22‏/05‏/2012

يسرى نصرالله


يسرى نصرالله اثناء تصوير فيلم بعد الموقعة

ممدوح شلبى .

هل توجب ان يصل المخرج السينمائى المصرى يسرى نصرالله الى سن الستين حتى يصل فيلمه " بعد الموقعة" الى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى ؟ ام انه تحمل طوال عمره مشاق ومعاناه الطليعى الذى يسير عكس تيار تقاليد بلاده السينمائية فتقدم به العمر فى محاولة لكى يفسح لنفسه حيزا وسط هذا التيار ؟ ، لكنه على ايه حال قد سبق له ان شارك فى مهرجان فينسيا ومهرجان كان من قبل ، لكنه هذه المرة ينافس على السعفة الذهبية .

ان يسرى نصر الله – ربما - هو الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى انتهج اسلوبية الفيلم الحداثى وحافظ عليها منذ فيلمه الاول "سرقات صيفية" عام 1988، بينما يوسف شاهين نفسه والذى حمل لواء الفيلم الطليعى فى مصر لم يتجرأ يوما على الفيلم الحداثى، ولم يستطع التأثير على يسرى نصر الله الذى عمل مساعدا له ومؤلفا مشاركا فى عدد من افلام شاهين، بل جمعته به صداقة قوية .

لعل فيلم ( التلاقى ) سنة 1973 للمخرج والناقد المصرى صبحى شفيق، هو اول الافلام المصرية المُتأثرة بنظرية الفيلم الحداثى، لكن صبحى شفيق انسحب مبكرا مع معظم جيله كمخرج وفضل ان يستمر كناقد ومُنظر حتى الآن.

مارس يسرى نصر الله النقد قبل ان يتفرغ للاخراج السينمائى ولعلنا نرى لمسته الرقيقة فى اعداد ملف يوسف شاهين لتقديمه لنقاد العالم من خلال "كاييه دى سينما"، فقبيل حصول يوسف شاهين على جائزة العيد الخمسينى لمهرجان كان السينمائى فى عام 1997 عن مجمل افلامه، كان قد وقع فى يد نقاد السينما العالميين سجلا كاملا عن يوسف شاهين وافلامه من خلال مقالة مطولة عنه فى مجلة "كاييه دى سينما" الفرنسية، ونلحظ ان ثمة ناقدا مصريا واعيا كان وراء دقة التعريف بشاهين، هذا الناقد لابد ان يكون يسرى نصرالله الذى مارس النقد السينمائى فى جريدة السفير اللبنانية اليسارية، قبل ان يعود الى مصر ليواصل النقد السينمائى ايضا ولكن بصورة رمزية، فقد قرأت له مقالا تحليليا لفيلم تم عرضه ضمن احد نوادى السينما فى القاهرة، فقد شاهدت هذا الفيلم فى منتصف الثمانينات فى سينما كريم 2 ، ولعلى مازلت اتذكر نوعية الكتابة السينمائية الطليعية التى يكتب بها يسرى نصرالله ومقدار معرفته ودرايته بالسينما العالمية من قراءاته باللغتين الفرنسية والانجليزية ، فى وقت لم يكن الانترنت قد اكتشف بعد حيث كان الكتاب المطبوع والصحيفة اليومية والدورية او الشهرية السينمائية هى مصادر المعرفة السينمائية الوحيدة ، وجميع هذه المصادر كانت مُكلفة جدا ومازالت .

راج يوسف شاهين بعد مقالة "الكاييه دى سينما" حتى ان مهرجان لوكارنو السينمائى فى سويسرا قد خصص برنامجا عن يوسف شاهين تضمن معظم اعماله ، ومن المعروف ان مهرجان لوكارنو هو لوبى مهرجان كان السينمائى ، فلقد سبق ايضا تقديم عباس كياروستامى فى نفس المهرجان قبل ان يصل الى مهرجان كان فى فرنسا ، ففى مهرجان لوكارنو يتم تقديم المخرج لجماعة النقاد الذين يتوافدون من جميع انحاء العالم ، فيبدأون فى التعرف على هذا المخرج وسيرته وافلامه تمهيدا لتقديمه فى مهرجان كان او الاربع مهرجانات الكبرى .

الكن يسرى نصر الله لم يواصل عمله النقدى والتنظيرى فى مصر بعد عودته من لبنان، ففى عام 1988 بدأ التحضير لاول افلامه وهو فيلم "سرقات صيفية" وكنت قد التقيت بيسرى نصرالله فى هذا الوقت فى المعهد العالى للسينما ، فقد كنت طالبا آنذاك وقد شرفنا بالزيارة - ربما لكى يستعيد ذكرياته الشخصية فى هذا المعهد الذى تخرج منه فى بداية السبعينات – وربما ايضا  بهدف اكتشاف ممثلين جدد لفيلمه الذى بدا قليل التكاليف ويتم ضمن نفس الصيغة الانتاجية لافلام يوسف شاهين حيث يتم التمويل من فرنسا وبرعاية شركة مصر العالمية التى يمتلكها يوسف شاهين .

