محاضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى
ما نريد ان نستكشفه فى هذا الاسبوع ليس فقط تعقيدات السيميائية التى تتأسس
بشكل اساسى على علم الاشارات، ولكن ايضا ان نستوضح بعضا من تطبيقاتها، وعلى الرغم
من ان بيير باولو بازولينى كتب مقالة ساحرة فى اواسط الستينات عنوانها "سينما
الشعر" مزج فيها الافكار السيميائية مع
رؤية اندريه بازن المنحازة للواقع، لكن كريستيان ميتز كان اول من قام بالتنظير
السيميائى وكانت خلفيته الاكاديمية هى علم اللغويات.
ارادت
السيميائية ان تكون عكس الرأى الذى ينحاز الى الصورة الواقعية باعتبارها السائدة،
وبينما كان اندريه بازن يؤمن بان السينما اقرب الى الحقيقة، فان ميتز وبيتر وولن
واساتذة تحليل سينمائى آخرين مثل رولاند بارث وامبرتو اكو اوضحوا انه اذا لم تكن
القضية قضية لغة فانها على الاقل مثل اللغة.
ولم يكن
ميتز مهتما بكيف يكون الفيلم قريبا او بعيدا عن الواقع، لكنه اراد ان يفهم شفرات
الفيلم، وكما قال جيمس موناكو فى كتابه ( كيف تقرأ فيلما) ( تحاول السيميائية ان
تصف القوانين والانساق التى تحكم الظاهرة الثقافية، وهى تفعل ذلك باستخدام النموذج
اللغوى، وبناءا عليه فالسيميائية فى السينما تنظر الى الفيلم بوصفه لغة).
ودعونا نستشهد
بمقالة قصيرة لبارث فى كتاب ( الميثولوجيا عند يوليوس قيصر ) وهذه المقالة مكتوبة
قبل وقت طويل من ظهور السيميائية كنظرية سينمائية، لكنها مع ذلك تبدو وثيقة الصلة بالسيميائية،
فبارث لم يكن مهتما بالحقيقة فى السينما او بمصداقية شكل سينمائى او آخر بقدر
اهتمامه بما يقوله نسق الاشارة للفيلم.
ومن بين ما كتبه
بارث ( كل الوجوه تتفصد عرقا بصفة دائمة.... ولقطات الكلوس اب التى تكشف هذا
العرق تُلمح الى ان وراء هذا العرق شيئا
ما، فكل الناس تعرق لان كل الناس يتجادلون واحيانا يتجادلون مع انفسهم) والشخص
الوحيد الذى لا يتفصد عرقا هو يوليوس قيصر ( .... اداة الجريمة تظل جافة لانها لا
تعرف كما انها لا تفكر .... )
وامبرتو اكو يوضح هذا الامر بتشبيه ممتع للصراع بين الغرب الامريكى والهنود الحمر باعتبارهما اعداء، فامبرتو اكو يكشف ثمانية وعشرين كلاشيها من بينها ( ظهور الهنود الحمر فى الفيلم فى مجموعة صغيرة فوق التلال المحاصرة، والقيام باعمال حراسة فى امكان منعزلة تماما لا تحتاج مثل هذه الحراسة ) و ( الهجوم وتطويق العربات، ولكن تظل منطقة ما فى هذا التطويق بحيث يمكن ان يهرب منها الواحد وراء الآخر ) فالرموز والكلاشيهات دائما مترابطان.
ويشير كل من بارث واكو الى ان المخرجين يستخدمون الآلة الكاتبة فى كتابة السيناريوهات، وشرح تعقيدات الشخصية ودوافعها او محاولات الهنود فى التعريف بانفسهم، كل هذه الامور ليست ذات صلة بنظام الاشارات التى تجعل المشاهدين يفهمون الامور بسهولة.
وامبرتو اكو يوضح هذا الامر بتشبيه ممتع للصراع بين الغرب الامريكى والهنود الحمر باعتبارهما اعداء، فامبرتو اكو يكشف ثمانية وعشرين كلاشيها من بينها ( ظهور الهنود الحمر فى الفيلم فى مجموعة صغيرة فوق التلال المحاصرة، والقيام باعمال حراسة فى امكان منعزلة تماما لا تحتاج مثل هذه الحراسة ) و ( الهجوم وتطويق العربات، ولكن تظل منطقة ما فى هذا التطويق بحيث يمكن ان يهرب منها الواحد وراء الآخر ) فالرموز والكلاشيهات دائما مترابطان.
