08‏/07‏/2014

طرق التمثيل فى السينما

محاضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى
عمى الأمريكى

فى كتابة المشهور عن نجوم السينما والمعروف بإسم "النجوم" " Stars " يتساءل ريتشارد داير فى أحد اللحظات عما إذا كان النجوم مختلفون، مستشهداً بمقالة لفيوليت مورين بعنوان "الأوليمبيون" – نسبة إلى جبل الأوليمب الذى كان الأغرق يعتقدون أنه مقر آلهتهم- فالفقرة التى استشهد بها داير تقول "النجوم دائماً هم شيئ آخر تماما فى العالم- إنهم الأكثر جمالاً والأكثر غناً والأكثر إغراءاً، ولكن لان نجوم السينما يستحيلون إلى هذه الحالة العظيمة فإنهم لا يوصفون إلا بهذه الصفات الفائقة، فالممثلون النجوم يصبحون عظماء وبالتالى فإنهم يبدون كما لو كانوا ينتمون إلى نظام مختلف وفئة وجودية مختلفة.

إستدعاء الفروق الوجودية يلمح إلى ان نجوم السينما هم المعادل الحديث للآلهة، وسوف نستخدام فى هذه المحاضرة مصطلحات مثل الممثل الكلاسيكى والممثل النجم وممثل الإحساس الداخلى وممثل الإحساس الخارجى، فهدفنا من هذه المحاضرة أن نأخذ بعين الإعتبار هذه الفكرة عن هذه الفئة الوجودية المختلفة، بينما وفى نفس الوقت نرى ان هذه الفروق الوجودية لا تجعلهم مميزون عن البشر، لكن لنكشف كيف أنهم بدلاً من ذلك يتمتعون بصفات وخبرات مشتركة جداً مع البشر.، وضمن هذا المعنى لا يتفوق الممثل على البشر العاديين، لكنه يعبر عنهم، فالممثل يعبر ويستكشف علاقة الفرد بالعالم عبر تجسيد شخصيات فى مواقف لا تبدو بعيدة عن المواقف التى يتعرض لها الشخص العادى.

والفيلم الجميل "عمى الامريكى" للمخرج ألان رينيه يوضح هذا الأمر جيداً حيث الشخصيات الثلاثة الرئيسية يمثلها ممثلون فرنسيون مشهورون وهم جيرارد ديبارديو والممثلة نيكول جارسيا والممثل بيير روجر، وأحياناً نجد التطابق بين الممثل الفرنسى القديم جان جابان وبين الممثل جيرارد ديبارديو، والتماثل بين الممثلة القديمة جيرارد فيليب والممثلة نيكول جارسيا، وكذلك التطابق بين الممثل القديم آرليتى والممثل بيير روجر، فردود أفعالهم تؤكد المواقف، جان جابان وزملاءه كانوا نجوماً لكنهم أتاحوا أيضاً حيزاً لفهم الأحاسيس الصغيرة فيما يتعلق بالمهانة والذل والضعف.

ففى هذا الفيلم نرى النجوم أقل صلة بالفئة الوجودية المختلفة – الآلهة – فهم ينتمون إلى العالم المُعاش، وفى الواقع فإن واحدةً من الملامح الممتعة للسينما هو إختلافها الكبير عن المثاليات، فالنجوم يعيشون ويموتون بطريقة عادية جداً، وكل من جان جابان وفيليب كانا ميتين عندما أخرج ألان رينيه فيلمه: وديبارديو وجارسيا يواصلان حياة بشرية.

وعلى أية حال، هناك بعض النجوم الذين يبدو أنهم يتجاوزون الحالة البشرية لأجسامهم ويصبحون خالدون فى صورهم، إذا كان شارلى شابلن وجون واين ومارلين مونرو ثلاثة من النجوم العظام فى تاريخ السينما فهذا يكمن فى شهرة صور معينة مطبوعة فى أذهاننا، فمع شارلى شابلن سنجد صورة الرجل قصير الشارب والذى يرتدى البنطلون الواسع والقبعة والعصا، ومع مارلين مونرو سنجدها ترتدى فستاناً أبيضاً يطير عن جسمها، ومع جون واين سنجد تاطيراً لبوابة المنزل الى يغادره.

هذه الصور ماخوذة من الأفلام، لكن شهرة الصور أكبر من الصور المتحركة التى كانوا جزءاً منها، إذا شارك النجم هنا نفس صفات الآلهة فهذا لأنه يتجاوز الزمن بشكل او آخر، فالممثلون خالدون جداً ويتيحون بنجوميتهم سلسلة من الحظات التى تخلق صورة تدوم بعد حياتهم.

إذا كان للأغريق آلهةً رئيسية وآلهة ثانوية، فهل لا تملك السينما رموزاً رئيسية وثانوية؟ جارى جرانت وهامفرى بوجارت وأودرى هيبورن وجيمس دين وكلينت ستوود يبدون أيضاً كما لو انهم يمتلكون النجومية بشكل قوى، لكنهم ربما لا يمتلكون الصورة الرمزية التى يمثلها شارلى شابلن وجون واين ومارلين مونرو.

إنهم يقدمون سينما ولكنهم لا يستأثرون بشيئ خاص، قثمة صورة لأودرى هيبورن تدخن سيجارة بمساعدة من حامل السيجار فى فيلم "الفطور ف  تيفانى" "  Breakfast at Tiffany’s "، ويدخن همفرى بوجارت سيجارةً وهو يرتدى بدلة بيضاء للعشاء وربطة عنق فى فيلم "كازابلانكا"، ويرتدى كلينت ستوود معطفاً ويدخن سيجاراً فى فيلم "حفنة من الدولارات   A Fistful of Dollars" "، ويرتدى جيمس دين سترة حمراء فى فيلم "متمرد بدون سبب" " A Rebel Without a Cause "، وهذه صور مهمة، ولكن هل لأنهم ذوى طبيعة ثانوية فإنهم يفتقدون التأثير الكامل الذى كان يحظى بها شابلن ومونرو وواين؟

واحد من العناصر المثيرة للنجومية أنها لا تحتاج أن تكون على نفس مستوى معيشة المشاهير أنفسهم،  "أفلام الخمسينات" " Movies of the Fifties " تقول أن جيمس دين قتل فى حادث سيارة على الطريق السريع فى كاليفورنيا فى نهاية ظهيرة يوم 30 سبتمبر عام 1955، وهى حقيقة إسترعت إهتماما فليلاً فى ذلك الوقت، فالنجوم الذين جاءوا بعده هم من إبتدعوا حالة النجومية.

