مقال : ريتشارد . ت . كيلى .
ترجمة : ممدوح شلبى .
روح الاحتجاج الثورية التى اجتاحت عواصم العالم فى عام
1968 كانت بمثابة اضرام للنار فى مهرجان كان السينمائى ، ولقد تغيرت والى الابد
الطريقة التى كان يمارسها رواد المهرجان من المنتجين .
كان مهرجان "كان" يستعد لدورة جديدة ، والآن نحن نعود الى
الاحداث الدرامية لشهر مايو من عام 1968 من خلال مطبوعتين ، الاولى كتبها كيرون
كورلس وكريس دارك بعنوان ( مهرجان كان .. من داخل اعظم مهرجان للعروض الاولى
للافلام ) وهذه من اصدارات ( فابر اند فابر 2007 ) ، والمطبوعة الثانية – وهى
الاولى – ( الثورة .. انفجار عالم السينما
فى الستينات ) من تاليف بيتر كوى ( اصدار فابر اند فابر 2004 )
روح الثورة فى شوارع مدينة كان
الفرنسية .
مع بدء عام 1968 فقدت السينما
الفرنسية دورها الريادى فى السينما الاوربية ، اما مهرجان كان السينمائى –
تلك الدرة الفرنسية – فقد ظل يلعب دوره السيادى ، فكل الناس يذهبون الى مهرجان
كان ولازالوا يذهبون ، لكن اثناء حقبة الستينات لم يكن هذا المهرجان سوقا سينمائيا
مسعورا كما هو الآن .
اننى اتذكر لقاءا صحفيا انعقد بالقرب
من مانديلى ، وكان يضم اورسن ويلز الذى كان يدير محاكمة من فوق مقعد قبيح بينما
تريفو واخرين موجودين فى صحبته .
كان مدير المهرجان روبرت فافر لوبرت
من الاشخاص المتفانين ويبدو كريماً مرة وقاسى مرات ، وعلى الرغم من ان موريس
بيسى رئيس التحرير السابق ل ( سين موند ) كان المدير العام للمهرجان ، - بمعنى انه
كان رئيس لجنة اختيار الافلام – فانه وفى
الخلفية فقد كان لفافر لو برت حضورا مؤثرا
، وكان من المتعين ان يظل فافر لوبرت فى رئاسة المهرجان حتى عام 1984
لقد بدأ عام 1968 بخبر اشاع جوا من الارتياح
فى تشيكوسلوفاكيا ، فقد اصبح الكسندر دوبسك السكرتير الاول للحزب الشيوعى فى
الخامس من يناير خلفا لانتونين نوفوتونى ، ان هذا التغيير سيقود الى ما اصطلح على
تسميته ربيع التشيك ، حيث تم تحرير المعتقلين السياسين وتم اعادة الاعتبار لهم ،
كما تم توسيع هامش الحرية فى وسائل الاعلام .
لكن لم تكد تمضى خمسة وعشرين يوما
حتى سمعنا انه فى هيو وحول سايجون فى الشمال الفيتنامى ان فيت كونج اعلن خطة هجوم
تيت الساحق .
ان الصحفى آى . اف . ستون قال فى مؤتمر
صحفى حاشد فى واشنطن ان الامبريالية الامريكية هى العدو الحقيقى ، وكان معظم الامريكيين
يعترفون بانهم خسروا فى فيتنام ، بينما فل ودانيال بريجان – القسيسان الجيزويتيان
فى ميريلاند - فقد اشعلا النار فى كومة من الوثائق امام الناس ، وعندئذ بدأت
الاضطرابات تتخذ شكلا جادا داخل الحرم الجامعى .
ان الحركة التى قادها دانيل كوهن
بندت واحتل بها جامعة نانتر بمساعدة حشد هائل من الطلبة فى 22 مارس ، ربما كانت
الشرارة التى اطلقت احداث مايو 1968 ، كما كانت عملية طرد هنرى لانجلوس من عمله كرئيس للسينمايك
الفرنسى فى 9 فبراير هى التى اثارت حفيظة
الانتلجنسيا فى باريس .
