29‏/09‏/2012

أليخاندرو أمينابار




ممدوح شلبى .

كانت ملاحظتى الأولية بعد أن شاهدت فيلم أجورا للمخرج الاسبانى اليخاندرو أمينابار ، إننا بصدد عبقرية سينمائية إستثنائية قلما يجود بها عالم السينما ، لقد أعجبنى الفيلم كثيراً ولم أندهش عندما قرأت أن بعض النقاد يعتبرون بعض افلام أمينابار  من أروع أفلام السينما العالمية ، إنهم يقصدون فيلم ( البحر بالداخل ) وفيلم ( أجورا ) تحديداً ، لأن باقى افلامه تفتقد شيئا ما يمنع تصنيفها كتحف سينمائية .

لقد تتبعت اثر هذا المخرج المدهش وشاهدت له فيلم ( الآخرون ) ايضا لكننى لاحظت ان الثلاثة افلام التى شاهدتها تختلف عن بعضها بعضا ، وان كل منها يحتوى على نوع من التجريب ، وبشكل عام فان اليخاندرو امينابار يتميز بنوعية من السينما الغنية التى يلعب فيها السيناريو اهم الادوار ، كما تختلط فى افلامه عناصر الابهار بالرؤية الفلسفية ، ان هذا لا يمنع ايضا تذمرى الشديد من فيلم (الاخرون) رغم اللغة السينمائية الغنية لفيلم تدور احداثه جميعا داخل مكان واحد مغلق ، لقد تمنيت ان يكون ثمة تأثر بانجمار برجمان ، لكنه كان يصنع فيلما تجاريا واعتقد انه اهان عبقريته كثيرا بهذا الفيلم او انه كان يتنازل من اجل ان يغزو الشاشات الامريكية ، فهذا الفيلم كتبه امينابار وارسله الى توم كروز بعد ان اشترى توم كروز حقوق اعادة انتاج فيلمه السابق ( افتح عيونك ) الذى حملت نسخته الامريكية اسم فانيلا سكاى .

بداية اليخاندرو فى السينما الروائية الطويلة  بفيلم (الاطروحة) لا يمكن باى حالى ان تُرهص بفيلم اجورا ، ففى فيلم الاطروحة فانه يحشد كل اسباب النجاح الجماهيرى لفيلمه ويتخذ اسلوب الاثارة وجريمة قتل ، هذه العناصر لا تنتمى الى السينما الفنية بل الى ميراث هوليود فى السينما الجماهيرية التى لا تصل الى مهرجانات السينما ولا تحظى بالترحيب من النقاد ، ولن نستغرب هذه البداية فقد عبر اليخاندرو عن اعجابه بالمخرج الامريكى ستيفن سبيلبيرج الذى يُعد اسطين السينما الامريكية التجارية .

لكن اليخاندرو امينابار ومنذ فيلم ( البحر بالداخل ) ومن بعده ( اجورا ) فيبدو انه صحح مساره الفنى ولم يعد يهتم بافلام الاثارة ولذلك فقد اقترب من السينما الفنية التى تحظى باعجاب النقاد وتجد لها مكانا فى المسابقات الرسمية للمهرجانات الكبرى ، وتحصل ايضا على جوائز كبرى .

وُلد اليخاندرو امينابار فى شيلى عام 1972 ، لاب شيلى وام اسبانية ، وعندما كان عمره سنه واحدة رحلت عائلته الى اسبانيا ، وكان هذا قبل خمسين يوما فقط من الانقلاب السياسى الذى قاده الديكتاتور بينوشيه فى شيلى .

