19‏/02‏/2015

مدخل تاريخى إلى السينما السيريالية

مقالة:- إيرين فوستر
ترجمة:- ممدوح شلبى
كلب أندلسى
(هذه المقالة خاصة لمجلة "أدب ونقد" ومن المتوقع نشرها في عدد مارس 2015)
 
تطلعت فرنسا بعد الحرب العالمية الأولى إلى السينما الطليعية لكى تتميز عن السينما الهوليوودية، فظهرت السينما التعبيرية التى تُركز على الواقعية السيكولوجية والطبيعية والرمزية، وأصبحت التعبيرية هى المسيطرة على توجهات السينما الفرنسية.
فى هذه الأثناء ظهرت السينما السيريالية، كما كان الكثير من السيرياليين يستقطبون جمهور السينما- على عكس التعبيريين-، وكان السيرياليون يعترفون بأهمية الأفلام الأمريكية واسعة الإنتشار التى يمثلها نجم سينمائى وكذلك الكوميديات الفكاهية، ووجد أندريه بريتون وزملاءه السيرياليون أن المعاصرة فى السينما الهوليوودية كانت وسيطاً مثيراً فى بداياتها، لكنها تحولت إلى سينما يتم إبداعها عبر التقاليد الفنية التى يعى بها الفنان وهذا يتناقض مع السيريالية.
 
 
السينما الدادية
 
وعلى الرغم من أن الدادية رفضت السينما كوسيط للتعبيرية، لكن فنانين قلائل من الدادية عملوا فى الإخراج السينمائى، مثل أفلام "راثموس" لهانس ريتشر فيما بين عامى 1921 و1923 – وُلد هانس ريتشر عام 1888 وتوفى عام 1976- وكذلك فيلمى "دياجونال سيمفونى" وفيلم "دياجينال سيمفونى" عام 1924 للمخرج فايكنج إيجيلينج – وُلد عام 1880 وتوفى عام 1925- فهذه الأفلام حاولت أن تؤسس لغة سينمائية عالمية قائمة على الصورة وتستخدم الأشكال الذهنية السيمترية فى الحركة الإيقاعية، وأنتج دوشامب "السينما الفقيرة" عام 1926، حيث صور تصميماً لبكرات الغزل التى تتقاطع مع لوحات الغزل المكتوب عليها عبارات فرنسية، وأخرج مان راى (1890-1976) فيلم "العودة للمنطق" عام 1923 وإستخدم تقنية تصوير طليعية كان ريادياً فيها وسُميت على إسمه "رايوجراف".
 
وعلى الرغم من أن إثنين من المخرجين الطليعيين وهما فيرناند ليجر (1881-1955) ودادلى مورفى (1897-1968) لم يكونا داديين، فإن فيلمهما الذهنى "البالية الميكانيكى" 1924 نُظر إليه على إنه ذو صلة بالسينما الدادية بسبب الأسلوب البصرى المُشابه، وبسبب أن فيرناند ليجر كان يهدف من فيلمه أن يُزعج المشاهدين، كما كان فيلم "أشباح قبل الإفطار" 1928 لريشتر فيلماً كوميدياً دادياً ممتعاً مدته ست دقائق.
 
 
السينما السيريالية
 
وعلى الرغم من أن مؤسس السيريالية أندريه بريتون لم يذكر السينما فى أى من بياناته ، إلا أن الطبيعة البصرية للسينما وتشابهها مع الحلم فى تجربة المُشاهدة، قاد السيرياليون إلى إعتبار السينما وسيطاً مثالياً للتعبير عن نظريتهم من الناحية التطبيقية.
 
وفيما بين عامى 1924 وعام 1935 كان أنتونين أرتو (1896- 1948) الكاتب السيريالى الوحيد الذى كتب بحثاً نظرياً عن إمكانيات الوسيط السينمائى وأطلق عليه "السينما الطازجة"، كان هدفه أن يكتشف ميكانيكية الاحلام لكى يعيد بناء الطاقة الهادرة للحلم كطريقة لتأويل أو تفسير الأحلام، وصاغ من تمزيق الصور أشكالاً وقدمها للمُشاهد كصورة نقية، بينما المشاهدين من جانبهم يشاهدون وهم فى حالة استسلام للصورة، هذه التجربة تستثير وتحرر أحاسيسهم، كذلك فقد واجه أنتونين أرتو الكثير من الصعوبات وهو يحاول تطبيق أطروحاته النظرية على أفلام فعلية، والسيناريو الوحيد الذى كتبه أنتونين أرتو أخرجته المخرجة التعبيرية جيرمين دولاك، وكان الفيلم بعنوان "المحارة ورجل الدين" عام 1928، وإعترض أرتو على الفيلم بوصفه تشويهاً لنظريته عن السيريالية.
 
وأخرج مان راى العديد من الأفلام السيريالية من بينها "إيماك باكيا" 1926، وفيلم "سمكة نجم البحر" 1928، لكنهما لم يسترعيا إنتباه السيرياليين الذين إعتبروا الفيلمين داديين جداً.
 
وبعد شهرين من نشر البيان السيريالى الأول لأندريه بريتون، أحضر الفنان الدادى فرنسوا بيكابا (1879-1953) والمخرج رينيه كلير فيلمهما "فاصل" 1924، وعرضاه إثناء إستراحة لعرض باليه، وكان الفيلم يحتوى على صور لا رابط لها ، بالإضافة إلى تصوير ديشامب ومان راى وهما يلعبان الشطرنج، وعلى الرغم من أن الفيلم أُعتبر سيريالياً، فإن بيكابا أراد من فيلمه أن يكون بمثابة إنتقاد شخصى لبريتون.
 
 
المخرجة جيرمين دولاك
وُلدت فى أميان بفرنسا فى السابع عشر من نوفمبر عام 1882 وتوفيت فى العشرين من يوليو عام 1942، وعملت كمخرجة ومؤلفة ومُنظرة سينمائية، وكانت المخرجة الطليعية الأولى فى فرنسا، ورغم أنها لم تكن عضوة فى الحركة السيريالية طوال عمرها، لكن نظريتها عن "السينما النقية" تشابهت فى اهدافها ومبادئها مع السيريالية، ورغم أن العديد من أفلام جيرمين دولاك الروائية لاقت نجاحاً جماهيرياً ساحقاً –وهى أفلام ميلودرامية- فإن أفضل ما فيها هى لحظات إستدعاء الأحاسيس بدون الإعتماد على المعالجات الدرامية، وكانت مهارتها فى الولوج إلى عمليات اللاوعى لشخصياتها وفهمها لتصورات المُشاهدين سبباً فى قُربها من السيريالية من الناحية النظرية.
 
هدف جيرمين دولاك من "السينما النقية" يتمحور حول إنتاج أفلام تكون مستقلة عن الأدب والمسرح والتأثيرات الفنية الأخرى، وخلال مشوارها الفنى إختبرت طرقاً جديدة لتقديم الأحاسيس الداخلية للشخصيات وإستكشاف حالاتهم النفسية عبر وسائل سينمائية لا تمت بصلة لحركة فنية طليعية محددة، وعمل الباحثون على مقارنة حرفيتها المونتاجية بالحرفية المونتاجية لديفيد وارك جريفيث، فهدفها كان خلق رد فعل لاشعورى فى عقل المُشاهد، وكانت أيضاً شديدة المهارة فى إستخدام الموسيقى فى أفلامها الأخيرة – بعد إختراع الصوت- لخلق إيقاعات بصرية وسمعية.
 