لقد كان المسؤول عن هذا القرار هو
اندريه مالرو وزير الثقافة الفرنسى ، ولقد اطلق جان كوكتو تسميه على لانجلوس (
التنين الذى يحرس تراثنا ) ، لقد كانت صورة لانجلوس عند السلطات تبدو مثل الخنزير
، اما فى نظر المخرجين والنقاد وهواة السينما ، فقد كان الشخص الاكثر استحوازا على
محبتهن .
بيير باربين هو الذى حل محل لانجلوس ، وقد يكون قد حقق نجاحا فى عمله كرئيس للرحلات و مهرجانات السينما ، لكنه
لم تكن له ايه فرصة فى عمله الجديد لانه جاء ضد ارادة المجتمع السينمائى ، بالرغم
من ان لانجلوس كان يتعامل بطريقة مدرسية مع المحفوظات السينمائية وطريقة تصنيفها .
لقد اندلعت مظاهرة عارمة تأييدا للانجلوس وضمت نجوما مثل
كاترين دى نيف وجان بول بولموندو وسيمون سيجنوريه وألن رينيه وجان لوك جودار
وفرنسوا تريفو ، لقد حدث هذا امام قصر شيو - وهو يضم احد قاعات السينماتيك ، بينما
كانت القاعة الاخرى فى شارع رودام – وكان الجو فى هذه الاثناء مصحوبا برياح ربيعية
باردة .
ولقد عبر جيلبرت أدير عن روح
المظاهرة فى روايته ( الابرياء المقدسون ) واصفا الممثل جان بيير ليود الذى يبدو
بعيونه الواسعة كما لو انه شبح المسيح ، والذى كان يقرأ بصوته الاجش ما جاء فى
البيان الذى تم توزيعه على المتظاهرين ، وكانت الشرطة قد احطت بالمتظاهرين وتعاملت
معهم ، وقد عانى الكثيرمن السينمائيين من الاصابات مثل تريفو وجودار وبرتراند
تافرنير .
كلود ليلوش وجان لوك جودار وفرنسوا
تريفو ولوى مال ورومان بولانسكى يحضرون الجبهة الموحدة .
برناردو برتولوتشى : ان جميع حركات
الاحتجاج لعام 68 والتى شملت بيركلى ، وشيكاغو وجامعة كولومبيا ، قد بدأت جميعها
فى فبراير عندما تم طرد لانجلوس ، فللمرة الاولى هاجمت الشرطة مجموعة من المتظاهرين السلميين كان كل مطلبهم
ان يعود لانجلوس الى عمله فى السينماتيك الفرنسى ، ولقد كان هجوم الشرطة والعنف
المصاحب له هو المحرك للاحداث ، ولذلك فالسينما قد اصبحت متورطة منذ البداية .
ومع حلول الحادى والعشرين من ابريل
فقد فقدت الحكومة الفرنسية المعركة ، وعاد لانجلوس الى مقعده فى شارع رودام ، وفى
2 مايو اعاد السينماتيك فتح ابوابه ، وفى ظهيرة نفس اليوم – المعروف باسم الجمعة
الحمراء - فان اولى معارك مايو 1968 قد
حدثت فى الحى اللاتينى بين الطلبة والشرطة ، تبعه هجوم عسكرى على مبانى الجامعة ،
وفى العاشر والحادى عشر من مايو تزايدت حدة العنف حيث تم احراق السيارات ، كما
هاجمت الشرطة حصون المتظاهرين ، , تم الاعلان رسميا عن اصابة 367 شخصا كما تم
اعتقال 460 آخرين فى يوم 10 مايو فقط .
بدت الثورة كما لو انها على وشك
الحدوث وكان مخرجو السينما الفرنسيين فى طليعة هذه الاحداث ، وكان من المقرر ان
مهرجان كان السينمائى والذى يتصادف توقيته مع اضطرابات مايو - فبدا كما لو كان عرضا
جانبيا اقليميا للاحداث الاساسية ، ولكن ونظرا الى الظروف فان المهرجان لم ينعقد
وكانت هذه هى المرة الثالثة فى تاريخه – او على الاقل – لم ينعقد بشكل كامل – فقد
نادت الاصوات بايقافه نظرا لان مجموعة من السينمائيين اصبحوا جزءا من المعمعة
السياسية الدائرة .