ويقول امينابار ( اننى مازلت اتذكر غناء امى على جيتارها ، لكنها عندما وصلت اسبانيا فانها توقفت عن العزف ، ان ذاكرتى تستدعى ايضا اغنية قديمة لجيمينى كريكت ، وعندما كنت فى السادسة عشر من العمر ، فاننى اشتريت جهاز تسجيل – ولم يكن لدينا فى منزلنا فى مدريد جهاز تسجيل حتى ذلك الوقت – ووقتها وجدت نفس الاغنية . )

ويستذكر ايضا ( اخبرانى والداى اننى كنت معتادا ان اقول بابا وماما قبل ان نصل الى اسبانيا ، لكننى فى اسبانيا  صمت تماما عن الكلام حتى انهما اخذانى الى طبيب .....
وثمة ذكرى اخرى اتذكرها من طفولتى ، وهى اننى لم اكن ألعب مع الاطفال الاخرين فى الشارع ، اننى لا اعرف السبب ، والآن فاننى اعتقد ان سبب ذلك ان هؤلاء الاطفال لم يكونوا مألوفين لى ) .

( كنت غالبا لا اشاهد السينما ، لكننى احببت افلام مثل ( اى تى ) وانديانا جونز ، واوضح لى اخى ان الفيلمين من اخراج ستيفن سبيلبيرج )

بدأ اليخاندرو امينابار دراسة السينما فى عام 1990 ، وكانت الدراسة تركز على تقنييات الصورة والصوت ، كان هذا فى جامعة ( كومبلوتنس ) فى مدريد ، ولسوء الحظ فان هذه الدراسة كانت تفتقر الى التدريبات العملية ، ولذلك فقد ترك الدراسة بعد ان رسب عدة مرات بشكل تعسفى ، ثم بدأ فى  اخراج الافلام القصيرة منذئذ ولقد انفتحت الدنيا امام هذا السينمائى الصغير .

الافلام القصيرة والبدايات .

فى عام 1991 وكان عمره 19 عاما ، فانه عرض اول افلامه القصيرة ( الرأس ) الذى نال جائزة جمعية صناع السينما الهواه المستقلين ، كما كان هذا الفيلم هو بداية زمالته مع ماتيو جيل - كاتب السيناريو والمخرج الاسبانى – والذى يعتبر شريكا فنيا لامينابار فى مشواره الفنى .

ثم جاء فيلمه القصير الثانى فى عام 1992 ، وكان بعنوان ( الاجنحة الغشائية ) ولقد فاز بجائزة احسن فيلم فى مهرجانين هما ( أليكانتى ) ومدريد .
( لقد اردت من البداية ان اكون مخرجا ، بالرغم من اننى لم اكن اعى متطلبات الاخراج ، لكننى فى عامى المهنى الاول كمخرج ادركت المعنى الحقيقى للاخراج ، لقد كنت انا وصديقى ماتيو جيل نعمل اول افلامنا ) .

وفى عام 1994 كتب امينابار واخرج ثالث افلامه القصيرة ، انه فيلم ( القمر ) الذى فاز بجائزة لويس جارسيا بيرلانجا كاحسن سيناريو وجائزة اخرى كاحسن شريط صوت عن نفس الفيلم .

لقد اشتهر اليخاندرو امينابار بتعدد وظائفه فى الفيلم الواحد ، فهم يخرج ويكتب السيناريو ويمنتج ويمثل ويؤلف الموسيقى .
كما عمل ايضا كمصور ومونتير ومؤلف موسيقي لأول افلام صديقه ماتيو جيل وكان يحمل عنوان ( قبل القُبلة كنت احلم اننى قتلتك )

بعد هذه الافلام القصيرة الناجحة ، قرأ المخرج جوزيه لويس كويردة سيناريو من تأليف امينابار وماتيو جيل ، لقد كان فيلما طويلا بعنوان ( الاطروحة ) .

فيلم الاطروحة .

ان حبكة الفيلم تعتمد على الاثارة والدم  وتدور فى نفس الجامعة التى لم يكمل امينابار الدراسة بها ، لقد تم عرض الفيلم فى عام 1996 ، ولقد ادهش النقاد منذ عرضه الاول فى مهرجان برلين السينمائى ، لقد حصل هذا الفيلم على سبع جوائز ( جويا ) – انها جوائز اسبانية تعادل الاوسكار الامريكى -  ومن ضمن هذه الجوائز جائزة احسن فيلم واحسن سيناريو مكتوب خصيصا للسينما واحسن مخرج .