وبالنسبة لشخص مثل جون واين، فالأمر ربما يكون عكس ذلك، فأى فيلم عن الغرب الأمريكى إبتداءاً بفيلم "الحنطور" " Stagecoach " فى الثلاثينات إلى فيلم "النهر الأحمر" " Red River " فى الأربعينات، وفيلم "الباحثون" " Searchers " فى الخمسينات، وفيلم "الرجل الذى أطلق النار على ليبرتى فالنس" " The Man Who Shot Liberty Valance " فى الستينات، وفيلم "كوبارن المتعجرف" " Rooster Cogburn " فى السبعينات، كل هذه الأفلام أضافت إلى نجومية جون واين، فكل دور كان كطبقة من الدهان اللامع التى تُطلى بها تحفة ثمينة.

وكانت مارلين مونرو بين هذا وذاك، فقد شاركت فى 35 فيلماً على مدى 15 سنة، ويشمل ذلك فيلم "السادة يفضلون الشقراوات" " Gentlemen Prefer Blondes " وفيلم "هرشة العام السابع" " The Seven Year Itch " وفيلم "البعض يحبها ساخنة" " Some Like it Hot " كان هناك فى ذلك الوقت أيضاً عنصر مُستجد فى صناعة النجم، وإستشهاداً بالناقد أليكس كوكس فى جريدة الجارديان فإن السينارست ترومان كابوت مؤلف فيلم "الإقطار فى  تيفانى" أراد مارلين مونرو أن تمثل دور "هولى جولايتى"، ومن المعروف أيضاً أن رولاند ريجان كان مُرشحاً لدور "ريك" فى فيلم "كازابلانكا".

النجومية ظاهرة متناقضة بشكل او آخر، فهى قد تتشابه مع الآلهة لكنها حالة يحصل عليها النجم من خلال حالة بشرية معتادة، وهناك قليل من العمل الأخلاقى الذى تنخرط فيه عندما تصبح نجماً، واحياناً نرى مخرجاً يعمل على النجومية كما لو أن جمهور السينما شخص واحد.

عندما إختار جان لوك جودار الممثلة بريجيت باردو لبطولة فيلم "الإحتقار" " Le Mepris " وزوجته أنا كارينا لبطولة فيلمى "عاشت حياتها" " Vivre sa vie " و"بيرو المجنون" " Pierrot le fou "، وكذلك عندما إختار مايكل أنجلو انطونيونى الممثلة مونيكا فيتى لبطولة فيلم "المغامرة" " L’avventura " وفيلم "كسوف الشمس" " The Eclipse " وفيلم "الصحراء الحمراء" " The Red Desert "، وكذلك عندما إختار فيدريكو فللينى الممثل مارسلو ماستوريانى فى فيلم "الحياة حلوة" " La dolce vita " وفيلم "8 ونصف"، وكذلك عندما إختار المخرج جان بيير ميلفيل الممثل ألان ديلون فى فيلم "الساموراى" " Le Samourai " وفيلم "الدائرة الحمراء" " The Red Circle " وفيلم " Un Flic "، وكذلك عندما إختار لوى بونويل الممثلة كاثرين دينيف فى فيلم "" " Belle de jour " وفيلم "" " Tristana " فالأمر بدا كما لو أن المخرج – بصرف النظر عن جودة التمثيل – كان مأسوراً بهيئة الممثل أو الممثلة اكثر من اى شيئ آخر، وأراد ان يخلد الممثلين من خلال السينما، ولدى الفرنسيين مصطلح يطلقونه على الممثل المُفضل للمخرج، فهم يسمونه " الممثل المعبود" " the acteur fetiche ".
 
لكن هذا يمكن ان يشمل أى مخرج يعمل مع ممثل بشكل مستمر (جون واين كان مع جون فورد وروبرت دى نيرو  كان مع مارتن سكورسيزى، وبالطبع كان ماستوريانى يعمل مع فللينى) فى مثال بونويل وكاثرين دينيف ومثال جودار وانا كارينا ... إلخ، فالأمر يبدو كما لو أنه يتعلق غالباً بأسلوب وذوق الملابس وفى قصة الشعر وفى وضعية الجسم، فالمخرج يريد أن يوحى بالنجومية على الفور، والممثل فى كثير من الاحيان يظهر كما لو كان خارج الفيلم أكثر من كونه جزءاً منه وكما لو أن هناك قيمة للممثل فى حد ذاته بصرف النظر عن براعته فى التمثيل.
 
عندما وقفت الممثلة مونيكا فيتى قرب نهاية فيلم "الصحراء الحمراء" فى معطف أزرق بدا الأمر كما لو كان صورة فوتوغرافية ثابتة، وعندما كانت كاثرين دى نيف تمشى فى الشارع فى فيلم " Belle de jour " وكانت قد أصبحت عاهرة وهى فى نفس الوقت عارضة ازياء إيف سان لورى، فالنجومية- وسواء كان الجمهور هو الذى أوجدها، أو إذا كان المخرج هو الذى يفرضها – فهى تحتوى على عنصر قوى من المنفعة، فالأمر لا يتعلق بجودة التمثيل لكنه أقرب ما يكون إلى الهالة التى تحيط بشخص الممثل أو الممثلة.
 
هذه الفكرة عن هالة الممثل أو الممثلة كانت شائعة فى الكلاسيكيات سواء حدث هذا مع لورانس اوليفييه الذى جاء من المسرح أو همفرى بوجارت الذى كانت له أراء عن التمثيل السينمائى، او مايكل كين الذى أصر على انه لم يأخد أى دور معه إلى المنزل: "اللحظة التى يقولون فيها – خلاص –  فإنىى أخرج من الحالة التمثيلية تماماً، فانا محترف جداً، فالحياة هى أسرتى وليست عملى" فالفكرة هى انك تذهب إلى العمل لكى تؤدى عملك بإتقان وتعود إلى منزلك.
 