كان مقررا انعقاده بين 10 الى 24
مليو ، وكانت هذه هى دورته الواحدة والعشرين ، وكانت لجنة تحكيم المهرجان تضم رومان
بولانسكى ولوى مال ومونيكا فيتى - ملهمة انطونيونى – وترانس يونج – الذى كان مخرجا
لاول افلام جيمس بوند .
وكان من بين الافلام ال 26 المختارة
فى المسابقة الرسمية ، فيلم ( احبك .. احبك ) لآلن رينيه ، وقيلم ( كرة رجل
المطافئ ) لميلوس فورمان ، وفيلم ( تقرير عن الحفلة والمدعويين ) لجان نيمك ،
وفيلم ( بيتوليا ) لريتشارد ليستر ، وفيلم ( نعنان فرابي ) لكارلوس ساورا .
ولكن وعلى الرغم من ان المهرجان يبعد
500 ميلاً عن باريس ، وبالرغم من توقف التليفزيون عن البث مراعاة لدموية الاحداث فى
باريس ، فان مهرجان ( كان ) لم يكن بعيدا عمل يحدث فى العاصمة .
ففى 13 مايو اصدرت جمعية النقاد
بيانا تدعو فيه الحاضرين الى الانضمام الى مظاهرة لدعم الطلبة ( لنتظاهر ضد العنف
الذى تمارسه الشرطة الجائرة والذى يعتبر اعتداءا على ميراث فرنسا فى الحرية
الثقافية ، وعلى التقاليد العلمانية فى جامعاتنا ، وعلى مبادئنا الاساسية ) ، لقد
طالبوا بتأجيل المهرجان ، لكن فافر لو برت رفض متعللا ان المشاركين الاجانب لا يجب
الزج بهم فى ما يمكن اعتباره شأنا فرنسيا
، لكنه – على ايه حال – اوقف الاحتفالات وحفلات الكوكتيل والعشاء .
وكان فرنسوا تريفو – وعلى اثر نجاح الحملة فى الدفاع عن
السينماتيك – اصبح لديه هدف وهو ايقاف المهرجان ، ان الدعوة الى ايقاف المهرجان
اتت فى شكل اقتراح تم الاجماع عليه من منظمة تم انشاءها حديثا اثناء الاحداث وسمت
نفسها ( الاملاك العامة للسينما الفرنسية )
وكان هذا نوع من الاشارة الى ( الاملاك العامة ) التى تم
اعلانها فى الثورة الفرنسية عام 1789 ، والتى حملت فى عام 1968 دلالتين ، ففى احد
جوانبها ، وضع المشاركون فى احداث عام 68 انفسهم فى الفصيل الثورى التقدمى
التاريخى ، وفى الجانب الآخر ، فان هذه
الحركة كانت بمثابة عدم اعتراف صريح بالنموذج البرجوازى الذى يمثلوه ، ان ( الاملاك
العامة للسينما الفرنسية ) تشكلت من ألف طالب سينمائى واعدادا من اعضاء نقابة
المهن السينمائية وكذلك المخرجين والنقاد
والممثلين ، الذين عقدوا اجتماعاتهم العادية لنحو اسبوعين فى موقع معهد السينما
الفرنسى فى شارع فوجيرار .
لقد كان هدفهم التغيير الجذرى
لمؤسسات السينما الفرنسية ، وظهرت الدعوات التى تطالب باضراب عام لكل العاملين فى
السينما وفى الوسائل السمع بصرية ، لقد استجاب الجميع الى الدعوة ، والاكثر من ذلك
، انهم طالبوا بايقاف مهرجان كان ، وكان المسؤول عن ذلك فرنسوا تريفو ورفاقه
الشيوعيين فى الريفيرا الذين لم يتهاونوا فى تحقيق هذه الهدف .