وعندما عُرض الفيلم ولم يكن احدا من طلاب المعهد العالى للسينما قد شارك فيه  باستثناء محمد هنيدى الذى اصبح نجما لمجموعة افلام كوميدية دامت أكثر من عقد، عندما عُرض فيلم سرقات صيفية فى مصر لم يلتفت اليه احد من الجمهور العادى للسينما، فالفيلم يقف فى الطرف الاقصى لتقاليد مشاهدة السينما فى مصر، لقد بدا الفيلم اكثر غرابة من افلام يوسف شاهين الذى لم تكن افلامه تصادف اى نجاح فى شباك تذاكر دور العرض السينمائى، ولعلى اتذكر ما قاله  د/عادل منير والذى كان محاضرا لمادة المونتاج السينمائى في المعهد العالى للسينما، لقد قال ان الفيلم غير اعتيادى فى السينما المصرية وثمه ما يمنع الاستمتاع به ولكن الروح التشيكوفية تغلف هذا الفيلم.
لقد شاهدت الفيلم وقتها ولم اشعر بارتياح اليه، فقد بدا لى كمشروع تخرج يحاول صانعه ان يُثبت للجنة الممتحنة انه يستطيع المحافظة على الخط الوهمى ويستطيع عمل اللقطة "الامورس" كعادة معظم مشروعات التخرج التى يستولى على مخرجيها رهاب الامتحان فيصنعون اسوأ افلام على الاطلاق رغم انهم يُثبتون بعد ذلك انهم مخرجين عظام.

لقد كان الفيلم سيرة ذاتية يستدعى فيها المخرج ذكريات طفولته كاحد ابناء الارستقراطية المصرية، لكنه لا يحتفى بهذا الاصل الطبقى بقدر ما يوجه الطعنات اليه ويدينه كنوع من النقد الذاتى، وهذا بلا شكل لا يمكن ان يحدث الا من خلال مخرج مُمنهج سياسيا.

ويلمح يسرى نصر الله فى هذا الفيلم أن اثرياء مصر فى الستينات لم يفقدوا ثرواتهم، لقد حافظوا عليها وأعادوها مرة اخرى بعد انهيار التجربة الاشتراكية فى مصر، وهى نفس المقولة التى سمعتها على لسان يوسف شاهين بعد ذلك وكأنه قد تأثر بتحليل يسرى نصر الله.

يسرى نصرالله

لقد كان يسرى نصر الله ويوسف شاهين صديقان، ليس فقط على المستوى المهنى ولكن على المستوى الفكرى والانتماء السياسى ايضا، فكلاهما ينتمى الى الانتلجنسيا المصرية ذات الميول الاشتراكية، وربما لهذا السبب قد امتدت صداقتهما الى آخر ايام يوسف شاهين، ومما يجدر ذكره ان يوسف شاهين مزق احد سيناريوهاته عندما اصر يسرى نصرالله ان السيناريو يحتوى على نفس كلاشيهات شاهين التى تستحوذ عليه دائما، فاعاد يوسف شاهين كتابة السيناريو مرة اخرى .  

اننا نستشعر ان يسرى نصرالله فى المؤتمر الصحفى عقب عرض فيلمه "بعد الموقعة" فى مهرجان كان 2012 انه كان شديد الفخر والثقة بفيلمه المُشارك، وانه فى الحقيقة لم يكن منفعلا فقط بروعة الانجاز كون الفيلم حظى بشرف الوصول الى المسابقة الرسمية لمهرجان كان، بل ايضا لان هذا الفيلم فيما يبدو يتحقق فيه ما حلم به يسرى نصر الله بخصوص الاسلوبية السينمائية منذ ان بدأ مشواره كمخرج فى عام 1988، ففى هذا الفيلم يمارس نصرالله – حرفيا - اسلوبية الموجة الجديدة فى فرنسا فى بداية الستينات، فالسيناريو كان ارتجاليا- قدم نصر الله للمصنفات الفنية عشرة اوراق عن الفيلم وليس السيناريو كاملا، وهى نفس طريقة جان لوك جودار فى افلامه الاولى- فالارتجال واستحضار الواقع وعفوية الكاميرا، هى عناصر تحققت فى فيلم "بعد الموقعة".

والحديث عن يسرى نصر الله بمناسبة وصول فيلمه الى المسابقة الرسمية لمهرجان "كان" يكتسب اهمية كبرى، فرغم اهمية هذا المخرج الاستثنائية فى السينما المصرية فان مجموع ما كُتب عنه لا يتناسب مع حجمه واهميته، اننى اشعر باحباط كبير لان شبكة الانترنت لا تحتوى على المعلومات الكافية عنه وعن افلامه، وهذا قد يكون سببا فى عدم استثمار هذا الحدث التاريخى للسينما المصرية التى  - ربما – لم تشارك مطلقا فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى ولم تُنافس مطلقا على السعفة الذهبية – رغم الحضور المتكرر للسينما المصرية فى اقسام اخرى للمهرجان بالطبع ، لقد حصل يوسف شاهين على جائزة العيد الخمسينى لمهرجان كان السينمائى وهى جائزة رغم اهميتها الشديدة الا انها ليست السعفة الذهبية، اننا حتى لا نتذكر ان فيلما عربيا واحدا قد حصل على سعفة كان الذهبية باستثناء فيلم "وقائع سنين الجمر"  للمخرج الجزائرى محمد الاخضر حامينا فى عام 1975.