جيرمين دولاك ذات خلفية صحفية وكاتبة نسوية ، وكانت أفلامها تتناول مراراً وتكراراً الموضوعات النسوية، وأفلامها تتحدى بشكل مباشر التصورات الرومانسية والميثولوجيات الرمزية والأبنية الإجتماعية للمرأة، لقد ميزت بين ذاتية الذكر والإنثى فى فيلمها "موت الشمس" عام 1922، وركزت على الذاتية الأنثوية فى فيلم "مدام بيديه المبتسمة" 1922، حيث إستخدمت العديد من المؤثرات الخاصة وتقنيات الإضاءة والمونتاج لتستحضر بصورة مباشرة أفكار وخيالات بطلة الفيلم، وفى عام 1927 قرأت دولاك سيناريو "المحارة ورجل الدين" الذى كتبه أنتونين أرتو السيريالى، وكان أرتو قد أودع السيناريو فى معهد سينمائى لعدم توفر ميزانية لإنتاجه.
 
كان السيرياليون يُقدرون جيرمين دولاك التى كانت مشهورة جداً فى الوسط السينمائى الطليعى فى باريس بإعتبارها تعبيرية متحمسة وشديدة الولاء للطبيعية والرمزية، وعندما اخرجت فيلم "المحارة ورجل الدين" فى عام 1928، إلتزمت بالسيناريو الذى كتبه انتونين أرتو ولم تُغير سوى القليل من العناصر عندما وجدت ضرورة لهذا التغيير، وإدعى انتونين أرتو أنها ذبحت السيناريو، وقام بأعمال شغب أثناء العرض السينمائى الأول للفيلم، وعلى الرغم من ان أندريه بريتون عزل انتونين أرتو من الحركة السيريالية فى العام السابق، إلا ان السيرياليين شاركوا فى الشغب وصاحوا بالشتائم وأوقفوا عرض الفيلم، وترتب على ذلك أن ألغى عرض الفيلم من البرنامج، وقدمت السيريالية فى نفس العام فيلم "كلب أندلسى" للوى بونويل وسلفادور دالى عام 1928، وعلى الرغم من أن السيرياليين أنفسهم رفضوا فيلم جيرمين دولاك، فإن معظم النقاد المعاصرين يعتبرون فيلمها "المحارة ورجل الدين" هو أو فيلم سيريالى.
 
 
فيلم "كلب اندلسى"
 
أُخرج فيلم "كلب اندلسى" فى عام 1928 وهو تحفة سينمائية ونتاج تعاون بين الرسام سلفادور دالى وزميله الجامعى لوى بونويل (1900-1983).
 
ظهر تأثير السيريالية على رسومات سلفادور دالى عام 1927، على الرغم من انه لم يكن عضواً رسمياً فى الحركة السيريالية، أما بونويل فقد عمل بالسينما جزئياً وإمتهن أعمالاً غريبة كما عمل بالنقد السينمائى وتطلع لكى يصبح مخرجاً سينمائياً.
 
جاءت فكرة فيلم "كلب أندلسى" من تداعى أحلام دالى وبونويل، وكتبا السيناريو فى أسبوع، والقاعدة الوحيدة التى إلتزما بها، إلا يستخدما أية فكرة أو صورة تحتوى فى حد ذاتها على وضوح: فكل الصور فى الفيلم جاءت صادمة وغير متوقعة نهائياً، وأحضر بونويل أحجاراً فى جيبه أثناء العرض السينمائى الأول للفيلم لكى يرميه على الجمهور إذا لم يعجبه الفيلم، لكن السيرياليين أحبوا الفيلم، وظل الفيلم يُعرض لمدة ثمانى شهور فى إستوديو 28 الفخيم، وكلف اندريه بريتون بونويل بمهمة تطوير السينما السيريالية.
 
يبدأ فيلم "كلب أندلسى" ببطاقة مكتوب عليها "كان ياما كان...) ثم تتبعها لقطة لرجل (بونويل) وهو يشحذ نصل موس، وبعد التطلع للقمر مدة وجيزة، يشق مقلة عين إمرأة بالموس، ويتبع ذلك لقطة لسُحب تعبر أمام القمر، ثم نقرأ بطاقة مكتوب عليها (وبعد ثمان سنوات....) ثم تتوالى عدة مشاهد لا رابط بينها، من بينها المشهد الذى يظهر فيه النمل فى يد أحد الأشخاص.
 
ومن خلال إستخدام توقعات الجمهور المعتاد على تقاليد السينما عند رؤية الكلام على البطاقات، كان الفيلم يستثير الجمهور قبل أن يفاجأهم بصور سيريالية غامضة، وتلاعب دالى وبونويل بتصورات سيجموند فرويد وإفتئتوا على الرمزية الجنسية بشكل إنتقادى وساخر، وكان الفيلم يسخر من كلاشيهات السينما التعبيرية من خلال البناء اللاتصاعدى للسرد ومن خلال المزج المونتاجى ومن خلال التنافر الحاد، ورغم أن فيلم "كلب أندلسى" يعتمد على أحلام دالى وبونويل، لكنه لم يكن فيلماً عن الأحلام، فالفيلم كان يستكشف الكيفية التى يعمل بها العقل فى الحلم وكيف يخلق المعانى فى اللاشعور.
 
وكان النجاح الساحق لفيلم "كلب أندلسى" نعمة ونقمة على السيريالية، فتواصل الجمهور مع الفيلم يعنى أن الحركة السيريالية أوصلت رسالتها إلى الجميع، لكن الحركة نفسها كانت متوجسة من النجاح، وخاصة النجاح الجماهيرى، لأن الجماهيرية تعنى أن السيريالية شديدة البساطة وليست إستشرافية بما يكفى، فأندريه بريتون خائفاً على السيريالية من القولبة.
 
 
فيلم "العصر الذهبى"
 
وجاء الفيلم التالى لدالى وبونويل (العصر الذهبى) عام 1930 أقل جماهيرية من فيلم "كلب اندلسى"، وأهدى الأرستقراطى الغنى فيكوم دى نويل فيلم "العصر الذهبى" لزوجته كهدية لعيد ميلادها. كان من المفترض أن يكون فيلم "العصر الذهبى" تكملة لفيلم "كلب اندلسى"، وكان أول فيلم فرنسى ناطق، وكانت مساهمة دالى الفنية فى الفيلم أقل من فيلم "كلب اندلسى"، ثم تخلى عن الفيلم وقال أن بونويل خان رؤيته الفنية.
 
فيلم "العصر الذهبى" يلتزم بالسيريالية ببناءه المتنافض وتضمينه علاقة بين الدناءة وبين أكثر الموضوعات قيمة، وكان يسخر من التقاليد السردية للسينما الكلاسيكية.
 
وأثناء العرض السينمائى الاول للفيلم، الذى يُصور المسيح كقاتل متسلسل ويسخر من الطبقة الحاكمة والبرجوازيين على حد سواء، إندلعت أحداث شغب وتصايح عديد من المشاهدين الغاضبين بالشتائم وألقوا الحبر على شاشة السينما وألقوا بقنابل الغاز على المتجمعين، كما أتلفوا المعرض السيريالى الموجود فى ردهة دار السينما، وبناءاً عليه تم منع فيلم "العصر الذهبى" من العرض بعد ثلاثة أشهر، ولم يُعرض مرة ثانية إلا فى عام 1980، هذا الحجب للفيلم أفاد السيريالية، فالغموض الذى أحاط بالفيلم غطى على تجاوزاته.
 