( كنت اقرأ عن افلام القتل ، وكان الشئ الوحيد الذى كنت على ثقة فيه ، هو اننى اريد ان احكى قصة عن كلية تزدحم باناس تافهون مغرمون بالسينما وحيث الاساتذة اناس اشرار . )

والفيلم يحكى عن انجيلا التى تدرس  فى اكاديمية السينما ، انها تعمل فى اطروحة عن العنف فى الافلام ، وكعون لها فى عملها فان معلمها ( فيجيورو ) يعدها بان يبحث فى المكتبة الفلمية عن اكثر الافلام عنفا ، وفى نفس الوقت فان زميل دراستها ( شيما ) يدعوها لمشاهدة العديد من افلام العنف والجنس فى منزله .

وفى المكتبة الفلمية يكتشف ( فيجيورو ) عن طريق الصدفة تجاويف فى قاعات تحت الارض مملوءة بمئات من افلام الفيديو ، انه يختار واحدا من هذه الافلام ثم يخرج ، وفى الصباح التالى فان انجيلا تكتشف موته فى غرفة العرض السينمائى ، وتقوم انجيلا بسرقة شريط الفيديو الذى شاهده الاستاذ ثم تأخذه معها الى بيتها ، ونظرا لحالة الخوف الشديد الذى انتابت انجيلا تجاه هذا الفيديو فانها تقرر ان تستمع الى الصوت فقط ، الذى يتكون من صرخات امرأة .

ويكتشف ( شيما ) وجود شريط الفيديو ويقرر مع انجيلا ان يُشاهداه ، ان الشريط عبارة عن فيلم من افلام القتل ويقوم القاتل بتصوير الفيلم  ، ان انجيلا ترى فى الفيلم عملية تقطيع اجزاء جسم القتيلة ، ويقوم ( شيما ) بتحليل الصورة ويكتشف نوع الكاميرا التى اُستخدمها القاتل فى تصوير الفيلم .

وبعد عدة ايام تتقابل انجيلا فى المعهد مع شاب يُسمى ( باسكو ) انه يحمل نفس نوع الكاميرا ، وتكتشف انجيلا ان هذا الشاب صديق حميم ل ( فانيسا ) ، انها الفتاة المقتولة فى الفيلم .

وبعد ذلك تكتشف انجيلا ان العديد من نفس نوع الكاميرا تم شراءها بواسطة المعهد منذ عدة اعوام ، وتتقابل انجيلا مع البروفيسير ( كاسترو ) فى مكتبه ، انه الاستاذ الذى يعمل بالتناوب مع الاستاذ السابق رؤيته ( فيجيورو ) وذلك لمناقشة عملها البحثى .

وبعد محادثة متوترة بينهما ، يكشف لها ( كاسترو ) شريط فيديو ، فترى انجيلا نفسها  فى هذا الشريط وهى تقوم بسرقة شريط فيلم القتل من غرفة العرض السينمائى .

ان ( كاسترو ) يطلب منها تسليمه شريط القتل ولكنها تهرب ، وتُدرك انجيلا انها دخلت عالم محفوف بالمخاطر وانها ربما تكون الضحية القادمة التى ستظهر فى فيلم القتل التالى ، لكنها تقرر ان تنأى بنفسها عن هذا الخطر .
ان اليخاندرو امينابار لم يكمل تعليمه الجامعى فقد رسب فى مادة ( التاليف السينمائى ) ، ان الاستاذ الذى تسبب فى رسوب اليخاندرو فى هذه المادة كان اسمه كاسترو ، وهو نفس اسم الاستاذ الذى يظهر فى فيلم الاطروحة ( 1996 )
ومن المفارقات ان امينابار والذى رسب فى مادة التأليف السينمائى اصبح واحدا من افضل سينمائى العالم بفضل كتابته لسيناريوهات افلامه بنفسه وبمشاركة احيانا مع ماثيو جيل .
ويقول امينابار عن فيلم الاطروحة ، انه فيلم ممتع ومهم انطلاقا من حقيقة انه من اوائل افلام الجريمة فى السينما الاسبانية .


