الابدية ويوم |
الشكليون هم اؤلائك الذين يعتبرون السينما وسيطا للمعالجة الفنية، فالمخرج يحتاج ان يتجاوز فوضى الواقع وان يحول المادة الفلمية الى شكل سينمائى نقى وان هذا التشكيل يسمح للفيلم ان يكون فنا.
وهذه بعض العبارات الشكلية حتى نفهم هذه النظرية، يقول بيلا بيلاس فى كتاب (نظرية الفيلم) على سبيل المثال، (المخرج يجب عليه ان يستخدم كل وسائل التعبير المتاحة فى فن السينما لكى يتجاوز ضبابية الواقع المشوشة ولكى يستطيع اظهار الحقيقة) ومن جانب آخر يعتقد سيرجى ايزنشتين كما ورد فى كتاب (فهم السينما) ( ان العمل الفنى - فى مفهومه العلمى – هو عملية ترتيب الصور فى مشاعر وعقل المُشاهد)
ويستشهد الناقد الشكلى رودولف آرنهيم فى كتاب ( السينما كفن) بمشهد من فيلم المدرعة بوتمكين الذى يكشف عن (اسد حجرى ينهض ويزأر. المشهد مصنوع من ثلاثة تمائيل مختلفة للأسود، التمثال الأول لأسد يزأر، والتمثال الثانى لأسد ينهض، والتمثال الثالث لأسد يقف وفمه مفتوح للزئير، الطريقة التى اعطت الحياة للحجر بمساعدة المونتاج كانت شيئا عظيما)
فهذه الاستشهادات تؤكد على نحو ما بان الفيلم يحتاج ان يُؤلف، ورغم ان بعض الشكليين يميلون اكثر الى التقليل من اهمية توجية الجمهور ويولون الاهمية للقصة، فان آخرين يفعلون العكس.
ويعتقد ارنهيم (انه فى الفيلم الجيد، يجب على كل لقطة ان تساهم فى الفعل) واعطى مثالا بحالة تُخالف هذه القاعدة، عندما يقطع المخرج على لقطة مأخودة من مستوى ارتفاع شخص يتحدث مع شخص آخر الى لقطة مثلها للشخص الآخر، قبل ان يقطع على لقطة من اعلى للشخصين.
وفى نفس السياق، وعلى الرغم من ان بودوفكين وايزنشتين يُعدان من الشكليين الروس الا انهما اختلفا فى عدد من النقاط الرئيسية، فايزنشتين كان يرى ان السينما ديناميكية، ويعتقد فى اطروحته عن (الكينو فيست) – ان الصور المتداخلة قد تجعل المشاهد يثور، اما بودوفكين فى كتاب (تقنية الفيلم والتمثيل السينمائى) فيعتقد ان المخرج السينمائى يجب عليه ان يولى الاهمية القصوى للسرد (عملية التحليل والتفكيك الى عناصر، يمثلان معا نقطة البدء فقط، ويجب ان تُتبع بتجميع كل الاجزاء معا)
ويوجد مثال فى اول مشاهد الاقتتال فى فيلم (الأم) لبودوفكين، فهو يُزيد التوتر باستخدام لقطات مقربة عديدة ليس فقط للوجوه ولكن ايضا للايادى والاشياء المتوفرة فى المشهد بهدف سرد القصة بطريقة درامية.
الدرجة التى قد يتلاعب بها المخرج مع الحقيقة يختلف فيها المُنظرون، لكن لا احد منهم وصل الى ما وصل اليه اندريه بازن - اشهر مُنظرى الواقعية – عندما قال فى مقالة (ما هى السينما) فى المجلد الثانى (التسجيل السينمائى البسيط للواقع ليس ردة جمالية، بل على العكس، هناك تقدما فى التعبير، وتطويرا ناجحا للغة السينما فى تأكيد اسلوبيتها)
ومن المؤكد ان معظم الشكليين الحاليين مثل نويل بورش وبول شريدر وديفيد بوردويل وكرستن تومسون يعتمدون على اندرية بازن ليشرحوا ويفسروا افكارهم الخاصة، ففى كتاب (الاسلوب المتجاوز فى السينما) على سبيل المثال، يبدو شريدر انه يميل بوضوح الى هواجس بازن الدينية، بينما بوردويل فى كتاب (اشكال مرصودة فى الضوء) يبحث فى استخدام اللقطة المشهد خلال تاريخ السينما- وهى احد الركائز الاساسية فى الواقعية البازينية- لكنه يوظفها لاهداف مختلفة.
