26‏/03‏/2016

بيدرو الموديفار

 
 
بيدرو الموديفار
مقالة: جوزيه جاليجوس
ترجمة: ممدوح شلبى
أسبانيا لديها مجموعة متنوعة من مخرجى السينما، لكن القليل منهم من حظى بشهرة كبيرة فى سوق الفيلم العالمى مثل بيدرو الموديفار الذى أخرج 19 فيلماً والذى حصل على جوائز فى مهرجانات مثل مهرجان كان ومهرجان فينيسيا، كما حصل على الأوسكار، حقق بيدرو الموديفار شهرة جعلت عبارة "من إخراج الموديفار" كفيلة بنجاح الفيلم.
نجاحه كان نتيجة لظروفه الخاصة، فقد بدأ فى إخراج الأفلام أثناء المرحلة الإنتقالية لموت فرانكو وظهور الحركة التقدمية.
 تأسيس شركة الموديفار التى تحمل إسم "إلديسيو" دعمت حركة السينما المستقلة فى أسبانيا، وسمحت له أن يطور أسلوباً متميزاً ووجهة نظر إنتقادية تساعد فى خلق صورة جديدة لأسبانيا.
مع فريق سينمائى دقيق إشترك فى جميع أفلامه، والذى يشمل أخيه أوجستين، وماريسا باريدس، وبينيلوب كروز، وكارمن موارا، وسيسيليا روث، وتشوس لامبرييف) استطاع الموديفار أن يحقق نجاحاً عالمياً بمذاق أسبانى.
أفلامه لها بناءها الخاص فى لغة السينما والميثولوجيا، وهى تبتدع قصصاً خطوطها السردية تتداخل مع بعضها بعضاً. أفلامه تستعير لغة السينما العالمية الميلودرامية والتى تكون قادرة على التحول إلى عواطف وصور حيث تخاطب جمهوراً ليس من الضرورى أن يكون أسبانياً.
وفيما يلى سنجد إثنى عشر من أكثر أفلامه أهمية، والتى تعكس بصمته الشخصية و تكنيكه السينمائى وثقافته، وتم ترتيب الأفلام بداية من كوميدياته الجنسية المرحة إنتهاءاً بأكثر أفلامه جدية وكل شئ فيما بينهما.
 
12- فولفر (2006)
صُور هذا الفيلم فى بلدة لا مونشا التى نشأ فيها الموديفار (والتى توحى طواحين هواءها بالصورة المعروفة عن دون كيشوت)، فيلم فولفر يتابع ريموندا (بينيلوب كروز) واختها سوليداد (لولا ديوناس) اللتين تمران بتجربة موت عمتهما بولا (تشوس لامبرييف)
وبينما تفتح ريموندا مطعماً سرياً وتخفى الجثة التى تعفنت لزوجها الميت، فإن أختها سوليداد تواصل العمل الغير قانونى فى كوافيرها عن طريق تشغيل شبح أمها إيرين (كارمن موارا). ولكن السر يُفضح ولكن الروابط العائلية والتى إنقطعت فى السابق تبدأ فى الإلتئام سريعاً.
يمزج الموديفار الواقعية الجديدة بقصص الأشباح لكى يكشف عن النساء اللاتى لا تستطعن إخفاء الهياكل العظمية فى دواليبهن، وهذا الفيلم إستمراراً لأكثر أفلامه جدية (والتى بدأت بفيلم "وردة سرى")
وهذا الفيلم يُعتبر أول الأمثلة التى تعامل فيها الموديفار مع موضوع الرهاب من الجنس، وهو أيضاً يشير إلى عودة الممثلة كارمن موارا إلى الموديفار حيث غابت عن أفلامه لمدة 14 سنة.
 
11- الجلد الذى أعيش فيه (2011)
يخترع روبرت ليجارد (أنتونيو بانديراس) جلداً عجيباً يمكن له ان يقاوم الحرق ولسعات الحشرات، ويقوم بتجريبه على فيرا الغامضة (إلينا أنايا)، ويكون الإختبار أن توضع فيرا أسيرة فى عقارات روبرت.
تبدو العلاقة بينهما شديدة التعقيد، ولكن ومن خلال سلسلة من الفلاش باك ينكشف ماضيهما المؤلم المشترك.
فيلم "الجلد الذى أعيش فيه" من الأفلام العبقرية، رغم أنه ليس من أفلام التشويق والرعب فهو يتجنب المفاجآت والأشباح بشكل عام، فالفيلم يستكشف كيف أن الأنثوية من الممكن أن تتغلب على أحد الأشخاص، ويوظف الفيلم صوراً لتماثيل عرض الملابس والأقنعة المخيفة (التى تستدعى القناع الشهير لإيدث سكوب فى فيلم "عيون بلا وجوه"). هذا الفيلم أيضاً يمثل عودة للممثل أنطونيو بانديراس الذى ترك أفلام بيدرو الموديفار على أمل أن يحقق الشهرة فى هوليوود.
 
