مقالة:- براين تيللى
ترجمة:- ممدوح شلبى
معظم المخرجين يخافون من اللحظات التى تفصل بين مشهدين ولا يمنحوها سوى أقل
من دقيقتين، أما جيم جارماش فإنه جعل من هذه اللحظات شُغله الشاغل، ولهذا السبب
فهو لم يهتم مطلقاً بعمل أفلام درامية أو أفلام إثارة أو أى نوع من السينما
النوعية، ومن ثم فإنه إبتدع سينما نوعية خاصة به، إنها الكوميديا السوداء الجادة.
جيم جارماش مخرج من نوعية نادرة، وهو الأخير من نوعه، فهو هاو يكافح من أجل
إيجاد تمويلاً لأفلامه، كما أن الأمر أصبح أكثر صعوبة كونه يريد صناعة سينما غير
تجارية بمثل ما يفعل فى سينماه التى تتميز بهذه الرؤية الممتعة.
جيم جارماش عادة يحصل
على تمويل أفلامه من الخارج، ومعظم أفلامه
الروائية تم أنتاجها بشراكة مع دول أوروبية، وهذا منحه الحرية التى يستحقها فى عمل
أفلام فنية، لكن أفلامه لم تكن يوماً رائجة فى شباك التذاكر، إنها دائماً أفلاماً
فنية عميقة الرؤية، ولكن من وجهة نظرعُشاق السينما، فهذه السينما رائعة.
شعر رأسه شاب فى مرحلة المراهقة، وهذه الصدمة التى حدثت له فى سن المراهقة
قد تكون متصلة بما يحس به كما لو كان أجنبياً ولكن فى بلده.
بعد عودته من باريس التى أمضى فيها
فترة قصيرة حيث إنخرط فى عالم السينما الفنية، بدأ ولعه بالأدب يظهر مصحوباً بحب
أصيل للسينما بما يتيحهما المجالان من إمكانيات.
جيم جارماش بدا دائماً كشاعر رغم أنه لم ينشر الشعر، فهو يرسم على الشاشة
الفضية كلمات وعبارات شعرية.
ولكن وعلى الرغم من أنه متحمس إلى الأدب بشكل كبير، فإن أفلامه تمتلأ
بالنبرة واللون والتعبير الرقيق من شخص يعشق الموسيقى، وشريط الصوت فى أفلام جيم
جارماش – سواء فى إستخدام فواصل إيقاعية أو فى الصمت المطبق – هو شريط صوت شديد
الأهمية مثله مثل المؤلفات الموسيقية، كما إنه دائماً يعمل أفلامه بمصورين رائعين
يتمتعون بحرية الإبداع، وكذلك فمن ملامح أسلوب جارماش أنه يحافظ دائما على أسلوب
مرئى متميز.
فى عام 1997 عرض جارماش قطعة فنية فى مديح نيل يونج وفرقته الموسيقية
"كريزى هورس"، وهو فيلم تسجيلى موسيقى يحمل عنوان "عام
الحصان" وتم تصوير معظم الفيلم بكاميرا 8 ميللى وكاميرا 16 ميللى، وكان
الفيلم مختلفاً عن عالم جارماش المعتاد، لكنه يحافظ على جماليات جاراماش "التى
تتأسس على السينما السرية، أو سينما تحت الأرض" وهو الفيلم الوحيد الطويل من
أفلامه التى لم يكن نيجاتيف الفيلم ملكه " فإمتلاكه لنيجاتيف أفلامه يحقق له
الحد الأدنى من الحرية " (كان الفيلم تحية لنيل يونج).
واحد من أهم ملامح جارماش فى السرد المرئى هو الكاميرا الثابتة دائماً
والميزانسين الثابت، وشخصياته دائماً يتوجب عليها أن تدخل وتخرج من الكادر: فثمة
مقاطع كاملة من الحدث تتم خارج الكادر وتُسمع فقط، فالكاميرا ليست مُثبتة على عربة
"دوللى" ورغم ذلك فالحركة داخل القطة دائماً مُبهرة – أو على الأقل –
يجب الإشادة بها لعبقريتها.