فاذا كان بازن يؤكد على رحابة الشكل، فان بوردويل يعتقد ان (قبل ان يرغب المخرجون فى نقل الافكار والمزاج العام، او اثارة المشاعر والتيمات او تصدير ايديولوجيات و قيم ثقافية، عليهم ان يكونوا منتبهين لبعض الامور الدنيوية) هذه الامور الدنيوية يُسميها فى مقالة (التدرج فى العمق) بانه (يجب عليهم ان يجعلوا صورهم واضحة) لتوجيه اهتمام المُشاهد بدقة.
وهذه بعض العبارات الشكلية حتى نفهم هذه النظرية، يقول بيلا بيلاس فى كتاب (نظرية الفيلم) على سبيل المثال، (المخرج يجب عليه ان يستخدم كل وسائل التعبير المتاحة فى فن السينما لكى يتجاوز ضبابية الواقع المشوشة ولكى يستطيع اظهار الحقيقة) ومن جانب آخر يعتقد سيرجى ايزنشتين كما ورد فى كتاب (فهم السينما) ( ان العمل الفنى - فى مفهومه العلمى – هو عملية ترتيب الصور فى مشاعر وعقل المُشاهد)
ويستشهد الناقد الشكلى رودولف آرنهيم فى كتاب ( السينما كفن) بمشهد من فيلم المدرعة بوتمكين الذى يكشف عن (اسد حجرى ينهض ويزأر. المشهد مصنوع من ثلاثة تمائيل مختلفة للأسود، التمثال الأول لأسد يزأر، والتمثال الثانى لأسد ينهض، والتمثال الثالث لأسد يقف وفمه مفتوح للزئير، الطريقة التى اعطت الحياة للحجر بمساعدة المونتاج كانت شيئا عظيما)
فهذه الاستشهادات تؤكد على نحو ما بان الفيلم يحتاج ان يُؤلف، ورغم ان بعض الشكليين يميلون اكثر الى التقليل من اهمية توجية الجمهور ويولون الاهمية للقصة، فان آخرين يفعلون العكس.
ويعتقد ارنهيم (انه فى الفيلم الجيد، يجب على كل لقطة ان تساهم فى الفعل) واعطى مثالا بحالة تُخالف هذه القاعدة، عندما يقطع المخرج على لقطة مأخودة من مستوى ارتفاع شخص يتحدث مع شخص آخر الى لقطة مثلها للشخص الآخر، قبل ان يقطع على لقطة من اعلى للشخصين.
وفى نفس السياق، وعلى الرغم من ان بودوفكين وايزنشتين يُعدان من الشكليين الروس الا انهما اختلفا فى عدد من النقاط الرئيسية، فايزنشتين كان يرى ان السينما ديناميكية، ويعتقد فى اطروحته عن (الكينو فيست) – ان الصور المتداخلة قد تجعل المشاهد يثور، اما بودوفكين فى كتاب (تقنية الفيلم والتمثيل السينمائى) فيعتقد ان المخرج السينمائى يجب عليه ان يولى الاهمية القصوى للسرد (عملية التحليل والتفكيك الى عناصر، يمثلان معا نقطة البدء فقط، ويجب ان تُتبع بتجميع كل الاجزاء معا)
ويوجد مثال فى اول مشاهد الاقتتال فى فيلم (الأم) لبودوفكين، فهو يُزيد التوتر باستخدام لقطات مقربة عديدة ليس فقط للوجوه ولكن ايضا للايادى والاشياء المتوفرة فى المشهد بهدف سرد القصة بطريقة درامية.
