21‏/09‏/2014

أفلام جودوروفسكى السريالية

أليخاندرو جودوروفسكى
 
مقالة:- نيل إيفانس
ترجمة:- ممدوح شلبى

وًلد المخرج أليخادرو جودوروفسكى – الشيلى الفرنسى- فى عام 1929، وهو يتمتع بلمسة متفردة حقيقية فى الوسط السينمائى، أى فيلم من أفلامه القليلة التى اخرجها إبتداءاً بفيلمه السريالى الأول فى عام 1967 "فاندو وليز" " Fando & Lis " إنتهاءاً بفيلمه "رقصة الحقيقة" " The Dance Of Reality " الذى أخرجه فى العام الماضى بعد توقف عن الإخراج دان 23 عاماً، فهذه الأفلام تحف سينمائية متفردة، فكل فيلم يمتلك القوة لإحداث الصدمة وتحدى وهز المشاهدين بعيداً تماماً عن عوالمهم المُعتادة.

كان جودوروفسكى - ومعه المخرج المستقبلى فرانسيسكو أرابال – واحداً من رواد حركة مسرح الرعب فى الستينات، وهو أسلوب فوضوى للعروض المسرحية لا يراعى الطريقة التى إعتاد بها الجمهور مشاهدة المسرح ولكنه يقدم العالم الذى يحيط بهم، بطريفة مختلفة تماماً من ناحية الأسلوب والشكل، ونفس هذا التوجه ترسخ فى أفلام جودوروفسكى بالمفهوم البحثى سواء كان مادياً أو روحياً، بهدف إستكشاف وتجسيد الشكل والمعنى فى حياة الإنسان.

وسواء كان البحث عن إستبصار روحى كما فى فيلم " " " El Topo " – 1970 أو فيلم "الجبل المقدس" " The Holy Mountain " – 1973 ، او بالتعامل مع الحياه فيما بعد الصدمة كما فى فيلمه الإستثنائى "سانتا سانجر" " Santa Sangre " 1989، نجد أن جودوروفسكى يمتلك حساً سينمائياً شديد التفرد والذاتية.

يترتب على هذا النهج فى بعض الأحيان أن يكون العمل السينمائى مقصوراً على فئة معينة ويتسبب فى التشويش لجمهور معين، وجودوروفسكى ليس الشخص الذى يهمل هذا البعد، فهو يستطيع ان يحد من رؤيته من أجل الحصول على جمهور أكثر عدداً، إنه المخرج الذى يجب عليك كمُشاهد أن تتفاعل معه، وهذا المخرج سبق له ان قال عن فيلمه الشهير " El Topo " أنك إذا كنت محدوداً فى تصوراتك فإن الفيلم سيكون محدوداً مثلك، وإذا كنت مستعداً لأن تتماشى مع الفيلم فإن الفيلم يأخذك إلى فضاءات لا حدود لها.

ولجودوروفسكى القدرة أيضاً على خلق الصور التى تتملك من عقلك وتأبى ان تبارحه، سواء كانت الصورة عبارة عن لقطة جميلة أمامية او خلفية فى فيلم " El Topo " حيث نرى صبى على ظهر حصان يترك لعبته بينما نرى صورة لأمه مدفونة فى الرمال، وكذلك فى فيلم "الجبل المقدس" حيث يتحول البراز الادمى إلى ذهب، وكذلك جنازة الفيل فى فيلم "سانتا سانجر"، فثمة كيمياء سينمائية مذهلة لا يستطيع إنجازها سوى جودوروفسكى، وقد حاول الكثيرون أن يستنسخوا أسلوبه وطريقته، لكن لا أحداً منهم إستطاع أن يلامس تلك القوة التى لديه حتى يبتدع شيئاً ليتفرد به فيظل عصياً على النسيان.

ففى العديد من أفلامه أيضاً، نجد جودوروفسكى أحياناً شديداً وعنيفاً فى إنتقاده للأنظمة الدينية والسلطات الحاكمة اللتان من المفترض أنهما من يديران المجتمع، فأفلامه فضاءاً سينمائياً يُشكك فى كل شيئ.