فرنسوا تريفو |
وفى صباح السبت الموافق 18 مايو ،
ذهب تريفو الى المؤتمر الصحفى المنعقد فى صالة جان كوكتو – وكان منظمو هذا المؤتمر
هم لجنة الدفاع عن السينيماتك ، وكان جودار موجودا ايضا وكذلك كلود ليلوش الذى حضر
فى يخته الخاص الى المهرجان ، وكذلك لوى مال وميلوس فورمان الذى ألقى البيان الذى
تسلمه من ( الاملاك العامة للسينما الفرنسية ) ودعى النقاد والمخرجين الى اغلاق
مهرجان كان ، كما اعلن ميلوس فورمان وسط تصفيق الحاضرين انه يسحب فيلمه ( كرة رجل
المطافئ ) من المسابقة .
وبعد ان ترك فورمان المنصة حل محله رومان بولانسكى الذى تابع المؤتمر
واشار الى جودار وقال ( ان كل ما قلته اعادنى الى ذكرياتى عندما كنت فى بولندا
اثناء الحقبة الستالينية ) ، وكنوع من الدعابة قيل ان بولانسكى قال ان تريفو
وليلوش وجودار ( اطفال صغار يمثلون دور الثوريين ) واضاف ( اننى انسحب كنوع من
التضامن مع الطلبة الذين ادعمهم بكل قلبى ، وانا لا اريد مطلقا ان يتم تفسير قرارى
بالانسحاب على انه رفض لمهرجان كان ) .
الفوضى تحيط عرض فيلم ( نعناع فرابى
) لكارلوس ساورا
اليوم التالى ونصف اليوم الذى
تلاه اصبحا حلقة مستمرة من النقاس والمواجهات التى تنطلق فى صالة جان كوكتو وتتواصل
فى الصالة الكبرى ثم تتكرر مرة اخرى ، وكان هذا النقاش مصحوبا بهتافات فكاهية
وشتائم مهينة .
وحتى فى المراحل الاولى ، فقد كان
واضحا ان هناك فروقا تكتيكية بين هؤلاء الذين ينادون باغلاق المهرجان ، فالبعض كان
يفضل الاغلاق التام ، اما الآخرون فكانوا يطالبون بالتعديل بحيث تستمر عروض
الافلام ، وبسبب التباين بين مواقف الراديكاليين والاصلاحيين فقد نتجت مشادات شديدة الحدة ،
وفى تلك الاثناء كان لوى مال – عضو لجنة التحكيم – مشغولا جدا وراء الكواليس .
( ان واجبى ان اقنع لجنة التحكيم
بالانسحاب ) ، ظنت اللجنة انه اذا استقالت لجنة التحكيم فان المهرجان لا يمكنه
ان يستمر ، واثناء مقابلة مع لجنة التحكيم أعلن تيرانس يونج انه تلقى اتصالا
تليفونيا من النقابة الفرنسية وانه – بصفته عضوا – فيجب عليه ان يمتثل لرأى
النقابة ، ( لقد اقنعت مونيكا فيتى ) ، اما تريفو فقد ذهب ليقابل رومان بولانسكى
الذى قال انه يود ان ينسحب لكنه اعتذر بسرعة عن ذلك .
اذن لم يكن الانسحاب بالاجماع ، ومع
ذلك فان لجنة التحكيم لم تحرك ساكنا ، ونقل لوى مال الاخبار الى زملاءه الذين
هرعوا الى الصالة الكبرى ، عندئذ اصبح الموقف امام كاميرات التصوير وكان الناس
يتدفقون فى الممرات .
وبعد اعلان لوى مال ، اعلن فافر لو
برت ان المهرجان لن يمنح جوائز لكنه اصر على استمرار المهرجان ، واشار ديفيد
روبنسون فى الفيننشال تايمز ان مديرى مهرجان برلين وفينسيا اعلنوا ان جميع افلام
المسابقة سوف تشارك فى المهرجانين فى يوليو واغسطس .