يقال عادة أن الأجنبى أو أى شخص مختلف عن الطريقة التقليدية فى تصوير الناس
وأساليبهم، سيُنتج أفضل الأفلام عن بلد أو ثقافة نتيجة للرؤية الفضولية والتصوير
الخلاق الغير معتاد.
جيم جارماش هو الغريب فى أرض غريبة، وهذا غريب لأن الأمر يتعلق بوطنه نفسه،
ومن ثم فهو يلتقط صوراً ثابتة إستكشافية تجد نفسك تُصنفها على أنها تصدر عن سائح،
وعندما يصور فيلماً فى بلد أجنبى، فإنه ينقل ملامح الشخصية الأمريكية إلى شخصياته
على عكس أى مخرج آخر.
مشاهدة الإبداع المتعمق داخل سينما جارماش شئ يتصف به أصحاب الذوق الفنى
المتطور، هناك الكثيرون الذين لا يجدون فى أسلوبه ما يجعلهم يتواصلون معه، أو ربما
إنهم ببساطة لا يُقدرون ولعة بالسخرية، وبأسلوبه التجريبى ومعاناته.
ولكن وبعدئذ، وكما يصف جارماش الموقف " شئ عظيم أن الجمهور لديه
إختلافاتهم الشخصية التى يُسقطونها على ما يشاهدوه لتوهم وهم لا يعرفون كل
الإجابات، أنا بدورى غالباً لا أعرف كل الإجابات" وبهذه الطريقة يشترك جارماش
مع أساتذة أمريكيين فى الولع المماثل بالسخرية، والولع بالمعنى المتضمن وليس
المعنى الظاهر مثله مثل ديفيد لينش. "جمال الحياة يظهر فى التفاصيل الصغيرة
وليس من خلال أحداث كبيرة".
جيمس جارماش وجودى صارم، ومفكر عبثى، وحالم بموسيقى الجاز والروك، إنه
الفنان صاحب الشعر الأبيض وصاحب البريق الصارم فى عينيه، إنه عاشق الأدب الذى يصنع
كتباً مُصورة للمراهقين الذين ضلوا طريقهم.
1- أكثر غربة من الجنة (1984)
ويللى (جون لورى) من سكان نيويورك الغرباء، وإيفا (إستر بالينت) إبنه عمه
المجرية، التى تاتى للزيارة، لكنه لا يستطيع ان يلعب دور المُضيف، إنها تبقى لعشرة
أيام، حيث كانت تنتظر عمتها أن تخرج من المستشفى، وبعد عام يقرر ويللى وصديقه إيدى
(ريتشارد إدسون) أن يزورا إيفا فى كليفلاند حيث كانت تمكث مع عمتها لوتى (سيسيليا
ستارك)، وبعد أن يغادر كل من ويللى وإيدى، فإنهما يقرران أن يعيدا إيفا إلى
نيويورك.
هذا أول أفلام جارماش الروائية الطويلة، الفيلم الذى دشن الحس الإسلوبى
الصارم الذى أصبح بمثابة توقيعه (أول أفلامه كان قطعة فنية مدته ساعة عنوانه
"أجازة أبدية" أرسى فيه حرفيته السينمائية الخاصة، لكنه لم يحتوى على أى
أسلوب متميز).
وحصل هذا الفيلم على جوائز عديدة، أكثرها أهمية جائزة "الكاميرا
دور" من مهرجان كان السينمائى، وفى عام 2002 تم إختيار هذا الفيلم للحفظ فى
أرشيف الفيلم الوطنى الأمريكى، وهذا الفيلم هو الأول فى ثلاثة أفلام روائية صورها
بالأبيض والأسود، وهو الفيلم الثانى من أفلام جارماش الذى يمثلها جون لورى – الذى
جمع بين التمثيل والتأليف الموسيقى السينمائى فى أفلام جارماش-.
من اللحظات الجارماشية فى هذا الفيلم: نرى إيدى وويللى وإيفا يتمشون على
طول الشاطئ، ويتوقف إيدى وإيفا بينما ويللى يتجاوزهما، ثم يتوقف ويبحلق فيهما كما
لو أنه يقول لهما "ماذا؟" فيبحلقان فيه كما لو كانا يقولان "ماذا
بعد"، ويتقدم ويللى، فيبتسم إيدى لإيفا ويتبعان ويللى الذى خرج من الكادر.