افتح عيونك .
ثم جاء فيلمه الطويل الثانى ( افتح عيونك ) الذى يمثل عودة الى الاثارة السيكولوجية مُضافا اليها عناصر من الخيال العلمى ، لقد كان هذا الفيلم مثل ( ثيسس ) فقد استحدث اساليب جديدة غير معروفة فى السينما الاسبانية .
وبعد نجاح هذا الفيلم فى مهرجانات برلين وصاندانس وطوكيو ، فان فيلم ( افتح عيونك ) كان نقطة البداية لشهرة امينابار العالمية .
فى ظلمة زنزانة سجن تخص الامراض النفسية نرى ( سيزار ) وهو شاب فى الخامسة والعشرين من العمر ، انه يبدأ فى قص اسباب مجيئه هنا الى الطبيب النفسى ( انتونيو ) ، ان هذا الشاب يتمتع بوسامة وله اسلوبه الخاص فى استمالة النساء ، وبالاضافة الى كل هذا فانه ورث ثروة كبيرة ، ان ( سيزار ) هو من الناس الذين منحهم القدر الكثير فى حياتهم لكى يكونوا اسعد الناس .
وفى احدى الليالى فانه يتعرف على ( صوفيا ) ، ان صديقه ( بيلايا ) هو الذى عرفه الى صوفيا ، ويشعر سيزار بانه يحب صوفيا من اول نظرة ، ولا يجد غضاضة فى اخذها من صديقه بيلايا ، انه يفعل ذلك ببساطة والاكثر من ذلك ان علاقتهما تبدو رائعة .
وفى نفس الليلة يذهب سيزار الى نوريا ، انها شابة مغرمة به الى حد الهوس ، ويحاول سيزار ان يتخلص منها لكن اصرارها على البقاء معه يدفعه الى الذهاب معها فى السيارة ويتركان المنزل ، ان الغيرة تملأ قلب نوريا ، وتصطدم بالسيارة فتموت نوريا فى الحادث ويتشوه سيزار الى حد اختفاء ملامحه كلها .

