20‏/04‏/2013

عناصر المونتاج السينمائى



المفيولا- أداة المونتاج السينمائى
محاضرة :- تونى مكيبن
ترجمة :- ممدوح شلبى 

منظرو الدراسات السينمائية مثل ديفيد بوردويل وكرستين تومسون فى كتاب "فن السينما" "Film Art" فرقا بين اربعة عناصر فى المونتاج السينمائى، هم العنصرالمكانى والعنصر الزمانى والعنصر الايقاعى والعنصرالبصرى، وسوف نناقش فى هذه المحاضرة هذه العناصر الاربعة وسأتحدث ايضا عن علاقتهم بالتقنيات المونتاجية التى تُستخدم فى السينما، مثل المونتاج الموازى ومونتاج التتابع ولقطة رد الفعل والقطع المونتاجى القافز واللقطة واللقطة العكسية "الكونتر"، وكذلك ما عُرف فى المونتاج باسم تأثير كوليشوف.

لكن دعونا اولا نشرح قليلا كل عنصر من هذه العناصر الاربعة على حدة، فالعنصران الاولان واضحان من اسميهما، فعنصر المونتاج المكانى يتعلق بالكيفية التى تمنتج فيها الافلام على اساس المساحة، بينما المونتاج الزمانى يتعلق بالكيفية التى تمنتج فيها الافلام على اساس الزمن، اما العنصر الايقاعى فهو الطريقة التى تمنتج بها اللقطات معا لخلق ايقاع سلس او خشن، واخيرا فان عنصر المونتاج البصرى هو كيف تتوافق الصور او لا تتوافق من الناحية المرئية عندما نقطع من لقطة الى أخرى.

واذا استدعينا العنصر المكانى فاى الافلام سترد الى اذهاننا كأمثلة عظيمة للمونتاج المكانى؟ وهنا سنجد ثلاثة افلام هم "بوليت" "Bullit" و"المغنية" "Diva" و"الوصلة الفرنسية" "The French Connection"، وهذه الافلام الثلاثة تشترك معا فى لقطات المطاردة، وعندما نقول انها افلام تحتوى على لقطات مطاردة، فاننا نتحدث اذن عن المونتاج المكانى الذى مُنتجت به هذه الافلام.

فى فيلم "الوصلة الفرنسية" - والكثيرون يعتبرونه اعظم فيلم مطاردة فى السينما- وهذا بسبب تجميع المشهد بطريقة منطقية، وكذلك بسبب الوضوح فى تنفيذه، انه يستخدم بعبقرية ما يُسمى بالمونتاج الموازى - والمعروف ايضا باسم المونتاج المتقاطع -  لكى يجعل المُشاهد واعيا بالتطورات فى المشهد، وسواء كانت اللقطة للشرطى بوب دويل الذى يقود باندفاع ويتطلع لاعلى القطار ليرى القناص الذى يحاول القبض عليه، او كانت اللقطة تكشف عن المخزن من وجهة نظر القطار اثناء اندفاعه واصطدامه به، فالفيلم يضعنا دائما فى افضل حالة مشاهدة لنفهم بالضبط ما يدور فى المشهد.

ويعتبر المونتاج المكانى هو الاكثر خلوا من التعقيدات السينمائية، فالقواعد السينمائية الرئيسية تتكون من لقطة تأسيسة ولقطة متوسطة ولقطة مقربة، وهذه القواعد هى محور الكلاسيكيات الهوليودية - حتى عندما يحاول المخرج ان يتلاعب بهذه القواعد-  ففى فيلم "كازابلانكا" "Casablanca" على سبيل المثال، فنحن نعرف فى اى مكان من باريس يتواجد "ريك والسا" لان المخرج يُؤسس المكان من خلال ظل النافذة المنعكس على الارضية، وعندئذ وفى نفس اللقطة نرى ريك مستندا على البار، وكانت العادة ان نبدأ بلقطة من خارج البار ثم تتبعها لقطة داخلية للبار وبعد ذلك اللقطة المقربة.  

اهمية كل من المثالين – فيلم الوصلة الفرنسية وكازابلانكا – انهما يوضحان بجلاء النظام المكانى للمشهد، وغالبا فالاختلاف بين مخرج جيد ومخرج عظيم فى السينما التقليدية يتحدد من خلال تأسيسه للمكان دون ان يتوه منه المتفرج.

ولكن ماذا عن الزمن وعلاقته بالمونتاج؟ وغالبا فهذا يقع تحت عنوان التتابع السردى حيث يرتب المخرج القصة زمنيا لتقديمها دون لبس، واحيانا نسمى هذا "سرد القصة بتتابع منطقى"، لكن الكثير من الافلام تمزج الازمنة من خلال التجميع المونتاجى.