2- السقوط بإسم القانون (1986)
يتم القبض على زاك (توم ويتس) وجاك (جون لورى) بسبب جريمة اُتهما بها،
وينضم إليهما فى الزنزانة روبرتو (روبرتو
بنجينى) الإيطالى الغريب الذى يتم القبض عليه لأنه قاتل، والثلاثة يختلفون فى الطباع
والشخصية، ثم يصبحون مطاردين فى برارى لويزيانا.
فى هذا الفيلم يحظى جارماش بميزانية مليون دولار للإنتاج، ويستعين بمدير
التصوير روبى موللر (مصور أفلام باريس، و تكساس، و أن تعيش وتموت فى لوس أنجلوس)،
بينما الممثل جون لورى هو الذى صاغ موسيقى الفيلم، بينما الممثل وايتس هو الذى كتب
عدد من الأغنيات للفيلم، ويبدو الفيلم مريحاً جداً وجذاباً وخاصة أفتتاحية إيلين
باركن المتوترة... عندئذ يدخل روبرتو "هذا العالم الحزين والجميل" وتبدأ
عاصفة قوية.
ومن اللحظات الجارماشية فى هذا الفيلم: فى زنزانة السجن وبينما يلعب
ثلاثتهم البوكر يطلب روبرتو من جاك وزاك أن يكررا الأغنية وراءه "أنا أصرخ،
انت تصرخ، كلنا نصرخ طلباً لأيس كريم".
3- قطار غامض (1989)
فى نفس الليلة فى ممفيس، يقضى مجموعة من الناس ليلتهم فى فندق أركاد، وهم ،
زوج زوجة يابانيان يزوران الولايات المتحدة الأمريكية لحضور عروض أغانى البلوز،
وكذلك إمرأة إيطالية فى حالة حداد، ورجل إنجليزى من مُثيرى الشغب وبصحبته رفاقه.
حيث نجد ثلاثة قصص مختلفة تتضفر، وكل منها يحدث فى نفس الوقت (طلقة نارية
من مسدس تُسمع فى قصتين، ونرى الطلقة فى القصة الثالثة، حيث الطلقة هى العنصر
الرابط بين القصص الثلاثة، ( والشخصيات جميعها تُعتبر أجنبية، فى هذا الفيلم نجد
تقدير جارماش للإيقاع ولموسيقى البلوز ولأتموسفير الليل، وللمكان الغامض الذى يشعر
فيه أى إنسان بالألفة.
اللوحات البديعة والجميلة والخلاقة لمدير التصوير روبى موللر، وكذلك الممثلون،
يمنحون جارماش واحداً من أكثر كوميدياته الحالمة المؤثرة.
ومن اللحظات الجارماشية فى هذا الفيلم: بينما الموظف الليلى المُسمى جاى
هوكينز يفحص حجوزات الفندق، نجد صبى الفندق (سينك لى) يلبس زوجى نظارات شمسية
وينتظر الموظف الليلى أن يقوم بجولة ويعود، ولكنه لا يفعل.
4- الليل فى الأرض (1991)
خمسة من ساثقى التاكسى، وخمس مدن، وخمس قصص، ليلة واحدة فى كل مدينة على
حدة، وهذه المدن هى مدينة الملائكة، و بيج أبل، ومدينة النور، وروما، وهلسنكى،
حكايات عن الخطيئة والشجن والفرص والإضطراب والتواصل، تجيش بها نفوس الشخصيات
وتقود لكوميديا سوداء، نجد فى هذا الفيلم شخصيات مثل وكيل لهوليوود، وطفل شوارع،
وشقراء جميلة، وقسيس، وبعض عمال المصانع المخمورين... وفريق متنافر من سائقى
التاكسى.
جارماش مُغرم بالفنانين الذين عملوا معه قبل ذلك، وهو على ما يبدو قام
بتجميع هذا الفيلم فى أسبوع واحد بممثلين معينين كان يفكر فيهم كطاقم تمثيل.
توم وايتس كان مع جارماش مرة أخرى ليقدم الموسيقى، وإستعان جارماش بمدير
التصوير فريدريك إيلمس المُفضل من المخرج ديفيد لينش.