الدرجة التى قد يتلاعب بها المخرج مع الحقيقة يختلف فيها المُنظرون، لكن لا احد منهم وصل الى ما وصل اليه اندريه بازن - اشهر مُنظرى الواقعية – عندما قال فى مقالة (ما هى السينما) فى المجلد الثانى (التسجيل السينمائى البسيط للواقع ليس ردة جمالية، بل على العكس، هناك تقدما فى التعبير، وتطويرا ناجحا للغة السينما فى تأكيد اسلوبيتها)
ومن المؤكد ان معظم الشكليين الحاليين مثل نويل بورش وبول شريدر وديفيد بوردويل وكرستن تومسون يعتمدون على اندرية بازن ليشرحوا ويفسروا افكارهم الخاصة، ففى كتاب (الاسلوب المتجاوز فى السينما) على سبيل المثال، يبدو شريدر انه يميل بوضوح الى هواجس بازن الدينية، بينما بوردويل فى كتاب (اشكال مرصودة فى الضوء) يبحث فى استخدام اللقطة المشهد خلال تاريخ السينما- وهى احد الركائز الاساسية فى الواقعية البازينية- لكنه يوظفها لاهداف مختلفة.
فاذا كان بازن يؤكد على رحابة الشكل، فان بوردويل يعتقد ان (قبل ان يرغب المخرجون فى نقل الافكار والمزاج العام، او اثارة المشاعر والتيمات او تصدير ايديولوجيات و قيم ثقافية، عليهم ان يكونوا منتبهين لبعض الامور الدنيوية) هذه الامور الدنيوية يُسميها فى مقالة (التدرج فى العمق) بانه (يجب عليهم ان يجعلوا صورهم واضحة) لتوجيه اهتمام المُشاهد بدقة.
هيروشيما حبيبى |
نريد فى محاضرة اليوم ان ننظر الى افكار النظرية الشكلية التى من الممكن ان تساعدنا على فهم الافلام التى سنناقشها، وايضا نعرض التباين الذى تحتويه النظرية الشكلية.
كان فيلم (هيروشيما حبيبى) من افلام الستينات التى تميزت بابتكارات مونتاجية، فرينية كلير اراد باسلوبه المونتاجى لا ان يتلاعب بهدف توليد عقيدة ايديولوجية – كما يحب ان يسميها ايزنشتين وبودوفكين- ولكن ان ينتقد قناعات سياسية محددة.
كان فيلم (هيروشيما حبيبى) من افلام الستينات التى تميزت بابتكارات مونتاجية، فرينية كلير اراد باسلوبه المونتاجى لا ان يتلاعب بهدف توليد عقيدة ايديولوجية – كما يحب ان يسميها ايزنشتين وبودوفكين- ولكن ان ينتقد قناعات سياسية محددة.
وبعد فيلم رينية كلير ظهرت سلسلة من الافلام التى تستخدم المونتاج بطريفة جديدة نسبيا، وبالطبع كانت هناك افلام مبكرة اهتمت بالمونتاج والذاتية ابتداءا بفيلم (مدام بوديه المُبتسمة) لجيرمين دولاك فى العشرينات، الى فيلم (انسجام وقت العصارى) لمايا ديرين فى الاربعينات، لكن رينية كلير تميز باشكالية ذاتية عميقة فى افلامه مثل (العام الماضى فى مارينباد) و (ميوريل) و ( احبك..احبك).
وبعد ذلك ظهر مخرجون عديدون تأثروا باسلوب رينية كلير، ومن بينهم جوزيف لوزى- مخرج فيلم (الحادث) وجون بورمان - مخرج فيلم (نقطة بيضاء) ونيك روج بشكل خاص فى افلامه (مسرحية) و(الرجل الذى سقط على كوكب الارض) و (توقيت سيئ) فهذه الافلام جميعها انتهجت اسلوب مونتاج جديد يختلف تماما عن عقيدة مخرجي المونتاج الأوائل الذين كانوا يميلون الى استبعاد الذاتية.
