28‏/09‏/2010

ذكرياتى مع منخفض القطارة


لوحة من لوحات جون بول عن منخفض القطارة
بدأ اهتمامى الجدى بمشروع منخفض القطارة فى عام 1993 عندما عملت بالمركز القومى للسينما مخرجا بادارة الافلام التسجيلية , وقتها تقدمت بطلب الى رئيس المركز آنذاك الاستاذ الدكتور مدكور ثابت لتمكينى من كتابة سيناريو عن منخفض القطارة وبهدف ان اقوم انا نفسى باخراجه , فتمت الموافقة , وعلى ضوء ذلك اصدر لى المركز القومى للسينما خطابات بناءا على طلبى الى جهات عدة من بينها ادارة المشروعات المائية بوزارة الكهرباء والطاقة .
وتوجهت اليها حيث استقبلنى رئيس الادارة بترحاب ولكنه نبهنى الا ان طلبى اُرسل الى الوزير مهندس ماهر اباظة وجاءت موافقته على التعاون معى , وقدمنى رئيس الادارة الى خبير جيولوجى بالادارة اسمه الدكتور عبده عبده البسيونى , كان فى سن التقاعد لكن الادارة مددت له العمل للانتفاع بخبرته , ولقد قدم لى هذا الاستاذ كل العون فى امدادى بالمادة العلمية , كما لم يبخل على من وقته للاجابة التفصيلية عن اسئلتى المتعلقة بمنخفض القطارة .