ويمثل هذا الفيلم أحد أهم المحطات الفنية لوينونا رايدر، والفيلم أيضاً
يشار إليه بسبب القصة الأخيرة، إنه ينوه عن واحد من المخرجين الأسلوبيين المعاصرين
والذى تجمعه بجارماش صداقة، إنه المخرج الفنلندى آكى كوريسماكى.
ومن اللحظات الجارماشية فى هذا الفيلم: الفقرة المونتاجية الإفتتاحية للقصة
الأولى، فى لوس أنجلوس، تصور الضباب الكثيف الخالى من المعنى واللاشئ وتنتهى
الفقرة المونتاجية على وجه كوركى (وينونا رايدر) التى تسوق وتدخن وتُفرقع العلكة.
5- رجل ميت أصلى (1995)
يصل ويليام بلاك (جونى ديب) الذى يعمل محاسباً إلى مشارف بلدة فى ميتشن
ليكتشف أن الوظيفة التى كان يحلم بها ذهبت إلى شخص آخر، وتُعيده العاهرة السابقة
ثل (ميلى أفيتال) إلى غرفتها، لكن حبيبها شارلى (جابرييل بيران) يتفاجأ بهما، ويجد
بلاك الذى أُصيب بجروح دامية، يجد نفسه مسافراً عبر البرية فى رحلة غريبة لا
تنتهى.
ويُوصف هذا الفيلم بانه واحداً من أفلام "الغرب الأمريكى
الملونة" التى أخرجها جارماش، وتصادف أن هذا الفيلم من الأفلام القليلة التى
تُصور سكان أمريكا الأصليين على حقيقتهم بطريقة أمينة ومحترمة، ويُعتبر من وجهة
نظر الكثيرين واحداً من أكثر أفلامه جنسية، وأكثر أفلامه سيريالية، وأكثرها
روحانية، وأكثر أفلامه التى تُعبر عنه.
لحظة جارماشية فى هذا الفيلم: القتلة الثلاثة على الحدود (لانس هنريكسون
ومايكل وينكوت ويوجين بيرد) ينتظرون السيد ديكنسون (روبرت ميتشام فى ظهوره الأخير
على الشاشة) لكى يعطوه وظيفتهم النادرة، يدخل ديكنسون إلى مكتبه ويتجه إلى دب كبير
مُحنط فى زاوية الغرفة، ويصف الموقف وهو يتحدث إلى الحيوان الميت.
6-
الشبح: أسلوب الساموراى (1999)
مواطن أمريكى ناجح من أصل إفريقى يُعرف فقط تحت إسم الشبح (فورست وايتاكر)
يعيش بمفرده ويدرس كتاب "هاجاكور": أسلوب الساموراى، أصدقاءه الوحيدين
هم الطيور المنزلية، وكذلك بائع الأيس كريم رايموند (إيزاك دى بانكولى) وكذلك
الفتاة الصغيرة بيرلاين (كاميللا ويمبوش)، ويجد الشبح نفسه فى مكان يمتلأ بالناس، ومن
بينهم رجل العصابة لوى (جون تورناى) الذى أنقذ حياته فى أحد المرات، فهل نظام
الساموراى القديم سيغير حياته؟
صور جارماش الفيلم فى مدينة جيرسى، لكنه تجب الإشارة إلى مكان تصوير فيلمه،
صفائح ترخيص السيارات مكتوب عليها
"الولاية الصناعية" و"ولاية الطريق السريع"، ولا يلاحظ مشاهدو
الفيلم أى شئ محدد، ويمتلأ الفيلم بالرمزية، وخاصة إستخدام الكرتون الذى يُعرض فى
خلفية المشاهد كرموز بصرية.
الفيلم كله يبدو كما لو كان يكرر الفيلم الفرنسى الشهير
"الساموراى" الذى أُنتج عام 1967، فيلم "الشبح" يُعتبر أكثر
أفلام جارماش التى يمكن مشاهدته فى أى وقت بسبب معاصرته.
ومن الحظات الجارماشية فى هذا الفيلم: تدخين سيجارة وراء مبنى حيث لوى يواجه الشبح الذي، وبينما يصوب بندقية إلى
رأسه، يطلب أن يعرف ما الذى يحدث، ويصل شقي آخر لاغتيال لوي، ولكن يتم اطلاق النار
عليه عدة مرات من قبل الشبح، ويُبلغ لوي الشبح بخطورة الموقف، ويريد الشبح أن يعرف
إذا ما كان القاتل الآخر قد مات، "حسنا، أنا لا أعتقد أن عمره سيطول أكثر من
هذا" يقول لوي هذا بعد أن يركل الجثة بقدمه.