وقد تعرض جودوروفسكى على مدى القرون الماضية للعديد من الإتهامات، من بينها أنه إستفزازى لا لشيئ إلا للفت الإنتباه، وكذلك عداءه للمرأة، وكذلك أنه شديد الذكاء فيما يتعلق بجمهور السينما، وهذه الامور بالمناسبة، هى ما جعلته مُتفرداً، فأفلامه تمتلك قدرة مُذهلة على كسب الناس وكذلك على إستعداء ناس آخرين، فهو بالنسبة للبعض عبقرياً، وبالنسبة لآخرين أبلة.

الشيئ المؤكد، انك إذا كنت تشعر بالضجر من الطريقة التى كرست فيها السينما نفسها من أجل هدف واحد فقط وهو عائد شباك التذاكر وأنها أصبحت مجرد سلعة، فإن جودوروفسكى وأفلامه هما النقيض التام لهذا الأمر، وإذا كنت تريد أن تشاهد أفلاماً تجعلك تفكر وتحس وتتحدى فلسفتك الشخصية فيما يتعلق بالعالم الذى يحيط بك، فجودوروفسكى هو السينمائى الذى تبحث عنه.

ونتيجة لشغفه وأصالة فلسفته الذاتية ونظرته إلى العالم، فإن جودوروفسكى من المخرجين الذين طوال مشوارهم الإبداعى كان يواجه العديد من الصعوبات التى تعوق تمويل أفلامه، وأكبر مثال على ذلك سيتم توضيحه تفصيلاً فى سياق هذا المقال لاحقاً، إنه يتعلق بمحاولته الفاشلة عام 1974 لعمل فيلم سينمائى عن الرواية الكلاسيكية "الكثبان" لفرانك هربرت.

فثمة إحساس بأن المنتجين وخاصة فى هوليوود كانوا يخافون من جودروفسكى ويخافون من أنه ينظر إلى السينما كفن ولا ينظر إليها كمُنتج تُجارى، والحقيقة أن جودوروفسكى لم يخضع لإملاءات أى أحد فى أى مرحلة من مشواره الفنى، مما تسبب فى إعاقته، فسوء الحظ كان مُلازما له، فقد أخرج سبعة أفلام فقط طوال مشواره الفنى.
 
سنُلقى نظرة على أسباب إختلاف جودوروفسكى عن المخرجين من جيله ونرى كيف أنه كان له تأثير كبير على مخرجين مثل ديفيد لينش وجاى مادين وريتشارد ستانلى ونيكولاس ويندنج رن.
 
 
فاندو وليز
فيلم فاندو وليز – 1967

تم تصوير هذا الفيلم على مدار عامين فى دولة المكسيك التى تبنته، ويتميز فيلم "فاندو وليز" بأنه متجزء بصورة كبيرة وانه شكل سريالى متحرر تماماً، يقدم لنا شخصيتين تبحثان عن المدينة الخيالية "تار" حيث ستتحول كل أحلامهما إلى حقيقة.

والفيلم مليئ بالصور والأصوات الإستفزازية، وقد تسبب هذا الفيلم فى أعمال شغب كبيرة فى المهرجانات بسبب صراحته وتجاوزاته، وبعد وقت لاحق تم منع هذا الفيلم فى المكسيك، تلك الدولة التى صُنع فيها الفيلم والتى تبنته.
وبعد ذلك بعدة اعوام، إستطاع جودروفسكى ان يُثبت أقدامه فى عالم السينما بسبب هذا الفيلم، فهذا الفيلم الذى يُنظر إليه ضمن سينما المؤلف – كان بمثابة وضع بذور للعديد من التيمات والموضوعات التى سيبحثها جودوروفسكى فى أفلامه اللاحقة.
 
 
فيلم "إل توبو" "EL TOPO" 1970
 
 
إل توبو
الفيلم الثانى لجودروفسكى كان "إل توبو" وقد وضع جودوروفسكى على الخريطة السينمائية، وهو فيلم غرب أأمريكى، لكنه بدا مختلفاً وليس له شبيه فى ذلك الوقت.
 
وهو يروى قصة أحد الفرسان – جودوروفسكى هو الذى مثل الشخصية- حيث يبحث عن معنى وقيمة لحياته، ويحتوى الفيلم على رموز دينية متنوعة، وينقسم بناء فيلم "إل تابو" إلى أربعة أجزاء، فتتسمى هذه الأجزاء الأربعة بأسماء من الكتاب المقدس "سفر التكوين" و"الرُسل" و"المزامير" و"سفر الرؤية"، ومما لاشك فيه أن هذا الغرب الأمريكى ليس هو الغرب الأمريكى السخى الذى كان الممثل جون واين بطلاً فى العديد من أفلامه. 
 
