاريعهم الاولى ( ستة مرتين)  وهو سلسلة من ستة برامج كل منها من جزئين، انجزهم جودار وآن مارى ميفيل بتفويض من التليفزيون السويسرى، كما انجزا ايضا حلقات تليفزيونية اخرى احدهما بعنوان ( جولة فى فرنسا ) والثانية بعنوان ( التفاف طفلان )، وقضيا عامى 1977 , 1978 فى انجاز هذه الاعمال ثم عاد جودار وآن مارى ميفيل الى فرنسا للبدء فى فيلم  (الحياه ) فى عام 1978، وفى عام 1980 سافر جودار الى كاليفورنيا ليعمل مع فرنسيس فورد كوبولا فى السيرة الذاتية لبوجسى باجسى ولكن هذا العمل لم يتم وظل مجرد مشروع.

وبمجرد عودته الى باريس بدأ جودار الثلاثية السامية، وهى تتكون من ( الشبق ) عام 1982 و ( الاسم الاول كارمن ) 1983 , والفيلم المثير للجدل ( السلام عليك يا مارى ) عام 1983 ايضا، وفى هذه الثلاثية استحوذ على جودار ولع لمناقشة التصورات عن الجمال والنساء الفاتنات والطبيعة.
وبعد فيلم ( المحقق ) الذى تم عمله فى عام 1985 باسلوب الابيض والاسود، انتج جودار وآن مارى ميفيل فيلم ( ناعم وصعب ) فى عام 1986 وهو عبارة عن محاورة ناعمة بين صديقين عن موضوع صعب، وكان هذا الفيلم لصالح القناه الرابعة فى التليفزيون الانجليزى.
ثم قدما سلسلة من المشروعات شملت الفيلم التليفزيونى (صعود وانهيار السينما التجارية ) عام 1986 ، وفيلمى (حافظ على حقك ) وتبعه بوقت قصير جدا فيلم ( الملك لير) والفيلمين فى عام 1987، لكن جودار لم يقدم شيئا بعد ذلك الا ( الموجة الجديدة ) فى عام 1990 و( تاريخ السينما ) وهو فيلم فيديو من عشرة اجزاء جاء فى شكل دراسة عن ميراث السينما الفرنسية.

وفى عام 1996 قدم جودار فيلم ( موتسارت الى الابد ) عن محاولات فرقة مسرحية فرنسية ان تٌقيم عرضا مسرحيا فى سراييفو، وفى العام التالى اكمل جودار الجزئين الثالث والرابع من فيلمه ( تاريخ السينما ) وفى نفس العام مثل جودار فى الفيلم الدرامى الكوميدي (اننا جميعا مازلنا هنا ) الذى اخرجته آن مارى ميفيل.

وطوال العقد التالى لم ينضب ابداع جودار، فظل يقدم فيلما او فيلمين فى العام، وكان هذا حاله ايضا فى السبعينات والثمانينات، ومن الافلام التى قدمها ( المكان القديم ) 2000 و ( فى مديح العشق ) 2001 و (موسيقانا ) 2004 و ( جواز سفر مزيف صحيح) 2006، وفى عام 2009 كان جودار وفرنسوا تريفو موضوعا لفيلم تسجيلى متميز عنوانه ( اثنين من الموجة ).

واخيرا جاء فيلمه ( فيلم الاشتراكية ) عام 2011، انه فيلم مذهل يذهب بعيدا جدا عكس السينما التقليدية فلم يسبق لجودار ان وصل الى هذا الحد من قبل فى جميع تاريخه الفنى، كما ان فيلم ( فيلم الاشتراكية ) يُطبق اسلوب جودار الخاص ولكن بطرق جديدة لم يقدمها من قبل ، وعندما عُرض الفيلم عالميا كان مصحوبا بترجمة الى الانجليزية لكنها لم تساعد على فهم الحوار الذى يدور فى الفيلم حتى ان البعض وصفوا الفيلم بانه مفككا تماما.
ترجمة :- ممدوح شلبى
فيلم الاشتراكية لجودار