ثمة حكاية ممتعة ومثيرة تتعلق بمسألة الممثل الكلاسيكى كحرفى تأتينا من ويليام جولدمان فى كتابه "مغامرات فى تجارة السينما" " Adventures in the Screen Trade " فهو يتحدث عن فيلم "رجل الماراثون" " Marathon Man " – وهو السيناريست الذى كتب السيناريو - إنه يناقش مشهداً بين النجمين داستين هوفمان ولورانس أوليفييه، أراد هوفمان ان يرتجل بينما أوليفييه كان متردداً، لكن الإرتجال حدث رغم مرض أوليفييه الذى كان يتعالج منه، ورغم ذلك كانت هناك قضايا أخلاقية هامة مُتضمنة فى الموقف الذى تصاعد بين أوليفييه المريض وهوفمان الذى بدا أنه لا يبالى بالحالة الصحية للممثل الكبير لورانس أوليفييه، وواحد من أسباب شهرة هذه الحكاية أنها تقدم لنا مثالين مختلفين جداً فى طريقة التمثيل.
رجل المارثون
 
أراد اوليفييه ببساطة ان يمثل الدور بأفضل طريقة، بينما داستن هوفمان أراد أن يستكشف دوره فى الفيلم، فوجد جوانباً منه فى الإرتجال، كان أوليفييه يُمثل بالطريقة التى يتطلبها الدور لكنه لم يستطع الدخول فيه، وكان شجاعاً حتى انه حلق رأسه من أجل الدور الذى يتناول طبيب نازى، وهى التفاصيل التى كتبها جولدمان، لكن أوليفييه كممثل كان مثل كين لا يتوقع أن ياخذ الشخصية معه إلى بيته.
 
كان هدفه ان يقوم بتفعيل الدور إعتماداً على الشخصية التى ألفها السينارست، ولقد وصف جولدمان اللحظة الحساسة عندما سأله اوليفييه إذا كان بمقدوره أن يغير احد السطور، فقد قال له "هل بمقدورى ان أقترح بديلاً لأحد الأسطر يا بل؟، هل سيكون الأمر أفضل إذا غيرته فتكون الجملة على النحو التالى- انا أعرف انك ستذهب إلى البنك إن عاجلاً أو آجلاً؟ -" وكما ترون، كنت عندئذ قد كتبت كلمة "بنك" كنهاية للجملة، بينما أوليفييه أراد أن يقول "إن عاجلاً أو آجلاً" وأنا لم أكن احتاج إلى وقفة".
 
كان الأمر بالنسبة إلى جولدمان أنه رأى هذا الموقف كتعبير عن قمة تواضع أوليفييه – فالممثل المسرحى الأسطورى يسأله إن كان بمقدوره ان يغير السيناريو، لكن الأمر كان علامة أيضاً على الممثل الكلاسيكى: فهو الشخص الذى يقوم بتمثيل دور لكنه لا يُقحم نفسه فيه، والأمر بالنسبة إلى المخرج والممثل والمُنظر العظيم كونستانتين ستانسلافسكى سيكون تمثيلاً ميكانيكياً، فالممثل الموضوعى  يختلف عن الممثلين الذين يندمجون مثل داستين هوفمان، فالممثل الميكانيكى "يعيش دوره أثناء التحضير له من أجل إتقان الشكل الخارجى للشخصية، وبمجرد أن يشعر الممثل بالرضى عما وصل إليه فإنه يستنسخ هذا الشكل من خلال مساعدة من عضلاته المُدربة ميكانيكياً" – من كتاب إعداد الممثل –
 
ويتحدث ديفيد مامت عن مشهد من فيلم "كازابلانكا" وهو يوضح لنا جيداً تلك الحالة من التمثيل الميكانيكى، فأحد الأشخاص سأل همفرى بوجارت عما فعله لكى يجعل المشهد المعروف جيداً من فيلم "كازابلانكا" بمثل هذه الجودة، فقل همفرى بوجارت "لقد دعونى فى احد الأيام، وقال لى مايكل كيرتز مخرج الفيلم" قف عند البلكونة هناك وعندما أقول " أكشن" قم بعمل شهيق وزفير" – من كتاب الإخراج السينمائى-  هكذا أدى بوجارت المشهد، الفكرة من هذا أن التمثيل الذى ينبع من داخل جسم الممثل ويهتم بالدوافع، يكون أقل أهمية من قطعة من الفيلم يتم تجميعها مع قطع اخرى لجعل الفيلم مفهموماً بمصطلح الشخصية والقصة، التمثيل الكلاسيكى يخدم الفيلم كثيراً، ولهذا السبب نحن نرى أن تعليق لورانس أوليفييه ليس قمة فى التواضع، ولكنه قمة فى الحرص على نمط معين من التمثيل.
 
فى الكتاب المفيد الذى كتبه بيتر بوجدانوفيتش وكان عبارة عن مجموعة من الحوارت وكان عنوانه "من – بحق الجحيم – فى هذا؟" " Who The Hell’s In It? " وكانت معظم الحوارات مع ممثلين من الحقبة الكلاسيكية الهوليودية، ومن ضمن من تحاور معهم، كارى جرانت وجيمس ستيورت وهمفرى بوجارت ولوران باكال وجون واين وجاك ليمون، ورغم ان الكتاب كان كتاب حوارات من الناحية الرسمية، إلا أنه ساعدنا على فهم أشكال من الحرفية الكلاسيكية ذات الصلة بمفهوم النجومية.
 
فى الحوار مع جيمس ستيورت، اشار ستيورت إلى سبنسر تريسى ومزايا الممثل الذى يتقمص نفسه، فهو يمثل شخصيته بشكل أساسى، "أنا ضد الناس الذين يقولون أن نظام النجوم مات، أنا لا أوافق نهائياً على هذا الرأى – أنت تتحدث إلى ناس "لا يستطيعون أن يعبروا عما يريدونه بالكلمات – لكن النجم السينمائى هو مجرد شخص يتجذر فيك" وربما يُضيف هيتشكوك ان "جيمس ستيورت هو بطل أفلام هيتشكوك لانه يشبه كل الناس الواقعين فى مواقف غريبة".
 
الممثل الكلاسيكى كنجم سينمائى هو الشخص الذى يحقق الحاجة والرغبة للمُشاهد، وهدف الممثل أن ينقل هذا عبر أبسط الوسائل الممكنة، عندما قال جون واين أنه مُنزعج من لحظة واحدة فى فيلم "النهر الأحمر" حيث كان من المتوقع أن يكون عصبياً وسريع الغضب وخائف" وأضاف "كان أفضل سينمائياً ألا أذهب فيما ذهبت إليه"، كتاب جولدمان الحوارى هو قراءة عن الممثلين الكلاسيكيين فى السينما وهم يتحدثون عن القصة والصورة المكبرة وان ادائهم التمثيلى يخضع لمتطلبات أخرى.
 