7- قهوة وسجائر (2003)
هذا الفيلم تجميع
لأفلام جيم جارماش القصيرة التى أخرجها على مدى عشرين عاماً، وأكثر هذه الأفلام
شهرة هو الفيلم القصير "مكان ما فى كاليفورنيا" والذى مثله توم وايتس وإيجى
بوب وهما يفكران فى مكان للغداء، بينما الأفلام الأخرى من بينها فيلم "أولاد
العم" حيث كاتى بلانشيت تمثل دورين مع ألفريد مولينا وستيف كوجان، وفيلم
"التوأم" عن أخت وأخ مثلهما جوى وسينك لى مع ستيف بوشيرنى فى دور
النادل، وكذلك الفيلم القصير "غريب أن أقابلك" وهو أقدم أفلام جارماش
الذى أخرجه فى عام 1986 وكان عنوانه الأصلى "قهوة وسجائر" من بطولة
روبرتو بنجينى وستيف رايت وهو الأسم الذى تم تعديله إلى تدخين وشرب الكافايين.
هذه الأفلام العشرة
القصيرة تضم شخصيات غريبة وإنطوائية وأنانية تتناقش وتختلف فيما بينها كثيراً فيما
يتعلق بالمفارقات التى تنطوى عليها الحياة، ويختلفون فى خياراتهم عن الصواب وعن
الخطأ اللذان تتشكل منهما الحياة، وهذه الأفلام تحتوى على أكثر أراء جارماش الذكية
كما أنهم يعبرون عن عفويته البريئة، إلى أى مدى يمكن لخطايا الحياة وفضائلها، وكيف
يمكن لمُتعها ورذائلها أن يكونا محل إهتمامنا.
ومن اللحظات الجارماشية
فى هذا الفيلم: ذلك المنطق العبثى الذى يتفوه به توم وايتس عن الإقلاع عن التدخين،
حيث يقول "روعة الإقلاع عن التدخين بالنسبة لى بصفتى مٌقلعاً عن التدخين
الآن، هى أننى أستطيع أن أدخن سيجارة واحدة لأننى أقلعت عن التدخين".
8- زهور مُحطمة (2005)
يصل خطاب إلى دون جونسون
(الذى يمثله بل موراى) مكتوب فيه أن له إبن فى سن المراهقة، وهذا الخطاب مُرسل من
حبيبة سابقة، حيث كانت له عدة حبيبات على مدى عمره، إنه "دون جوان"
حقيقى، ويساعده جاره وينستون (جيفرى رايت) بإمداده بأسماء خمسة أمهات محتملين قد
تكون إحداهن صاحبة هذا الخطاب، ويجهز دون نفسه لمقابلة النسوة الخمسة التى تمثلهن
شارون ستون وفرانسيس كونورى وجيسيكا لانج وتيلدا سوينتون، وكل واحدة منهن تسبب له
الألم بشكل أو آخر.
يعتمد هذا الفيلم بشكل كبير
على ميثولوجيا "دون جوان"، الإسم الأصلى للفيلم هو "أزهار
ميتة" – وقد أهداه جارماش إلى المخرجة الفرنسية جين أوستاش (التى توفيت عام
1981) وهى مخرجة مستقلة أيضاً كنت سعادتها أن تُخرج الأفلام القصيرة.
كتب جارماش شخصية دون
جونستون بشكل شخصى للمثل بل موراى، وهذا الفيلم يرتبط بفيلم جيم جارماش الذى تلاه،
وكل من الفيلمين يصور شخصية نسائية لا تتحدث كثيراً فى الفيلم بمقدار ما تقضى
وقتها على الشاشة وهى عارية تماماً.
ومن اللحظات الجارماشية
فى هذا الفيلم : يصل دون إلى عتبة بيت الجميلة بينى (تيلدا سوينتون) التى تبحلق
فيه وتصرخ قائلة "دونى" "ما الذى تريده يا دونى؟" "أوه،
فكرت أن أحضر لمجرد أن ألقى نظرة" هكذا كان رده فى حقيقة الأمر.