فايزنشتين – على سبيل المثال – كان مهتما بالحشود وكان يحب النمطية كما نلاحظ فى فيليمه ( اضراب) و (المدرعة بوتمكين) على سبيل المثال، ومثلما اوضح جيمس موناكو فى كتاب (كيف تقرأ فيلما) ( الممثلون يتم اختيارهم للادوار ليس بسبب كفاءاتهم الشخصية ولكن بسبب الانماط التى يمثلوها) ولكن افلام المونتاج - المُنوه عنها- تفعل العكس، مثل فيلم (هيروشيما حبيبى) و ( حادث) و ( توقيت سيئ) وايضا فيلم ( نقطة بيضاء) فهذه الافلام مهتمة بكيفية التقاط خصوصية احد الاشخاص فى عالمه الخاص.
ونستطيع ان نرى هذا بوضوح فى فيلم (هيروشيما حبيبى) حيث يخدم الفلاش باك المُتكرر افكار واحاسيس الشخصية المحورية، ففى احد المشاهد نراها تبدأ فى الحديث عن ماضيها لحبيبها اليابانى، فينقل رينية كلير بحساسية الى تاريخها الشخصى.
نحن نصنف ايزنشتين وبودوفكين ورينية كلير ونك روج على انهم شكليين مونتاجيا، وهم صنعوا افلامهم بابتكارية اعطوا الاهمية الأولى فيها الى المونتاج، لكننا ايضا نستطيع ان نتحدث عن الميزانسين فى النظرية الشكلية، وعن المخرجين الذين استخدموا اللقطة المشهد الدقيقة فى افلامهم مثل ميكلوس جانكسو وثيو انجلوبولوس وبيلا تار.
مثل فيلمى (الجولة) و ( المزمور الاحمر) لميكلوس جانكسو، وافلام (نظرة اوليسيس) و ( الابدية ويوم ) و (العُشب الباكى) لانجلوبولوس، وكذلك افلام (اللعنة) و (تانجو الشيطان) و (هارمونيات ريكمستر) لبيلا تار، فالمخرج يتلاعب من خلال التخصيص الدقيق حيث تحوم الكاميرا حول الفضاء السينمائى لتخلق نسيجا دقيقا لامتاع المُشاهد.
فى كل فيلم من هذه الافلام نحس بوطأة القطع، مثل هذه الطريقة تُعيد لكلمة مونتاج بُعدها المحسوس، هذه لقطة – مشهد - وليس من الضرورى ان تعبر عن الواقعية افضل تعبير، طبقا لرأى بازن: الذى قال انها افضل ما يعبر عن طبيعة شكل الفيلم اكثر حتى من الروابط الوثيقة بين فن الرسم والواقع.
وثمة دليل من فيلم (العُشب الباكى) لانجلوبولوس حيث يُجلى القرويين من منازلهم الغارقة، كما نجد اللقطة المشهد ايضا فى المشهد الافتتاحى من فيلم (تانجو الشيطان) حيث تظهر لنا مزرعة وحيوانات فى مسار جانبى ، فهذه اللقطة المشهد تحل محل اللقطة التأسيسية لتصوير المكان بنفس فضاءه الحقيقى، وتحقق مزايا التجريد، كما يمنحنا بيلا تار احساس عميق بنسيج الصورة فى علاقة مع ما تعرضه لنا اللقطة المشهد، وكما يقول بوردويل فى كتاب (اشكال مرصودة فى الضوء) (زخم الحكى فى فيلم انجلوبولوس يتبدد دائما من خلال اللادرامية) هذه هى اللادرامية التى تأتى من خلال فن الرسم.
لكن لادرامية الشكليين يمكن ان تخدم ايضا نمطا معينا من سينما تعبر عن الروحانيات، وفى الحقيقة فان انجلوبولوس وبيلا تار قد يكونا جزءا من هذه الطريقة السينمائية، لكن الاسس الرئيسية وضعها روبرت بريسون وكارل دراير، ومن المخرجين الحاليين برونو ديمونت.