فالفيلم مليئ بالصور العنيفة والناس المشوهين والأقزام والمرضى المصابين بمتلازمة داون وكل المظاهر التى تجعل منه فيلم غرب أمريكى مختلف، "إل توبو" فيلم لا مثيل فى تفرده وتجاوزه.
 
وقد تصادف أن أرسى هذا الفيلم تقاليداً جديدة فى كيفية تسويق وعرض السينما على الجمهور، ذلك أن دار سينما "إلين" " Elgin " فى نيويورك – التى كان يديرها بن بارنهولز – قرر ان يعرض فيلم "إل توبو" فى ساعات العصر يومياً، بدلاً من الحفلات الخمسة المعتادة، هذا الأسلوب والطريقة أفرزت ما أصبح معروفاً الآن بإسم "فيلم منتصف الليل".
 
ولكى يتحقق ذلك، قررت سينما إلين أن تجتذب الجمهور الذى يبحث عن التميز حتى يأتى ويشاهد هذه السينما المختلفة، وقد عرضت فى الواجهة لقطة متفردة من الفيلم، والحقيقة أن هذا الفيلم حقق مكاسب مالية هائلة وإستمر عرضه خمس سنوات فى سينما إلين فى حفلات منتصف الليل فقط.
 
كما أن الفيلم إجتذب معجبين مثل مغنى فرقة البيتلز الشهير جون لينن الذى أقنع مديره – ألين كلين – أن يشترى حقوق عرض فيلم "إل توبو" وفيلم جودوروفسكى التالى الذى كان إسمه "الجبل المقدس"، وقد كان هذا الأمر بمثابة نصل سيف سام بالنسبة لجودوروفسكى.
 
فبعد أن إختلف جودوروفسكى مع كلين – ذلك الرجل الذى كان مشهوراً بأسلوبه وطريقته العدائية فى الشئون المالية- فإن حقوق فيلم "إل توبو" وفيلم "الجبل المقدس" تم سحبهما من كلين، وترتب على ذلك أن هذين الفيلمين لن يُشاهدا لعديد من السنوات وسيتم تخزينهما فى ظروف رديئة على شرائط قيديو.
 
وفى عام 2006 تصالح كل من كلين وجودوروفسكى، ونتج عن ذلك إصدار نسخة "دى فى دى" فخمة لفيلمى "إل تابو" و"الجبل المقدس" وتم توزيعهما، بما يليق بهذين الفيلمين من أهمية.
 
 
فيلم الجبل المقدس " The Holy Mountain " 1973
 
 
الجبل المقدس
بعد النجاح الغير مسبوق لعروض فيلم "إل توبو" فى سينما إلين، حصل جودوروفسكى على مليون دولار من شركة " AKCKO " التى يديرها ألين كلين، كما حصل على شيك – على بياض – لعمل اى شيئ يريده، وكانت النتيجة إخراج فيلم "الجبل المقدس" بميزانية مقدارها نصف مليون دولار.
 
كل ما كان غريباً وغير مألوف فى فيلم "إل توبو" أصبح مفهوماً، فيلم "الجبل المقدس" كان تلك القصة شديدة الغرابة عن ممثلين من كل الكواكب الذين يجمعهم الكيميائى أليخاندرو جرودوفسكى. 
 
التوجه الرئيسى للفيلم يتشابه مع فيلم "فاندو وليز" - أول أفلام جودروفسكى الروائية -، وفيلم الجبل المقدس كان يبحث عن جبل مقدس خيالى كما يشير عنوان الفيلم، وطوال الفيلم، كان المُشاهد يتعاطى مع أكثر الصور السريالية والعنيفة التى يراها لأول مرة فى حياته.
 