وُلد يسرى نصر الله فى عام  1952 وتخرج من جامعة القاهرة بعد دراسته للاقتصاد والعلوم السياسية، ثم درس فى المعهد العالى للسينما فى مصر وتخرج منه فى عام 1973، ونظرا الى انه قد تخرج وعمره 21 سنه، فانه قد يكون قد التحق بمعهد السينما فى نفس وقت التحاقه بجامعة القاهرة، او ان هذه المعلومات المنقوله عنه عبر شبكة الانترنت غير دقيقه.

بدأ عمله السينمائى ناقدا فى جريدة السفير اللبنانية من عام 1978 وحتى عام 1982، ومن المعروف ان هذه الجريدة هى لسان حال اليسار اللبنانى، لذلك فثمة يقين بولاء يسرى نصر الله الى حركة اليسار وبالتحديد الماركسية اللينينية لانه من غير المقبول ان توافق صحيفة حزبية مثل صحيفة السفير اللبنانية على تشغيل ناقد سينمائى مصرى ولا يكون متفقا مع خطها السياسى وولاءها الاجتماعى.

ان الصداقة التى جمعت بين يسرى نصر الله والشاعر والروائى اللبنانى اليسارى الياس خورى مُؤلف رواية باب الشمس والتى اخرج عنها يسرى نصر الله فيلما طويلا من جزئين ( الرحيل والعودة ) لتدل على استمرار ولاء نصر الله السياسى الى اليسار ، لكن الامر يبدو مختلفا الآن فاليسار العربى فى اسوأ حالاته على الاطلاق بعد انهيار الاتحاد السوفيتى وازدهار الاسلامى السياسى الذى ساد الشارع العربى الآن ، لذلك فاذا كان ليسرى نصر الله بقية ولاء سياسى لليسار فانه بلا شك ولاءا فكريا وليس تنظيميا ، فهو – على حسب علمى - ليس عضوا فى حزب سياسى .

لكن هذا الولاء السياسى الطبقى يظل راسخا مع يسرى نصر الله وافلامه، ولا يمكن ان ننظر الى هذه الافلام بمعزل عن خلفية المخرج السياسية والا فقدنا بوصلتنا فى تأويل افلامه وفهمها.

ان سبب اختياره لصيغة الفيلم الحداثى هى انها الصيغة الثورية للسينما، او هى اقرب الاشكال التى تتوافق مع انتماءه السياسى، هذه السينما الحداثية تأسست مع ظهور الموجة الجديدة الفرنسية وكان جان لوك جودار اهم رموزها والذى واصل العمل والتنظير لها طوال عمره رغم بهوت ظهوره  لاكثر من عقدين – فى منتصف السبعينات وحتى منتصف التسعينات – لكن هذه السينما الحداثية لم يتم التنظير لها كرفاهية او موضة سينمائية ، ولكنها كانت القالب الثورى للسينما لكى تتحول السينما الى اداة لتثوير الشعوب .

ان الامر اشبه بالمسرح الملحمى الذى اسسه برتولد بريخت والذى يمكن تسميته المسرح غير البرجوازى ، فهو مسرح تحريضى لا يستهدف الترويح عن المشاهدين بل اقلاقهم وتحريضهم وتوجيههم لحل مشاكلهم الاجتماعية بالثورة ، وهذا بالضبط هو حال السينما الحدائية التى تبناها يسرى نصر الله وظل امينا على اسلوبيتها طوال مشواره الفنى وحتى الآن .

لكنه ايضا كان يختبر امكانيات جديدة للحداثية فى كل فيلم يقوم باخراجه ، ففى فيلم ( مرسيدس ) يبدو انه مُتاثرا بوجودية ألبير كامى ، فشخصية ( نوبى ) يبدو مغتربا عن مجتمعه كشخصيات كامى ، فعلى حين كانت رؤية كامى متأثرة بالفلسفة الوجودية التى راجت فى اوربا بعد الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة بين المعسكر الاشتراكى والرأسمالى حيث شعر المواطن بالاوربى بالانسحاق والتهميش ما ادى الى اغترابه ، فان اغتراب ( نوبى ) يبدو بسبب التحول الاجتماعى الذى ساد مصر مع بدء ازدهار الرأسمالية المصرية ، فثمة انتقاد يصل الى حد التشهير بهذا المجتمع الرأسمالى البشع الذى تتردى فيه القيم  وراء السعى المحموم للاكتناز والكسب المادى .

ان فيلم ( مرسيدس ) يجعل المشاهدين يتأملون الواقع الذى يعيشونه ، فشخصية ( نوبى ) بطولة ( زكى عبدالوهاب ) المريض عقليا لا تُساعد المشاهدين على التوحد بها ولكن النظر اليها من الخارج ، وعلى ذلك فان التغريب والمسافية يتحققان فى هذا الفيلم فيتم تحييد المشاهدين لاستنفار عقولهم وليس عواطفهم .