وبعد ذلك ظهر مخرجون عديدون تأثروا باسلوب رينية كلير، ومن بينهم جوزيف لوزى- مخرج فيلم (الحادث) وجون بورمان - مخرج فيلم (نقطة بيضاء) ونيك روج بشكل خاص فى افلامه (مسرحية) و(الرجل الذى سقط على كوكب الارض) و (توقيت سيئ) فهذه الافلام جميعها انتهجت اسلوب مونتاج جديد يختلف تماما عن عقيدة مخرجي المونتاج الأوائل الذين كانوا يميلون الى استبعاد الذاتية.
فايزنشتين – على سبيل المثال – كان مهتما بالحشود وكان يحب النمطية كما نلاحظ فى فيليمه ( اضراب) و (المدرعة بوتمكين) على سبيل المثال، ومثلما اوضح جيمس موناكو فى كتاب (كيف تقرأ فيلما) ( الممثلون يتم اختيارهم للادوار ليس بسبب كفاءاتهم الشخصية ولكن بسبب الانماط التى يمثلوها) ولكن افلام المونتاج - المُنوه عنها- تفعل العكس، مثل فيلم (هيروشيما حبيبى) و ( حادث) و ( توقيت سيئ) وايضا فيلم ( نقطة بيضاء) فهذه الافلام مهتمة بكيفية التقاط خصوصية احد الاشخاص فى عالمه الخاص.
ونستطيع ان نرى هذا بوضوح فى فيلم (هيروشيما حبيبى) حيث يخدم الفلاش باك المُتكرر افكار واحاسيس الشخصية المحورية، ففى احد المشاهد نراها تبدأ فى الحديث عن ماضيها لحبيبها اليابانى، فينقل رينية كلير بحساسية الى تاريخها الشخصى.
نحن نصنف ايزنشتين وبودوفكين ورينية كلير ونك روج على انهم شكليين مونتاجيا، وهم صنعوا افلامهم بابتكارية اعطوا الاهمية الأولى فيها الى المونتاج، لكننا ايضا نستطيع ان نتحدث عن الميزانسين فى النظرية الشكلية، وعن المخرجين الذين استخدموا اللقطة المشهد الدقيقة فى افلامهم مثل ميكلوس جانكسو وثيو انجلوبولوس وبيلا تار.
مثل فيلمى (الجولة) و ( المزمور الاحمر) لميكلوس جانكسو، وافلام (نظرة اوليسيس) و ( الابدية ويوم ) و (العُشب الباكى) لانجلوبولوس، وكذلك افلام (اللعنة) و (تانجو الشيطان) و (هارمونيات ريكمستر) لبيلا تار، فالمخرج يتلاعب من خلال التخصيص الدقيق حيث تحوم الكاميرا حول الفضاء السينمائى لتخلق نسيجا دقيقا لامتاع المُشاهد.
فى كل فيلم من هذه الافلام نحس بوطأة القطع، مثل هذه الطريقة تُعيد لكلمة مونتاج بُعدها المحسوس، هذه لقطة – مشهد - وليس من الضرورى ان تعبر عن الواقعية افضل تعبير، طبقا لرأى بازن: الذى قال انها افضل ما يعبر عن طبيعة شكل الفيلم اكثر حتى من الروابط الوثيقة بين فن الرسم والواقع.
وثمة دليل من فيلم (العُشب الباكى) لانجلوبولوس حيث يُجلى القرويين من منازلهم الغارقة، كما نجد اللقطة المشهد ايضا فى المشهد الافتتاحى من فيلم (تانجو الشيطان) حيث تظهر لنا مزرعة وحيوانات فى مسار جانبى ، فهذه اللقطة المشهد تحل محل اللقطة التأسيسية لتصوير المكان بنفس فضاءه الحقيقى، وتحقق مزايا التجريد، كما يمنحنا بيلا تار احساس عميق بنسيج الصورة فى علاقة مع ما تعرضه لنا اللقطة المشهد، وكما يقول بوردويل فى كتاب (اشكال مرصودة فى الضوء) (زخم الحكى فى فيلم انجلوبولوس يتبدد دائما من خلال اللادرامية) هذه هى اللادرامية التى تأتى من خلال فن الرسم.