9- محدودية السيطرة
(2009)
رجل وحيد بدون إسم
(تمثيل إيزاك دى بانكولى) وكل الشخصيات فى الفيلم بدون أسماء أيضاً، ويشرع بطل
الفيلم فى وظيفة خفية بعد تسلمه تعليمات من (الشخصية التى يمثلها ألكس ديسكاس)،
ويسافر بطل الفيلم إلى مدريد، ومن ثم إلى سيفيل وأخيراً يصل إلى ألميرا فى الصحراء
حيث ستكتمل مهمته، وعلى طول الطريق يواجه شخصيات لا حصر لها كانوا فى وجهاتهم
الخاصة، وهم يكرسون أنفسهم لنظرية ان الكون ليس له مركز وليس له حدود، وأن الواقع
متعسف، وبعدئذ نجد تمثال إمرأة ترتدى معطفاً شفافاً واقياً من الأمطار.
يعود جارماش إلى فلسفته
التى تتأسس على البرية والتى أصطبغت بها أفلامه الأولى، حيث نجد الإندفاع والمشى
على الأقدام والترحال والتحول من مكان إلى مكان، وهذا يستثير الجيل الصغير الذى لا
يستطيع تفهم أسلوبيته العفوية وحساسيته الصارمة (دعم المخرج ونج كار وى هذا
الفيلم، كما ان مدير التصوير هو كريستوفر دويل صاحب الأسلوب المتميز)، هذا الفيلم
قطعة فنية تتميز بالمود والبساطة.
إستخدم خيالك لأن
التأثرات أحياناً تكون شديدة البعد عن التجسد، وبعيدة عما يبدو عليه الشئ فى
الحقيقة.
ومن اللحظات الجارماشية
فى هذا الفيلم: يتطلع الرجل الوحيد من البلكونة إلى فضاء المدينة ليلاً، ويُدير
نظره ليرى المرأة العارية الموجودة على حافة حمام السباحة بالفندق، حيث نراها تواجه
بصدرها الرجل الوحيد، ثم تسند ذقنها على حافة حمام السباحة وتتطلع لوهلة إليه من
خلال نظارتها السوداء، فينظر إليها بدوره، فتستدير المرأة وتسبح بعيداً، ثم تستدير
وتترك الرجل الوحيد يتطلع إلى جسمها العارى فى الماء.
10- العشاق فقط يُتركون
أحياءاً (2013)
فى خرائب منطقة براش
ديترويت، يعيش الموسيقى المكتئب آدم وحيداً فى مبنى متهدم يُسجل موسيقاه على جهاز
متهالك ويفكر فى الإنتحار، إنه مصاص دماء، وتحس زوجته إيفا (تيلدا سوينتون) التى
تعيش بعيداُ عنه بيأسه فتسافر من مدينة طنجة لكى تكون معه ولكى تحافظ على سنداتهم
التى تعود إلى قرون ماضية، فهى أيضاً مصاصة دماء، بعدئذ تصل أخت إيفا البغيضة آفا
(مايا واسيكوسكا) وتعطل كل شئ وتُجبر الزوجين العاشقين على الهروب إلى طنجة.
هل هذا فيلم رعب لجيم
جارماش؟ ليس تماماً، إنه مجرد تصور ساخر عن المجتمع المعاصر، حيث شخصيات الفيلم
الرئيسية مصاصى دماء، الفيلم يتندر على الدراما الرومانسية ويثور على كوميديا
الرعب، إنه يطعن فى التاريخ والخلق، كل هذه العناصر كانت جزءاً لا يتجزأ من طفولة
جارماش، ومن الغريب أن هذا واحداً من أكثر أفلام جارماش الذى يحتوى على متعة
سردية.
ومن اللحظات الجارماشية
فى هذا الفيلم: يجد آدم وإيفا نفسهما مجبرين على التخلص من جثة أيان (أنتون يلشين)
فى مصنع مهجور، حيث يلقونه فى حفرة للنفايات السامة، وعلى الفور تبدأ الجثة فى
التحلل، فتعلق إيفا قائلة "حسناً، بالتأكيد كان هذا منظراً رائعاً"