وفى فيلم ( المدينة ) بطولة باسم السمرة ، يواصل يسرى نصر الله حداثيته ايضا من خلال ذلك الشاب المصرى الذى يعشق التمثيل فيهاجر الى فرنسا ، لكنه يضطر ان يعمل من اجل الحصول على المال ، فيعمل ملاكما ، وينجح الفيلم فى تقديم هذه الشخصية باسلوب تعليمى ، فمن المعروف ان هوس الهجرة كان ومايزال هاجسا لمعظم الشباب المصرى وخصوصا من ابناء الطبقة الفقيرة ذات الاصول الفلاحية او العمالية ، ان بطل الفيلم يعيش تجربة حياتية كاملة فى هذا الفيلم ، سواء فى حيه الشعبى بالقاهرة واصدقاءه واسرته او فى تفاصيل حياته وسط مهاجرين غير شرعيين من اصول عربية يعيشون خارج القانون فى فرنسا فيتم استغلالهم، ويظهر بينهم النصابون، ويتعرض باسم السمرة الى هذا النوع من النصب، فيظن انه فقد كل مدخراته، لكنه يكتشف لاحقا ان امواله قد اُرسلت الى اهله فى القاهرة ، وان هذه الاموال كانت مصدر ثراء والده .

ان الفيلم يمتلأ بالتفاصيل وهذا فى حد ذاته نوع من التغريب، لاننا نجد انفسنا ( نُشاهد ) موضوعا ، لكننا لا ( نتفرج ) عليه ، وثمة فارق كبير بين المُشاهدة والفرجة، وهو نفس الفارق بين الفيلم التقليدى التطهيرى والفيلم الحداثى التحريضى ، ولعل الاصطلاح العربى ( مُشاهدة ) دقيقا فى التعبير عن الحياد العاطفى ، ولعل الاصطلاح العربى ايضا ( مُتفرج ) دقيقا ايضا فى التعبير عن الانخراط العاطفى مع الفيلم .

وفى فيلم ( باب الشمس ) بجزئيه ( الرحيل والعودة ) فاننا نلحظ تداخل الأزمنة حيث يبدأ الفيلم من الحاضر حيث نرى محاولة لقتل "يونس" - الشخصية المحورية للفيلم، وبينما هو في غيبوبة طويلة اثناء علاجه ندخل الى الزمن الماضى ليسرد لنا الفيلم تاريخ قرية اسمها باب الشمس، ان الفيلم يسرد تاريخ فلسطين المعاصر واضطرار قرية الى الرحيل بعد فشلها فى التصدى للاسرائليين ، ويُركز الفيلم على تخلف هؤلاء القروين فى مقابل نظامية الاسرائليين ، انه نوع من النقد الذاتى ، ويتسع نقد يسرى نصرالله لمجمل الوضع الفلسطينى بمؤسساته ، ويلقى علي هذه المؤسسات مسؤولية الاخفاق فى الصراع العربى الاسرائيلى .

اننا فى فيلم باب الشمس نتعرف على حقيقة وضع الشعب الفلسطينى الواقع تحت الاحتلال ، حيث يهتم الفيلم بالتفاصيل الحياتية لشخوص الفيلم ، اننا نرى بطلة الفيلم فى احد المشاهد حيث يتم التحقيق معها من جانب الاسرائليين بسبب ظهور بطنها كحامل رغم ان زوجها مُطارد من الاسرائليين ، فتقول لهم انها عاهرة ، فنرى سخط المحقق الاسرائيلى من هذه العاهرة ، وكأن الاسرائيليون معنيون بالفضيلة ، على حين اننا نعرف ان سبب حملها هو زوجها نفسه ولكنهدها ارادت الا تشى به .

ان فيلم باب شمس هو فيلما ملحميا لانه يتناول تفاصيل مجتمع كامل فى ظرف استثنائى ، وربما لهذا السبب ولاعتماد الفيلم على رواية ادبية فان جهد يسرى نصر الله فيه كان اسلوبيا باستخدام الأزمنة المتداخلة ما يجعلنا نتابع الفيلم بعقولنا وليس بأفئدتنا، رغم ان الفيلم يمس وترا حساسا لنا لعرب ، لذلك فالفيلم ايضا ينتمى الى الحداثية التى انتهجها هذا المخرج الطليعى .

وفى فيلم ( جنينة الاسماك ) فاننا نرى الشخصيات تتحدث مباشرة الى الكاميرا كشخوص تخاطب الجمهور ، وهذا يكسر الايهام كاحد اهم عناصر الفيلم الحداثى، وفى هذا الفيلم نرى اصرار نصر الله على تجزئة الحدث، فالفيلم يتناول عالمين غير مترابطين، انهما عالم مقدمة برنامج اذاعى وطبيب تخدير، وبعد مرور ثلثى الفيلم نجد ان العلاقة الوحيدة بينمها تتم من خلال اتصال الطبيب تليفونيا بالمذيعة باعتباره أحد المتصلين بالبرنامج، ويستخدم يسرى نصر الله اسلوب كسر الإيهام ايضا من خلال حديث الممثلين مباشرة الى الجمهور وحديثهم عن الشخصيات التى يمثلونها مثل باسم يوسف الذى يمثل دور "زكى" مخرج البرنامج الاذاعى.