10- فيلم ماذا فعلت لأستحق هذا؟ (1984)
جلوريا (كارمن ماورا) ربة بيت محبطة تجد نفسها مكبلة بزواج بدون حب، ووظيفة مجهدة، وتعيش فى أحد أبراج مدريد السكنية، ولكى تستطيع أن تؤمن متطلبات الحياة تبيع إبنها إلى طبيب أطفال شاذ جنسياً وتُعيد حماتها (تشوس لامبرييف) إلى القرية، وتقتل زوجها (أنجل دى أندريس اوبيز) بعظمة من عظام خنزير.
فيلم "ماذا فعلت لأستحق هذا؟" هو أول أفلام بيدرو الموديفار عن الوعى الإجتماعى، إنه يستكشف إحباط جلوريا من خلال عدسات الواقعية الجديدة، والفيلم يناقش قضايا النوع والطبقة الإجتماعية، كما يستعرض أيضاً قدرات مورا التمثيلية والتى ستساعدها لا حقاً فى أفلام بيدرو الموديفار اللاحقة حيث بدت أكثر رونقاً.
 
9- فيلم زهرتى السرية (1995)
ليو "ماريسا باريدىس" هى كاتبة تكتب الروايات سراً تحت الإسم المُستعار "أماندا جريس". وبينما تستكشف طرقاً جديدة فى كتاباتها وتحاول أن تنشر المزيد من الأعمال المثيرة للجدل، تكتشف أن زواجها يتفكك ببطء.
تشعر بمرارة وهى تخلع حذاء زوجها الحربى من قدمه، وتدرك ليو أن علاقتها بزوجها عقبة عسيرة يصعب أن تتغلب عليها.
فيلم "زهرتى السرية" فيلماً فانتازيا يتعمق فى قصة إمرأة تكافح فى معركة إثبات الهوية فى أسبانيا (أحد هذه الهويات يتعلق بروماتيكية التاريخ والشهوة العسكرية للسلطة، بينما الهوية الثانية هى التعطش لعلاقات أكثر جرأة وأكثر شبقاً"
يُشار إلى هذا الفيلم بوصفه أول أفلام بيدرو الموديفار التى وُصفت بالأفلام الجادة، كما أنه أول فيلم فى ثلاثية "دماغ ميت" البديعة.
 
8- شبكة الشبق (1982)
سيكسيلا "سيسيليا روث" نجمة أغانى بوب شبقة تتنقل من عربدة إلى أخرى من أجل المتعة، و"رضا" هو أمير من الشرق الأوسط شاذ جنسياً، وبينما يختفى فى أسبانيا من الإرهابيين، فإنه يُعادى أى شخص وكل شخص يتندر على نزواته.
عندما يتقابل رضا مع سيكسيلا بشكل غير متوقع، فإن كل منهما يُغير من نفسه حتى يستطيع إمتاع الآخر ( تحاول سيكسيليا أن تتغلب على شبقها، ويحاول رضا أن يصبح محباً للنساء).
فيلم "شبكة الشبق" واحداً من أفضل الأمثلة على إهتمام بيدرو الموديفار "بالتحول "، كما يكشف الفيلم عن قدرته على تصوير صورة جنسية تقدمية لأسبانيا المعاصرة وفى نفس الوقت قدرته على خلق لوحة مثيرة للإهتمام عن شخصين يقاومان ميولهما الجنسية.
النبرة السرية للفيلم تمنحه حساسية متميزة، وهو من الأفلام التى يشار إليها على مدى سنوات بسبب توافقه مع السينما ذات الجذب الجماهيرى، وفى رأيى، فهذا الفيلم من أفضل أفلام بيدرو الموديفار الكوميدية الجنسية، وحاول الموديفار أن يعيد إبداع هذا الفيلم مرة أخرى عام 2013 تحت عنوان "أنا متحمس جداً" ولكنه فشل.
 