وبعد عدة اشهر ، يعجز الجراحون عن استعاده ملامح سيزار بالرغم من ان سيزار وعدهم بدفع اى مال يطلبونه ، وفى احد الايام يرى صوفيا التى لم يرها منذ الحادث ، انها تغيرت ، فقد اصبحت باردة وغير قادرة حتى على رؤية وجهه .
ويدرك سيزار مقدار التغير الكبير فى ملامحه ، وكيف ان حياته انقلبت رأسا على عقب ، انه يشعر باليأس الشديد ويلجأ الى الخمر ويصل الى حد انه ينام فى الشارع ، لكنه فى الصباح التالى يجد شيئا يغيره تماما ، فانه يرى صوفيا تعود اليه ، انها تقول له انها تحبه ، وبعد عدة ايام يُخبره الاطباء انهم يستطيعون استعاده ملامحه بعملية جراحية .
ويعود الحظ مرة اخرى اليه ، لكن صوفيا تختفى فى احدى الليالى ، وتحدث مفاجأة لسيزار ، فالفتاه نوريا التى سبق وعرفنا انها قٌتلت فى حادث السيارة ، نراها فى منزل سيزار وتدعى انها صوفيا ، ويتحول الموقف الى كابوس لان سيزار لا يستطيع اخبار البوليس ان نوريا – المتوفاه من وجهة نظرهم – مازالت على قيد الحياه .
ان نوريا معها اوراق رسمية تُثبت ادعاءها بانها صوفيا ، ان بيلايا ايضا يقف بجوارها ويؤكد ادعاءها ، ان سيزار ييأس تماما ويذهب لطبيب نفسى يلتمس العون ، انه يتخيل ان ثمة عملية احتيال كبيرة تُحاك ضده ، انه يتمنى ان يكون كل ما حدث عبارة عن حلم وليس حقيقة .
ويعلق امينابار عن فيلم اقتح عيونك قائلا ( تخيل نفسك انك صحوت ذات صباح وخرجت الى الشارع واكتشفت انه لا يوجد اى انسان ، انك تذهب الى الميدان الرئيسى فى مدريد على سبيل المثال ، وتجده خاليا تماما ، وتكتشف انك وحيدا فى هذا العالم ، هذا ما سوف تشعر به فى فيلم افتح عيونك ) .
ويقول امينابار عن هذا الفيلم ( ان فيلم افتح عيونك يتحدث عن العزلة ، العزلة بكل اشكالها ، ما الذى نعرفه عما يحيط بنا ؟ وكم عدد الاشكال التى يتشكل بها الواقع من حولنا ؟ وانطلاقا من هذا المعنى فاننى اعتبر ان فيلم افتح عيونك هو اكبر تحدى لى وقت اخراجه ، مع الاخذ فى الاعتبار وضع الكاميرا وكيف استطيع ان اعبر عى وجهة نظرى كمخرج ، ان هذا الفيلم يعبر عن قدرتى على الملاحظة فى اجلى صورة ) .
( ان هذا الفيلم يتحدث كثيرا عن الظهور ، عما نعتقد انه موجود او غير موجود ، ان كل شئ يحدث فى الفيلم هو نتاج الشخصية التى مثلها ادواردو ، انها الشخصية التى لا يمكن لنا ان ننساها ، ان حاله ينتهى به الى معهد للعلاج العقلى ، ولكن من هم الشخصيات الاخرى ؟ ان قصتنا تحتوى على الكثير من الاسئلة ولا نجد اجاباتها الا فى نهاية الفيلم ) .
( ان سيزار شخصية لها وجوة عديدة ، انه ممزق فى مثلث يمثله ويمثل نويرا وصوفيا ، ان نويرا تمثل الرغبة والشبق والمغامرة ، بينما صوفيا تمثل النقيض فهى معادلا للاسقرار والحنان والشفافية ) .
( اننا قد نقول ببعض الثقة ان شخصية سيزار التى مثلها ادواردو نوريجا فى فيلم افتح عيونك ، انها تمثل نوعا من العقاب الذى يُصيب الشاب الثرى ، او كما قال جوزيه لويس كويردا ، انها الشخصية التى تجد نفسها مدفوعة الى نقطة تهديد بسبب شخصه وخصوصيته ) .
( ان الشخصية يمكن النظر اليها على انها كوميدية نوعا ما ثم تتحول لكى تكون فى اسوأ كابوس ، ان فيلم افتح عيونك فيلما من افلام الاثارة مع العديد من العناصر مثل الحب والتشويق والرعب والخيال العلمى ) .
ويتحدث اليخاندرو امينابار عن بداية تعرفه بالممثل ادواردو نوريجا بطل الفيلم فيقول ( ماتيو وانا كان لنا صديقا يسمى كارلوس مونتيرو ، وقد كان هو ايضا يريد ان يكون مخرجا ، لقد وضع اعلانا فى الكلية يطلب ممثلين ، ولقد كان من المرشحين ممثلا يسمى ادواردو نوريجا من المعهد العالى للفنون المسرحية ، لقد وجدت ان اداءه غير مشوق ، لكنه بعدئذ مثل مثل افلام وودى ألن فكان طبيعيا ، لقد مثل بروعة )
فقد اعاد توم كروز انتاج نفس الفيلم من بطولته مع بنيلوب كروز وكان من اخراج كاميرون كرو ، وحمل الفيلم الامريكى اسم ( فانيلا سكاى ) .

وبعد هذه التجربة ، قدم امينابار لتوم كروز سيناريو فيلم ( الاخرون ) ، انه ثالث افلام امينابار الطويلة ، ولقد قرر توم كروز ان ينتج الفيلم للسينما الامريكية من بطولة نيكول كيدمان ، ان فيلم الاخرون هو اكثر افلام امينابار التى تلخص منهجه السينمائى الخاص بافلام الرعب الكلاسيكية ، لقد انتقده النقاد كثيرا لكنه حقق نجاحا جماهيريا كبيرا .