كان هذا كسباً لنصف المعركة ،
واصبح الموقف اكثر مرارة ، واعلن لوى مال بعد ذلك انه يتحمل المسؤولية عن اغلاق
المهرجان وفال ( لقد اصبحت شخصا غير مرغوب فيه فى مهرجان كان )
( المنتجون كانوا غاضبين وترددت الاشاعات التى تشير الى
انها كانت غلطتى ... وعنما ذهبت الى المقهى الازرق المقابل لقصر المهرجان ، رفض
العاملون خدمتى ) ومع ذلك فقد شارك لوى مال فى مهرجان كان العام التالى بفيلمه
التسجيلى الذى صوره فى كالكتا بالهند فى نفس العام ، لكن فيلمه عُرض خارج المسابقة
.
ان منتج الافلام الامريكى الشاب
ساندى ليبرسون ، وجد نفسه لاول مرة فى ( نيك روج ) وكذلك فان عرض دونالد كاميل ظهر
فى مهرجان كان لعام 1968 ولابد انه يتذكر جيدا
المردود المادى لعمله .
لقد انتابتهم الصدمة مما حدث – ليس
الفرنسيين – ولكن الناس الذين جاءوا الى مهرجان كان والذين ترتبط اعمالهم به ، (
ان هذا عملنا ، لقد جئنا لنرى الافلام ونبيع ونشترى الافلام ونعقد الصفقات ، اننا
لسنا جزءا مما يحدث رغم اننا وجدنا انفسنا فيه ، اننى احب هذا ، اننا فى الولايات
المتحدة الامريكية لا يمكن ان نكون يساريين ، لقد انتهى هذا العهد .... شيوعية ...
انت تُهرج ؟ ، ان كلمة اشتراكية من الكلمات القبيحة بالنسبة لليبراليين ، لذلك فان
ما حدث فى مهرجان كان 1968 هو قلة ادب ، ان الفرنسيين عملوها ، كانت عندهم الشجاعة
لكى يقفوا ضد الحكومة) .
بعض المنتجين استغرقتهم الحالة من منطلق انهم غير ثوريين ، وفى يوم الاحد 19
مايو اعتصموا على سلالم قصر المهرجان لكى تستمر العروض السينمائية
وبالنسبة للعروض التجارية فقد وجدت
لها مكانا فى الشوارع الخلفية وقد استمرت عدة ايام ،
وعلى الرغم من الاضراب وندرة الوقود
فقد قدم مهرجان كان العون للمنتجين والموزعين - الذين يتجمعوا كل عام فى مهرجان
كان - لكى يواصلوا عمل صفقاتهم فى روما ، وهى اقرب عاصمة .
وقدمت مجلة فاريتى تقريرا قالت فيه
ان اليزابيث تايلور وريتشلرد بيرتون استقلال طائرة خاصة من لندن لكى ينقلوا طاقم
شركة يونيفرسال الذين تقطعت بهم الوسائل فى مدينة كان .
ومن اكثر الاشياء التى تميز اللقطات الاخبارية المصورة عن
المهرجان تلك التى اظهرت التفاعل على المسرح بين قادة المتظاهرين وخاصة تريفو
وجودار ، لقد استطاع تريفو ان يؤدى دوره جيدا فى التواصل وتقديم المعلومات للجمهور
عن الاسباب التى تدعو لاغلاق المهرجان بالرغم من انه بدا كما لوكان يُهدأهم بامكانية استمرار العروض .
اما جودار من الجانب الآخر فقد ظهر
بوجه عبوس وكان متعاليا ومحتجا ، وكان واضحا انه كان يفتقد طبيعته التهكمية التى
تعودناها منه ، لقد بدا المنظر كما لو ان الاثنين يمثلان على المسرح ارتجاليا دورى
شرطى طيب وشرطى شرير ، ففى احد اللحظات كان جودار يوجه التهم الى الذين تجمعوا فى
الصالة الكبرى ويتهم السينما بشكل عام كونها فشلت فى تقديم الحالة الثورية ( لا
يوجد فيلم واحد اظهر المشاكل التى تعرض لها العمال والطلبة ، ولا فيلم واحد ، سواء
لفورمان او لى او لبولانسكى او فرنسوا ، لقد فقدنا القارب )
واصر جودار وسط همهمة الحاضرين ( ان
القضية ليست استمرار او عدم استمرار عروض الافلام ، القضية هى ان تُظهر السينما
تضامنها مع حركة الطلبة ، والشئ الوحيد العملى لعمل ذلك هو ان تتوقف كل العروض
فورا ) وفى لحظة اخرى , فقد جودار اعصابه وانهال بسيل من الشتائم على هاوى سينمائى
سئ الحظ تجرأ وابدى ملاحظة مُعارضا جودار .