لوى بونويل
إنفصل بونويل رسمياً عن الحركة السيريالية عام 1932، لكن أفلامه التى جاءت بعد ذلك ظلت مخلصة لمبادئ السيريالية وخاصة فيلم "أرض بدون خبز" عام 1933، وفيلم "الشاب والملعون" عام 1950، وإستمر بونويل يستخدم الرؤية السيريالية والتكنيك السردى العبثى حتى آخر حياته، ونستدل على ذلك من فيلم "ملاك الإجرام" عام 1962، وفيلم "سمعان الصحراوى" عام 1965، وفيلمه الاخير " ثمة ما هو غامض فى الرغبة" عام 1977.
 
سلفادور دالى
أما سلفادور دالى فقد توجه إلى هوليوود لكى يتعاون مع والت ديزنى فى عام 1946 فى عمل فيلم تحريك سيريالى مدته سبع دقائق يحمل عنوان "ديستينو" ولكن الفيلم لم يتعدى مرحلة الرسومات ولم يتم عمله، كذلك عمل دالى مع ألفريد هيتشكوك الذى راقه فهم دالى للتحليل النفسى وألحقه بالعمل ليبتدع مناظراً سيريالية فى مشاهد الحلم فى فيلم "المسحور" عام 1945، وباءت بالفشل جميع محاولات دالى الأخرى فى السينما، فعاد سريعاً إلى الرسم.
 
 
محدودية السينما السيريالية
كانت السينما آخر أولويات الحركة السيريالية، فالسينما لم تُستغل بشكل كامل، ويعود هذا إلى القيود التى وضعها أندريه بريتون، ولعل هذا كان بسبب الطبيعة العملية لصناعة السينما التى تتعارض بشكل أساسى مع التصورات السيريالية عن العفوية والتفاعل التلقائى، وكان لوى بونويل هو السيريالى الوحيد الذى إنخرط جدياً فى أشكال تكنيكية وعملية لهذا الوسيط السينمائى، ولعل هذا هو الذى قاد بونويل إلى الإنفصال عن الحركة.
 
ومن اسباب محدودية التجارب السينمائية السيريالية، أن صناعة سينما الهواة كانت مُكلفة جداً حتى إنتهاء الحرب العالمية الثانية، فالمعدات السينمائية توفرت بعد ذلك، لكن الحركة السيريالية كانت قد تقلصت فى ذلك الوقت.
 
فى عام 1947 عرض المخرج هانس ريتشر فيلم "الأحلام التى يستطيع المال شراءها" وهو يتكون من سبع حلقات تستكشف اللاوعى، وكان السيناريو من تأليف وإخراج هانس ريتشر ومان راى ودوشامب وليجر وماكس إرنست وألكسندر كالدر، هذا الفيلم كان آخر الأفلام التى صدرتها الحركة السيريالية بعد أعمال لوى بونويل.
 
 
السيريالية وتأثيرها 

 رغم أن الأفلام السيريالية كانت قليلة، لكن التصورات السيريالية كانت مُلهمة لعدد من المخرجين، فالمخرجون الأمريكيون التجريبيون مثل مايا ديرين، وستان براكهاج وكينيث أنجر إستخدموا الطريقة السيريالية لتوسيع حدود الرمز السينمائى وإصابة المشاهدين بالصدمة بعيداً عن التلقى السلبى فى مشاهدة الافلام.
 
فيلم "لقاءات بعد الظهيرة" لمايا ديرين عام 1943، إستخدم السرد الرتيب والرمزية الفرويدية على نطاق مكثف لكشف الذاتية النسوية فى السينما، والمخرج براكهاج كان احياناً يرسم أو يقدم تصميمات ذهنية على شريط السلولويد، وفيلمه "كلب ونجم وإنسان" عام 1962 إستخدم الصور المملة والغير متوافقة بطرق تجعل المشاهد مغترباً عادة، وفى فيلم "ألعاب نارية" للمخرج كينيث أنجر عام 1947، إستخدم المخرج الصور العنيفة لعرض شذوذه الجنسى.
 
الجماليات السيريالية كان لها حضور فى أفلام التحريك أيضاً، وخاصة فى أفلام التحريك اليابانية وفى أفلام التحريك لأوروبا الشرقية مثل أفلام المخرج سان فانكمير، كما يدين عدد من مخرجى السينما الأوربيين للسيريالية مثل إنجمار برجمان وفيدريكو فللينى وفيم فاندرز.
 
وكذلك الحال مع المخرجين الأمريكيين ديفيد لينش وتيرى جيلام وكذلك المخرج الكندى ديفيد كروننبرج، فالثلاثة إعتمدوا كثيراً أيضاً على التصور السيريالى، والجمع بين المتناقضات وتقنية السرد الروائى اللاتصاعدى، كما إعتمدوا على الرمز الفرويدى لإحداث الصدمة للجمهور وإستفزازه.

فيلم "تاكسى" ومشوار جعفر بناهى السينمائى




جعفر بناهى
إعداد وترجمة :- ممدوح شلبى .

ناشد المخرج الإيرانى جعفر بناهى الذى حصل على الدب الذهبى من مهرجان برلين 2015 سلطات بلاده أن تسمح بعرض فيلمه "تاكسى" على الجمهور الإيرانى، وقال "لا توجد جائزة أفضل من أن يستطيع أبنائى أن يُشاهدوا أفلامى".

وفى حوار أُجرى مع بناهى عقب فوزه بالدب الذهبى قال "أنا فعلاً سعيد على المستوى الشخصى وسعيد للسينما الإيرانية" لكنه إنتهز الفرصة ليشجب الحكومة الإيرانية قائلاً "المسؤلون فى الحكومة يلوموننا على إخراج الأفلام للمهرجانات العالمية، إنهم يتخفون وراء حوائط سياسية ولا يعترفون بأن أفلامنا لا يُصرح لها بالعرض فى السينمات الإيرانية".

فيلم "تاكسى" الذى يقوم جعفر بناهى نفسه ببطولته فى دور سائق تاكسى، ويتناول مجموعة من الشخصيات التى تركب هذا التاكسى وهم يعيشون فى طهران وضواحيها، لا يخلوا من المحتوى السياسى، مثل فيلمه "تسلل" الذى أخرجه فى عام 2006، وصور فيه مجموعة من الفتيات العاشقات لكرة القدم وهن يحاولن مشاهدة مبارة مؤهلة لكأس العالم بالرغم من الحظر المفروض على النساء للدخول إلى الإستاذ الرياضى، ففيلم "تاكسى" يتناول أيضاً قصة عن إمرأة حُكم عليها بالسجن لمحاولتها أن تُشاهد مبارة فى كرة اليد الرجالى.  

جعفر بناهى حوكم بتهمة نشر الدعاية المغرضة ضد الحكومة الإيرانية وتعريض الأمن العام للخطر فى عام 2010 ، وحُكم عليه بالسجن ومُنع من الإخراج السينمائى، ولكنه لم يقضى العقوبة فى السجن ولكنه وُضع فى حالة حبس داخل منزله، وهناك إستطاع أن يعمل فيلم بعنوان "إنه ليس فيلماً" الذى تم تهريبه فى "فلاشة" كومبيوتر تم وضعها داخل كيكة فوصل الفيلم إلى مهرجان "كان" 

ومنذئذ سُمح لجعفر بناهى أن يتحرك بحرية فى إيران، ونظراً إلى أن السلطات الإيرانية سحبت منه جواز سفره، فإن سفره خارج إيران لحضور المهرجانات العالمية مثل مهرجان برلين أصبح مستحيلاً.