ويشير كل من بارث واكو الى ان المخرجين يستخدمون الآلة الكاتبة فى كتابة السيناريوهات، وشرح تعقيدات الشخصية ودوافعها او محاولات الهنود فى التعريف بانفسهم، كل هذه الامور ليست ذات صلة بنظام الاشارات التى تجعل المشاهدين يفهمون الامور بسهولة.
وهنا توجد ثلاثة
مجموعات من الاصطلاحات التى ربما تكون مفيدة فى التوضيح قبل ان ننتقل الى باقى
الموضوع، اولا اصطلاحان ( الدال والمدلول ) وثانيا اصطلاحان ( المعنى الظاهر
والمعنى الضمنى ) وثالثا اصطلاحان ( السينتاجماتك والباراديجمتك )
الاصطلاحان الاولان
يميزان بين الدال وبين ما يدل عليه، ويسمى هذا فى اللغة بالتصنيف، فهناك فرق كبير
بين كلمة وردة وبين الوردة الحقيقية.
ان هذا من الممكن ان
يُسمى شيئا آخر واذا نحن وافقنا جميعا على ان الوردة هى التيوليب فهذا جيد لانه لا
توجد علاقة جوهرية بين الدال وما يدل عليه، وفى اللغة التى تعتمد على الكتابة لا
يهم اذا كانت الكلمة تحمل معنا آخر فالمهم هو المعنى المقصود الذى تستحضره الكلمة.
لكن السيميائيين
يشيرون الى ان الامر مختلف فى السينما، فصورة الورة والوردة الحقيقية تربطهما
رابطة واضحة، فالفرق بين الاشارة وما تشير اليه قليل جدا، وبينما يتكلم سوسير عن
الدال كصورة صوتية والمدلول كتصور وان الاثنين يصنعان الاشارة، فالسينما اقرب ما
تكون الى رأى اندريه بازن الذى يتحدث عن ( حقيقة الصورة) بينما يميل بازولينى الى
السيميائية فيما اطلق عليه ( اللغة المكتوبة للواقع ).
والاصطلاحان
الثانيان هما (المعنى الظاهر والمعنى الضمنى) وهما يوضحان الفرق الحقيقى بين ماهية
الشئ وبين ما يُلمح اليه.
فالوردة زهرة تنمو
فى الطبيعة لكنها ايضا تحمل العديد من التلميحات، فعندما نرى شخصا يسير فى الطريق
وفى يده وردة فاننا لا نفكر فى الوردة باعتبارها زهرة تنمو فى الطبيعة ولكننا نفكر
فى ان هذا الشخص سوف يذهب ليقابل حبيبته، ودعونا نعود بفكرنا الى مقولة بارث.
لو انه وجد كل تلك
الوجوه التى تتفصد عرقا شيئا سخيفا، فهذا يكمن فى ان المعنى الضمنى يطغى على
المعنى الظاهر، هل كل الرومان يتعرقون بغزارة فى درجات حرارة اعتادوا عليها جيدا:
ام انها الطريقة البلهاء للسينما لاعطاء معنى ضمنى يعبر عن ضمائرهم الخربة، كما
يقول بارث؟
المجموعة
الثالثة من الاصطلاحات هى الباراديجمتك والسينتاجماتك، وهما مفيدان فى فهم طبيعة
شكل الفيلم، فعندما نشاهد لقطة، سواء بوعى او بدون وعى، فاننا نكون على علم بان
اللقطة من الممكن ان تكون مختلفة جدا عما شاهدناه.
اذا كانت اللقطة
مأخوذة من زاوية منخفضة للشرير وهو يطارد بطلة الفيلم خلال الشوارع، فاننا نكون
على علم بتوفر خيارات اخرى متاحة للمخرج، فهو يستطيع استخدام لقطة الكلوس اب او
لقطة مأخوذة من زاوية عالية او لقطة وجهة النظر لبطلة الفيلم عندما تلتفت لتواجهه،
هذا مختلف عن السينتاجمتك حيث تكمن اهميته فى العلاقة بين اللقطة المختارة وبين كل
اللقطات المختارة الاخرى.
الاصطلاحان
باراديجمتك وسينتاجماتك مفيدان جدا فى فهم الاطار، والاصطلاحان – المعنى الضمنى
والمعنى الظاهر- مفيدان لفهم المحتوى، عندما تحدث بارث عن يوليوس قيصر فانه اهتم
بالحديث عن المحتوى، ولكى نفسر محتوى فيلم فانه من المفيد احيانا ان نتفكر فى
الكيفية التى تقدم فيها السينما المعانى الضمنية بصرف النظر عن ان السينما لديها
القدرة على تقديم المعنى الظاهر بصورة جيدة فيما له صلة بالواقعية.