لكن لادرامية الشكليين يمكن ان تخدم ايضا نمطا معينا من سينما تعبر عن الروحانيات، وفى الحقيقة فان انجلوبولوس وبيلا تار قد يكونا جزءا من هذه الطريقة السينمائية، لكن الاسس الرئيسية وضعها روبرت بريسون وكارل دراير، ومن المخرجين الحاليين برونو ديمونت.
مثل هذه الافلام التى تميل الى الروحانيات تقول عنها سوزان سونتاج فى كتابها (ضد التأويل) (انها فن انعكاسى، حيث يظهر شكل العمل الفنى بطريقة مؤكدة) وتُضيف (المؤثر الفنى الذى يجعل المُشاهد واعيا بالشكل، يؤدى الى اطالة او تأخير العواطف)
سوزان سونتاج |
وفى بداية السبعينات يعتقد بول شريدر فى كتابه (اسلوب الفيلم المتجاوز) ( طورت السينما فى السنين الاخيرة اسلوبا مُتجاوزا يوظفه عديد من الفنانين من مختلف الثقافات للتعبير عن المقدسات).
يمكن لهذا الاسلوب – واضعين فى الاعتبار رأى سوزان سونتاج – ان يُخرجنا من احساس الزمن حيث نعيش اليوم بيومه، ومن الاولويات العملية فى تيار السينما السائدة، ويضعنا فى بُعد سينمائى آخر حيث يتحقق شكل من اشكال التنازل: التنازل عن التمنيات التى تضعنا فيها معظم الافلام، وبدلا من ذلك ننشغل بفهم جماليات الآخر
فى حالة بريسون، فهو على العكس من ذلك، لا يستخدم اللقطة المشهد مثل بيلا تار وانجلوبولوس ولكنه يستخدم اللقطات القصيرة، فهى لقطات وصفية تترجم المعلومة الروائية على ما يبدو باسلوب لا درامى قدر الامكان، وهو يصف ممثليه بانهم مثل الموديلات، انهم يشرحون القصة: ولا ينخرطون دراميا فى المشهد.
يمكننا ان نرى ذلك فى فيلمه (النشال) حيث تتفاعل الشخصية المحورية مع الآخرين فى مجموعة من المشاهد بدت باردة لدرجة اننا نتفاجأ عندما تعترف الشخصية بالحب فى النهاية، او كما فى فيلمه (يوميات قسيس ريفى) حيث نرى القسيس يستمع بلا مبالاة الى احد الاشخاص يتحدث عن طبيب مات لتوه، فالقسيس تستقطبه افكاره الخاصة فنسمعها كصوت تعليق، هكذا قدمها بريسون.
عندما قال بريسون فى كتابه (ملاحظات للسينمائى) ان لديه مشكلة مع التمثيل، كتب (التمثيل يكون فى المسرح، فهو فن اجتماعى) وهذا ربما يقبع جزئيا فى فهم المسرح على انه وسيط اجتماعى جدا، وكذلك فان التمثيل يُركز غالبا على دراما المشهد من خلال تراكم التفاصيل التى تُتيح لبريسون ان يستكشف روح الشخصية، هذا هو الممثل طبقا لموديل بريسون، وليس لهذا الممثل شيئا يفعله مع نمط ايزنشتين.
بريسون فنان شكلى يستبعد الدراما من خلال خطابية المشاهد، اما برونو ديمونت الذى تأثر بشكل واضح بالاستاذ وارسل له فى احد المرات خطاب اعجاب، فانه بدلا من اسلوب بريسون نراه يُطيل المشاهد، رغم انه ايضا ينكر على المُمثل انخراطه الانفعالى المعتاد.
فى احد لقطات فيلمه (الانسانية) نرى شخصية فرعون ينظر الى الرسومات، ويُبقى ديمون اللقطة مدة اطول من اللازم، لكنه ايضا مثل بريسون يرفض شكل المشهد الدرامى، فليس مسموحا للمثل ان يُمثل، والاكثر من ذلك ان الكاميرا فى افلامه تُراقب ما يدور.