حتى كلمات جيمس ستيورت حول ضرورة نظام النجوم لم يكن يقتصر على حالته فى صناعة السينما لكن عن فائدة نظام النجوم من منظور سينمائى، مثل الممثلة بت ديفيس التى قالت فى كتاب "التمثيل للكاميرا" " Playing to the Camera " "إذا كنت أستهدف ان أمثل الدور النسائى الرئيسى فى فيلم حديث، فإن مخاوفى كممثلة تتعلق بدولاب الملابس وقصة الشعر وقراءة السيناريو وفهمه وتفسيره لنيل كل الفرص المتوفرة لى" هناك فى الواقع طريقة تُصر على إتقان الاداء التمثيلى، الممثل يجب عليه أن يستمر لكى يصبح نجماً لأسباب تختلف عن حالة الممثل الكلاسيكى، لكن لحظة تصوير الفيلم تتطلب كفاءة مهنية، والأمر ربما لا يكون أكثر من لحظة فى الفيلم تلك التى ستشارك فى صنع نجومية الممثل، لكن الأمر وفى نفس الوقت يخص حرفية الممثل حتى يكون جزءاً مهما فى منظومة الفيلم.
 
هل التمثيل الكلاسيكى يحتوى على إحساس مفرط  بالحالة التمثيلية التى يقوم بها الممثل تفوق ما هو عليه فى الواقع، حتى ان همفرى بوجارت عندما كان يصور أحد مشاهد فيلم "كازابلانكا" إندمج وقال حواراً من تاليفه، هل كان يمثل الشخصية وهو اقرب ما يكون إلى شخص يقول فوازير؟ الشيئ المحورى فى طريقتى التمثيل التى يمثلهما لورانس أوليفييه وداستن هوفمان فى السينما، هى ان داستن هوفمان يرى التمثيل كمسألة وجود أكثر من كونه عملية تمثيل، وهذا عادة يكون بين التمثيل بالإحساس الدخلى وبين التمثيل بالإحساس الخارجى، حيث متطلبات التمثيل الداخلية يمكن ان تلتقى مع المتطلبات الخارجية لتعبيرات الممثل.
 
أحد أسباب التى دعت روبرت دى نيرو ان يمثل بنوع من المبالغة فى فيلم "الثور الهائج"، هو أن هذه الطريقة تدفع بكل من الإحساس الخارجى والإحساس الداخلى أن يعبرا عن حالة المرض الجسمانى الذى كانت الشخصية تعانى منه وكذلك حالته كمريض عقلى، إذا كان الممثل الكلاسيكى يمثل، فان الممثل الحديث يُعبر، وما فعله روبرت دى نيرو لم يكن السيطرة على الشخصية بوصفه نجماً سينمائياً حتى يستطيع المشاهدون أن يجدوا جذورهم فيه، لكنه بدلاً من ذلك حصل على جذر الشخصية لينال تعاطف الجمهور.
 
وهذا قد يعنى أيضاً ان الممثل لم يعد فى خدمة الفيلم لكنه مُشارك بفاعلية فى عمل الفيلم، وعلى الرغم من ان دى نيرو يقول أن "السيناريو الجيد" هو المعيار "رقم واحد" فإنه يقول أيضاً "انا عادة أملك الكثير فى توزيع الأدوار... أنت تعرف أنه كان عندى شخص قال لى مرة – إنه قام بتمثيل بعض الافلام ولكنه ليست لديه خبرة كبيرة –" فأنت تستبعد هذا الممثل او ذاك، ولا يجب عليك ان تقلق بخصوص الممثلين" لكن إذا لم يكن لديك ما يجعل مشاهدتك مُسلية، فالحقيقة أن هذا يطيح بك، سواء كان الأمر يتعلق بممثلين او اناس عاديين، وعندئذ لا يهم مقدار جمال الصورة أو عظمة المونتاج، فهذا لا يصنع أى فرق" – من كتاب "التمثيل للكاميرا" " Playing to the Camera ".
 
الحكاية التى سقناها عن داستن هوفمان ولورانس أوليفييه ربما تعكس هذ ا الإختلاف الرئيسى بين الممثل الكلاسيكى الذى يعمل من خلال السيناريو وبين ممثل الإحساس الداخلى الذى يعمل لكى يُشكل السيناريو، إرتجال داستن هوفمان يتوافق مع العديد من ممثلى الإحساس الداخلى الذين يريدون ان يكتشفوا الدور أكثر من الإقرار به طبقاً لما هو مكتوب فى السيناريو، ومن الواضح ان العديد من الممثلين الأمريكيين المعاصرين تأثروا بكتاب "الطريقة" " The Method "، وبأفكار مؤلفه ستانسلافسكى الروسى والتى تحولت إلى صيغة أمريكية وظهرت فى مدارس تمثيل عديدة فى الولايات المتحدة الامريكية من خلال معلمين ومعلمات مثل ستيلا ادلر ولى ستراسبورج وآخرين، ومن خلال وجهة النظر التى تقول ان الشيئ المهم  ليس أن يكون الفيلم موضوعى ولكن ان تكون الحقيقة هى الموضوعية.
 
فى مقالة عن السيكودراما يقول باركر تيلر " ما أُصطلح على تسميته "الطريقة " " The Method " أدى إلى بعض المشاكل مع ممثلين محترفين وأدى كذلك إلى مشاكل مع النظرية نفسها، إنجريد برجمان وبعد أن مثلت فى التلفزيون مع الممثل الأمريكى الجديد ريب تورن – الذى يمثل بطريقة " The Method " قالت لصحفى انها اعتقدت أن تمثيل السيد ريب تورن جيد جداً،ً لكن ممثل الطريقة يبدو انه يضع نفسه فى مشكلة" ويضيف باركر تيلر "كتبت الصحف كثيراً أن جون هيستون الذى أخرج فيلم "الغير اسوياء" " Misfits " كانت قد واجهته بعض الصعوبات مع النجمة مارلين مونرو التى تغيبت فجاة عن العمل فى الفيلم.

والممثلة أنا ماجنانى من دون جميع الممثلات لم يكن من الممكن إعتبارها ممن يتحملن العمل الشاق بالمعنى التقليدى لمهنة التمثيل، وإستشهاداً بتنسى ويليامز، إنها كانت الآنسة ماجنينى التى – أفرب ما تكون إلى عدم السلاسة مع اللغة الإنجليزية، وهى اللغة التى كانت تستخدمها – أصبحت غاضبة من سلوك مارلون براندو كونه لا يعطيها مفاتيح الكلمات لحوارها، أنه يخترع جمل حوارية لم تسمع عنها من قبل، "هذا التمثيل لم يعد تمثيلاً مهذباً ومحترماً لكنه أصبح عناداً وطمعاً، قد يكون مفهوماً أن ننظر إلى أوليفييه كممثل محترم وداستين هوفمان كمغرور وبغيض فى الحكاية التى تحدثنا عنها من فيلم "رجل الماراثون" ولكن هذا الفيلم وفى سابقة مهمة، قدم لنا طريقتين مختلفتين لفن التمثيل: واحدة منهما تتجه للتمثيل الذى يدعم السيناريو، والطريقة الثانية مواجهة مع حقيقة الشخصية.
 