الاخرون .
يحكى الفيلم عن امرأة تدعى جريس تعتزل الحياه مع طفليها فى قصر ، ان احداث الفيلم تدور فى نهاية الحرب العالمية الثانية ، وتعيش جريس فى انتظار زوجها الذى يحارب على الجبهة ، ان ابنتها وابنها يعانيان من مرض غريب ، فهما لا يمكن لهما ان يريا ضوء الشمس والا تعرضا لتداعيات مرضية خطيرة .
ان جريس تعيش منعزلة عن العالم وتسيطر عليها مفاهيم دينية غريبة وظالمة ، الى ان تحتاج الى تشغيل مجموعة من الخدام لرعاية اطفالها ، ان حضور الخدم الى القصر يؤدى الى مواجهة بينهم وبين جريس حول مفاهيمها الدينية ، لكن هذا يقود الى تداعيات غير متوقعة .
ويبرر اليخاندرو امينابار اقدامه على فيلم ( الاخرون ) قائلا .
( بينما كنت اخرج فيلم ( افتح عيونك ) متنقلا بين تلك الامكنة الكثيرة المتنوعة ومتنقلا بين الازمنة ، فكرت اننى لابد لى ان أقدم موضوعا راديكاليا مختلفا ، لقد اردت ان اضع الممثلين فى بيت ثم اغلق عليهم والقى بالمفتاح ، اردت ان اخلق تشويقا بعناصر قليلة  ، لقد فكرت ايضا ان هذا الفيلم لابد ان يكون فيلم رعب جيد لاننى احب هذه الافلام وافتقد المخرجين الذين كانوا يخرجون هذه الافلام بجدية )

لقد عُرض فيلم ( الاخرون ) فى مهرجان فينسيا السينمائى وكان هذا الفيلم هو الاكثر نجاحا فى اسبانيا فى ذلك العام ، لقد حصد ثمان جوائز ( جويا ) من بينها احسن فيلم واحسن مخرج واحسن سيناريو مكتوب خصيصا للسينما ، كما ترشح هذا الفيلم كاحسن فيلم فى الاكاديمية الاوربية .
وفى عام 2004 ادهش امينابار العالم مرة اخرى عندما عرض فيلمه ( داخل البحر ) .


فيلم البحر بالداخل .

لقد حصل فيلم البحر بالداخل على الجائزة الكبرى فى مهرجان فينيسيا السينمائى فى عام 2004 ، وحصل ايضا على اوسكار احسن فيلم اجنبى فى عام 2005 ، كما حصل نفس الفيلم على ثمان جوائز ( جويا ) من بينها احسن مخرج واحسن سيناريو مُعد خصيصا للسينما واحسن موسيقى .
يدور فيلم البحر بالداخل عن الظرف المرضى العصيب الذى يعيشه رامون سامبدرو ( خافيير باردن ) فهو عاجز تماما عن الحركة ولا يتحرك من سريره ويتعين ان يحصل على المساعدة من الاخرين ، ان الممثل خافيير باردن كان يتستعد للدور كل يوم تصوير لمدة خمس ساعات وهو الوقت الذى كان يقتضية الماكياج الخاص به .
اننا اذا نظرنا داخل شخصية رامون ، فاننا يمكن ان نرى انه هادئ وشجاع وقادر على مواجهة المتاعب دون ان يفقد ابتسامته ، ان هذا الشخص المريض اعتاد ان يقول ( عندما لا تجد لنفسك طريقا للهروب ، فانك تتعلم ان تصرخ وانت مبتسم )

يرقد رامون  فى الفراش منذ ثلاثين عاما ، وتقوم عائلته برعايته ، بينما نافذته الوحيدة التى تطل على العالم هى نافذة غرفته ، انها تكشف البحر ، وقد سبق لرامون ان سبح فيه عندما كان سليما ، انه نفس البحر الذى اصابه بالعجز من جراء حادث .

ومنذ هذا الحادث الاليم الذى مضى عليه ثلاثين عاما ، فان رغبة رامون الوحيدة هى ان ينهى حياته لان كرامته لا تسمح له بالعيش عاجزا عن الحركة .
ان عالم رامون الخاص ينهار مع وصول امرأتين ، الاولى هى جوليا ، وهى محامية تريد ان تساعده حتى يُنهى حياته ، والمرأة الثانية هى روزا ، انها جارته ، وهى تحاول ان تشجعه لكى يعيش ويواصل حياته .