اذا كان ايزنشتين وبودوفكين ينشدان منظورا شكليا لتصعيد الدراما او لتوليد قناعة ايديولوجية، بخلق دراما تتجاوز التمثيل وتستخدام التمثيل النمطى، فانهما يتوقعان من المونتاج ان يحقق درامية المشهد.
الشكليون الذين ذكرتهم يتبنون وجهات نظر متباينة مثل بريسون وديمونت. هنا الحد الادنى من التمثيل لا يخدم المجتمع ولا الدراما لكنه يُعلن عن الروح.
النظرية الشكلية بالطبع فضاءا رحبا لقدرتها على توحيد ايزنشتين الشيوعى ببريسون الكاثوليكى.
القضية التى ناقشناها اليوم كانت عن اشكال من الحالات الانسانية التى تستطيع النظرية الشكلية ان تحتويها.
فى حالة بريسون، فهو على العكس من ذلك، لا يستخدم اللقطة المشهد مثل بيلا تار وانجلوبولوس ولكنه يستخدم اللقطات القصيرة، فهى لقطات وصفية تترجم المعلومة الروائية على ما يبدو باسلوب لا درامى قدر الامكان، وهو يصف ممثليه بانهم مثل الموديلات، انهم يشرحون القصة: ولا ينخرطون دراميا فى المشهد.
يمكننا ان نرى ذلك فى فيلمه (النشال) حيث تتفاعل الشخصية المحورية مع الآخرين فى مجموعة من المشاهد بدت باردة لدرجة اننا نتفاجأ عندما تعترف الشخصية بالحب فى النهاية، او كما فى فيلمه (يوميات قسيس ريفى) حيث نرى القسيس يستمع بلا مبالاة الى احد الاشخاص يتحدث عن طبيب مات لتوه، فالقسيس تستقطبه افكاره الخاصة فنسمعها كصوت تعليق، هكذا قدمها بريسون.
عندما قال بريسون فى كتابه (ملاحظات للسينمائى) ان لديه مشكلة مع التمثيل، كتب (التمثيل يكون فى المسرح، فهو فن اجتماعى) وهذا ربما يقبع جزئيا فى فهم المسرح على انه وسيط اجتماعى جدا، وكذلك فان التمثيل يُركز غالبا على دراما المشهد من خلال تراكم التفاصيل التى تُتيح لبريسون ان يستكشف روح الشخصية، هذا هو الممثل طبقا لموديل بريسون، وليس لهذا الممثل شيئا يفعله مع نمط ايزنشتين.
بريسون فنان شكلى يستبعد الدراما من خلال خطابية المشاهد، اما برونو ديمونت الذى تأثر بشكل واضح بالاستاذ وارسل له فى احد المرات خطاب اعجاب، فانه بدلا من اسلوب بريسون نراه يُطيل المشاهد، رغم انه ايضا ينكر على المُمثل انخراطه الانفعالى المعتاد.
فى احد لقطات فيلمه (الانسانية) نرى شخصية فرعون ينظر الى الرسومات، ويُبقى ديمون اللقطة مدة اطول من اللازم، لكنه ايضا مثل بريسون يرفض شكل المشهد الدرامى، فليس مسموحا للمثل ان يُمثل، والاكثر من ذلك ان الكاميرا فى افلامه تُراقب ما يدور.
اذا كان ايزنشتين وبودوفكين ينشدان منظورا شكليا لتصعيد الدراما او لتوليد قناعة ايديولوجية، بخلق دراما تتجاوز التمثيل وتستخدام التمثيل النمطى، فانهما يتوقعان من المونتاج ان يحقق درامية المشهد.
الشكليون الذين ذكرتهم يتبنون وجهات نظر متباينة مثل بريسون وديمونت. هنا الحد الادنى من التمثيل لا يخدم المجتمع ولا الدراما لكنه يُعلن عن الروح.
النظرية الشكلية بالطبع فضاءا رحبا لقدرتها على توحيد ايزنشتين الشيوعى ببريسون الكاثوليكى.
القضية التى ناقشناها اليوم كانت عن اشكال من الحالات الانسانية التى تستطيع النظرية الشكلية ان تحتويها.
محاضرة:- تونى مكيبن