02‏/05‏/2011

حوار مع عباس كياروستامى

حوار وتقديم :- سام ادامز .
ترجمة :- ممدوح شلبى .

تمكن عباس كياروستامى من وضع السينما الايرانية بتوجهاتها الجديدة على خريطة السينما العالمية , عندما فاز بالسعفة الذهبية فى مهرجان كان السينمائى الدولى فى عام 1997 عن فيلمه ( طعم الكريز ) .

ومن قبل هذا التتويج , فقد اشاد نقاد السينما بافلامه مثل , ( اين منزل الصديق ) و ( والحياة تستمر ) وفيلم ( خلال غابة الزيتون ) والفيلم التسجيلى ( كلوس اب ) , وهذا الفيلم التسجيلى يعيد تجسيد قصة حقيقة عن شخص يُدعى ( على سابزيان ) الذى قدم نفسه لعائلة ايرانية ارستقراطية وادعى كذبا انه المخرج الايرانى الشهير محسن ماخملباف , وهوفيلم يجمع بين الواقع الحقيقى والخيال الفيلمى , فقد استعان كياروستامى بعلى سابزيان ومحسن ماخملباف فى تمثيل ادوارهما الحقيقية فى الفيلم مما ادى الى تعميق الرؤية الفيلمية , كما استعان الفيلم بشريط فيلمى حقيقى تم تصويره فى المحكمة التى كانت تنظر قضية احتيال على سابزيان .

( ولسوء الحظ , فان افلام كياروستامى قبل ( طعم الكريز ) لم تتواجد فى سوق الفيلم الامريكى , باستثناء فيلم ( كلوس اب ) الذى تواجد مؤخرا ).
فى العقد الاخير , بدأ كياروستامى يصور افلامه بالكاميرا الديجيتال , واصبحت افلامه اكثر ميلا الى التجريد , نرى ذلك فى فيلم ( شيرين ) عام 2008 , الذى تم تصويره فى طهران , انه عبارة عن مجموعة من اللقطات لنساء تشاهدن فيلما لا نراه نحن , وفيلم ( خمسة ) الذى تم تصويره فى عام 2003 , وهو مُهدى الى ( اوزو ) وهذا الفيلم اقرب الى فنون الفيديو , وهو يتكون من خمس لقطات ثابتة طويلة , حيث يتحول ايقاع الحياه الى ايقاع شعرى , واحيانا فكاهيا بصورة مؤثرة .

واخرج كياروستامى فيلما بعنوان ( نسخة موثقة ) وهو مختلف تماما , وهو اول الافلام الروائية لعباس كياروستامى الذى يتم تصويره خارج ايران , فقد تم تصويره فى ( توسكانى بايطاليا ) وهو اول واخر فيلم يستعين فيه كياروستامى بممثلة عالمية محترفة هى جولييت بينوش , التى ادت دورها ببراعة , كما انه ايضا اول افلامه فى الصيغة الروائية , بعد ان توقف عن اخراج هذه النوعية لمدة عقد كامل .

التوصيف الحقيقى لحبكة هذا الفيلم تظل موضوعا للجدل وحتى بعد مشاهدة الفيلم مرات عديدة , ولكن وبصفة عامة , فان الفيلم يتأسس على صراع بين ام عزباء ( هى جولييت بينوش ) وبين ناقد ثقافى بريطانى ( الذى جسد دوره مغنى الاوبرا ويليام شيميل ) الذى ألف كتابا يحتفى به بالنسخ المقلدة المأخوذة من تاريخ الفن , وعلى مدى يوم كامل ومناقشات طويلة , نلاحظ ان علاقتهما تتغير بين لحظة واخرى ما يصيبنا بالدهشة من تداعيات هذه العلاقة , ولا نملك القدرة على تأويل علاقتهما او حتى الحكم عليها .
ان هذا الفيلم هو اعادة تقديم عباس كياروستامى لجمهور سينما لم تتسنى لهم الظروف ان يُشاهدوا اعماله السابقة , فالفيلم جزءا من عملية ممنهجة لتشجيع الجمهور واحيانا اجباره , على تأمل ما يُشاهدوه يُعرض امامهم على الشاشة والربط بين ذواتهم وبين الفيلم , والتساؤول عما يمثله الفيلم لهم .