ظهرت ردود مختلفة من الجهاز الحكومى الإيرانى، فمنظمة السينما التى يترأسها حجة الله أيوبى رحبت بفوز جعفر بناهى ووصل الأمر إلى حد إشادتها بتحدى بناهى لقرار منعه من إخراج الأفلام، بينما وفى نفس الوقت وجه أيوبى النقد إلى المهرجان الذى أشاع مغالطات، وطبقاً لنص كلام أيوبى "أنا فى حالة أسف لأنكم رغبتم أن تُوصلوا بعض المغالطات عن الإيرانيين عبر عرض فيلم "تاكسى" الذى أخرجه مخرج ممنوع قانوناً من إخراج الأفلام" ثم إستدرك "لكن وعلى أيه حال، هذا ما فعله بناهى بالفعل، انا سعيد بإعلانكم أن مخرج فيلم "تاكسى" مُستمر فى مساره الفنى بوتيرة أسرع، وأنه مستمتع بحياته"   

يتمتع جعفر بناهى بحالة من الحرية فى إيران لأن السلطات لا تُنفذ الحكم السابق عليه، لكن هذه السلطات تستطيع أن تضيق الخناق عليه ويمكنها أن ترسله إلى السجن، لكنهم أبعد ما يكون إلى تنفيذ ذلك نتيجة لهذا الإستحقاق الدولى الذى ناله لشخصه، وعلى حد قول مدير مهرجان "أسيان" السينمائى، ففوز بناهى وضعه فى مكانة أفضل.

أدلى بناهى فى يناير الماضى ببيان مؤثر عن الحكم بمنعه من إخراج الأفلام وعن رؤيته الإبداعية وكتب ما يلى "لاشئ يمكن أن يمنعنى من إخراج الأفلام لأننى عندما يتم وضعى فى أسوأ الحالات فإننى أتواصل مع ذاتى الداخلية، وفى هذا الحيز الخاص، وعلى الرغم من كل المحظورات، فإن الحاجة إلى الإبداع تستحيل إلى أمر مُلح".

فى لحطة إعلان فوز بناهى فى مهرجان برلين، وحيث تسلمت الجائزة إبنه أخته هانا سعيدى التى مثلت فى فيلم "تاكسى"، قال دارن أرونوفسكى رئيس لجنة التحكيم "بدلاً من أن يترك جعفر بناهى روحه تتحطم وأن يعتزل العمل، وبدلاً من ان يترك نفسه لحالة الغضب والإحباط، أبدع جعفر بناهى خطاب حب للسينما، ففيلمه يمتلأ بالحب لفن السينما وللمجتمع ولدولته ولمشاهديه".

بعد تجنيد جعفر بناهى فى بداية الثمانينات، بدأ مشواره كمصور سينمائى فى الجيش، وأسره المتمردون الأكراد لمدة قصيرة، ثم درس السينما فى طهران، وتنقل بين إخراج الأفلام التسجليلية والروائية حتى توج مشاره السينمائى بفيلمه "البالونة البيضاء" فى عام 1995 الذى نال جائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان "كان"، وهذه الجائزة كانت أول جائزة يحصل عليها الإيرانيون من مهرجان "كان".

بعد ذلك مالت أفلامه أكثر إلى السياسة ونستشهد على ذلك بفيلمه "الدائرة" عام 2000، وهو دراسة عن أربعة نساء أيرانيات تستعصى عليهن الحياة فى إيران، ثم فيلمه "الذهب البندقى" عام 2003، الذى يركز على إنسان فقير يُقاد إلى جريمة بسيطة، وهذا الفيلم أكسب بناهى نصراً ثانياً فى مهرجان "كان" حيث حصل الفيلم على الجائزة فى قسم "نظرة خاصة".
مشوار جعفر بناهى

بعد عدة سنوات فى عمل الافلام القصيرة والعمل كمساعد للمخرج الايرانى عباس كياروستامى ، بدأ جعفر بناهى اخراج الافلام ولقد حقق فيلمه ( البالونة البيضاء ) 1995 نجاحا نقديا وحضورا فى المهرجانات الدولية ، فقد حصل الفيلم على جائزة الكاميرا الذهبية من مهرجان كان 1995 ، ومنذئذ صار بناهى واحدا من اهم اسماء السينما الايرانية والعالم .
وحصل فى عام 1997 على جائزة الفهد الذهبى من مهرجان لوكارنو السينمائى بسويسرا عن فيلمه ( المرآة ) ، كما حصل فى عام 2000 على جائزة الاسد الذهبى من مهرجان فينيسا السينمائى عن فيلمه ( الدائرة ) ، كما حصل على جائزة الدب الفضى لاحسن مخرج من مهرجان برلين السينمائى 2006 عن فيلمه ( تسلل ) .
وبعد سنوات طويلة من الصراع مع الحكومة الايرانية فيما يتعلق بمضمون افلامه - وكان قد سبق للحكومة اعتقاله مرات عديدة لمدد قصيرة –  فان بناهى تم اعتقاله فى مارس 2010 كما تم اعتقال زوجته ايضا وابنته ، كما تم اعتقال 15 صديقا له ، وكانت التهمة تورطه فى التحريض على نظام الحكم الايرانى ، وعلى الرغم من الالتماسات التى وقع عليها سينمائيو العالم ومنظمات حقوق الانسان ، فقد تم الحكم على بناهى فى ديسمبر 2010 بالسجن لمدة 6 سنوات وايقافه لمدة عشرين عاما عن اخراج الافلام وكتابة السيناريوهات السينمائية والمنع ايضا عن اجراء اى حوارات صحفية سواء للاعلام الايرانى او الاعلام العالمى ، كما تم منعه من مغادرة البلاد ، وكنوع من رد الفعل الاستهزائى فقد اخرج بناهى فيلما تسجيليا قصيرا بكاميرا الموبايل وقد اسماه ( انه ليس فيلما ) ثم تم تهريب الفيلم فى فلاشه تم تخبأتها داخل كيكة ، فوصل الفيلم الى مهرجان كان عام 2011 فتم عرضه كنوع من التضامن السينمائى الدولى مع المخرج الايرانى بناهى .

مرحلة الطفولة .

وُلد جعفر بناهى فى 11 يونيو عام 1960 فى ( ميانيه ) بايران ، وهى منطقة اذربيجانية تقع خارج طهران ، وقد اعتبر بناهى ان اسرته تنتمى الى الطبقة العاملة ، ولقد تربى مع اربعة شقيقات وشقيقان ، وكان والده يعمل فى مهنة طلاء المنازل ( نقاش ) .
ان عائلته تتحدث الاذربيجانية فى المنزل وتتحدث اللغة الفارسية مع الآخرين ، وعندما كان بناهى فى العاشرة من العمر فانه كتب اول كتبه وهو عن ولد صغير يغش فى الامتحان لكنه يشعر بالذنب ثم يتم افتضاح امره ، ولقد حصلت هذه القصة على الجائزة الاولى فى مسابقة المكتبة .
ولقد بدأ عشقه للسينما فى سن الحادية عشر عندما كانت شقيقاته تدفعن له الاموال ليذهب الى سينما الحى ليشاهد الافلام ثم يعود اليهن ليحكى ويمثل لهن مشاهد كل فيلم ، فشقيقاته كان مُحرم عليهن الذهاب الى السينما ، وكان جعفر بناهى نفسه محروما الا انه كان يتخفى من والده الذى كان هو ايضا من عُشاق السينما ، ويقول بناهى ان والده قال له ( هذه الاقلام ليست جيدة لمثلك ) لكن بناهى كان يريد ان يرى ما هو ليس جيدا بالنسبة له ، وفى احد الايام ضبطه والده فى السينما فتعرض بناهى الى عقاب شديد من والده .
لكن هذا العقاب لم يردعه عن الذهاب الى السينما ، فقد اعتاد ان يذهب الى دور السينما التى لا يذهب اليها والده ، ثم بدأ يرتاد معهد التأهيل المهنى للاطفال والمراهقين ، وكان هذا المعهد يعرض الافلام الاجنبية كما شاهد افلام المخرج الايرانى عباس كياروستامى فى هذا المعهد ايضا ، فلقد كان كياروستامى واحدا من مؤسسى هذا المعهد فى عام 1969 ، ولقد شاهد بناهى فيلم ( سارقو السيارات ) لفيتوريو دى سيكا ، ويقول بناهى انه عندما شاهد هذا الفيلم لاول مرة قال لنفسه ان هذا الفيلم لا يخدعنى .
وفى هذه الاثناء بدأ جعفر بناهى تجاربه فى التصوير وعمل الافلام القصيرة من مقاس ( السوبر 8 ) ، كما مثل فى احد هذه الافلام ، كما اعتاد ان يساعد مدير مكتبة المعهد فى تشغيل البرنامج الذى يعلم رواد المعهد من الاطفال كيف يُشغلون الكاميرا السينمائية .
وعندما كان فى الثانية عشر من العمر ، توجب على بناهى ان يعمل بعد خروجه من المدرسة لكى يوفر الاموال لكى يذهب لمشاهدة الافلام السينمائية ، ويبدو ان الفقر الذى عاشه فى طفولته ساعده على تضمين رؤى انسانية فى افلامه عندما صار مخرجا .