السيميائيون
يستعيرون الاصطلاحات من الفلاسفة – مثل س اس بيرس – ومن اللغويين مثل سوسير، ومن
نظرية الادب استعاروا الكثير لتوضيح ان ادوات الفيلم مثلها مثل اللغة، ومن بين هذه
الاصطلاحات الادبية، السياق والعلامة والكنية والكناية والرمز، هذه المصطلحات ليس
من السهل التمييز بينها دائما، كما ان دلالة بعض من هذه المصطلحات متداخل، لكن
تطبيقات هذه المصطلاحات اكثر اهمية من تعريفها.
ولنأخذ
مثال الكناية وكيف يوظفها المخرجون فى علاقة مع الالوان، الكناية تعنى كيفية تعميم
الوصف على الكل، ويُفرق عالم اللغويات رومان جاكوبسون الكناية عن الاستعارة بالقول
ان الاستعارة تتطلب استبدال اما الكناية فهى تتطلب سياقا.
وبشكل
عام فان السينما اطار يتعامل مع الاستعارة، وتفسح المجال لنفسها لتتعامل مع
الكناية، وغالبا فان المخرجين يستخدمون تيمة اللون لاعطاء معنى اوضح لمشاعر
الشخصيات ضمن امكانيات السرد، وعلى سبيل المثال فان فيلم - بعيدا عن الجنة – يخلق
كناية واضحة من خلال اللون كما فى شخصية جوليان مور وزوجها اللذان يواجهان ازمات
متعددة.
اذا قدرنا
على التعرف على تشاؤمية ديفيد ثيوليس اولم نستطع ان نهرب تماما منها فى ( العارى )
فهل هذا لان المخرج مايك لى اصر على استخدام نظام ألوان باهتة حيث اللون الاحمر
على سبيل المثال تم حذفه من الباليتة؟ هذا تحديد للكناية، حيث يمثل الميزانسين
ملمحا للشخصية دون فصل ذلك عن ضرورات الواقع.
السياق
من الممكن ان يكون طريقة مفيدة جدا للمخرجين الذين يريدون ان يعملوا بدقة كبيرة،
او يعملون بميزانية منخفضة ويتجنبوا التكلفة العالية للتصوير ليحققوا اهدافهم،
ونستطيع ان نلاحظ مثالا على السياق فى بداية فيلم -الالوان الثلاثة- فالازرق يعبر
عن اصطدام سيارة ويتم تقديمه بصورة اساسية من خلال صوت من خارج الكادر ومن خلال رد
فعل شاب على الحدث.
وهذا مُستخدم
ايضا فى افلام بريسون مثل فيلم – النقود – حيث يركز بريسون اللقطة على اليد التى
تدفع الرجل، ونستمع الى صوت من خارج الكادر لرجل يصطدم بمائدة، فى مثال الكناية
هناك اثراء لفهمنا للفيلم اذا اردنا ان نعى استخدام اللون فى الفيلم، لكن امثلتنا
عن السياق تتركز على فهمنا لاحداث الفيلم، فى فيلم العارى وفيلم بعيدا عن الجنة، فان الالوان تُضيف الى التيمة التى يتكون منها
الفيلم.
والكنية
غالبا تُستخدم بالتبادل مع الكناية، ولكن يمكن توظيفها بشكل مفيد فيما يتعلق
بموضوع او مادة توازيها او فى السمات الشخصية، انها الجزء الذى يستطيع ان يِشير
الى الكل وغالبا فانها تحدد الشخصية دون اللجوء الى التفاصيل.
وفى نوعية
فيلم الجريمة الابيض واسود المعروف باسم – الفيلم نوار – فان هذه النوعية تستهويها
الكنية: ودعونا نتذكر سوار القدم لباربارا ستانويك الذى ترتديه فى فيلم – تعويض
مُضاعف – انه يلمح الى معانى جنسية، او نتذكر السجائر التى تُدخنها ريتا هيوارث
واورسون ويلز فهذا يعبر عن الاحباط والملل من جانب ريتا هيوارث فى فيلم – سيدة من
شنغهاى – لاورسن ويلز، وفى فيلم – اضراب – لسيرجى ايزنشتين فان للسيجار الفاخر
ملمحا سيميائيا يستمدها من الواقع، لكنه من الممكن ايضا ان يصبح اختزالا مفيدا
للمخرجين الذين يسعون لتوضيح احساس الرضا عن النفس.