ثم نأتى الى فيلم ( احكى يا شهرزاد ) وتصدمنا حقيقة ان مؤلف الفيلم هو السينارست وحيد حامد الذى ظل طوال مشواره الفنى الطويل امينا على الفيلم الدرامى التقليدى وتأكيده الدائم على العنصر التطهيرى، فدائما نرى افلام هذا السينارست تنتقم من الاغنياء او رموز السلطة الى حد قتلهم فى نهايه افلامه ، ان وحيد حامد يبدو كما لو كان يعانى من السلطة الابوية وينتهز كونه مؤلفا للافلام لكى ينتقم من خبرات طفولية مازالت تنغص عليه حياته ، لكن افلامه كانت رائجة دائما ، لان المجتمع المصرى كان يعانى من هذه السلطة الابوية ولكن فى شكلها السياسى الذى اهتم به وحيد حامد ، لكن افلامه لم تكن ثورية ، انها تطهيرية او بمثابة مُسكنات .

ولذلك فثمة غرابة فى ان يجتمع رمزان سينمائيان على طرفى نقيد كوحيد حامد ويسرى نصرالله ، لكن الفيلم ينتمى الى الفيلم الحداثى ايضا كجميع افلام يسرى نصرالله ، فنحن نرى صيغة التغريب من خلال اسلوب الحكى وليس المعايشة ، فمذيعة التليفزيون ( منى زكى ) تتناول فى برنامجها التليفزيونى اربعة قصص مختلفة تغطى جميعها الواقع المصرى المعاصر ، فثمة بائعة فى محل لبيع مستحضرات التجميل تعيش حياه مزدوجة بين كونها تلتقى الطبقة الارستقراطية فى عملها ، اما فى المساء فانها تعيش فى ضواحى القاهرة المنسية وسط اكوام القمامة والعشوائية .
ثم نرى قصة العانس التى تعيش فى مستشفى للامراض النفسية ، وتسرد لنا قصتها ومراحل حياتها وموقف الرجال منها فى كل مرحلة .
ثم نرى قصة الفتيات الثلاثة اللائى يرثن دكانا عن والدهن المتوفى وكيف اضطرت احداهن الى ارتكاب جريمة قتل .
ثم نرى قصة السياسى صائد العوانس الذى يقيم علاقة زواج بضحاياه من الفتيات اللائى فاتهن الزواج لكى يبتزهن .
واخيرا نرى المذيعة نفسها موضوعا لبرنامجها التليفزيونى .
ان عنصر الحكى هو احد عناصر الفيلم الحداثى ، وكان كافيا وحده ان يحقق الحداثية ، لذلك فلم يُزايد يسرى نصرالله اسلوبيا وصنع فيلمه بصيغة الفيلم التقليدى لكنه على ثقة من حداثيته اسلوبيا .

ان يسرى نصر الله يستحق هذا المجد كونه شارك فى المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائى ، ويستحق ايضا ان ينال السعفة الذهبية تتويجا لمشواره السينمائى الاستثنائى .

مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى .

09‏/05‏/2012

اصغر فرهادى

لقطة من فيلم انفصال


ممدوح شلبى .

وُلد اصغر فارهادى فى مدينة اصفهان فى عام 1972 ، ولقد بدأ فارهادى مشواره السينمائى بصناعة افلام قصيرة ( سوبر 8 ) وافلام 16 مللى عندما كان مراهقا ، ثم حصل على ليسانس الفنون المسرحية من جامعة طهران ، وماجستير فى الاخراج المسرحى من جامعة تاربيات مودارس ، وفى اثناء دراسته  فانه كتب واخرج مسرحيات كطالب ، كما كتب الدراما الاذاعية للاذاعة الايرانية ، كما اخرج ايضا للتليفزيون ، ومن بين ما اخرجه حلقات من المسلسل الايراى الشهير ( حكاية مدينة ) .
لقد بدأ فارهادى عمله فى السينما الروائية ككاتب سيناريو بمشاركته فى كتابة الفيلم الايرانى الناجح ( ذروات منخفضة ) عام 2002 قبل ان يقوم بالاخراج السينمائى  وكان اول افلامه ( الرقص فى التراب ) عام 2003 والذى اتبعه فى عام 2004 بفيلمه ( مدينة جميلة ) وفيلم ( ألعاب الاربعاء النارية ) عام 2006 ، ثم جاء فيلمه ( عن ايللى ) عام 2009 ثم فيلم ( طلاق ) عام 2011
ولقد شكلت دراسة المسرح للمخرج الايرانى اصغر فرهادى دورا اساسيا فى اختياراته السينمائية التى تبدو شديدة الصلة بالمسرح ، وهو فخور بهذه الدراسة المسرحية التى احبها ، فغاص فى اعماق ادبيات المسرح وابحر فيها مثل كبار مخرجى السينما العظام الذين لم يكتفوا باخراج النصوص المسرحية مثل بازولينى وبولونسكى ، بل اعتمدوا احيانا كثيرة على ما نسميه مسرحة السينما مثل اعمال وودى ألن وبعض اعمال رومان بولانسكى ، حيث يبدو لنا اننا نشاهد مسرحية وليس فيلما سينمائيا .