مرحلة الشباب .

وعندما كان عمره عشرين عاما ، التحق جعفر بناهى فى الخدمة العسكرية وشارك فى الحرب العراقية – الايرانية كمصور حربى من عام 1980 الى عام 1982 ، لكنه فى عام 1981 اسره المتمردون الاكراد الذين كانوا يحاربون القوات الايرانية ، وقد استمر بناهى فى الاسر لمدة 76 يوما .
ولقد اخرج جعفر بناهى فيلما تسجيليا عن تجربته فى الحرب بعد ان انهى خدمته العسكرية ، وقد تصادف ان التليفزيون الايرانى عرض هذا الفيلم
والتحق بناهى بكلية التليفزيون والسينما فى ايران ، حيث درس الاخراج السينمائى وتأثر بمخرجى السينما العالميين مثل ألفريد هيتشكوك وهوارد هوكس ولوى بانويل وجان لوك جودار ، واثناء الدراسة ايضا تعرف على المخرج بارفيز شهبازى واصبحا صديقان ، كما تعرف على مدير التصوير فارزاد جودت الذى صور جميع افلام بناهى الاولى ، واثناء الدراسة ايضا دخل مركز بندر عباس – الواقع على شاطئ الخليج العربى حيث اخرج اول افلامه التسجيلية ، كما بدأ العمل كمساعد مخرج فى افلام استاذه فى الكلية فبل ان يتخرج فى عام 1988 .
وقد اخرج جعفر بناهى عدة افلام تسجيلية للقناة الثانية فى تليفزيون جمهورية ايران الاسلامية ، وكان اول افلامه القصيرة بعنوان ( الرؤوس الجريحة ) وهو فيلم تسجيلى عن الطقوس التى يقوم بها سكان المنطقة الاذربيجانية فى شمال ايران فيما يتعلق بجرح  رؤوسهم صباحا ، فالفيلم يوثق لذلك الطقس الخاص بتأبين الامام الشيعى الثالث ( الامام الحسين ) ، حيث يضرب الناس رؤوسهم بالسكاكين حتى تنزف منها الدماء ، وتوجب على جعفر بناهى ان يُصور هذا الفيلم فى السر ، ولقد مُنع هذا الفيلم من العرض لعدة سنوات .
وفى عام 1988 صور جعفر بناهى الفيلم القصير ( النظرة الثانية ) وهو فيلم تسجيلى يصور مرحلة تصوير الفيلم السينمائى ( جولنار ) للمخرج كمبوزيا باتروفى .
ويركز هذا الفيلم على صانع عرائس الماريونات لفيلم كمبوزيا باتروفى وعلاقته بعرائسه ، ولم يتم عرض هذا الفيلم الا فى عام 1993 .
وفى عام 1990 عمل جعفر بناهى كمساعد مخرج فى فيلم ( السمكة ) للمخرج كمبوزيا باتروفى ، وفى عام 1992 اخرج بناهى اول افلامه الروائية ( الصديق ) الذى يستلهم فيلم ( المال والممر) وهو اول افلام عباس كياروستامى ، وفى نفس العام اخرج جعفر بناهى ثانى افلامه الروائية القصيرة ( الامتحان الاخير ) .
فى هذين الفيلمين استخدم بناهى ممثلين عير محترفين ، وهما على عزيز الله ومهدى شهابى ، وقد حصل بناهى فى هذا العام على جائزة احسن فيلم واحسن سيناريو واحسن تصوير واحسن مونتاج من مهرجان التليفزيون الايرانى .
ثم حاول بناهى ان يقلد لوى بانويل عندما كان صغيرا حيث اتصل وقتها بالمخرج جان ابيشتين يطلب منه العمل معه فى السينما ، وقد ترك جعفر بناهى رسالة على ( الانسر ماشين ) لعباس كياروستامى ، ذكر فيها انه يحب افلامه ويلتمس اى يحصل على اى وظيفة فى فيلمه القادم ، وقد استجاب كياروستامى لبناهى وعينه مساعدا للاخراج فى فيلمه ( خلال اشجار الزيتون ) ، ولقد شاهد كياروستامى عددا من افلام جعفر بناهى القصيرة ، وقال عنه فى عام 1995 ان بناهى يتمتع بموهبة فائقة واعدة وسوف يكون واحدا من مخرجى ايران المستقبلين .

فيلم البالونة البيضاء  ( 1995 ) .
فيلم البالونة البيضاء

اخرج جعفر بناهى فيلم البالونة البيضاء عام 1995 ، وهو من انتاج القناة الثانية بالتليفزيون الايرانى وشركة فردوس السينمائية ومؤسسة فارابى السينمائية ، ان العنوان الاول للفيلم كان ( سنة جديدة سعيدة ) وقد طور بناهى القصة الاصلية مع بارفيز شهباز وحاول ان يحصل على تمويل من القناة الاولى الايرانية باعتبار ان مشروعه عبارة عن فيلم قصير ، لكن طلبه رُفض ، عندئذ عرض بناهى المعالجة السينمائية على عباس كياروستامى اثناء اخراجه لفيلم ( خلال اشجار الزيتون ) وقام كياروستامى بتشجيع بناهى ووافق ايضا ان يكتب السيناريو .
وقد كتب كياروسنامى السيناريو لبناهى فى سيارة اثناء قيامهما بالتجوال ، وفد كان بناهى يسجل حديث كياروستامى على شريط تسجيل ثم كتبه بعد ذلك على الألة الكاتبة ، وقد ساعد كياروستامى ايضا فى تسهيل تمويل الفيلم من القناة الثانية بالتليفزيون الايرانى ، وتوجب على بناهى ان يسافر الى جميع انحاء ايران لكى يتضمن فيلمه شخصيات من جميع الاصول الاثنية الايرانية .
ووجد بناهى الممثلة الرئيسية عايدة محمدخانى فى اول مدرسة زارها وقرر فورا ان يختارها لتمثيل دور راضية ، لكن بناهى اضطر الى اختبار نحو 2600 صبى لكى يختار الممثل الذى يصلح لدور ( على ) شقيق راضية ، واخيرا وقع اختياره على محسن كليفى ، لقد وظف بناهى ممثلين غير محترفين للادوار المساعدة فى فيلمه ، ويشمل ذلك بائع سمك حقيقى وجده بناهى فى سوق راشت ، واختار ايضا طالب جامعى لكى يجسد شخصية الجندى ، كما استعان ايضا بممثلة محترفة هى أنا بوركوسكا لتقوم بدور امرأة امريكية .
ونرى فى الفيلم ان راضية – تلك الفتاه التى تتمتع بارادة قوية وتعيش فى طهران – تريد ان تشترى سمكة ذهبية لجلب الحظ استعدادا لاحتفالية السنة الجديدة ، لكن راضية تكافح من اجل توفير مبلغ 500 طومان ( العملة الايرانية ) وهو المبلغ اللازم لشراء السمكة .
لقد حاول بناهى التقرب من عايدة وذلك لكى يمنحها الثقة فى نفسها ، فعلى سبيل المثال ، ولكى يجعلها تبكى فى اللقطة ، فقد جعلها تنظر اليه وهو يقف خلف الكاميرا ثم بكى فساعدها ذلك على البكاء .
لقد بدأ تصوير الفيلم فى بداية ابريل عام 1994 فى كاشان واستمر التصوير حتى بداية يونيو ، ولقد قال بناهى انه اراد عمل فيلم روائى ليثبت لنفسه انه قادرا على الاخراج السينمائى ، وانه قادرا على انهاء الفيلم بنجاح ويحصل على اداء تمثيلى جيد من الممثلين ، وقال ايضا ، ( لقد صورنا فيلما تكلف اقل من دولار فى الوقت الذى تتكلف فيه الافلام عادة ملايين الدولارات ، هذا ما حاولت ان احققه ) .
ان الافلام التى تتناول الاطفال عادة ما تتساهل معها اجهزة الرقابة الايرانية وتتغاضى عن الآراء السياسية ، ولقد تم عرض فيلم البالونة البيضاء فى دور السينما الخاصة بالاطفال ، ونتيجة لذلك لم يحقق هذا الفيلم سوى 130 الف تذكرة .
وفى المقابل نال الفيلم اربعة جوائز فى ايران ، من بينها جائزة مهرجان اصفهان لاقلام الاطفال والمراهقين ، وكذلك مهرجان فجر ، وبعد عدة سنوات تقرر ان يتم عرض هذا الفيلم سنويا فى قناة كانون الثانية بمناسبة بدء العام الجديد ، اما خارج ايران فقد نال فيلم البالونة البيضاء استحسانا نقديا عالميا ، كما فاز بجائزة ( الكاميرا دور ) من مهرجان كان لعام 1995 .
كما حصل الفيلم على الجائزة الذهبية لحاكم طوكيو كأحسن فيلم وحصل ايضا على التنين البرونزى كأحسن فيلم اطفال فى مهرجان طوكيو لعام 1995 ، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم فى مهرجان ساو باولو لعام 1995 ، وحصل ايضا على احسن فيلم من مهرجان ( سينفيست سادبرى ) .
لقد اُختير هذا الفيلم رسميا لكى يمثل ايران فى جوائز الاكاديمية كأحسن فيلم اجنبى ، لكن الحكومة الايرانية طالبت بسحب الفيلم كنتيجة لتدهور العلاقات الامريكية – الايرانية ، لكن الاكاديمية رفضت سحب الفيلم ، لكنه – على ايه حال – لم يترشح للجائزة ، ولقد منعت الحكومة الايرانية جعفر بناهى من السفر الى مهرجان صاندنس ، ومنعته ايضا من اجراء حوار تليفونى مع صحفى امريكى كنوع من الترويج للفيلم .

فيلم المرآة ( 1997 ) .
فيلم المرآة

ثم اخرج بناهى ثانى افلامه الروائية وهو فيلم المرآة ، وكان من المقرر ان يقوم باخراج فيلم ( الصفصافة والريح ) الذى كتب له السيناريو عباس كياروستامى ، لكن جعفر بناهى اصر على اخراج عمل خاص به بدلا من ذلك .
لقد استلهم بناهى موضوع الفيلم اثناء حضوره مهرجان بوسان فى كوريا الجنوبية ، فقد شاهد طفلة تجلس عى مقعد فى حديقة تبحلق فى السماء ، وقال بناهى انه شاهد هذا الامر مرات عدة من قبل فى ايران لكنه لم يوله اهتماما .
ولقد قال بناهى  ( لقد اخترت صبية ووضعتها فى موقف حيث يتوجب عليها ان تتصرف بمفردها ، ان كل من تقابله الصبية فى رحلتها يبدو كما لو انه يرتدى قناعا او يلعب دورا ، لكننى اردت ان ألقى هذه الاقنعة بعيدا ) ، لقد قامت مينا محمدخانى ببطولة الفيلم ، وهى شقيقة عايدة محمدخانى ، انها فى الفيلم تجسد شخصية صبية اسمها باهاران وفى نفس الوقت تجسد شخصيتها ايضا .
لقد حصل الفيلم على جائزة الفهد الذهبى من مهرجان لوكارنو السينمائى ، كما حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة احسن مخرج من مهرجان سنغافورة 1998 ، كما حصل الفيلم على التيوليب الذهبية من مهرجان اسطنبول 1998 ، وحصل ايضا على جائزة فيربيشى وبلورة ايزنشتين الذهبية وجائزة نقدية من مهرجان ريجا 1998 ، كما حصل من مهرجان الارشيف الملكى ببلجيكا على جائزة زمن بانويل الذهبي .

فيلم الدائرة ( 2000 ) .
فيلم الدائرة

وفى عام 2000 اخرج بناهى فيلم الدائرة ، وهو من انتاجه بالاشتراك مع شركة ميكادو لوميير ، وعلى الرغم من ان بناهى اقر بانه ليس مخرجا سياسيا ، فان ثالث افلامه الروائية كان شديد الاختلاف عن فيلميه السابقين الذين يتعاملان مع عالم الطفولة ، اما فيلمه الدائرة فقد كان فيلما نقديا يتعرض لطريقة معاملة النساء فى ظل النظام الايرانى الاسلامى .
ويقول بناهى انه بدأ مشواره السينمائى مع افلام الاطفال ، وعندما كان يفعل ذلك فانه لم يتعرض لاى مصاعب مع الرقابة ، ولكن بمجرد ان بدأ يقدم افلاما روائية ، فقد ظهرت المشاكل دفعة واحدة ، ويقول ، ( لقد عملت فى افلامى الاولى مع الاطفال لكننى بدأت افكر فى المحظرات التى سيتوجب على البنات ان تواجهنها عندما يكبرن ) .
ويستطرد بناهى ، ( ولكى استطيع تجسيد هذه المحظرات ، فقد ذهبت الى الطبقة الاجتماعية التى تظهر فيها هذه المحظرات ، انهن يعشن فى  اماكن مهمشة ، وهذا جعل الفكرة تخرج بصورة اكثر قوة ) .
لقد توجب على بناهى ان ينتطر عاما كاملا حتى يستطيع ان يحصل على موافقة السلطات على تصوير الفيلم ، ان فيلم الدائرة تم سحبه بأمر السلطات الايرانية من المشاركة فى مهرجان فجر السينمائى بدعوى انه يزدرى النساء المسلمات ، كما مُنع الفيلم من العرض فى ايران .
لقد استغرق تصوير الفيلم نحو 53 يوما ، وكالعادة ، فقد استخدم بناهى ممثلين غير محترفين باستثناء فاطمة نجفى وفريشته صدر عُرافى .
لقد عثر بناهى على ممثلة الدور الرئيسى نرجس ماميزادة فى احد الايام فى حديقة ، فعرض عليها الدور على الفور ، ان الفيلم يبدأ بلقطة طويلة بكاميرا محمولة تدوم ثلاث دقائق ، وقد اعاد بناهى تصويرها ثلاثة عشر مرة حتى يرضى عنها ، ان بناهى قدم حياة البطلات الاربعة للفيلم بطريقة تصوير مختلفة لكل منهن .
وطريقة التصوير الاولى اختص بها المرأة المفكرة حيث استخدم الكاميرا المحمولة ، وللمرأة الثانية استخدم كاميرا مثبتة على شاريو متحرك ، والمرأة الثالثة فقد اظهر الليل والعتمة خارج المشهد  وكان يستخدم اللقطات المكبرة ، اما المرأة الاخيرة فقد كانت اقلهن تفائلا لذلك فقد استخدم معها لقطات ثابتة كما استخدم شريط صوت باقل قدر ممكن .
لقد فاز بناهى بجائزة الاسد الذهبى – الجائزة الكبرى – من مهرجان فينيسيا السينمائى عن فيلم الدائرة ، كما فاز ايضا بجائزة ( فيبريشى ، وجائزة اليونيسيف ، كما حصل على تنويه خاص ، كما حصل على جائزة ( ترازاتى ) وجائزة نقاد السينما الايطاليين لاحسن ممثلة فى مهرجان فينسيا ، لقد واصل الفيلم نجاحه النقدى فحصل على جائزة ( فيبريشى ) باعتباره احسن افلام العام من مهرجان سان سيبستيان السينمائى ، كما ظهر هذا الفيلم ضمن اهم عشرة قوائم نقدية على مستوى العالم ، كما حصل القيلم على جائزة مهرجان مونتيفيدو السينمائى الدولى ، وجائزة حرية التعبير من المركز القومى للنقد السينمائى .

فيلم الذهب البندقى – 2003
فيلم الذهب البندقى

اخرج بناهى فيلم الذهب البندقى فى عام 2003 وهو من انتاجه ، ويتناول الفيلم حياه رجل يعمل فى توصيل طلبات البيتزا للبيوت ، ويفشل هذا الرجل فى محاولة لسرقة محل مجوهرات ، ويتناول الفيلم الاحداث التى قادته الى الجريمة .
تعتمد قصة الفيلم على وقائع حقيقية سمعها بناهى لاول مرة من عباس كياروستامى عندما كانا متوقفين فى زحمة مرورية اثناء توجه كياروستامى الى احد معارض صوره الفوتوغرافية .
لقد تأثر بناهى كثيرا بالقصة ووافق كياروستامى ان يكتب السيناريو ليخرجه بناهى ، ولقد ترشح هذا الفيلم لقسم ( نظرة خاصة ) فى مهرجان كان السينمائى ، حيث فاز بجائزة لجنة التحكيم ، كما حصل على الجائزة الذهبية فى مهرجان شيكاغو السينمائى ، ولقد مُنع هذا الفيلم من العرض فى ايران مثل فيلم الدائرة .

فيلم تسلل – 2006
فيلم تسلل

اخرج بناهى فيلم تسلل فى عام 2006 ، وهو عن مجموعة من البنات الايرانيات اللاتى يتشبهن بالاولاد لكى يستطعن دخول استاد ازادى لمشاهدة مبارة كرة قدم بين ايران والبحرين .
وقد تم تصوير معظم الفيلم اثناء مبارة حقيقية ، ان النساء فى ايران اصبحن ممنوعات من مشاهدة مباريات كرة القدم فى الملاعب منذ قيام الثورة الاسلامية فى عام 1979 باعتبار ان الشتائم والصيحات من المسائل الشائعة ، كما ان اللاعبين يرتدون ملابس قصيرة وهو ما يعتبره النظام الاسلامى عورة ، وتجدر الاشارة الى الرئيس محمود احمدين جاد – رئيس ايران – حاول تغيير هذا القانون لكن مجلس العلماء رفض .
وقال بناهى انه استخدم مبارة كرة القدم كنوع من الرمز للتتعبير عما تلاقيه النساء من تمييز وباشكال متعددة ، وان فيلمه يتمحور حول هذه القضية ، ويقول بناهى ان فيلمه محاولة للتغيير فى المجتمع الايرانى .
ان الفيلم يستوحى واقعة حقيقية حدثت قبل عدة اعوام ، فقد مُنعت اخته والبالغة اثنى عشر عاما من دخول استاد كرة القدم لكنها استطاعت ان تحتال وتمكنت من الدخول .
وكان بناهى يعرف ان فيلمه سيثير المشاكل ، ولذلك فقد تقدم بسيناريو مزيف الى السلطات الايرانية عن بعض الولاد الذين يذهبون لمشاهدة مبارة لكرة القدم وذلك لكى يحصل على الموافقة على تصوير الفيلم .
وقبل ان يبدأ بناهى فى تصوير الفيلم  فوجئ بان وزارة الارشاد – المسؤولة عن تراخيص التصوير –  تقول انهم لن يمنحوه تصريح التصوير الا اذا اعاد مونتاج افلامه السابقة .
وحتى لا تضيع على بناهى فرصة تصوير الفيلم اثناء كأس العالم لكرة القدم ، فقد تجاهل قرار وزراة الارشاد وبدأ فى تصوير الفيلم ، وكالعادة ، فقد وظف بناهى ممثلين غير محترفين ، كما استعان بمجموعة من بنات الجامعة فى الادوار الرئيسة وكان قد تعرف عليهن من خلال اصدقاءه وعرف عنهن انهن يعشقن كرة القدم .
تم تصوير الفيلم فى 39 يوم ولكى يستطيع ان يتحرك بناهى دون ان يلاحظه احد من جماهير استاد كرة القدم ، فقد استخدم كاميرا ديجيتال اول الامر لانها اصغر حجما ولا تلفت الانظار اليها  ، كذلك فقد قدم بناهى مساعد المخرج باعتباره مخرج الفيلم حتى لا يلفت نظر وزارة الارشاد والقوى المحافظة فى النظام الايرانى .
لكن وقبل ان ينتهى تصوير الفيلم بايام قليلة فان مقالا صحفيا تحدث عن عملية تصوير الفيلم وذكر المقال ان بناهى هو مخرج الفيلم ، وبناءا عليه فقد حاولت وزارة الارشاد والقوى المحافظة ان يوقفوا الفيلم وان يُصادروا اللقطات التى تم تصويرها ، وعلى ايه حال ، فان مجموعة اللقطات التى تحدث فى اتوبيس كانت هى اللقطات الباقية على اكتمال الفيلم ، وبذلك فقد تمكن بناهى من اكمال الفيلم .
لقد كان العرض الاول للفيلم فى مسابقة مهرجان برلين السينمائى عام 2006 حيث حصل بناهى على الدب الفضى – جائزة لجنة التحكيم للكبرى –  ولقد مُنع فيلم تسلل من العرض فى ايران مثل فيلميه السابقين الدائرة والذهب البندقى ، وكان بناهى قد خطط لعرض الفيلم فى جميع انحاء ايران ، كما كان من المتوقع ان يحقق الفيلم نجاحا كبيرا غير مسبوق .
وبعد يومين من قرار منع الفيلم ، فان نسخة دى فى دى مقرصنة اصبحت متوفرة فى جميع انحاء ايران ، وقال بناهى ان فيلمه تسلل تمت مشاهدته فى ايران على نطاق واسع ، وبعد ظهور الفيلم بهذه الطريقة فان مجموعة نسوية معارضة تسمى نفسها بنات النقاب الابيض بدأت  تظهر فى مباريات كرة القدم حاملات لوحات مكتوب عليها ( نحن لا نريد ان نكون تسلل ) .
ان موزع الفيلم فى امريكا - شركة افلام سونى الكلاسيكية – قد كتب خطابا الى وزارة الارشاد الايرانية يلتمس منهم السماح بعرض الفيلم اسبوع واحد فى ايران حتى يستطيعوا بدء حملة لترشيح الفيلم لجائزة اوسكار احسن فيلم اجنبى لكن السلطات الايرانية رفضت هذا الالتماس .