ويشار إلى هذا الفيلم أيضاً على أنه هجوم لا هوادة فيه من جانب المخرج على كل شيئ موجود فى العالم، وثمة إساءة واضحة لكل الناس فى هذا الفيلم، سواء كانت هذه الإساءة عبارة عن بندقية مصنوعة على شكل نجمة داوود اليهودية، وثمة هجوم متعدد على المؤسسات الدينية والمخادعين والمشعوذين الذين يدعون انهم يعرفون معنى الحياة، او اللقطة الأخيرة من الفيلم حيث تتراجع الكاميرا إلى الخلف لتكشف عن فريق تصوير الفيلم والكيميائى "جودوروفسكى" يتحدث إلى الجمهور ويقول لهم أن يكتشفوا معنى حياتهم بأنفسهم. 
 
إنه فيلم شديد الغرابة ينحو إلى العزف على إيقاعه الخاص، فيلم "الجبل المقدس" على أية حال، يُعيد تعريف مصطلح "الذوق المُكتسب" لهؤلاء الذين يحبون سينماهم أن تهزهم وتتحداهم، فمما لا شك فيه أن هذا الفيلم موجه إليك .
 
 
فيلم: ناب ""Tusk 1979
 
 
ناب
منذ أن إنتقلت ملكية فيلم "ناب" من المخرج، أصبح هذا الفيلم عصياً على الوجود، إنه موجود فقط على "اليوتيوب" ولم يحظى مطلقاً بتوزيع رسمى من أى نوع، سواء كان سينمائياً أو على شرائط الفيديو، أو على نسخ "دى فى دى" "بلو-راى".
 
كان هذا الفيلم محاولة من جودوروفسكى لعمل فيلم يكون مناسباً للجمهور العادى، وكان هذا الفيلم هو الفيلم الذى تلى محاولته الفاشلة لعمل فيلم "الكثبان" قصة فيلم "ناب" تتعلق بمصير فتاة صغيرة وفيل وُلدا فى نفس اليوم فى الهند إثناء العهد الإستعمارى، بينما كانت الهند مازالت تابعة للملكة المتحدة.
 
هؤلاء الذين شاهدوا الفيلم يقولون أنه لا يحتوى على الشكل السحرى الذى أُخرج به فيلم "إل توبو" وفيلم "الجبل المقدس" بما يحتوياه من تحدى وتجريب صعب.
 
وبالنسبة لمخرج مثل جودروفسكى، فمن العار أن يكون فيلم "الناب" وفيلم "لص قوس قزح" الذى أخرجه عام 1990 من بطولة بيتر أوتول وعمر الشريف، ليسا متاحان لجمهور السينما العادى الذى يحب أفلام جودوروفسكى بصرف النظر عن أنهما يحتويان على ما يمنع عرضهما العام..
 
 
فيلم سانتا سانجر " Santa Sangre " 1989
 
 
سانتا سانجر
وبعد عدة سنوات من الإبتعاد عن عالم الإخراج، عاد جودوروفسكى فى نهاية الثمانينات بهذا العمل المُذهل، وهذا الفيلم كان أول الأفلام التى إستحسنتها لهذا المخرج ولعبقريته الحقيقية، الفيلم كان أيضاً بمثابة نقطة تحول بالنسبة للمخرج، فهو أكثر تماسكاً من بعض اعماله السابقة وهو الفيلم الأول الذى أثبت أنه أكثر أفلامه نجاحاً ووُزع على نظاق واسع فى شباك التذاكر، كان الفيلم من إنتاج كلوديو أركينتو- شقيق المخرج الإيطالى الأسطورى داريو-.
 
فيلم "سانتا سانجر" صُور فى سيرك حيث تتعرض الشخصية الرئيسة "فينكس" لسلسلة من الاحداث المؤلمة، وقام بطولة الدور آكسل جودوروفسكى إبن المخرج، فيلم "سانتا سانجر" مزيج مُدهش يتناول علاقة بين أم وإبنها بطريقة لا تختلف كثيراً عن فيلم "سايكو" لألفريد هيتشكوك، وهو يكشف عن مصارعين من المكسيك وممارسات دينية تمارسها فتاة تعرضت إلى الإغتصاب وقُطعت يدها وتعيش حياتها فى سيرك.
 
طريقة إستخدام جودوروفسكى للألوان والموسيقى فى هذا الفيلم كانت غير مسبوقة ومختلفة عن المليون فيلم التى أنتجتها السينما فى العالم، والفيلم يستحوز على المُشاهد ويجعله يدخل فى مستوى من الإحساس الغرائزى والبدائية، والفيلم مثله مثل كل أفلام المخرج إستفزازى ومُتجاوز وخاصة فيما يتعلق بنظرته للدين.
 