7- مصارع الثيران (1986)
دييجو مونتيز "ناتشو مارتينيز" وماريا كاردينال "أسامتا سيرنا" مفتونان بالعنف والجريمة من أجل المتعة الجنسية، وعندما يُصاب دييجو فى حلبة مصارعة الثيران، فإنه يشاهد أفلام رعب لكى يستطيع إستعاده قدرته الجنسية، بينما ماريا تقتل الرجال وتربط جثثهم.
تصبح المقابلة بين الإثنين كمقابلة بين عقلين متشابهين، ويخططان لإشباع رغباتهما الجنسية فى إثناء كسوف الشمس. 
إنه فيلم بيدرو الموديفار الكلاسيكى المثير للجدل، وهو فيلم إستفزازى ينتقد الثقافة الأسبانية التى هى نفسها مفتونة بالدم والعنف عبر شخصية مصارع الثيران، وعلى الرغم من أن بيدرو الموديفار صرح بأن هذه الفيلم هو واحد من أسوأ فيلمين له (الفيلم الثانى هو "كيكا") فإن فيلم "مصارع الثيران" يظل لوحة مثيرة عن أسبانبا المُعاصرة مُجسداً هوسها عبر ميلها التاريخى إلى العنف.
6- فيلم أربطنى لأعلى.. أربطنى لأسفل (1990)
ريكى "أنتونيو بانديراس" يهرب من مصحة عقلية لكى يعثر على مارينا "فيكتوريا أبريل" وهى نجمة أفلام إباحية سابقة تحاول أن تعيد خلق صورة لها فى السينما السائدة، ويختطف ريكى مارينا على أمل أنها ستقع فى حبه.
ويتشاجر الإثنين ( بينما مارينا تعانى من ألم الأسنان ولم تهتم يوماً بعلاجها) ولكنهما يتآلفان فجأة بينما أغنية "ريسيستيرى" تُذاع من خلال راديو السيارة.
فيلم "أربطنى لأعلى.. أربطنى لأسفل" قوبل بالإنتقاد فى الولايات المتحدة الأمريكية عندما صُنف لجمهور ما فوق 17 سنة بسبب تصويره الجنسى، فهذا الفيلم تخطى الحد الفاصل بين الفيلم الفنى والفيلم الإباحى، ولكن طبيعته المتحررة تخدم الغرض الفنى.
يتلاعب الفيلم بقصة "الجميلة والوحش" ويقتفى أثر رجل وإمرأة علاقتهما ورغباتهما يتم التلاعب بهما من خلال ميولهما الجنسية الواضحة، وليس من خلال علاقة سادية ماسوخية.
 
5- فيلم قانون الرغبة (1987)
بابلو "يوسيبيو بونسيلا" يعمل مُخرجاً وكاتباً للسيناريو وتشاركه نجاحه أخته المتحولة جنسياً تينا "كارمن مورا" وحبيبته جوان ""ميجويل مولينا" التى يهجرها ويعود إليها، وعلى أيه حال، يتسبب تهور بابلو مع أنطونيو "أنطونيو بانديراس" أحد العجبين به، تؤدى إلى فوضى ويترتب عليها مقتل جوان.   
فيلم "قانون الرغبة" رومانسى جنسى يمتلأ بصور الحرارة والنار (إستشهاداً بهوس الشخصيات ورغباتهم).
مورا هى النجمة المُتألقة فى الفيلم، وهى تقدم صورة دقيقة عن المرأة المتحولة جنسياً والتى لديها تصورها الخاص عن الأنوثة.
"قانون الرغبة" هو أول الأفلام التى أنتجتها شركة بيدرو الموديفار الخاصة "إلديسو"، وهذه الشركة منحته السيطرة على أفلامه التالية.
وهذا الفيلم ساعد المخرج على الحصول على أول جوائزه الدولية من مهرجان فينيسيا.
 
4- إمرأة على حافة الانهيار العصبي (1988)
بيبا ماركوس "كارمن مورا" تعمل ممثلة ، وبينما تحاول أن تتصل بحبيبها المغترب إيفان "فيرناندو جيلين"، فإنها تواجه سلسلة من الحوادث المؤسفة، من بينهم متطرفين أسبان وإرهابيين شيعة
فيلم "إمرأة على حافة الإنهيار العصبى" أطلق شهرة بيدرو الموديفار كمخرج مجنون ومُندفع، وهذا الفيلم عمل على دمج الـتأثير الأجنبى بالفن الأسبانى، خالقاً رؤية أسبانية متفردة حققت النجاح دولياً.
وهذا هو أكثر أفلامه رونقاً فى ذلك الوقت، حيث خلق صورة جديدة عن السينما الأسبانية، وللأسف، فهذا الفيلم شهد إنفصال الممثلة مورا عنه، وظل هذا الإنقصال حتى عام 2006 عندما عادت للعمل معه فى فيلم "فولفر".
 