عندما تحدث تيلر عن مارلون براندو فى فيلم  " One-Eyed Jacks " قال، "ما الذى يستطيع براندو فعله مع طريقة التمثيل التى عفى عليها الزمن فى أفلام الغرب التى تناولت فترة الخمر(1880 -1885) من خلال الطريقة " The Method "؟ لقد مس بمنطقية روح السيكودراما، والسيكودراما هى  مسرحية بممثل واحد يتحدث فيها مع جمهور من الممثلين المحتملين تحت مسمى العلاج النفسى الجديد.
 
إذا إستطاع إرفين جوفمان أن يقول لنا جميعاً فى "تمثيل الذات فى الحياة اليومية" " The Presentation of Self in Everyday Life " أننا نمثل فى حياتنا العامة، إذن عندما يأخذ شخص دوراً إجتماعياً موضوعاً سلفاً، فإنه عادة ما يجد أن واجهة محددة سبق أن تأسست بالفعل له، وسواء كان إستحقاقه للدور بدافع الرغبة أساساً فى أداء مهمة معطاه له، أو بالرغبة فى الحفاظ على تطابق الواجهة معه، فإن الممثل سيجد انه يجب عليه أن يؤدى الشيئين.
 
يستخدم جوفمان مصطلح "ممثل" ليس ليعبر عن التمثيل الإحترافى فى عمل فنى، ولكن عن أى إنسان فى حياته الإجتماعية، وإذا كانت الأدوار التى نمثلها تحتوى على الكثير من الحياه، أفلا يجب على الممثلين المحترفين أن ينشدوا عمل شيئ آخر: كألا يمثلوا الدور المكتوب لهم فى السيناريو، ولكن ان يجدوا الحقيقة داخل الشخصية، أن ينشدوا مسرحية الممثل الواحد فى مصطلح تيلر؟، الممثلون مثل مارلون براندو ودى نيرو وشون بن ودانييل داى لويس وكريستيان بال وكذلك الممثلون فى أفلام جون كاسافيتس وأفلام موريس بيالا وأفلام مايك لى، فالكل يبدو كما لو انهم ينشدون التمثيل بالإحساس الداخلى وأن يغلبوه على مطابقة كل منهم للدور، وعندما تحدث مارلون براندو عن ماضى الشخصية التى مثلها فى فيلم "التانجو الأخير فى باريس" " Last Tango in Paris " فإنه كان يتحدث عن ماضيه الشخصى كمارلون براندو.

ليس من المهم ان نعرف هذه الحكايات المتناقلة، فما يهم هو ألا يتم توظيف المعلومة التى يقدمها الفيلم كعودة بالقصة إلى اللحظة الحالية، ولكن يجب أن تبدو اللحظة الحالية وكانها تم غزوها من ماضى الشخصية وعلى الممثل أن يحاول ان يكتشف التعقيدات العاطفية للشخصية من هذا الماضى، القصة لا تزال قائمة والسيكودراما أصبحت قائمة، عظمة مارلون براندو على أية حال لا تكمن هنا فقط: وثمة دليل نستقيه من رفضه المتكرر أن يتصاعد الفيلم على وتيرة واحدة، ففى العديد من الأفلام قدم التفاصيل الفرعية فى المشهد وحولها إلى بؤرة الإهتمام، والدليل على ذلك موجود فى هيامه بحصانه فى فيلم " Missouri Breaks " وفى إهتمامه الكبير بملبسه فى فيلم " Mutiny on the Bounty " وإعطاء الأهمية لمشاهدة الأمواج على حساب التحرك ناحية الإنتقام فى الفيلم الوحيد الذى أخرجه بنفسه والمسمى " One Eyed Jacks ".

وفى الحقيقة فان مارلون براندو فى هذا الفيلم كان يتعافى من جرح لكن ما يهم هو قدرة براندو على تضمين التفاصيل الحسية للحياة على حساب أساسيات السرد السينمائى، فى مشاهد مطولة من فيلم " One Eyed Jacks " نراه يتحدث مع حبيبته عن مشاعره ودوافعه بينما المحيط الهادئ فى الخلفية، كما لو كان يقول ان هذا ليس نوع من إخفاء ما يدور فى عقل شخص من الغرب الأمريكى، لكنه يستكشف ما يحس به جسمه، وبينما يضع براندو مضموناً مؤثراً فى كلماته فإنه يحاول ليس فقط أن يشرح لماذا هو شخص ينتقم ولكن ليُفسر مشاعره تجاه الإنتقام.

"الناس لا يريدون أن يفقدوا أعدائهم، فنحن لدينا اعدائنا المحببين، إنهم الناس الذين نحب ان نكرههم ونكره أن نحبهم" وقال مرة فى كتاب حوارى مطول بعنوان "محادثات مع مارلون براندو" " Conversations with Marlon Brando " فمارلون براندو – على العكس من ذلك – يحاول فى أحد المشاهد أن يذهب إلى قاع الكراهية التى أختبرها مع أفضل صديق له فى السابق والذى خانه قبل عدة سنوات والذى لابد له ان يقتله، فحسم هذا الأمر أصبح أقل أهمية مما يحسه فى قلبه.

عندما قال براندو "نعم، أنى حافظت طوال ذلك الوقت على ألا أحفظ سطور الحوار فى السيناريوهات"، أنا لا أستطيع أن أتحدث عن الفرق، فتجاهل الحوار المكتوب يُرقى التلقائية، وأنا فعلاً لا أعرف، فأنت لديك فكرة عما تريد أن تقوله لكنك لا تستطيع أن تتذكر ما تريد أن تقوله؟" الشيئ الذى يهم ليس دقة السطر الحوارى، ولكن العاطفة التى ينشدها الشخص من هذه الكلمات المكتوبة فى السيناريو، براندو وافق على أن هناك مؤلفون كتاباتهم تتركك وحيدا: "بعض أسطر الحوار يمكنك أن ترتجلها، والبعض الآخر يجب عليك أن تحفظها فى ذاكرتك، مثل شكسبير... حيث للغة قيمة"

وعلى أيه حال، فإن ما أضافه براندو للسينما - أكثر من أى ممثل آخر جاء قبله - هو هذا التشكيك فى السيناريو، أليس هناك العديد من الجوانب الأخرى للفيلم والتى ليست أقل أهمية، وقد يساعد الإرتجال على إستخراج تلك التفاصيل الأخرى؟ فى فيلم " One-Eyed Jacks " لم يكن البحر خلفية لكن الميزانسين هو الذى ظهر بوضوح وكذلك القدرة على إظهار الإضطراب فى روح الشخصية، لكن ما جعله أكثر من مجرد مثال أنه شيئ حاضر وواضح، وبراندو كممثل هو شخص  يبدو مهتماً بتفاصيل الميزانسين الذى هو جزء منه.
التانجو الاخير في باريس