بعض من افلام النوع تصلح كأمثلة على الاشارات اكثر
من الافلام الخرى، فافلام الغرب الامريكى تبدو انها توظف العلامة ، فكل ما نحتاج
ان نراه هو وادى مونيومنت - فى فيلم الباحثون لجون فورد وهو نفس الوادى الذى ظهر
فى اعداد كبيرة من افلام الغرب الامريكى – فهذا الوادى يجعلنا نفترض اننا فى الغرب
الامريكى، ان افلام النوع تمتلأ بصور العلامات مثل الفارس الوحيد على ظهر حصان
وقبعة ستاتسون والمنزل المحاط بارض.
اذا
اقتنعنا بان افلام الغرب الامريكى هى اكثر افلام النوع التى تستخدم العلامات، فهل
هذا يكمن فى اعداد الصور التى تحدد لنا مكاننا فى العالم؟ وبناءا عليه، ومثل
الكنية ولكن بطريقة مختلفة، فان العلامة تشير الى الوسط والبيئة التى يضعنا فيها
المخرج.
دعونا
نفكر فى كم الافلام التى تعرض برج ايفل ونوتردام لتوضح ان المكان هو باريس، او
الافلام التى تكشف عن الاتوبيسات الحمراء او ساعة بيج بن لنعرف على الفور اننا فى لندن،
العلامة تختصر المدينة بعرض جزء منها، وبناءا عليه فان الامر ينسحب على
الكناية لكن العلامة تبدو اوسع فى معناها
واقل ألفة من الكنية.
ولكن اين
نرى الرمز وسط كل هذه المصطلحات؟ فى فيلم – نهاية العالم الآن – فان ذبح جاموسة
الماء يبدو انه يرمز الى ذبح الكولونيل كورتز ، فالقطع المونتاجى يتم عليه، لكن من
الناحية السردية يقدم لنا الفيلم معلومات كافية تخبرنا ان الجيش الامريكى يعتقد ان
كورتز يتحمل المسؤولية ويجب التضحية به للحاجة الى قائد عسكرى: اننا فى الحقيقة لا
نحتاج الى الرمز وغالبا فان توظيفه يبدو مفتعلا.
لقطة من فيلم نهاية العالم الآن لفرانسيس فورد كوبولا |
اذا
لم يكن عنصر السرد محوريا فى الفيلم، فيمكن للتفاصيل ان تبرز ثراء الموضوع، ولكن
فقط اذا ظهرت بدون مباشرة، وبعض المخرجين والنقاد يتحفظون على الرمز، وعندما سأل
احد الاشخاص اندريه تاركوفسكى اى اللقطات رمزية، فقيل للسائل التعيس ألا يكون
ابلها، ويصر ايريك رومر على انه ضد الرمز من الناحية المبدئية، ويقول فيلسوف
السينما الكبير جيل دولوز فى حوار منشور فى – نظامان للجنون – انه لا يؤمن بالمستويات
المختلفة فى استقراء الافلام.
اذا اصبح
الرمز مباشرا بصورة فجة، فهل يعبر عن التأكيد المفتعل للمخرج؟ ففى تصوير رجل يمشى
فى الشارع ومعه وردة فى يده فاننا نفترض انه سيقابل حبيبته، وهذا الترميز كافى: انه
جزء من العلاقة الضمنية مع العالم باسره، ولكن
عندما يقطع المخرج على امواج هائجة ليرمز الى شبق الحبيبين، او يقطع الى امطار
غزيرة بعد فراق الحبيبين، الا يستطيع المخرج ان يصور الشبق والألم ببساطة دون
ترميزهما ايضا؟ ان كل الحيل السيميائية – فى نهاية الامر - سلمت نفسها الى نوع من
النمطية.
هل نريد
ان نرى فيلما باريسيا آخر يقدم لنا باريس بلقطة لبرج ايفل، او رجل اعمال يتم
تقديمه لنا بسيجار سميك؟ وخلاصة القول، اذا كانت السيميائية مفيدة، فهذا يكمن فى
جعلنا واعين الى جودة او رداءة توظيف المخرج لبناء الصورة، واستخدامه للاطار
وعمليات المونتاج.
ترجمة:- ممدوح شلبى