وقد اهتز جودار من ثورة الغضب وصاح ( انتم تتحدثون عن التضامن
مع الطلبة والعمال في الوقت الذى تُناقشون فيه لقطات الترافلينج ( المصاحبة ) ولقطات
الكلوس اب ، انكم منفصلون ) لقد كانت لحظة
غريبة لمن يُشاهد ، فقد بدأ جودار يتراجع الى الخلف لحدة كلماته وكان تريفو يقف
بجواره وملامحه تدل على الألم .
بدا الامر كما لو كان هجوم جودار
تراجعا عن القناعات السينمائية التى آمن بها مع تريفو ، ويمكن ان نحلل ما حدث كما
لو انها اللحظة التى تبرأ فيها جودار من فلسفته السينمائية بسبب موقف سياسى راديكالى
. ان الاعوام التى تلت اظهرت انه تخلى عن اخراج اى فيلم تجارى ، انها ادت ايضا إلى
الإنهاء الحاد لعلاقته بتريفو الذى وصف جودار وصفا لا يمكن لهما ان يتصافى بعده ،
لقد قال واصفا جودار ( انه اورسولا اندرس المتعصب ) .
جان لوك جودار |
ان محاولات اغلاق المهرجان لم تخل من
الفكاهة ، فقد كانت هناك لحظة لا تقدر بثمن اثناء احتلال القاعة الكبرى ، حيث تصايح الجمهور للمطالبة بعرض فيلم ( نعناع فرابى ) لكارلوس ساورا ، ومن بطولة
جيراليدن شابلن ، وكان هذا بالرغم من ان ساورا سحب الفيلم من المسابقة ، وبعد ان
أطفئت الانوار تمهيدا لعرض الفيلم ، صعد الثوار على المنصة ليقوموا بعمل الشئ
الوحيد المتاح لهم .
وبمساعدة من مخرج الفيلم وممثلته
الاولى ، فقد مسكا الستارة ليمنعا العرض وظلا محافظين على اغلاقها حتى لا يرى
المشاهدون الفيلم على الشاشة ، لقد جُرح جودار فى رأسه وفقد نظارته ، وهاجم احد المشاهين
تريفو وطرحه ارضا ، ثم اُضيئت الانوار واعلن رئيس المهرجان فافر لو برت بيانه
الثانى بالغاء عروض الظهيرة والمساء .
وعندئذ وصلت الامور الى مستواها
النهائى من الازمة ، وقال أعضاء من المخابرات لفافر لو برت ( لا نستطيع عمل شئ
لصناعة السينما ) فنوى ان يستقيل من مهرجان كان بسبب الفوضى التى حدثت ، وطلب من
عمدة مدينة كان ان يستخدم قواته ليُخلى قصر المهرجان من المتظاهرين ، لكن طلبه
رُفض ، وادرك فافر لو برت وفريقه ما تنطوى عليه ( ليلة المتاريس ) من اهمية ويتوجب
عليهم ان يمنعوا تكرارها فى كروست ، وفى ظهيرة الاحد 18 مايو أعلن فافر لو برت
اغلاق مهرجان كان السينمائى .
( لقد كانت لحظة عظيمة ) هكذا قال
لوى مال عن عام 1968 , ( لقد توقفت البلد كلها فورا ، وبدأ الناس يفكرون فى حياتهم
والمجتمع الذى يعيشون فيه ويفكرون فى كل احتمالات حل الازمة ، ان القليل من هذه الخيارات كان ممكنا ، وعندما انتهى كل
شئ فاننى فكرت ( يجب على الواحد ان يجعل المهرجان معهداً ، ان مايو 1968 يجب ان
يتكرر كل اربعة سنوات ، ان حالة التطهر كانت اكبر من حالة التطهر فى الاولمبياد
الرياضى ) .
مقال : ريتشارد . ت . كيلى .
ترجمة :- ممدوح شلبى .