فافلام مثل "المواطن كين" "Citizen Kane" و "الثور الهائج" "Raging Bull" و "توقيت سيئ" "Bad Timing" و"الشقة" " L’Appartement" و"نفس المشتبه قيهم" "The Usual Suspects " وكثير من افلام الابيض والاسود، يقدمون الشخصية اوالموقف باللعب على عنصر الزمن، ففيلم "الثور الهائج" على سبيل المثال يبدأ بشخصية جاك فى سن الشيخوخة وهو يُلقى النكات ويقدم فقرات الريسيتال فى الكازينو الذى يملكه ، وهذا يحدث فى عام 1964، ثم ينتقل الفيلم بعد ذلك الى الحلبة فى لاموتا فى عام 1941، والمتفرج السينمائى الذى تقولب على السرد بتتابع منطقى يمكن ان يتفاجأ،  فمن المفترض ان يجد تقدما فى الزمن فى المشهد التالى، لكنه بدلا من ذلك يرى ما حدث منذ عدة سنوات.

وهنالك العديد من الاساليب التى يستطيع بها المخرجون ان يأخذونا فيها الى ازمنة اخرى دون ان يتفكك منهم السرد، وفيلم "الثور الهائج" ينفذ ذلك بطريقة مباشرة، فثمة عنوان يقول لنا اننا فى عام 1964، وعنوان أخر يقول اننا الآن فى عام 1941.

ومع المخرجين الاكثر تطرفا فثمة العديد من الاساليب لتوضيح هذا التغيير الزمنى، ففى فيلم "الممتثل" "The Conformist" لبرناردو برتولوتشى على سبيل المثال، فهذا الوعى بالزمن يحدث لنا فقط عندما يتغير المشهد فنستطيع ان نقول متى دار الحدث بدقة سواء كان فلاش باك او تقدما فى الزمن.

وفى واحد من اكثر الافلام تطرفا وهو "العام الماضى فى مارينباد" "Last Year at Marienbad" لا نستطيع ان نحدد بدقة فى اى زمن نحن، هلى نحن فى السنة الماضية فى مارينباد ام نحن فى هذه السنة؟ وهذا النوع من تقديم المعلومة الزمنية - والتى توفرها افلام امريكية عظيمة مثل "الثور الهائج" و"المواطن كين" – كانت تحل المشكلة للجمهور، اما فى فيلم "العام الماضى فى مارينباد" فيجب على المتفرج ان يُركز فكره حتى لا ينفصل عن تتابع القصة.

ويقول مارتن اوتى فى مقالة بعنوان "المناطق الزمنية" "Time Zones’" منشورة فى "افلام الستينات" "Movies of the Sixties" ان "هذا التلاعب المركب بالازمنة المختلفة- والذى لم يقتصر على التراجع بالزمن او التقدم فبه، بل شملت التحرك فى كل الازمنة - هى ما جعلت فيلم "السنة الماضية فى مارينباد" يحظى بمثل هذه الشهرة والتأثير.

ان العنصر المكانى والعنصر الزمانى هما الاكثر اهمية من العناصر الاربعة التى اشرت اليها، لكن العنصر الايقاعى فى بعض مشاهد افلام المخرج والمونتير السوفيتى سيرجى ايزنشتين يبدو اكثر اهمية من الزمن والمكان.

ففى المشهد الشهير لسلالم الاوديسا من فيلم المدرعة بوتمكين "The Battleship Potemkin" لاحظ النقاد كيف اطال الفيلم زمن الحدث مما خلق الايقاع: ومما لا شك فيه ان ثمة قصة تُحكى فى هذا المشهد حيث القوزاق يطرحون الرجال والنساء والاطفال ارضا، لكن الاولوية لا تنبع من منطقية التتابع كما فى فيلم "الوصلة الفرنسية"، ولكن الايقاع يلعب دورا فى اقناعنا بوحشية الحكومة الروسية، وهذا اكثر اهمية من الدرامية المكانية، ومن المعروف ان الانسان يستطيع نزول سلالم الاوديسا فى دقيقتين، اما فى فيلم سيرجى ايزنشتين فنزول هذه السلالم يستغرق وقتا طويلا جدا.

لم يتبقى لنا سوى الحديث عنصر المونتاج البصرى وهو الاقل اهمية من العناصر الثلاثة الاولى، لكننا نحتاج فقط ان نرى فيلما يقطع بين لقطتين متنافرتين مثل - القطع من لقطة مظلمة الى لقطة مضيئة – لنعرف ما نعنيه بعدم التوافق، فهذا القطع سيجعلنا نُغمض عيوننا، وهذا يوضح اهمية التوافق البصرى بين لقطتين، ومن ثم فالمخرجون من الناحية العملية يولون اهمية لهذا العنصر، ويضعون لقطات تترابط بصريا، لكنها تأتى فى المرتبة الثانية اذا كانت الضرورة تحتم استخدام لقطات تتوافق مكانيا وزمانيا.

ويقول بوردويل انه فى بعض افلام المخرج اليابانى ياسوريو اوز فان التوافق البصرى لا يتحقق دائما بين لقطة واللقطة التى تليها، لكن هذا قليل الحدوث فى مجمل افلامه.