لكن التجربة السينمائية الفريدة فى فيلم ( عن ايللى ) تبدو انموذجا على المسرحة السينمائية فى اروع تطبيقاتها ، فقد اعجبنى الفيلم كثيرا ولم يغب عنى ولو للحظة واحدة براعة هذا المخرج المؤلف فى استلهام المسرح وتطبيق – حتى الوحدات الثلاثة – التى نادى بها ارسطو فى كتابه ( فن الشعر ) ذلك الكتاب التنظيرى المرجعى الذى كان وما يزال واحدا من اهم كتب نظرية المسرح عبر العصور .
ان شخصية  ايللى  ( تارانا اليدوستى ) هى الشخصية المحورية فى هذا الفيلم ، انها مُدرسة يتم دعوتها من زبيدة ( جولشيفتة فرحانى ) التى تريد ان تزوج ايللى من صديقها الجديد المُطلق احمد ( انه الممثل شهاب حسينى الذى قام ببطولة فيلم ( انفصال ) . وكان احمد قد جاء من ألمانيا لكى يحضر هذه الرحلة مع اصدقاءه ، عندئذ , وفى ظهيرة احد الايام فان ايللى تختفى فجأة ، فيستقطبنا الفيلم لمتابعته لمعرفة ما حدث لايللى ونتعرف على جميع الشخصيات وسط مُفاجآت ومؤثرات درامية تُحاك بمهارة طوال الفيلم .
ان الفيلم يبدأ من احد الانفاق حيث تعبر سيارة يتصايح فيها الركاب ليستمعوا الى صدى صوت صرخاتهم داخل النفق فى حالة من البهجة ، هؤلاء الركاب هم مجموعة من الزملاء القدامى الذين اختاروا ان يقوموا باحياء صداقاتهم من خلال رحلة الى شاطئ بحر قزوين لتمضية بعض الوقت فى هذا المكان ، وهنا نلاحظ وحدة المكان ، فالفيلم لا يغادر هذا المكان تقريبا ، ويصح ان نسميه مجازا فيلم المشهد الواحد ، ولو تخيلنا ان هذا الفيلم مسرحية ، فان المنظر سيكون واحدا وهو عبارة عن الساحة امام الفيلا التى يقيم فيها الجميع على شاطئ بحر قزوين .

ان وحدة الزمان تبدو ايضا واضحة ولكنها ليست زمنا متصلا مثل زمن مسرحية اوديب ملكا ، ولكن وحدة الزمان فى الفيلم تبدو من خلال تواصل الاحداث وعدم اختراقها بازمنة دخيلة سواء مستقبلية او فى الماضى .

اما وحدة الموضوع فهى واضحة ايضا حيث يتحول الفيلم الى فك اسباب اختفاء شخصة ايللى ، بعد ان تعرض احد الاطفال الى الغرق فحاولت ان تساعده لكنها اختفت ولم يشهد احد ذلك ولا حتى الجمهور باستثناء الاطفال الذين تبدو شهادتهم ضبابية ولا تحسم الامر .

وثمة امرا على غاية الاهمية فى طريقة الكتابة الدرامية لهذا الفيلم ، فنوعية هذا الفيلم تنتمى الى ما نسميه عادة افلام الحبكات الصغيرة او الاسكتشات ، حيث ينتهز مؤلفو هذه الافلام الفرصة لتقديم كل شخصية على حدة من خلال مونولوجات وفلاش باكات بهدف اغناء الدراما الاجمالية للفيلم ، مثل افلام كوارث الطائرات فى السينما العالمية او بعض الافلام المصرية مثل فيلم ( بداية ) لصلاح ابو سيف او فيلم ( امريكا شيكا بيكا ) لخيرى بشارة ، فجميع شخصيات الفيلم يتعايشون معا فى ظرف استثنائى ، فعلى حين يتحدد صراعهم جميعا ضد شئ يكون هو الموضوع الرئيسى للفيلم ، فان درامات صغيرة تتخلل هذا الفيلم من خلال ازمة كل شخصية على حدا كحبكات صغرى .