3- كل شيء عن أمي (1999)
مانويلا "سيسيليا روث" هى أم فى حداد على إبنها الذى أصيب فى حادث مميت، وبينما تتبرع أماندا بأعضاء إبنها، فإنها تعيد تقييم حياتها المحافظة فى مدريد وتقرر أن تعود إلى برشلونة لكى تقابل زوجها السابق الذى لا يعرف أن له إبناً.
فيلم "كل شيئ عن أمى" هو الفيلم الثانى فى ثلاثية "دماغ ميت"، وهو يُعد أفضل فيلم بالنسبة لى من أفلام بيدرو الموديفار، الفيلم يمزج بين رمزية نقل الأعضاء البشرية بأفكار الأنثوية، بينما يحتفل وفى ذات الوقت بهوية أسبانيا الليبرالية (العمارة الجودية، والدوائر الستة لبرشلونة، وبروفة مسرحية "الزفاف الدامى") ونال هذا الفيلم أوسكار أحسن فيلم أجنبى.
 
2- تعليم سيئ (2004)
إنريك جوديد "فيلى مارتينيز" هو مخرج ناجح، يتواجه مع شخص يدعى أنه أحد زملاءه القدماء فى الدراسة، إنه إيجناسيو "جائيل جارسيا بيرنال" الذى يعطى سيناريو لإنريك تدور أحداثه حول مقابلة مُتخيلة مع القسيس الذى أساء لإنريك فى المدرسة الداخلية.
وتتطور العلاقة بين الإثنين، لكن الكشف عن هوية إيجناسيو الحقيقية تُحيل إنريك والجمهور إلى الذهول.
فيلم "تعليم سيئ" يبدو أكثر ذاتية من أى فيلم آخر لبيدرو الموديفار، إنه يحتوى على ثيمات شوهدت فى العديد من أفلامه السابقة ( الهويات المتعددة والشقيقان والنساء المتحولات جنسياً) كما يتميز بالسرد المتجزأ الذى ظهر فى فيلم "قانون الرغبة".
ومن الواضح ان إنريك يُمثل شخصية الموديفار، وهو من الأفلام التى تجعل الإنسان مُتعجباً من كم التشابه مع الحياه الحقيقية.
 
1- تحدث إليها (2002)
بنينو "خافيير كامارا" وماركو "داريو جراندينتى" يرعيان إمرأتين فى غيبوبة، أليسيا "ليونور واتلنج" التى تعمل راقصة، وليديا "روساريو فلوريس" وهى حبيبة ماركو مُصارع الثيران.
يواصل الرجلان التحدث إلى المرأتين على أمل أن تفيقا، لكن الكشف عن الإغتصاب والإتهامات المصاحبة له تقود إلى قطع الصداقة بين الأربعة.
فيلم "تحدث إليها" هو أكبر إنجاز لبيدرو الموديفار، يمزج فيه كل ثيماته وعناصره فى تحفة فنية، ونال هذا الفيلم جائزة الأوسكار أيضاً كأحسن سيناريو مُؤلف خصيصاً للشاشة.
إنه يستكشف الأدوار للرجال والنساء، كما يتميز بالسرد المُتجزأ حيث تتطور القصة بطريقة غير مباشرة، إنه تحفة سينمائية، لا يكشف فقط عن عبقرية بيدرو الموديفار، لكنه يكشف أيضاً عن إنسانيته كمخرج.
كاتب المقالة هو جوزيه جاليجوس، وهو مخرج متميز وحاصل على ليسانس الإنتاج السينمائى الفرنسى من جامعة جنوب كاليفورنيا، كما حصل على ماجستير فى السينما، ودرس علوم الإعلام فى جامعة كاليفورنيا، وهو مهتم بشكل خاص بالموجة الجديدة الفرنسية وسينما الضفة اليسرى والسينما الأسبانية فى عهد فرانكو.
نُشرت هذه المقالة فى موقع tasteofcinema.com