لقد تحدث عباس كياروستامى من منزله فى طهران مع ( Av Club ) عبر مترجم , وتحدث معنا عن فشله فى جعل جولييت بينوش اقل احترافية , كما تحدث عن مزايا وعيوب التصوير بتقنية الديجيتال عالية الجودة , وحدثنا ايضا كيف انه نام اثناء عرض فيلم ( نسخة موثقة ) فى مهرجان كان , وكان هذا هو العرض الاول للفيلم .

آدامز :- ثمة نقاش كبير نركز على العلاقة الاستثنائية التى جمعت بين شخصيتى جولييت بينوش ووليام شيميل فى فيلم ( نسخة موثقة ), فهل لديك النية ان تجيب على هذا السؤال ؟ ولماذا اثار الفيلم كل هذا النقاش ؟

كياروستامى :- لا , الحقيقة اننى لا اريد ان اجيب على هذا السؤال . اعتقد ان هذا الموضوع ذو طابع عالمى , انه سؤال نسأله جميعا . الشئ الوحيد الذى استطيع عمله , هو ان اضع مرآة امام النساء والرجال , وامام المشاهدين فى دور العرض السينمائى لتعكس لهم صورتهم , ذلك انه لا يوجد شئ الا ان اعكس صور الناس , وهذا ما انتويت عمله لجمهور الفيلم .

آدامز :- ان هذا الفيلم يبدو متصلا بفيلمك السابق عليه وهو فيلم ( شيرين ) الذى كان عبارة عن مجموعة من اللقطات لنساء تشاهدن فيلما لا نراه نحن المشاهدين , وبه فهم عميق عن الكيفية التى نرى بها الناس والكيفية التى يرانا بها الناس والتى تؤثر على الطريقة التى نحن موجودين بها فى العالم .

كياروستامى :- بخبرتى كمخرج , اعتقد ان هناك ثمة شئ ما فى طريقة الرجال – ربما هذا هو الشئ المشترك مع فيلم ( شيرين ) – الطريقة التى يرى بها الرجال النساء فى الفيلم , والطريقة التى يرى بها شخصيتى الفيلم بعضهما

آدامز :- انت تقريبا لم تتعامل مع ممثلين محترفين فى افلامك , فعلى سبيل المثال , فى فيلمك ( كلوس اب ) عندما يتقابل سابزيان مع محسن مخملباف فى النهاية , فانك تلغى الصوت من المقابلة , لانك شعرت , وبالرغم من ان مخملباف مخرج وليس ممثلا , ان مهنتة كمخرج سينما ستجعل الامر يتسم بعدم العدالة , اما فى العلاقة بين جولييت بينوش التى هى ممثلة محترفة وبين ويليام شيميل , فان الامر بدا مختلفا , ألم يكن كذلك ؟

كياروستامى :- حسنا , اعتقد ان الصورة الذى ترسمها لهذين الشخصيتين هى شديد التشويق . انا لم افكر فيما بينهما بهذه الطريقة , لكنك انت الذى اثرت هذا الموضوع , ربما ان الاختلاف هو ان فيلم كلوس اب كان قصة حقيقية , وانها دارت فيما بينهما فى الحياه الحقيقية , لذلك فاننى تصرفت فى اقل الحدود كمخرج , كنت اتساءل ما الذى اسمح لنفسى به وما الذى لا اسمح به , اما فى فيلم نسخة موثقة , فان كل شئ كان مكتوبا , وانه نوع من الدعوة منى الى السيد شيميل , ان يعمل كمحترف , لقد اخذته معى الى العالم الاحترافى .

آدامز :- وهل كان من الاهمية بالنسبة لك ان تختار ويليام شيميل , على الرغم من انه ليس ممثلا وانما فنان عروض فنية , اعتاد ان يقف على خشبة المسرح امام الجمهور ؟

كياروستامى :- لا , مطلقا . اننى فعلا لم اختاره لانه فنان عروض فنية , كان من الممكن ان اصطدم به فى اتوبيس او مقهى , وكنت عندئذ لاخترته ايضا . اننى اعتقد ان ما يتصف به هم الثقة بالنفس والتى ربما بسبب عمله كمغنى اوبرا , لكننى كنت انظر اليه فقط كانسان , اعتقد اننى توجب على ان انظر فقط الى الرجل نفسه , اعتقد اننى لاحظت ملمح من ملامح شخصيته وهو الثقة بالنفس , بصرف النظر عن مهنته .
والحقيقة اننى اخترته لانه ليس ممثلا محترفا , واعتقدت ان اختيار شخص غير محترف للتمثيل يناسبنى , لاننى بذه الطريقة ساجعل جولييت بينوش تمثل بطريقة اقل احترافية , ان هذا تحدى لاداءها كممثلة محترفة , ولكن عندما بدأ ويليام شيميل يمثل , فانه ادى بطريقة فنان العروض الفنية فادركت اننى يجب ان استعد للتعامل مع هذا الموقف .