فى مشهد من فيلم "التانجو الاخير فى باريس" حيث يحتوى براندو الحبيبة الشابة ماريا شنيدر، فإن الحوار أقل اهمية من الإيماءات، حتى إذا أصر على انه لم يهتم كثيراً عندما قالت إنها وقعت فى حب رجل آخر، ويقول بوقاحة انه فى خلال عشر سنوات سوف يلعب الكرة بحلمتها" انه يُغرقها بالحب والمودة، نحن فى أفلام براندو لا نرى فقط ممانعته فى الإلتزام بالحوار المكتوب ولكنه يبتدع اساليباً تخالف هذا الحوار فيما يقوم به.

يُعتبر مارلون براندو ممثل عظيم للإحساس الداخلى، إلا إنه غالباً ما يؤخذ عليه أنه يتكاسل فى تضمين قدر من جهده داخل الدور الذى يمثله، روبرت دى نيرو يُنظر إليه على انه النقيض، وقد يستشهد براندو بما قالته معلمته ستيلا أدلر عن والدها، من ان الممثل العظيم سيصر على "إذا جئت إلى المسرح وكنت تشعر بحالة الإلهام بنسبة 100% ، فإنك تعرض 70%، وإذا جئت إلى المسرح فى ليلة اخرى وانت تشعر 50% فانت تعرض 30%، وإذا جئت إلى المسرح وكنت تشعر 30% إستدر وعد إلى بيتك. فدائما انت تعرض أقل مما لديك" – من كتاب حوارات مع مارلون براندو- .

روبرت دى نيرو وعلى الرغم من انه أكثر ميلاً إلى عرض 100%، ونستدل على ذلك من التعليق الذى قاله المخرج جون هانكوك – مخرج فيلم "إضرب الطبلة ببطء" "  Bang the Drum Slowly " فقد قال "إن دى نيرو لا يريد حتى ان يخلع عنه الملابس" وبالطبع هناك أمثلة أكثر وضوحاً تمثلت فى زبادة وزنه كثيراً فى فيلم "الثور الهائج" " Raging Bull " وكذلك زاد وزنه ثلاثين باونداً إضافية فى فيلم "المُمنعون" " The Untouchables ".

وإذا تطلب الدور وزناً زائداً فإن دى نيرو يزيد وزنه، وهو أيضاً قد يتحدث عن الحاجة إلى تجنب وضع الكثير جداً على الدور، كما لو ان ممثل الإحساس الداخلى إذا إحتاج إلى حجب ملمح من الطاقة التى يتطلبها الدور فهو يضع هذه الطاقة فى مكان آخر: لجعل الدور إستقرائى بدلاً من أن يكون إسقاطى، "قد يميل الممثل إلى أن يشعر فى مشهد قوى وعاطفى، فيقول يجب ان أمنح الدور المزيد، وبمجرد أن يمنح الكثير جداً، فإن الجمهور ينصرف عنه" – من كتاب التمثيل للكاميرا- وبناءاً عليه فيجب على الممثل أن يقلل من إحساسه.

"يمكنك ان تعطى للممثل شيئاً- ليس سيجارة لأنها أقدم وسيلة فى العالم- لكن احياناً يجب أن تصرف أذهانهم عن حقيقة انهم يريدون ان يفتعلوا فى التمثيل" وبرغم ذلك يوجد تكثيف عاطفى حتى ان الممثل لا يريد ان يكرره إلى مالانهاية حتى أنه يفقد الإحساس فى المشهد. "من الصعب أن تصعد مشاعرك إذا كان المشهد شديد العاطفية، فهذا شيئ صعب، وهذا هو السبب الذى يجعلنى أحب أن أستخدم كاميرات أقل، ومن الجانب الآخر يجب أن أجعل نفسى قادراً على تصعيد مشاعرى مرة أخرى" – من كتاب التمثيل للكاميرا- ما يتشارك فيه كل من مارلون براندو وروبرت دى نيرو هو هذه القدرة على تحميل أنفسهم بطاقة مشحونة، لكن الخلاف الرئيسى بينهما هو أن براندو غالباً ما يكبت الإحساس، اما دى نيرو فى أفضل أدواره فإنه يكبح ويصرح عن غضبه.

سواء كان فيلم "سائق التاكسى" او "الثور الهائج" أو "أولاد طيبون" او "صائد الغزلان" او "الأب الروحى الجزء الثانى، أو "كان ياما كان فى أمريكا" فإن روبرت دى نيرو ممثل عظيم لقوة تكثيف الغضب، تماماً مثل براندو الذى يكثف الإحساس، وعلى الرغم من ان دى نيرو سيستخدم عادة الحالة الجسمية ليدخل فى الحالة النفسية – مثل الوزن الزائد المُشار إليه فى فيلم "سائق التاكسى"، وقصة الشعر فى فيلم "ملك الكوميديا"، فهو دائماً أكثر صلة بالتمثيل بالإحساس الداخلى أكثر من الإحساس الخارجى، إذا ميزنا بين "الطريقة" كنظام تمثيلى باطنى وبين أفكار رودولف لابان عن التمثيل الخارجى.

عندما يقول ستانسلافسكى "ضع ثقتك فى مشاعرك" - من كتاب إبداع دور – " Creating a  Role"، فهذا شيئ باطنى، وعندما يتحدث لابان عن تحليل الحركة" فهذا يشير ببساطة إلى الصفات التعبيرية للمجهود الذى يكون مرئياً فى أى حركة إنسانية" – من كتاب سينثيا بارون، الجزء الحادى والثلاثين، رقم 4 " Cynthia Baron, Cineaste xxxi, no. 4" فهذا شيئ خارجى.