فيلم "سانتا سانجر" يُعد أفضل الأفلام التى جعلت جودوروفسكى مخرجاً عبقرياً، والفيلم يُقلل من بعض الأساليب التى إشتهر بها المخرج –تلك الاساليب التى حدت من جمهوره وجعلته جمهوراً مُختار، إذا كنت تريد فيلماً تبدأ به مشاهدة جودوروفسكى فهذا الفيلم هو الأفضل وكذلك فيلم "إل توبو" 
 
 
فيلم لص قوس قزح 1990
 
 
لص قوس قزح
فيلم "لص قوس قزح" لم يكن من إنتاج جودوروفسكى ولكن تم التعاقد معه لإخراج هذا الفيلم، وترتب على ذلك غياب واضح لحسه القوى وسطوته وأسلوبه فيما نراه امامنا على الشاشة، وفى نفس الوقت، نرى نقص واضح فى الصور المتحدية والمثيرة للقلق التى تميز بها المخرج، الفيلم يحكى بطريقة خيالية عن لص يبحث عن ذلك الإناء الذهبى الذى يُضرب به المثل.
 
الفيلم بطولة بيتر أوتول وعمر الشريف وكريستوفر لى، ومن المشين ألا يتم الترخيص لهذا الفيلم بالعرض السينمائى، فالترخيص بعرضه فى أمريكا إختص فقط بشرائط الفيديو – مثله مثل فيلم "الناب"، إنه يستحق ان يحظى بمُشاهدة عامة فى السينمات.
 
 
فيلم رقصة الحقيقة " The Dance Of Reality " 2013
 
رقصة الحقيقة
 
وبعد غياب عن السينما كمخرج دام ثلاثة وعشرين عاماً، ترددت خلالها شائعات عن مشاريع افلام مثل "إبناء إل توبو- أبيليكان" " The Sons Of El Topo/Abelcain " – الجزء الثانى من فيلم "إل توبو"- وفيلم "الملك أًصيب بطلق نارى" " King Shot " والفيلمان يشبهان المخطط السينمائى لفيلم "الكثبان" الذى لم يتحقق فى مراحل إنتاجية متنوعة، فيلم "رقصة الحقيقة" بدا أنه تم تنفيذه من لا شيئ.
 
كان جودوروفسكى وقتها فى الثمانينات من عمره وكان يعود بذاكرته إلى طفولته، فيلم "رقصة الحقيقة" يمكن وصفه بإنه سيرة ذاتية روائية مختصرة، مثل فيلم "اماكورد" لفللينى 1973، وفيلم "أيام الراديو" لوودى ألن 1987، فيلم "رقصة الحقيقة" يتناول حياة المخرج عندما كان طفلاً يتعامل مع أب قاسى وأم حنونة، وهى الشخصية الوحيدة فى الفيلم التى تتحدث غناءاً بصوت أوبرالى.
 
الفيلم به مبالغات ومُفعم بالعاطفة، وأحياناً مفعم بالإثارة، وهذا كان بمثابة عود محمود وجميل من مخرج عظمته حقيقية، فيلم "رقصة الحقيقة" فيلم شديد الحساسية وشديد الذاتية بالنسبة لجودوروفسكى، حيث نراه فى الفيلم يدخل إلى الشخصية أو يبتعد عنها ليعكس لحظات من ماضيه، ويعود بذاكرته إلى الخلف كرجل أكبر سناً، فالفيلم فعلاً متفرداً ومُؤثراً جداً.
 
فهو بحق فيلماً جميلاً وصعباً، ولكنه صادف صعوبات فى عرضه حول العالم طوال العام الماضى، وسوف يُوزع الفيلم فى نُسخ "دى فى دى " "بلو- راى" فى الشهور القادمة فى الولايات المتحدة الأمريكية.
 
 
فيلم "الكثبان لجودوروفسكى" " Jodorowsky’s Dune " 2013 من إخراج فرانك بافيتش
 
الكثبان
 
فيلم "الكثبان لجودوروفسكى" فيلم تسجيلى يكشف عن محاولات جودوروفسكى التى بدات عام 1974لعمل فيلم عن الرواية الكلاسيكية التى كتبها فرانك هربرت.
 