قلت فى مقدمة هذه المحاضرة اننى سأذكر عدة تقنيات مونتاجية ذات صلة ولم اتحدث عنها حتى الآن، ان اثنين من هذه التقنيات شديد التعقيد لكن الأخرين اكثر بساطة، وبالطبع فلقطة رد الفعل واللقطة الكونتر "العكسية" فهما من اكثر التقنيات التى يحاول بعض المخرجين ان يتجنبوا استخدامهما.

فجان لوك جودار على سبيل المثال يطبق لقطة رد الفعل بصورة مباشرة فى فيلم "مجموعة منفصلة" "Bande a part" ويتجنب استخدام اللقطة الكونتر فى فيلم "الاحتقار" "Le Mepris"، ولذلك فمن الشائع فى الافلام اننا نرى لقطة رد الفعل وهى تُوظف لجعل المشاهد يستجيب الى الحدث: مثل لقطة لنيزك يقترب من الارض، او فتاة تنظر الى رجلين يتحاربان للفوز بها.

ويسخر جودار من لقطة رد الفعل فى احد مشاهد فيلم "مجموعة منفصلة" حيث نرى الممثلة أنا كارينا تبالغ فى عواطفها فى اشارة الى عدم اهمية اللقطة، وفى فيلم "الاحتقار" واثناء نقاش بين الممثل ميشيل بيكولى والممثلة بريجيت باردو، وبدلا من القطع من الشخصية التى تتكلم ثم العودة مرة اخرى الى الشخصية الثانية، فان جودار يُحرك الكاميرا جانبيا ببطء من شخصية الى الاخرى، فهو لا يُشكك فقط فى اسلوب لقطة رد الفعل ولكنه ايضا عبر عن الاحباط الذى طال العلاقة بين الشخصيتين: ان تحريك الكاميرا جانبيا ببطء من شخص لآخر يؤكد على احتقار الفيلم للشخصيتين، لكن اكبر تمرد على النظرية المونتاجية نفذه جودار فى فيلمه المثير للجدل "اللاهث" " A bout de souffle" وبشكل عام فجودار وقبل ان يقطع من لقطة الى اخرى فانه يراعى ان تتوافق اللقطتين.

اذا عرضت شخصية تصعد السلالم، فانت تحتاج ان تعرض لقطات انتقالية لتخلق احساساً سلساً بالزمان والمكان، واذا كان حبيبا يتحدث الى حبيبته فى سيارة، فيجب عليك ان تعود باللقطة الى الحبيب، فانت لا تستطيع ان تعرض الحبيبة وهى تتحدث فى نفس اللحظة وعندئذ فى اللقطة التالية تبدو منشغلة بالاستماع، لانك اذا حزفت لقطة للحبيب – والذى نسميه استبعاد – فالامر سيبدو كما لو انه قفزة فى الفراغ-  تلك هى اللقطة القافزة.
 
لقطة من فيلم الكراهية لجودار
 
تأثر جودار بالمونتاج السوفيتى، وكتب فى مجلة كراسات السينما عن هذا الامر معارضا "اندريه بازن" "Andre Bazin" الذى كان يتبنى اللقطة المشهد التى لا يتم فيها اى نوع من القطع، فجودار اولى اهمية الى المونتاج، وهو يؤمن بحرية الصياغة الفنية، وكان ليف كوليشوف هو اكثر من تحدثوا عن حرية الصياغة الممنوحة للمخرج خلال عملية المونتاج وتجميع اللقطات.

فى العشرينات رفع المخرجون السوفيت مثل سيرجى ايزنشتين وبودفكين وآخرين من اهمية المونتاج، واظهر كوليشوف فى سلسلة من المقالات ان القطع من لقطة محايدة لوجه ممثل الى صور مختلفة حيث يبدو ان الممثل ينظر اليها بنوع من رد الفعل يجعل المشاهد يتخيل ان وجه الممثل يتغير كاستجابة منه للصورة، وهذه الصور المختلفة كانت لاناء حساء ولامرأة ميتة ولطفل .. الى آخره، وكانت هذه الصور فى نفس المسافة من الممثل، فلا اهمية اذا كانت اللقطة الكونتر للبيت الابيض او لبرج ايفل.

هذه هى حرية الصياغة بالنسبة لبعض المخرجين، وبالنسبة لمخرجين آخرين فانهم يروا ذلك نوعا من النضوب الابداعى، وفى اطار نفس الموضوح يقترح اندريه تاركوفسكى - فى كتاب "لنحت فى الزمن" "Sculpting in Time" ان "بناء الصورة تصبح عملية نهائية فى حد ذاتها، وان المؤلف يشرع فى الاعتداء على المشاهدين عندما يقدم لهم تفسيره لما يحدث" ومن هنا فهو اكثر ميلا الى اللقطة المشهد من مونتاج اللقطات، وعلى ايه حال، فأهم سؤال نريد ان نسأله اليوم برغم ذلك، هو ماذا يخدم المونتاج، وهل من الصواب ام من الخطأ ان نستخدمه بديلا عن اللقطة المشهد.

محاضرة :- تونى مكيبن
ترجمة :- ممدوح شلبى