لا يستطيع العديد من الممثلين التمييز بين الشيئين، ويرون أن أشكالاً من التعبير الخارجى شيئ هام لحرفيتهم، فهم يطورون أشكالاً من المعرفة الجسمانية من خلال ميادين أخرى حتى إذا لم يكن لذلك ضرورة، مثلما يشرح معلم الحركة جان ساباتين "التمثيل الصامت والباليه والرقص الحديث ورقص الجاز والكاراتيه والتربية البدنية والمبارزة والتقاتل المسرحى، وهو يتفق مع تكنيك ألكسندر وتشكيل الجهد وما إلى ذلك – هذه التخصصات لا صلة لها بحركة الممثلين وتدريباتهم التى يؤدونها مع أنفسهم" – من كتاب " Cineaste xxx1, no.4"  وبأساليب مختلفة تماماً فإن ممثلين مثل ويليام دافو ونيكولاس كيج وجونى ديب وميشيل فايفر وسيجورنى ويفر وبالطبع كل هؤلاء الممثلين فى الثمانينات مثل شوارزنيجر وستالونى وجان كلود فان دام ودولف لودجيرن، فكل هؤلاء يمكن ان نصنفهم كممثلى إحساس خارجى، ويمكن لنا أن نرى ان قاعات ألعاب القوى  والصالات الرياضية يمكن أن تكون أكثر أهمية من التعليم النظرى، وفى بعض الحالات تكون أكثر اهمية من مهارات التمثيل الأساسية.

فى حالة الممثلين الأربعة الأخيرين، كانت صالة الألعاب الرياضية أكثر اهمية من المسرح حيث يطورون ما يبدو أنه هام لمسيرتهم كممثلين، هؤلاء هم الممثلون الذين نسميهم ممثلى المظهر الخارجى، ففى معايشة الشخصية من الداخل فإنهم يبدون أقل إهتماماً، فهم يهتمون بأعضائهم الجسمانية الخارجية مثل عضلات الساعد، كان ستالونى مهتماً بأكثر من هذا، ووضح ذلك فى فيلم "روكى" و"أول دم" و"أرض الشرطى" فقد قدم ما يعجز الممثلين الآخرين عن تقديمه، لكن إذا كان لدينا براندو ودى نيرو على أحد أطراف نظام النجومية، فهؤلاء الممثلين يمكن أن يكونوا على الطرف الآخر.

ميشيل فايفر وجونى ديب ممثلان فضوليان، لكن قوتهما خارجية، ولميشيل فايفر حركة فاتنة عبر قاعة الرقص فى فيلم "الوجه ذو الندبة" " Scarface " وعبر البيانو فى فيلم "أولاد بيكر الرائعون" " The Fabulous Baker Boys "، ولجونى ديب نظرة إندهاش فى فيلم "إدوارد سيسورهاندس" " Edward Scissorhands " ومظهره الصبيانى فى فيلم "رجل ميت" "  Dead Man "، ونحن لا نأمل فى عمق كبير من الإثنين، لكننا بدلاً من ذلك نتوقع منهما حركة عظيمة بينما هما يعولان كثيراً على الجسم أكثر من عقل الشخصية، انهما يبدوان مثل الممثلين الذين يعرضون الدور أكثر من الإحساس به.

بينما المخرج جولى تايمر – الذى درس مع أستاذ المسرح جورو جاك لو كوج – يقول " الأمر لا يتعلق بالتمثيل الحزين" إنه يتعلق "بما هو الحزن الذى يجعل الجسم صلباً أم مرناً؟ وما هو الإيقاع الذى يتلازم مع الحزن؟ - من كتاب " Cineaste, xxxi, Vol.4" وحتى عندما يقول تيم بورتون أن واحداً من الأشياء التى يحبها فى الممثل جونى ديب هو أنه ممثل "يفعل الكثير تحت السطح" – من كتاب بورتون فى بورتون " Burton on Burton "، وهذا ليس نفس الشيئ فى عمق السيكودراما: إيماءات أكثر دقة تشير إلى إقتقاد الامن أسفل الواجهة: حيث نرى تعبيرات وجه قليلة فى فيلم "تشارلى ومصنع الشوكولاتا" " Charlie and the Chocolate Factory " والعين التى تتسع بالتعجب فى فيلم "إدوارد سيسيورهاندس"، عندما أشار بورتون إلى نظرة الصحافة إلى جونى ديب بوصفة نسخة حزينة من الممثل جيمس دين، فإن بورتون لم يوافق على هذا الرأى: جونى ديب لا يقل كممثل عن جيمس دين، لكن تمثيله أقل بكثير عن أن يعبر عن النفس، فهو ممثل بالمظهر الخارجى أكثر من الإحساس الداخلى.

فى امثلة محددة بالطبع  لا نجد أن الفكرة عن الإحساس الداخلى فى مقابل المظهر الخارجى تتحقق تماماً، مثل بعض الممثلين المعاصرين الذين يبحثون فى داخلهم عن الدافع، ويبحثون فى المظهر الخارجى عن خطاف للإمساك بالشخصية، تماماً مثل إكتساب دى نيرو وزناً زائداً من اجل فيلم "الثور الهائج" وكذلك فيلم "المُمنعون" " The Untouchables "  وهذا ما يفتقده كريستيان بال فى فيلم "الميكانيكى" " The Machinist " وفى فيلم "إنقذوا الفجر" " Rescue Dawn " وفى فيلم "المقاتل" " The Fighter ".

ستانسلافسكى أوضح أيضاً فى كتاب "إبداع دور" أن "إبداع الحياة الجسمانية هو نصف العمل فى الدور لأن الدور له طبيعتين، هما الطبيعة الجسمية والطبيعة الروحية، وانت ستقول أن الهدف الأساسى من فننا – التمثيل – لا يحتوى على المظهر الخارجى، ذلك ان خلق حياة لروح إنسانية هو ما نتطلع له لكى نعرض ما نقوم به على خشبة المسرح، انا اتفق تماماً، ولكن ومن أجل تحديد هذا فإننى بدات عملنا بالحياة الجسمانية لأى دور".

هذه الفكرة عن المتطلبات الجسمانية والروحانية فى كتاب "الطريقة" يشير إلى معنى وجودى، الممثل الكلاسيكى وممثل الإحساس الداخلى لا يحتاجان إلى تطابق الذات مع الدور، لكن فى حالة الدور فإنه يعطى شكلاً للسيناريو، وفى حالة الذات فإنه يعطى شكلاً للجسد الذى يمثل الدور.

إذا كان ويليام دافو ممثل إحساس خارجى عظيم فهذا يكمن فى مرونة جسمه فى فيلم "البرية فى القلب" "  Wild at Heart " وفى فيلم "ضد المسيح" "  The Anti-Christ " وفى فيلم "تعيش أو تموت فى لوس انجلوس" "  To Live and Die in LA "" إنه ممثل قادر على إستخدام مظهره النحيف ليحدد طاقته الكبيرة فى أفضل حالات التمثيل بالإحساس الخارجى، وإذا قارناه – وإن كان فى الأمر نوع من الفجاجة – بممثل كلاسيكى جميل مثل تشارلى لوتون، يمكن لنا أن نرى كيف ان الممثل الكلاسيكى يتجه إلى الوجه والجسم، وان ممثل الإحساس الخارجى يتجه إلى الجسم والحركة، وكما يقول دافو "أنت تصنع شيئاً وليس من واجبك ان تفسر الأشياء، وهذا ساعدنى فى تطوير حساسية بمعنى ان أكون اكثر تمثيلاً وأكثر إقناعاً وأكثر رقصاً، من ان اكون مترجماً، او ممثل قديم قدير أو شخص لديه طريقة" – من كتاب " Cineaste, XXXI, No. 4".