لكن فيلم عن ايللى لا يهتم كثيرا بهذ الحبكات الصغرى ، اننا نتعرف على الشخصيات من خلال الحبكة الرئيسية للفيلم  وهى اختفاء ايللى وعلاقة كل منهم بها ، اذ يبدو ان اصغر فرهادى لا يعول كثيرا على الحبكات الصغرى ولا يعنى بها ويراها اخلالا بحبكة الفيلم وايقاعه ، فجاء فيلمه برغم ذلك اكثر ثراءا من هذه الافلام واكثر وحدة ، ان ما نسمية الغنى الدرامى ليس معناه احتشاد الحبكات وانتهاز الفرصة لتقديم اكبر عدد من الموضوعات فى الفيلم ، ولكن الغنى الدرامى عند فرهادى يأتى متلازما بوحدة الموضوع وعدم الحيد عنها ، ان الغنى الدرامى للفيلم يأتى من براعة التأليف الدرامى للفيلم ، وكأننا ازاء كاتب ستينى مثل ارثر ميللر ، فنجوم التأليف المسرحى فى الستينات كانوا آخر عهدنا بالمؤلفين المسرحيين ، فالمسرح قد ترك ساحة صراعه منهزما امام السينما ، لكن فرهادى يعود بالمسرح مرة اخرى ليس على خشبة المسرح ولكن فى افلامه السينمائية .

لقطة من فيلم عن ايللى


ان اصغر فرهادى واحدا من اهم كتاب الدراما على الاطلاق بعد جيل الستينات العظيم ، انه كاتب درامى تقليدى يعنى بالمؤثرات الدرامية مثل المُفاجأة والمُفارقة والانقلاب الدرامى ، ويصيغ هذه المُؤثرات ببراعة واقتدار ،

وهنا نجد انفسنا امام قضية اخرى ، فالدراما التقليدية لم يكن مُرحب بها كثيرا فى النقد السينمائى المعاصر ، وان الفيلم الحداثى – مثل افلام عباس كياروستامى – لا درامية بطبعها ، فعلى حين حقق كياروستامى شهرته للا درامية ، فان اصغر فرهادى حقق سبقه بسبب الدراما التقليدية ، لكنها على ايه حال ليست افتعالية ، ان موضوعات افلامه تنساب بتلقائية فيقع المتفرج اسيرا لموضوع الفيلم غير قادر على الانشغال بغيره . ويستثمر فرهادى ذلك من اجل الغوص فى قضايا المجتمع الايرانى مثل القضية الاجتماعية وتوصيف الطبقة المتوسطة الغنية والطبقة الفقيرة مثل فيلم ( انفصال ) الذى يُعرى المجتمع الايرانى ويدين قضية التفاوت الطبقى بصورة تبدو تحريضية .

ان افلام فرهادى – على هذا النحو – تبدو ثورية فى قالب تقليدى ، فافلامه ليست تطهيرية ، رغم ان الدراما التقليدية بطبيعتها تطهيرية ، وهذا ما يجعلنا نتفهم لماذا حصل فيلم ( عن ايللى ) على دب برلين الفضى عام 2009 ، وحصل فيلم ( انفصال ) على اوسكار احسن فيلم اجنبى والجولدن جلوب لعام 2012

ان الوحدات المسرحية الثلاثة التى وضعها ارسطو ومشى على نهجها مسرح اوربا حتى هنريك اسن ، تبدو الآن محض تقييد لكتاب المسرح المعاصر الذين يستلهمون تقنية الفيلم السينمائى بتعدد مشاهده فى كتاباتهم المسرحية اعتمادا على القدرات التقنية فى المسرح المعاصر الذى يسمح بتغيير الديكورات واستخدام تقنيات الاضاءة والصوت وعناصر السينوغرافيا الاخرى للاكثار من المشاهد .

ولعل مسرحية ( روض الفرج ) التى تم عرضها فى القاهرة فى منتصف الثمانينات ، للمؤلف سمير سرحان والمخرج  كرم مطاوع واحدة من افضل التطبيقات لما نسميه فلمنة المسرح ، فقد قام المخرج بتقسيم المسرح الى قسمين احدهما علوى والآخر سفلى ، وكان يتنقل بالاضاءة بين المستويين فتتغير المشاهد بسرعة كبيرة كسرعة الانتقال فى المشاهد السينمائية ، انها واحدة من افضل الامثلة على فلمنة المسرح ولعل التجارب المصرية فى هذه التقنية شديدة الندرة باستثناء هذا العرض المسرحى العظيم  الذى بدا متأثرا تقنيا بمسرحية ايفيتا وهى واحدة من مسرحيات الثمانينات الناجحة فى كل من لندن وبرودواى  وهى تتناول حياه ايفا بيرون باسلوب المسرح الشامل ، فى وقت كان المسرح العالمى يحاول ان يستكشف طرقا جديدة لاستعاده جمهوره من السينما عن طرق فلمنة المسرح .

لكن اصغر فرهادى يقلب الآية راسا على عقب محاولا الالتزام بتلك الوحدات – على سبيل التحدى – فجاء فيلمه ( عن ايللى ) تحديا واُفقا جديدا لمسرحة السينما ، لكن الامر لا يبدو سهلا فلولا براعته ككاتب درامى عظيم ما استطاع ان ينتزع جوائز عالمية عن افلامه التى تبدو محكمة كسيناريوهات وودى ألن واكثر تحديا منها ، فوودى ألن يتنقل بين ازمنة مختلفة ومشاهد مختلفة وتتعدد موضوعات الفيلم الواحد ضمن حبكات افلامه التى تتناول شخوصا متعددة لكل منها موضوع مستقل ضمن اسلوبه الساخر فى اصطياد هذه الشخوص على خلفيه موضوع فيلمه .