آدامز :- هل كان هذا مخيبا لآمالك , ان شيميل لم يصل الى العفوية فى التمثيل كما كنت تتمنى ؟

كياروستامى :- حسنا , ان لم اقل ان املى خاب , ولكننى كنت مندهشا نوعا ما , لقد كنت اول من تراجع عن موقفه المبدئى , لقد كنت اطمح ان اشوش قليلا على اسلوب جولييت بينوش فى التمثيل , ولكننى عندئذ فوجئت بان ويليام شيميل لم يكن يمثل بعفوية ولكنه مثل كما لو انه فنان عروض فنية , فتوجب على ان اتعامل معه اكثر من معالجتى لاداء جولييت بينوش .

ادامز :- بالاضافة الى تعاملك مع ممثلة محترفة ذات خبرة مثل جولييت بينوش , وكان هذا استثنائى بالنسبة لك كمخرج , فجميع افلامك تعتمد على اناس ليسوا ممثلين محترفين ويؤدوا ادوارهم فى افلامك بعفوية , وبالاضافة الى ذلك ايضا , فام فيلم نسخة موثقة هو اول فيلم فى تاريخك الفنى تقوم بتصويره خارج ايران وتستعين فيه بفريق عمل كبير من الايطاليين , وايضا كانت المرة الاولى بالنسبة لك ان تتقيد بالتفاصيل الدقيقة فى السيناريو. كيف اثر كل ذلك على اسلوبك السينمائى ؟

كياروستامى :- اذا كنت تريدنى ان اجيبك بامانة , فيجب على ان اخبرك اننى كنت مستمتعا , واستمتاعى مصدره اننى اعمل بطريقة مختلفة عما اعتدت عليه . لم اكن اشعر اننى اقوم بعمل , واننى لو يكن لدى اى قدر من العذر اوعدم الرضى لاتحجج بهما اذا جاء الفيلم عكس ما تمنيته , الحقيقة اننى فعلا كنت مستمتعا ومبتهجا طوال مراحل عمل الفيلم وتصويره , لقد كنت هادئا جدا وسعيدا جدا طوال مراحل الفيلم .
ولكن وعلى اثر ذلك , وعندما كان الفيلم فى مهرجان كان السينمائى فى العام الماضى , ادركت حقيقة اننى صورته فى واقع ثقافى مختلف , وبلغة مختلفة , وفى اماكن تصوير مختلفة , وان هذه الاختلافات لا تخصنى ولا انتمى اليها , وهذا جعل علاقتى بالفيلم تختلف كلية .
عندما جلست فى مقاعد دار العرض اثناء العرض الرسمى فى مهرجان كان , كنت اشعر انه ليس فيلمى , لقد كان فيلما اعرفه , واننى رأيته , واننى اشعر بألفه نحوه , لكننى لم اكن اعبأ به ولو لحظة واحدة اثناء عرضه امامى على الشاشة . لقد غفوت مرتين , وهذا شئ لم اتخيل ان يحدث لى كونى اشعر اننى منفصل ومعزول ووحيد , وهذا ما حدث لى مع هذا الفيلم .

آدامز :- سبق لك منذ سنوات ان قلت انك لا تعبأ اذا نعس الناس اثناء افلامك , او حتى اذا استقطبتهم احلامهم واستغرقوا فيها .