من المؤكد ان ممثلين كلاسيكيين كانوا موجودين ومعرفين بسبب ملكاتهم المظهرية – مثل أيرول فلاين - الذى يرد إلى فكرى- لكن المظهر نراه فى الممثل دافو والممثل دانييل داى لويس والممثل مايكل فاسبندر والممثل فيجو مورتنسن على سبيل المثال، فكل واحد منهم لديه قيمة مظهرية يضيفها من عنده، فالأمر كما لو ان الدور بوصفه  يعبر عن السيناريو ليس له اهمية الدور كتعبير عن الميزانسين، مع إمكانيات الحركة فى حيز الشاشة، فى بداية فيلم "العار" " Shame "  يمشى الممثل فاسبندر خلال شقته عارياً، الشيئ المهم ليس تجسيد السيناريو ولكن ان يكون الممثل مرتاحاً جسدياً بقدر كافى حتى يجعل الفعل طبيعياً.

عندما تجول الممثل ريتشارد جير حول شقته نصف عارياً فى فيلم "قواد أمريكى" "  American Gigolo " فهذا كان نوع من الإدراك: ربما إنعكاس للشخصية، لكنه أيضاً إنعكاساً لممثل لا يمكن له ان يكون طبيعياً تماماً فى ذاته، وهذه الصفة التى يمكن ان تكون هامة للتمثيل المعاصر ليس لها وجود فى الكلاسيكيات الهوليودية التى خضعت لرقابة مشددة من جانب وعدم الإهتمام من جانب آخر: هل مثل هذه اللحظات تُضيف إلى تطوير القصة؟

ما نقدمه فى هذه المحاضرة هو طريقة أولية للوسائل التى يمكن لنا بها النظر إلى انواع التمثيل، النجومية ربما تكون أقل أنواع التمثيل العمدى، لأن الجمهور وعلى مر عقود هم من يقرر إذا ما كان الممثل نجماً أم لا، وكذلك إذا طور النجم شخصية خلال عدد من الأفلام مع وجود إختلافات طفيفة، عندئذ فإن الممثل يكون أفرب إلى ان يصبح ممثلاً نجماً أكثر من ممثل الشخصية الذى يختفى خلف ادوار كثيرة، مارلين مونرو كانت شقراء مخمورة، وشارلى شابلن كان أكثر الرجال هامشية، وجون واين كان شخصية ذكورية حاسمة.

الممثل الكلاسيكى هو شخص يعتبر السيناريو هو أكثر اهمية من أى شيئ آخر، وشكل الصورة أكثر اهمية من دوره فى الفيلم، ويمكن ان نتخذ لورانس أوليفييه مثالاً على ذلك فى فيلم "رجل الماراثون"، وعلى النقيض من ذلك نرى ممثل الإحساس الداخلى يبتدع سيكودراما تحيط به على حساب الفيلم، ولكن المخرج يعمل بقوة مع هذا البعد السيكودرامى، فيلم "سائق التاكسى" و فيلم "الثور الهائج" كانا مصنوعان ليتناسبا مع دى نيرو، ونفس الحال يمكن ان يُقال عن ادوار داستن هوفمان فى فيلم "كلاب سترو" " Straw Dogs " وفى فيلم "لينى" " Lenny " وفى فيلم " Straight Time ".

أدوار جاك نيكلسون فى فيلم "خمس قطع سهلة" "  Five Easy Pieces " وفى فيلم "الملك مارفين جاردنز" " The King of Marvin Gardens " وفى فيلم "التفصيلة الأخيرة" " The Last Detail " تشير مرة ثانية إلى أفلام تُشكل نفسها حول الأداء التمثيلى أكثر من مناسبة الممثل للدور المُسند إليه، ووفقاً لباتريك مكجيليجان فإن المخرج ويليام ويلر كان يتحدث كثيراً إلى بت ديفيس عندما كان يريد لقطة اخرى – من كتاب " Cineaste, xxxi, no.4" وهذا نقيض المخرج بوب رافلسون الذى عمل مع جاك نيكلسون فى فيلم "خمس قطع سهلة".

"فى المقابلات الحوارية أحب رافلسون ان يؤكد على علاقته الإستثنائية والقوية بجاك نيكلسون وهى التى مكنته من الدفع بالممثل" ليحرر عواطف معينة لن يعرضها عادة على الشاشة لإنه يعرف أننى أعرف بوجود هذه العواطف" – من كتاب "حياة جاك، باتريك مكجيليجان" " Jack’s Life, Patrick McGilligan ".

المثال السابق هو تمثيل بإحساس داخلى فى ظل إخراج متعاطف، والتمثيل بالإحساس الخارجى قد لا يتطلب نفس العنصر من الإحساس الذى يشاركه فيه مخرج الفيلم، ومن الفهم السيكولوجى، لكن المخرج والممثل يجب أن يستوعبا الإمكانيات الجسدية للدور، مع المخرج ستيف مكوين والممثل فاسبندر فى فيلم "الجوع" وفيلم "العار" شخص يستطيع أن يتغلب على الخجل الجسمانى ليجد فى الجسم كيفية  تتصرف بموجبها الشخصية، ومثل فاسبندر الذى قال عندما أجرى معه حواراً حول العرى فى فيلم "العار" "أنا كنت واعياً بالطبع، لكن كان هناك شيئ يجب ان أتجاوزه بسرعة كبيرة، تلك المشاهد تمكنك فعلاً من إلقاء نظرة على نفسية الرجل".

تلك كانت تصنيفات عامة واحياناً متداخلة – الممثل النجم، والممثل الكلاسيكى، وممثل الإحساس الداخلى، وممثل الإحساس الخارجى – لكن هذه الإصطلاحات يمكن ان تكون مفيدة فى فهم طرق مختلفة لمهنة التمثيل وكذلك فى فهم جانب هام فى السينما، وكما يقول روبرت ألتمان فى "منتدى الفيلم" " Film Forum " "الممثلون بدون شك أهم عنصر لأنهم الذين يؤدون.. ولذك فالممثلون فنانون حقيقيون وأى فنان آخر هو داعم لهم".