ان العشق للمسرح يبدو ايضا واضحا فى فيلم ( انفصال ) ، فلو تخيلنا انه مسرحية فسوف تقتصر على منظرين ، هما قاعة المحكمة ومنزل الاسرة ، فالفيلم يكاد لا يخرج عن هذين الديكورين – مع استثناءات قليلة - بل ان بعض الاحداث - مثل – تعرض الخادمة الى الاجهاض بسبب اصطدام سيارة بها فى الشارع – هذا الحدث كان من المنطقى ان نشاهده فى مشهد خارجى - ولكن فرهادى ينقل لنا هذه الحادثة فى اثناء الحوار واعتراف الخادمة بذلك .

فى فيلم ( انفصال ) نرى زوجة تشتكى زوجها الى القاضى فى بداية الفيلم ، فهى تريد الهجرة الى خارج ايران لكى تتيح الفرصة لابنتهما ان تحظى بتعليم مناسب غير متوفر فى ايران ، اننا لا نرى القاضى طوال هذا المشهد الذى يتكون من لقطة واحدة ، وهذا قد يكون تأثرا بالسينما الحداثية التى تتقشف كثيرا فى المونتاج والتى تميل الى اللقطات العامة بديلا عن اللقطات المقربة لمنع تعاطفنا مع الشخصيات .

ومن هذا المشهد الافتتاحى نلج الى الطبقة المتوسطة الغنية فى ايران من خلال تفاصيل حياة الزوج الذى يعيش ببزخ فى شقة فاخرة ويرعى والده مريض الزهايمر ويضطر هذا الزوج الى استئجار خادمة لترعى والده اثناء غيابه فى العمل وغياب ابنته فى المدرسة .

ان الخادمة تنتمى مع زوجها المتعطل عن العمل الى الطبقة العاملة ، التى يقدمها اصغر فرهادى كطبقة مهملة ، لم تحقق الثورة الاسلامية فى ايران اى مكاسب لها ، وهكذا نرى الفوارق الطبقية الايرانية والظلم الاجتماعى ، ودائما يضعنا اصغر فرهادى فى حالة من اليقظة الفكرية اثناء مشاهده فيلمه ، فعندما تأخذنا الشفقة على الخادمة نظرا لحالة الاجهاض ، فاننا نعود ونسحب تعاطفنا معها عندما نعرف ان اجهاضها ليس بسبب بطل الفيلم ولكن بسبب حادثة سيارة ، ثم يصدمنا فرهادى مرة اخرى بخصوص الخادمة عندما نراها تتزمت اخلاقيا وترفض الحصول على ترضية مالية من الزوج الغنى ، ان نفس الحال مع زوج الخادمة ،  فنحن طوال الفيلم نستشعر انه يتآمر على هذا الزوج الغنى للخروج بمكاسب مادية لكى يدفع قيمه القرض الذى لا يستطيع الوفاء به ، ونرى فى نهاية الفيلم ان زوج الخادمة لم يكن مُتآمرا .

ان الفيلم يستخدم المُؤثرات الدرامية كثيرا وخاصة المُفاجأة ليصدمنا بحقائق طبقية وهو يعرف ان مواقفنا ونظرتنا الى الغنى والفقير يحددها انتمائنا الطبقى ويفرض علينا تحيزا مسبقا ، ان فرهادى يُصحح نظرتنا وهو لا يدين قضية التفاوت الطبقى فى ايران فقط  ولكنه ايضا يدين نظرتنا كجمهور اذا كانت مبنية على اساس الولاء لطبقتنا الاجتماعية .

ليست براعة اصغر فرهادى الدرامية هى السبب الوحيد فى اهمية افلامه ، ولكنها على ما يبدو سببا فى اقتصادية افلامه ايضا ، فقلة عدد الديكورات تؤدى الى خفض تكلفة الفيلم ، ففيلم ( عن ايللى ) على سبيل المثال يبدو قليل التكليف الى حد كبير وكذلك فيلم ( انفصال ) وهذا قد يكون درسا لصناع فيلم الديجيتال ، فبمقدورهم صنع افلام عظيمة تقليدية بميزانيات منخفضة او بدون ميزانية على الاطلاق اذا كانت لديهم موهبة الكتابة الدرامية ويعرفون مثل فرهادى كيف يقدمون القضايا الكبرى فى اطار غير تطهيرى – اذا كانوا من عشاق الدراما التقليدية – ويرغبون فى توسيع دائرة المشاهدة لافلامهم .

اصغر فرهادى


ان عبقرية اصغر فرهادى من وجهة نظرى هى انه مؤلفا دراميا من الطراز الاول وهى تطغى على قدراته كمخرج ، انه يرصف الطريق لنوعية من السينما – غير الحداثية – ولكنها تحريضية وثورية كالسينما الحداثية .

ويمكن مشاهدة  فيلم ( انفصال )  وفيلم ( عن ايللى ) مترجمين الى العربية على اليوتيوب ، كما يتوفر له افلاما اخرى على شبكة الانترنت .

مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى