09‏/04‏/2014

الأسلوب السينمائى

محاضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى
الزوال


الأسلوب فى السينما يشمل عناصر كثيرة جداً وقد يكون من المفيد أن نختصر مجال البحث فى عدد قليل من هذه العناصر، أحد هذه العناصر يختص بالكادر والطرق المتعددة التى تدخل بها الشخصية الكادر، وعنصر آخر يتعلق بالفرق بين المونتاج داخل الكادر وبين إيقاع اللقطة، ومن العناصر الأقل اهمية هو إمتلاء أو فراغ الكادر، وكذلك الطريقة التى يستخدم بها المخرجون اللون.
 
أزهار شنغهاى
المطارد

أولاً، إنه من المفيد أن نتحدث عن الكيفية التى يستخدم بها المخرجون الكادر، وكيف يوظفونه كمساحة تتسع للدخول والخروج، ففى مشاهد من فيلم "قواعد اللعبة" " La Regle du Jeu " لجان رينوار نلاحظ كيف أن المخرج يرى الكادر كمساحة لعدد كبير من نقاط الدخول والخروج، وعندما تحدث النقاد عن الطرق الستة التى تستطيع بها الشخصية الخروج أو الدخول إلى الكادر- من أعلى ومن أسفل ومن اليسار ومن اليمين ومن المقدمة ومن الخلف- وربما كان رينوار هو أكثر مخرج وظف الكادر كنقطة للدخول والخروج.

فمعظم المخرجين يبدأون المشهد بالشخصية وهى موجودة أصلاً فى الكادر ويُنهون المشهد بخروج الشخصية من اللقطة، أما رينوار فقد إبتدع الإحساس المحموم بالمفاجأة خلال فوضى تكويناته، وهذا قاد الكثيرين إلى تفنيد مهارة رينوار، لكن ناقداً مثل اندريه بازن " Andre Bazin " دافع عنه بقوة قائلاً أن رينوار من المخرجين المهتمين باللقطة أكثر من المونتاج.

ففى هذا السياق وبينما يعتقد المخرج والمُنظر السوفيتى العظيم سيرجى إيزنشتين ومعه مواطنه فلاديمير بودوفكين وكذلك المُنظر رودولف أرنهايم وبيلا بيلاش، أن اهمية السينما تكمن فى المونتاج (رغم ان أرنهايم يعتقد ان مخرجى المونتاج السوفييت يُبالغون فى هذه القضية) فإن أندريه بازن على العكس من ذلك يعتقد أن أهمية السينما تكمن فى الميزانسين وفى إخراج المشهد من خلال لقطة واحدة (اللقطة – المشهد).

وبينما كان هؤلاء المُنظرون يعتقدون ان القيمة الحقيقية للسينما تكمن فى إختلافها عن الواقع، كان أندريه بازن يعتقد أن اهميتها تكمن فى تشابهها بالواقع، وبناءاً عليه يكمن تقدير بازن الكبير لرينوار فى (إستبدال جزئى للمونتاج بلقطات مُتابعة "بان" ولقطات الدخول، وهذا يعتمد على إحترام إستمرارية الحيز الدرامى وزمن اللقطة بالطبع).

فكان رينوار يسمح للشخصيات أن تخرج وتدخل اللقطة وهذا الأسلوب جعل السينما تتطور، او كما قال بازن بنص كلامه (تصميم حركة الموضوعات بدقة من أجل تصويرها فى حركتها) وهذا منح السينما إحساس الحياة وجعلها تتنفس.

لكن وكما لاحظ بازن، إن إستخدام الكادر لم يكن هو العنصر الوحيد الذى جعل رينوار مُهماً من الناحية الأسلوبية، فهناك أيضاً إحساسه بالزمن فى اللقطة، فالزمن لا يكون موجوداً فقط فى مكونات الحدث الروائى كأجزاء من الفيلم يتم تجميعها مونتاجياً، لكنه يكمن أيضاً فى (المونتاج داخل الكادر) فرينوار يستخدم الحركة المُتابعة للكاميرا أو يحرك الكاميرا بدون قطع ليجعلنا نفهم الحدث الذى نحتاج ان نحضره كمشاهدين، هذا هو المونتاج داخل الكادر الذى يجعلنا أيضاً منشغلين جداً كمشاهدين ونرنو إلى الشخصيات وهى تنزل السلالم أوتأتى من الأبواب أو تتحدث مع بعضها بعضاً- وهذا المونتاج داخل الكادر هو الذى يمنحنا كل المعلومات التى نتوقعها فى الأفلام الكوميدية الهزلية (والتى قد تكون شبيهة بشكل أو آخر) لكن بكثير من التحرر البصرى

وهذا لا يعنى بالضرورة أن المخرجين يقولون أننا يمكننا أن نركز على ما يروق لنا، وهناك نقاد مثل ديفيد بوردويل ولوسى فيشر فندا القناعات البازينية المُتعلقة بالصورة الديمقراطية: أليس الشيئ الموجود فى مركز الكادر أكثر أهمية دائماً مما على هامش الكادر؟ ألا يستخدم المخرجون عادة ألواناً معينة ليثيروا الإهتمام باحد مكونات الكادر؟ وأى ديمقراطية تلك التى يريد المخرج من المشاهدين أن يحسوا بها؟ الفرق عادة يكون بين معلومات فرعية ليست هامة وبين معلومات فرعية هامة، ودعونا نستدعى القزمة فى فيلم "لا تنظر الآن" " Don’t Look Now " فثوبها الأحمر أكثر أهمية من موضع هذه القزمة فى الكادر، ولكنها عندما تصبح مهمة فى الحدث فإنها تحتل مركز الصورة.

كان رينوار مخرجاً عظيماً فى المونتاج داخل الكادر نوعاً ما لأنه كان يعطينا كل المعلومات الضرورية بهذه الطريقة والتى لا تجعلنا نُشكك فى اهمية ما نشاهده.

هذا التقليد الذى مارسه رينوار تكررت الإشارة إليه فى فيلم "لمسة شر" " Touch of Evil" لأورسون ويلز أستاذ القطة- المشهد، وفى فيلم "اللاعب" " The Player " لروبرت ألتمان، وفى فيلم "عيون الثعبان" " Snake Eyes " لبراين دى بالما وفى فيلم "أولاد طيبون" " Good Fellas " لمارتن سكورسيزى، وفى فيلم "ليالى الراقصة" " Boogie Nights " للمخرج بى.تى. اندرسون.

ففى هذه الأفلام يمنح المونتاج داخل الكادر كل المعلومات التى يحتاجها المشاهدون بدون أن يختلط عليهم الأمر فيما يشاهدوه عامة، ففى اللقطة الإفتتاحية الشهيرة من فيلم "لمسة شر" يغطى أورسون ويلز دولتين ويؤسس لقصة الفيلم حيث تتبع الكاميرا كل من تشارلتون هيستون وجانيت ليه " Janet Leigh " عند الحدود الأمريكية المكسيكية، فأورسون ويلز يصور هذا المشهد بلقطة واحدة خلاقة تجعل اللقطة فى حد ذاتها كفترة لإلتقات الأنفاس لما يحدث فى نهاية اللقطة حيث تنفرج القنبلة.

فثمة شكل من أشكال المونتاج داخل الكادر فى فيلم ويلز، ولكن من الواضح أن – إيقاع اللقطة – تلك التسمية التى اطلقها أندرى تاركوفسكى- " Andrei Tarkovsky " ليست موجود فى فيلم ويلز، رغم أن كل من ويلز وتاركوفسكى يعتمدان على اللقطة – المشهد: فيلم أورسون ويلز يتجنب المونتاج، لكن المونتاج موجود فى الكادر كما سبق أن نوهنا" فالكاميرا تتحرك لتعطينا كل المعلومات الهامة كما لو أن المونتاج موجود.

لكن إيقاع اللقطة يجعل المشاهدين أقل تأكداً فيما يتعلق بما يجب عليهم ان ينال تركيزهم، فعلى سبيل المثال فى الفيلم التايوانى "أزهار شنغهاى" " The Flowers of Shanghai" للمخرج هو هسياو هسين " Hou Hsiao Hsien " تنتحر شخصية فى خلفية اللقطة ومن الممكن جداً ألا يلاحظ المشاهدون ذلك لأنهم يركزون على ما يحدث فى مقدمة اللقطة.

وبينما يعتمد المخرج كثيراً على حركة المتابعة بالكاميرا او حركة "الزووم أن" لتصوير الشخص كما لو أنه على وشك القفز، أو يكشف عن الشخصية وهى ترتدى ملبساً له بريق لونى معيناً لينبهنا إلى هذا العنصر فى الكادر، فالفيلم يطلب منا أن نكون متنبهين دائماً لكل شيئ داخل اللقطة، كما لو أن المخرج سيكشف لنا عن حدث خطير ولكنه بهذا الأسلوب قد يجعلنا لا نتنبه إلى هذا الحدث، وفى إيقاع اللقطة يمنحنا المخرج غالباً أقل الفليل من هذا كله، ويتوجب علينا ألا نتفاعل كثيراً مع الحدث فى اللقطة ولكن مع الإيقاع، وكل من تاركوفسكى والمخرج اليونانى ثيو أنجلوبولوس والمخرج المجرى بيلا تار يستخدمون هذه الطريقة، ولكن الكثير من المخرجين الأسيويين يقدموا أسلوباً مختلفاً تماما فى إستخدامهم لهذا النوع من اللقطات مثل هو هسياو هسين وتساى ماينج ليانج وهونج سانج سو.

فى أحد مشاهد فيلم "المطارد" " Stalker " لتاركوفسكى، تذهب الشخصيات إلى نطاق يُغلفه سحر أخاذ، فالصورة أقرب ما تكون إلى كادرات رائعة للنيران أكثر من كونها سرداً بصرياً، وهنا يبدو الإيقاع مُهما بنفس أهمية المعلومات التى تنقلها اللقطة.

نوهنا بشكل مقتضب فى بداية هذه المحاضرة عن الكادر الفارغ والكادر الممتلأ، والمخرجون الذين يهتمون كثيراً بإيقاع اللقطة هم أكثر من يميلون إلى الصورة المُشبعة مثل جان رينوار وروبرت ألتمان، بينما اغلب مخرجى "اللقطة ذات الإيقاع" ينشدون الكادر الفارغ مثل بيلا تار وثيو أنجلوبولوس.

والحقيقة أنه لا توجد قاعدة صارمة فى هذا الموضوع، فمايكل أنجلو أنطونيونى واحد من أكبر مخرجى الكادر الفارغ، وهو لا يهتم بعنصر الإيقاع رغم انه يعمل دائماً بأسلوب اللقطة-المشهد.

ففى فيلم "إنفجار" وكذلك فى فيلم "الكسوف" " The Eclipse " وفى فيلم "المغامرة" " L’Avventura " وأفلام أخرى، يخلق انطونيونى أحياناً مساحة غير مهمة وبهذه الطريقة يُفرغ الكادر، فالمدينة فى فيلم "إنفجار" هى مدينة لندن، لكن انطونيونى يكرس الميزانسين لخلق محيط خالى بشكل غريب، وإذا كان جان رينوار يريد من اللقطة أن تزخر بالحياة، فإن أنطونيونى يقدم لنا العكس، فالإختلاف يكمن بين الكادر المُشبع عند رينوار وبين الكادر الفارغ عند انطونيونى.

وهذا ينقلنا للحديث عن قضية اللون، فأنطونيونى -الذى بدأ عمله السينمائى فى عام 1950- تم إعتباره واحداً من أعظم الملونين فى السينما رغم أنه لم يستخدم الألوان إلا فى عام 1964، وإن أسلوبيتة فى الفيلم الملون لم تتواجد فقط إلا فى ثلاثة من أفلامه هى "الصحراء الحمراء" و"إنفجار" و"نقطة زابريسكى" إنه مخرج يستخدم الألوان كما لو كان رساماً مثله مثل المخرج دوجلاس سيرك وفينسنت مانيللى ونيكولاس راى الذين كانوا فى حقبة الخمسينات: وهم لم يستخدموا اللون لغاية ميلودرامية ولكن لدواعى النبرة و"المود".

فى فيلم "إنفجار" كانت الألوان ميتة أكثر منها متلألئة كما لو ان انطونيونى يُحيد اللون بدلا من تشبيعه –بصرف النظر عن المشهد الشهير الذى لون فيه العشب باللون الأخضر القاتم.

هذا التلاعب بالألوان أصبح أكثر إستخداماً فى سينما اليوم، ويتحدث ديفيد بوردويل فى كتابه "الطريقة التى تقولها هوليوود" " The Way Hollywood Tells It " عن الألوان فى أفلام مثل فيلم "أفيتار" وفيلم "موسيقى جنائزية لحلم" " Requiem for a Dream" حيث يستخدم المخرجون اللون فى علاقته بالتطور الدرامى أو أن ينبهون إلى تغيير فى الحقبة الزمنية او تغيير فى فصول العام، واحياناً يكون هذا الامر مُعبراً كما فى فيلم "بعيداً عن الجنة" " Far From Heaven " للمخرج تود هاينيس " Todd Haynes’ ".

الشيئ الاخير الذى يجب التنويه عنه بإقتضاب يتعلق بالأفلام التى تتلاعب بالأبيض والأسود والألوان، بداية بفيلم "ساحر أووز" " The Wizard of Oz " إلى فيلم "المطارد" " Stalker " وفيلم "شان الحياة والموت" " A Matter of Life and Death " إلى أكثر الإستخدامات تشدداً كما فى فيلم "لو" " If" لليندساى اندرسون وكذلك فى فيلم "يوميات لص وصبى من شينجوكو" " The Diary of a Shinjuku Thief and Boy " لناجيسا أوشيما.

وهذه الأفلام تخلق تحولات مهمة فى "المود" والنبرة وأسلوب السرد بالإنتقال بين أحادية اللون وبين الألوان المتعددة، واحياناً يلمح الأبيض والأسود إلى أمر دنيوى كما فى فيلم "ساحر أووز" وأحياناً يلمح لشيئ سماوى كما فى فيلم "شأن الحياة والموت" وهذا المغزى المباشر يستدعى أحياناً جدلاً كما فى فيلمى أندرسون وأوشيما، فالإنتقال اللونى يلمح إلى معنى لكنه لا يعبر عنه تماماً.

ففى مشهد من فيلم "يوميات لص وصبى من شينجوكو" يتحول الفيلم من الألوان المتعددة إلى اللون الأزرق الواحد بعد أن يفقد الصبى قبعته، وهذا قد يرمز إلى شقاءه، لكن هذا يبدو كما لو انه يحيد مشاعر الشفقة عند المشاهدين تجاه الشخصية أكثر من كونه تعبيراً عن الشفقة، فالمغزى من هذا التحول اللونى ليس بليغاً – على عكس الأفلام الكلاسيكية- فإستخدامه فى فيلم "يوميات لص وصبى من شيكوجو" غير محدد ويحقق المسافية.

أهم شيئ يجب أن نضعه نصب أعيننا فيما له علاقة بكل ما نوهنا عنه فى هذه المحاضرة - دخول وخروج الشخصيات من وإلى الكادر، وإيقاع اللقطة، والمونتاج داخل الكادر، والكادر الفارغ والكادر الممتلأ، واللون، والإنتقال من الألوان المتعددة إلى الابيض والأسود – هو أننا لم ننشد أن نعمل قوائم تصنيفية عن إستخدام هذه الأساليب، لكننا ناقشناهم فيما له علاقة بما تنطوى عليه هذه الاساليب من إمكانيات.