ان موقف رامون الحكيم يُسعد المرأتين ، انه يستخلص منهما افضل المواقف الاخلاقية ، ان رامون يعرف ان المرأة التى ستساعده حتى اخر لحظة فى حياته  ستكون هى التى تحبه اكثر .

فيلم اجورا .

ان فيلم اجورا تحفة سينمائية قلما تتكرر ، لقد سبق لى ان كتبت عن هذا الفيلم اكثر من مرة ، ويمكن قراءة ما كتبته فى موقع عين على السينما تحت عنوان ( اجورا : وقائع موت معلن ) ، لكننى ايضا وبسبب اعجابى الشديد بالفيلم لا ارى صعوبة فى الكتابة عنه مرات اخرى ومن زوايا متعددة .

يتحدث الفيلم عن زمن استثنائى صادف نهاية الصراع بين الوثنية والدين المسيحى فى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس الميلادى ، وهذا التاريخ تحديدا يُشار اليه على انه بداية التاريخ الحديث فى العالم فلقد انتهت الوثنية تماما بعد انهيار اكبر وآخر حصونها وهى مدينة الاسكندرية ومكتبتها الشهيرة .

اشتهرت فى هذه الاثناء شخصية حبيشة السكندرية ، انها فيلسوفة ورياضية وعالمة فلك ومخترعة لجهاز الاسطرلاب الذى يسمح بمعرفة مواضع الاجسام السماوية ، يتمحور الفيلم حول شخصية حبيشة واعتمادا على منقول سيرتها ، ومن خلالها نرى الاسكندرية فى زمنين ، احدهما قبل تخريب المكتبة عندما كانت الوثنية هى الدين والثقافة السائدة فى الاسكندرية ، ثم الزمن التالى وتدور احداثه بعد عشرين عاما ، انه الوقت الذى انتصرت فى المسيحية بشكل نهائى على الوثنية ومن ثم بدأ تاريخ العالم الحديث .

يتكون الفيلم من جزئين ، فى الجزء الاول نلاحظ البناء التقليدى للسيناريو ، اما الجزء الثانى فيميل الى الشكل الملحمى المتأثر بالتراجيديا الاغريقية وخصوصا مسرحية انتيجون .

هذا الفيلم يتميز بالابهار سواء على مستوى الديكور او الملابس او المجاميع ، كما ان بلاغة السيناريو الذى أحاط بتفاصيل مجتمع فى ظرف تاريخى تسمح لنا باعتباره فيلما ملحميا بينما هو فى نفس الوقت فيلما دراميا عن شخصية حبيشة التى لا تتنازل عن ثقافتها الوثنية وتجد نفسها فى مواجهة مع المجتمع كله وينتهى الصراع بمقتلها .

يتشابه زمن الفيلم مع الزمن الحاضر ، ومن المصادفات ان عرض فيلم اجورا جاء قبل شهور قليلة من اندلاع اول الثورات الاجتماعية المعاصرة ، كان هذا فى اليونان ، ثم اتت الثورة التونسية ومن بعدها الثورة المصرية ، ان هذه الثورات جميعها تشترك فى كونها ثورات اجتماعية احتجاجا على الاحتكار الراسمالى للثروات ، ان جميع هذه الثورات فشلت فى تحقيق اهدافها حتى الآن ، فالثورة اليونانية إنتهت الى عودة اليمين مرة اخرى الى سدة الحكم ، كم انتهت ثورتى تونس ومصر بتصدر التيارات الدينية ذات الميول اليمينية سدة الحكم ، ولعلنا ننتظر بعض الوقت ، فالثورات لا تتم فى يوم واحد او عام واحد ، لقد استغرق التحول فى زمن فيلم اجورا عشرون عاما ، اننا فى زمننا الحاضر لن ننتظر طويلا فلابد ان تنتصر الثورات فى النهاية – مع ملاحظة ان الصراع بين الوثنية والدين المسيحى فى الفيلم ، يقابله الآن الصراع بين الرأسمالية والعدالة الاجتماعية.

مع اجمل تحياتى
ممدوح شلبى .