واذكر ان اهم المعلومات التى تحصلت عليها آنذاك هى تقرير باللغة الانجليزية صادر عن قسم الهنسة الهيدروليكية بجامعة اوبسالا السويدية بعنوان   ( منخفض القطارة , التقديرات البيئية ) وكذلك مخطط هندسى تفصيلى للمشروع الذى تقدمت به شركة سويكوالسويدية بخصوص انشاء قناة سطحية من مدخل مدينة العلمين على شاطئ البحر المتوسط تمتد عدة كيلومترات, ثم بعد ذلك انشاء ثلاثة انفاق لتجاوز منطقة مرتفعة طولها نحو تسعة كيلو منرات , ثم بعد ذلك استكمال انشاء قناة سطحية بحيث تنتهى الى منطقة منخفضة  على حافة منخفض القطارة , وبهدف تحويلها الى خزان امام , وبحيث يتم اطلاق المياة التى يتم تجميعها يوميا فى ساعات الذروة فقط الى منخفض القطارة لانتاج حوالى 2400 ميجا وات , لمدة نحو 20 سنة , عندها سيصل منسوب الماء فى المنخفض الى نحو 50 مترا تحت سطح البحر , فيتم عندئذ تقليل معدل الماء الوافد الى منخفض القطارة بحيث يتناسب مع معدل البخر وبحيث يعمل المشروع الى مالانهاية .
راعنى التوصيف الاكاديمى للمشروع باعتباره (هيدروشمسى  ) , واذكر ايضا اننى تعرفت على تاريخ المشروع من خلال وثائق بالادارة , حيث تتوفر الدراسات والوثائق التى تعود الى نحو بداية العشرينات من القرن العشرين , حيث يتوفر ما كتبه جون بول , هذا الرجل الفذ كان موظفا فى الحكومة فى المصرية , وبالتحديد فى وزارة الرى والاشغاال , وانه هو من كتب عن المشروع وامكانية استثماره لانتاج الكهرباء عبر انشاء قناة من البحر الى المنخفض , ولقد حدد عدد من المسارات ووضع لها رسما على الخريطة , كما اصدر هذا الرجل الخريطة الجيولوجية للهضبة الفاصلة بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة , حيث يتم تعريف هذه الهضبة علميا باسم تكوين (مرماريكا ) وهو عبارة عن الحجر الجيرى والحجر الرملى والطفلة والرمل , وهذه هى اهم العناصر مع وجود عناصر اخرى صغيرة جدا مثل الجبس والطين والصلصال , وقليل جدا من صخور صلبة ليس من بينها الجرانيت .
اننى اعتبر ان ما قدمه جون بول من دراسة علمية تفصيلية فى هذا الوقت المبكر يفوق كل ما تم تقديمه بعد ذلك وحتى الآن , وان من كتبه هو المرجعية التى يعود اليها كل من حاول ان يقدم شيئا عن مشروع منخفض القطارة , لعلى اتذكر ايضا ان مشروع سويكو الذى اشرت اليه قد تم تقديمه فى عام 1983 وكان موقف الحكومة المصرية هو تأجيل العمل بالمشروع ( او ربما اهماله تماما ) فقد كان مشروع سويكو والمعروف باسم الحفر التقليدى كان آخر خيار اما مصر بعد ان استنفذت الخيار الآخر وهو حفر القناة بين المنخفض والبحر المتوسط بالطاقة النووية المحدودة بالتعاون مع الحكومة الالمانية , فقد تم الاتفاق على استبعاد هذا الخيار لتأثيره الضار على البيئة .
واذكر ايضا ان ادارة المشروعات المائية بوزارة الكهرباء والطاقة , ومن خلال الاستاذ الدكتور عبده عبده البسيونى قد امدونى بمشروعات اخرى , مثل مشروع لمهندس مصرى هو المهندس الدكتور حسن رجب ( مؤسس حزب الخضر وُمنشأ القرية الفرعونية ) فى هذا المشروع يتم اقتراح انشاء قناة سطحية من البحر المتوسط الى منخفض القطارة , وبحيث يتم انشاءها مثل المدرج حيث ترتفع القناه عدة امتار كل عدة كيلو مترات , وانه اقترح استخدام طاقة الرياح لرفع المياه فى هذه القناة من مستوى الى آخر الى ان تصل الى حافة المنخفض عند حوض جاف ليتم تخزين ايراد اليوم كله من المياه وبحيث يتم اطلاقه ليلا فى ساعات الذروة لانتاج الكهرباء , ورغم ان هذا المشروع يبدو طموحا الا انه لم يتحدث عن طاقة الرياح التى يمكن توليدها من هذه المنطقة , واعتقد لو ان هذا المهندس العظيم تذكر هذا الامر لصرف النظر عن مشروعه فالطاقة التى يمكن توليدها من الرياح فى هذه المنطقة والتى تشمل الساحل الشمالى كله البالغ نحو 700 كيلو مترا , هى اقل من 2000 ميجا وات , ولو اختارت مصر ان تفاضل بين توليد الكهرباء بين هذه المنطقة وبين جبال البحر الاحمر , لاختارت جبال البحر الاحمر لسرعة الرياح فيها , عوضا عن مشكلة ان توليد الكهرباء من الرياح مكاف جدا , وانه مجرد بديل استراتيجى , وان مصر فى حال استخدامها لهذه الطاقة فهى سوف تستخدمها مباشرة لتوليد الكهرباء , لانه لا داعى لاستخدامها فى رفع الماء فى هذه القناه السطحية المقترحة متدرجة الارتفاع , لان فاقدا من الطاقة سيتم حدوثه فى كل نقطة يتم فيها رفع الماء الى النقطة الاعلى , ونظرا لطول الهضبة البالغ نحو 80 مترا , فان فاقدا قد يصل الى نحو 50 مترا , وهو نفسه فارق المنسوب بين البحر المتوسط ومنخفض القطارة , بما يعنى ان انشاء هذه القناة لن يحقق اى اضافة وان كافة المصروفات ستضيع ادراج الرياح , كما ان الطاقة المولدة ستكون ضئيلة جدا , نظرا لضآلة طاقة الرياح كما اوضحت سابقا .
اذكر اننى لم اتمكن من اخراج هذا الفيلم التسجيلى , فقد القى المركز القومى للسينما المسؤولية على السفريات على عاتق ادارة المشروعات المائية بوزارة الكهرباء والطاقة , التى رفضت من ناحيتها تقديم هذه المساعدة لعدم توفر سيارات اضافية تملكها لكى تمنحها لفريق العمل الفيلم , ان هذا السيناريو على اية حال كان جهد نحو ستة اشهر وانا لست نادما اننى لم اخرج هذا الفيلم حتى الآن , بل على العكس فان مرور نحو تسعة عشر عاما منذ ذلك التاريخ وحتى الآن , اضاف الى معارفى الكثير , كما اننى انا نفسى وجدت نفسى منشغلا لنحو عشر سنوات فى التفكير فى هذا المشروع , وقد تمخض فكرى عن مشروعين , الاول بمثابة اختراع بعنوان مصاعد قطارة الهيدروليكية , يعتمد على فكرة انشاء قناة سطحية بين البحر المتوسط وبين منخفض القطارة اعتمادا على الجاذبية الارضية , والمشروع الثانى بعنوان انبوب منخفض القطارة وهو يهدف الى استخدام قاعدة الاوانى المستطرقة لتوصيل ماء البحر المتوسط الى منخفض القطارة وتوليد الكهرباء بطريقة اكثر اقتصادية من طاقة الرياح .
انبوب منخفض القطارة