هذا الفيلم التسجيلى قصة مؤثرة عن الإستحواز والوله من جانب جودوروفسكى، فالمخرج نفسه هو محور وواجهة الفيلم التسجيلى، حيث يظهر لنا وهو فى الثمانينات من عمره ومازال حاد الذكاء مثل الحديد.
 
يتناول الفيلم التسجيلى كيف ان فيلم "الكثبان" بأفكاره اللغير مسبوقة وبفلسفته فيما يتعلق بخطة الإنتاج والمؤثرات الخاصة والممثلين، كان شديد الإختلاف عن الطريقة الهوليودية.
 
فالممثلون والفريق السينمائى الذى كان جودوروفسكى يخطط لهما لفيلمه المأخوذ عن رواية "الكثبان، يمكن وصفهما بانهما مُذهلان، فالفنانون الموجودون فى الفيلم يشملون فنان الجرافيك ميبيوس، ومصمم المناظر جيجر والكاتب دان أوبانون ومايك جاجر كممثل لفيد روثا وسلفادور دالى يمثله إيمبرر شادان، واورسون ويلز يمثله بارون هاركونان، وهندسة الصوت لبينك فلويد والمؤثرات البصرية للبريطانى الساحر كريس فوس.
 
وغنى عن القول، أن هذا واحد من أكثر الأفلام المغرية فى تاريخ السينما، وبالنسبة لمصادقية الفيلم عالمياً، فهو يناقش حقيقة أن عدم إنجاز الفيلم كان يكشف عن خوف هوليوود من جودوروفسكى وولعه التام بالمشروع، هوليوود مُمثلة برجال أعمال، وهى ببساطة كانت لا تريد شخصاً مثل جودوروفسكى لأنه لا يفكر بنفس طريقتها فى التفكير.
 
الفيلم التسجيلى يقدم أيضاً حوارين رائعين مع المخرجين ريتشارد ستابلى ونيكولاس ويندنج رن، هذان المخرجان أحب ان أعتبرهما احفاد جودوروفسكى الروحييين سينمائياً، وفى الحقيقة، فإن المخرج رن يُهدى فيلمه الأخير لجودوروفسكى، إنه الفيلم السريالى "الله فقط هو من يُسامح" " Only God Forgives " 2013، ومع مرور الأيام أصبح الإثنين صديقين حميمين، إنه المخرج رن الذى يأخذنا خلال سيناريو وصفى رائع إلى ما كان فى عقل جودوروفسكى بخصوص فيلم "الكثبان".
 
ورغم ان رؤية جودوروفسكى لفيلم "الكثبان" لم تتحقق أبداً، فإنه من الممتع أن نُشير إلى تأثير مشروعه على صناعة السينما فى العقود التالية، فجيجر وأوبانون عملا لاحقاً فى واحد من أكثر الأفلام أهمية وإدهاشاً فى تاريخ السينما، إنه فيلم "الاجنبى" لريدلى سكوت عام 1979، فالتصميم الإبداعى كان لجينجر، وفى الأفلام الأحدث نستطيع ان نلتقط المركبة الفضائية فى فيلم "حُراس المجرة" للمخرج جيمس جن، على حين ان كريس فوس صمم أمتع ما قدمه إستوديو مارفل.
 
ومن المثير أيضاً ان نُشير إلى أن خوف هوليوود من إستثمار أموالهم فى فيلم من إخراج جودوروفسكى كان خوفاً من ضياع أموالهم التى سينفقوها على المشروع، ومن المفارقات الحادة، انه بعد خمس سنوات، تعرضت هوليوود لكارثة مالية وإفلاس بسبب فيلم "بوابة السماء" 1980 الذى اخرجه مايكل سيمينو. 
 
لماذا كانت هوليوود خائفة من جودوروفسكى، فهذا المثال على طريقة هوليوود فى إدارة صناعة السينما سيظل واحداً من أعظم أسرار هذه الصناعة.
 
فيلم "الكثبان لجودوروفسكى" الذى أخرجه فرانك بافيتش في عالم 2013  يمنح المشاهدين رؤية قوية لا تُنسى عن الحياة وعن فلسفة جودوروفسكى ذلك الفنان الأصيل الذى يعد وواحداً من اهم السينمائيين.