04‏/02‏/2015

الجذور الدادية للسيريالية

المصدر:- ------
ترجمة:- ممدوح شلبى
سلفادور دالى

تعود أصول السينما السيريالية إلى الحركة الدادية، تأسست الحركة الدادية فى زيوريخ بسويسرا عام 1915 من مجموعة من المثقفين والفنانين من جنسيات مختلفة فروا إلى سويسرا التى كانت محايدة فى الحرب العالمية الأولى، وكان فرارهم إحتجاجاً على هذه الحرب، وكانت هذه المجموعة ترى أن جنون العظمة والرأسمالية الصناعية كانتا وراء إندلاع الحرب العالمية الأولى، ولذلك فإنهم يعتبرون أن الحركة الدادية ثورة أخلاقية.
 
فى عملية إبداع الفن الدادى، ليس للفنان أهمية خاصة، فهو -أو هى- مجرد وعاء يظهر من خلاله الإبداع، فالعملية الإبداعية أصبحت عملية آلية، تعتمد على فرص إحلال صوت اللاوعى.
 
أحس الداديون أنهم بسماحهم لمثل هذه القوى العشوائية وغير الشخصية أن تقود العملية الإبداعية، فالفن أصبح "صرخة من الأحشاء"، هدف الدادية كان التشكيك فى قوة اللغة والأدب والفن فى تقديم الحقيقة، التى شعروا بأنها غير قابلة للتقديم وفوضوية بصورة عبثية، وهو ما أطلقوا عليه "ضد الحقيقة"، ورأت الدادية الفن بوصفه ترفاً وإسرافاً، ولذلك فقد عملوا على تغيير محتوى العملية الإبداعية، فالفن يجب أن يكون نتاج معايشة.
 
تجنب مارسيل دوشامب ( 1887-1968) الرسم الفنى فى عام 1913 وبدأ فى إختيار ما أسماه "النماذج الجاهزة" وهى الموضوعات اليومية التى لا تحمل قيمة فنية، وكانت لوحة "النافورة" أكثر اللوحات تعبيراً عن هذا الميل، فهى ببساطة ترسم خط ماء النافورة الذى يميل إلى جانبه، وإبتدع فنانو الدادية تيار الوعى فى الشعر، وإبتدعوا الفوتومونتاج فى الرسم، وفى النحت إبتدعوا موضوعات جديدة، وإبتدعوا المسرح الإرتجالى المتبجح الذى يستهدف إغضاب المشاهدين وإدهاشهم، أراد الداديون أن يدفعوا الجمهور إلى التساؤل عن ماهية ومذاق ومكان الفن فى المجتمع المعاصر، وكان الجمهور فى العروض المسرحية والمعارض الفنية للداديين يصخب ويهتاج ويبدو الأمر وكأن أحداث شغب على وشك أن تندلع، وكان هذا من دواعى سرور الفنانين.
 
وسرعان ما أصبح تريستان زارا (1896-1963) قائداً لحركة الدادية ونشر بيانه عن الدادية عام 1918، وفى إثناء رئاسته إزدهرت الدادية وإشتهرت بالعدمية والفوضى وعدم الجدوى وحس الفكاهة الكئيب، وبعد أن إنتهت الحرب العالمية الأولى، قدم زارا الدادية إلى المثقفين فى باريس عام 1919، وبدأت باريس تتقبل الدادية بعد ان أحدثت لهم صدمة فى بادئ الأمر، ثم طوروها، لكن ما حققته الدادية من فن يستهدف خلق الهواجس والفوضى فى المجتمع بدأ فى التلاشى، كما أن صراعاً بين زارا وبريتون بدأ فى الإحتداد، فبريتون بدأ يناقش أطروحة سيجموند فرويد فيما يتعلق باللاشعور وأراد أن يجعل نظرية فرويد إطاراً للعملية الإبداعية للدادية.
 
 
رأى زارا أن التحليل النفسى مجرد أداة للتضليل وللتصورات البرجوازية، وهذا من وجهه نظره يتعارض مع الدادية بوصفها ضد الواقع، أما بريتون فكان يرى أن إفتقاد زارا إلى الجدية كان هو السبب فى التدمير الذاتى للدادية، واراد بريتون أن يعيد تنظيم الدادية ويعيد إحياءها، وكان يعمل على دمج ولعه بفرويد مع الفن التلقائى الدادى، وهو ما ادى إلى ظهور السيريالية كحركة فنية جديدة.
 
وبحلول عام 1922 كانت الدادية قد ماتت، بينما كان العديد من الداديين ينظرون إلى بريتون بإعتباره خائناً للدادية، لكن عدداً آخر من الداديين تحولوا إلى السيريالية، وبعد مدة زمنية وجيزة سُميت "الحركة السرية" حيث كان السيرياليون يُعرفون حركتهم الفنية بإعتبارها الدادية التى زالت، ونشر بريتون – الذى كان يُسمى عراب السيريالية- البيان السيريالى الأول فى عام 1924، وهو إعلان السيريالية عن حقوق الإنسان عبر تحرير اللاوعى.
 
كان هدف السيريالية هو دمج الحلم بالواقع حتى يستطيع الفن الناشئ أن يتحدى محدودية التعبير والتصور، وتخلت السيريالية عن هدف الدادية فى الفن بوصفه تصديراً مباشراً للفكر وركزت بدلاً من ذلك على التعبير عن تهافت وإزدواجية اللغة عبر الصور.
 
الصورة السيريالية يمكن أن تحتوى على معنى لفظى ومعنى تصويرى، فللصورة وظيفة مزدوجة، أولاً، الصور التى تبدو متعارضة مع بعضها بعضاً لابد من دمجها معاً من أجل خلق مقارنات غير مسبوقة تساعد على تعطيل إستمتاع المُشاهد السلبى ولكى تعطل التوقعات التفليدية التى ينتظرها المُشاهدون من الفن، هذا التكنيك ربما كان مُتأثراً بنظرية المونتاج السوفيتى، والذى كان مألوفاً بالنسبة للسيرياليين، وثانياً، يجب على الصورة أن تحدد بداية إستكشاف اللامعلوم أكثر من مجرد تقديم شئ بشكل جمالى، فبدلاً من أن تتعاطى السيريالية الجمال فإنها كانت تهتم بالإضطرابات النفسية، و" الجمال المشوش" يتم خلقه من خلال الصور الإستثنائية والتحليلات التى تولدها الصورة فى عقل المُشاهد.
 
إستخدم الرسام السيريالى سلفادور دالى تكنيك الواقعية الفوتوغرافية من أجل التشكيك فى العالم الحقيقى، فكان يصور موضوعات الحلم ( مثل تلاشى الساعات) فيما يحيط بنا فى حياتنا اليومية العادية، كما أزال الحدود بين الواقع والخيال، وتعتمد لوحاته كثيراً على التصورات الفرويدية.
رينيه ماجريت
 
وكان الرسام رينيه ماجريت (1898- 1967) يعمل على تغريب الأشياء المألوفة مثل (القبعات والتفاح والغليون) عن طريق فصلها عن معانيها فى اللغة، ويعيد تقديم هذه الأشياء كألغاز عبثية.