كياروستامى :- لقد قلت ذلك مرارا , لكننى لست متأكدا ان كان مقصدى الحقيقى مفهوما , لان البعض اخذ الامر على محمل الدعابة , لكننى فى الحقيقة اعنى المعنى الحرفى لكلامى , اننى فعلا لا يعنينى ان غفا الناس اثناء مشاهدتهم لافلامى , لاننى اعرف ان بعضا من اروع الافلام قد تشجع الانسان على النوم او انه ينام فعلا ويغفو , وهذا الامر لا يؤخد على انه امر سيئ على الاطلاق .
هذا بالفعل ما اقصده , لكن نوع النوم الذى اصابنى اثناء مشاهدتى لفيلمى ( نسخة موثقة ) فى اثناء عرضه فى مهرجان كان , كان مختلفا , لم يكن بسبب طبيعة الفيلم , لكنه كان بسبب علاقتى بالفيلم باعتبارى صانعه .
وعادة فاننى عندما اصطحب افلاما لى الى مهرجانات سينمائية , فاننى اشعر بالقلق والتوتر حيال هذه الافلام , لاننى اكون فضوليا لمعرفة كيف يستقبل الناس هذه الافلام , وكيف سيكون رد فعل الجمهور , اننى اشعر بمسؤولية عن هذه الافلام , ولكن مع فيلم نسخة موثقة , فاننى لم اتحمل المسؤولية , لقد رأيت تلك المرأة الفرنسية وذلك الرجل الاانجليزى فى ايطاليا , لقد كان فيلما اعرفه جيدا , لكننى كنت فعلا قد شاهته من قبل , وكنت مؤتلفا معه , ولم اشعر ناحيته بالقلق او المسؤولية .

آدامز :- باستثناء القسم الخاص بك والذى يتضمن اعمالك السينمائية فى فيلم ( التذاكر ) فانك تخليت تماما عن الفيلم التقليدى واستبدلته بالعمل من خلال تقنية الديجيتال , ولكن فى فيلم نسخة موئقة فانك استخدمت كاميرا ( ريد ) والتى بدت قريبة جدا الى الفيلم , كيف اثر هذا على اسلوبك ؟

كياروستامى :- انت تشير الى افلامى فى السنوات العشر الاخيرة , لقد حصلت على الكاميرا الديجيتال كهدية , ولقد تسببت فى تغيير حياتى كمخرج سينمائى , لاننى لم اعد استخدم الكاميرا منذ ذلك الحين ككاميرا , فلم اكن اشعر بها ككاميرا بل كصديق , وانها شئ لا يترك انطباعا عند الناس , فلم يعودوا يشعروا بعدم الراحة مع هذه الكاميرا , وكان هذا مهملا تماما فى طريقة تقديم الحياة والناس والافلام قبل اختراع هذه الكاميرا .
كذلك فان الكاميرا الديجيتال منحتنى حرية مطلقة واسلوبا مختلفا فى اخراج الافلام ولكن مع فيلم نسخة موثقة , فان الكاميرا ( ريد ) لم تجعلنى اشعر بهذه المزايا على الاطلاق , لقد شعرت بانها ثقيلة جدا , وانها تحتاج الى فريق عمل كبير بقيادة دى بى ومساعديه , لقد تركت لدى انطباعا بانها كاميرا سينمائية كبيرة جدا , اننى لا انتمى اليها كثيرا , واتذكر اننى كنت اتجنبها اثناء التصوير اكثر من اعطائها اهتمامى , لقد كانت موجودة , وكان ينبغى على ان اتعامل معها , لكننى لم اكون اى علاقة لى مع هذه الكاميرا , اننى مازلت ممتنا الى الكاميرات الديجيتال بعمومها , وهو امر افتقدته مع الكاميرا ( ريد ) .

آدامز :- انت صانع افلام , وكثيرا جدا ما جعلتنا نشعر بان افلامك هى نسخ من الحياة , هل تعتقد - مثل شخصية ويليام شيميل فى الفيلم – ان النسخة المقلدة قد تكون رائعة مثل الاصل , او ان النسخة تقودنا الى العودة الى الاصل ؟

كياروستامى :- ينبغى ان اقول ان الطريقة التى نستشهد بها بالنسخ تمنحنا قدرا عاليا من التوقعات عما يمكن ان تكون عليه النسخة , اننى اعتقد ان الحياة من الصعوبة بحيث نستطيع ان نقلدها , انها شديدة الخصوصية والتفرد , والفيلم السينمائى لا يمكن له ان يستحضر الحياة وينوب عنها , ومثلما استشهدت بالكاميرا الديجيتال , فربما المخرجون المعاصرون الذين يستخدمونها يقدمون رؤية اكثر قربا وشبها بالحياة الحقيقية . واظن ان جودار هو الذى قال ان الحياه ليس الا نسخة رديئة من السينما , لكن طموحنا الآن يجب ان ينصب على صناعة افلام افضل واشكال ونماذج افضل مما تكون عليه الحياه الفعلية .

مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى