04‏/12‏/2013

حرفية مونتاج

محاضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى
 
1

قد لا يبدو الامر بسيطا عندما نختار المشاهد الاكثر اهمية لمطاردة سيارة، لكن البعض سيستدعى فى ذاكرته لقطات المطاردة فى فيلم (الوظيفة الايطالية)، لكن فيلم (هوية بورن) يقدم مطاردة قصيرة جميلة، وتُعد لقطات مطاردة البوليس الفرنسى لجاسون بورن خلال باريس فى احد جوانبها - بمثابة الفقرة الاكثر تكلفة (set-piece ) - وهى لحظة اساسية فى مشهد روائى يتخلل افلام الاكشن – لكن هذه المطاردة ايضا تُعد مثالا عظيما على المونتاج المتقاطع او المونتاج المتوازى، والمفصود به ان المخرج يقطع بين مشهدين تدور احداثهما فى مكانين مختلفين تماما ولكنهما يدوران فى نفس اللحظة، ولا يحق لنا ان نصف حديث شخصين فيما بينهما بالمونتاج المتوازى، فمحدودية المكان لا تسمح لنا باستخدام هذا المصطلح، لكن هذا المصطلح – على اية حال- يُستخدم بصرف النظر عن محتوى المشهد سواء كان عاليا او منخفضا. 

ويقدم هيتشكوك مثالا ممتازا للمشهد المنخفض لكنه يحتوى على مونتاج متوازى مُشوق جدا عندما يعرض لنا شخصية جريس كيللى فى فيلم (النافذة الخلفية) وهو يدخل الى الشقة عبر الطريق، بينما شخصية جيمس ستيوارت القعيد ينظر، وبينما يقطع الفيلم ذهابا وايابا بين كيللى الذى نراه على مسافة بعيدة فى شقة الجيران - بينما القاتل يعود - وملامح ستيوارت تعبر عن التوجس، وهكذا يتعامل الفيلم مع درجة من التشويق التى تتشابه مع مطاردة سيارة، فالمثالان يُعدان امثلة هامة للمونتاج المتوازى.

وتُعد الفقرات المونتاجية فى افلام مخرجى المونتاج السوفييت من الامثلة الرائعة ايضا، ويشمل ذلك ايزنشتين وبودوفكين، المخرجان الذان لم يُثورا السينما فقط ، لكنهما كانا حاضرين بفاعلية فى الثورة نفسها: وساعدا الشعب السوفيتى على الاحاطة بثورة 1017 الروسية، كان المونتاج المتوازى فى فيلم ( اضراب) لايزنشتين فعالا فى عرض التباين بين مشاكل العمال وبين الحياة الرغيدة لمُديرى المصنع، كما يعد فيلم (المدرعة بوتمكين) اكثر عبقرية حيث تتلاعب مشاهد سلالم الاوديسا بالزمان والمكان لتوليد احساس سُخط شعبى عارم ضد القوزاق.
 
نريد ايضا - بالطبع – ان نقول بعض الكلمات عن ذلك الاستخدام الخلاق والمُعقد تكنيكيا للمونتاج المتوازى،: اقصد مشاهد المطاردة، وافضل مثال هو المشهد (عالى التكلفة) الذى يتم عمله بالمونتاج المتوازى، ولدينا امثلة مهمة من بينها فيلم (بوليت) وفقرة المطاردة بين القطار والسيارة فى فيلم (الوصلة الفرنسية) بالاضافة الى فيلم (ديفا) وفيلم (ان تعيش او تموت فى لوس انجلوس) وفيلم (رونان)، لكن مثال باريس فى فيلم (هوية بورن) يُعد مثالا مهما.

وبداية ربما نلاحظ ان هذا المشهد مثله مثل العديد من مشاهد المطاردة التى تحدث فى مدينة، والفيلم اختار ان يفعل هذا لسببين، اولهما ان يخلق عدد اكبر من العقبات امام بطل الفيلم، وايضا يعبر عن الفوضى الناتجة من المطاردة، كما يكشف الفيلم عن الشخصيات الثانوية اثناء تواجدهم - العرضى - فى هذه الفوضى.
 
هوية بورن
 
 وبمقارنة فيلم بوليت بفيلم الوصلة الفرنسية، نجد ان مطاردة ستيف مكوين تعطينا احساسا ببراعة الشخصية التى وراء عجلة القيادة (ننوه الى ان ستيف مكوين فى حياته الحقيقية كان سائقا ماهرا ومتزنا فى سباقات السيارات) لكن مشاهد المطاردة تسمح للمدينة ان تكون هى العقبة من وجهة نظر ستيف مكوين وليس بالضرورة ان تكون مزعجة لسكانها المقيمين، ربما نلاحظ فى فيلم فريدكين ان شخصية بوبى دويل التى مثلها هاكمان كانت اقل اثارة للاعجاب وهو وراء عجلة القيادة، لكن هذا جزء من نسيج مشاهد المطاردة لفريدكين، فهذه المشاهد لم تكن عن عبقرية قيادة بوبى للسيارة، لكنها كانت عن الفوضى التى يخلقها الموقف فى الشوارع والانفاق.

ويبدو فيلم (هوية بورن) كأنه يمزج بين مشاهد المطاردة المبدعة فى الفيلمين المشار اليهما، حيث شخصية جيمس بورن - التى مثلها مات ديمون بنفس طريقة ستيف مكوين الرصين - يُظهر نفسه كسائق عظيم، وبصرف النظر عن ان مشاهد المطاردة تُلمح الى ان الفوضى سببها تلك المهارة، واذا كان فيلم الوصلة الفرنسية يتناول فوضى المدن، فان فيلم هوية بورن يذهب فى نفس اتجاه فيلم بوليت، افترضوا ان بورن يقرر ان يهرب من البوليس فى بداية مشاهد المطاردة حيث نسمع صوت العجلات السريعة وتبدأ الموسيقى: المزج لا يضعنا فى العالم الواقعى للمدينة ولكنه يضعنا فى العالم الذاتى لشخصية بورن.

اذا كان فيلم الوصلة الفرنسية فى معظم فقرة المطاردة يتجنب الموسيقية المُصاحبة ويكتفى بأصوات المدينة، فان فيلم هوية بورن اراد ان يستفيد من الموسيقى كعنصر اثارة فى افلام الاكشن ولصالح بطل الفيلم، لاحظوا الموسيقى والزوايا المائلة والطرق الجانبية التى تظهر عرضا اثناء التقدم بالسيارة فى طرق وعرة، وعلى الرغم من ان هناك لحظات تتخلل فقرة المُطاردة تكشف عن المارة وهم يظهرون فى حالة فزع - على سبيل المثال عندما يقود بورن خلال تقاطع طرق اثناء عبور الناس، او الصعود فوق الرصيف وقفز الناس فوق مقدم السيارة – فان هؤلاء الناس يظلون مجرد خلفية للمشهد.

وكلك وعلى الرغم من ان الفيلم يقطع بالتوازى بين المُطارد والمطاردين، فالبوليس يظهر كمجموعة غير متجانسة لا يستحقون لقطة مقربة بينما اللقطة المقربة تكشف عن يد بورن الذى يُزيد السرعة، ومع المحافظة على تهميش ملامح البوليس وسكان المدينة فان الفيلم يظهر على انه فيلم اكشن.

وقد يكون من المفيد عندما نشاهد مشاهد المطاردة ان نرى كيف تركز هذه المشاهد على الشخصية المحورية، وكيف تهتم هذه المشاهد باظهار المكان العام للاحداث، فالمدينة فى فيلم هوية بورن هى باريس بشكل مؤكد، كما يعرفنا الفيلم قليلا عن الباريسيين، واذا كانت مشاهد المطاردة فى فيلم الوصلة الفرنسية من المشاهد المعقدة، فهذا بسبب تعقيدات المدينة، وهذا يستدعى تذكيرنا بمدينة نيويورك.
 
2

يُعد فيلم الثور الهائج من الامثلة العظيمة للقطع المونتاجى عندما تكون له صلة بالشخصية، فنحن فى الفيلم لا نفكر فى اسلوب القطع المونتاجى الا بمقدار اولويته فى القصة، لكن اسلوب السرد بشكل عام هو الذى يُلقى الضوء على الشخصيات، ففى احد الفقرات نلاحظ ان المشهد فجأة يتوقف عن متابعة اشتباك ويكشف عن جاك فى غرفة الملابس يفيق من احد النوبات، لكنه فى الحقيقة يتمرن استعدادا للجولة التالية، ونظرا الى ان كل هم جاك ان يربح المال، فالجمهور ربما يدرك ان اكبر مشاكل جاك انه يتصارع مع نفسه: فبالاضافة الى اشياء عديدة فانه يتمتع بشهية كبيرة، وما يبدو فى مصطلح السرد كأنه غير ضرورى، نجده فى مصطلح الشخصية منطقى تماما.
 
الثور الهائج

وهذا يقودنا الى مناقشة حول المونتاج والزمن، هل المونتاج بتعامله مع الزمن يُصعد من الشخصية ام يُصعد من القصة؟ وغالبا عندما تتعامل الافلام مع الزمن فيما له علاقة بالقصة، فما نحصل عليه هو قصة تُروى فى ترتيب زمنى متباين، ومن الامثلة على ذلك افلام مثل (تذكار) و (لا رجعة عنه) و (قلب الخيال) وبينما يصرح كريستوفر مولان مخرج فيلم (تذكار) (بعد مشاهدة الفيلم لمرتين او ثلاثة ستكون قادرا على معرفة ما يجرى بدقة)، واذا بدا فيلم (تذكار) من الافلام التى تعبر عن وجهة نظر الشخصية – من داخل عقله – فالفيلم برغم ذلك يظل مفهوما بدون لبس.

 فالغموض فى نهاية المطاف يتعلق بالقصة وليس بالشخصية، وعندما يطلب جاك لاموتا فى فيلم ( الثور الهائج) من اخيه ان يضربه على رأسه بقوة، او عندما يصبح جاك لاموتا مهوسا بجنون العظمة تجاه زوجته، عندئذ لا نجد قطع مونتاجى يمكن ان يكشف لنا المشكلة، المشكلة بلا شك داخل عقل جاك لاموتا، فالامر لم يكن ان القصة تُركت مُعلقة حتى وقت لاحق فى الفيلم.
 
فيلم (تذكار) وغيره من الافلام تبدو شبيهة بمتاهة كبيرة حيث الصورة المهمة يتم تقطيعها مونتاجيا الى عدد من اللقطات ثم يتم اعادة ترتيبها وعلى الجمهور ان يُشاهد ما يدور بتركيز بينما المخرج يُعيد وضع ترتيبها مرة اخرى فى سياقها الطبيعى.

 هل ينطبق نفس الأمر ولكن بطريقة مختلفة قليلا على أفلام مثل (قتال فى النادى الليلى) و (افتح عينيك) و (نفس المشتبهم فيهم) حيث يبدو فعلا ان غموض الشخصية من غموض القصة؟ فقبل كل شيئ هناك قصة تُحكى ولها الأولوية على حساب استكشاف شخصية.

 هذه الافلام ليس لها نهايات مفتوحة على الرغم من ان هذه الافلام تتطلب مُشاهدا منتبها ويقظا، ولكن هناك افلام اخرى لا يهم فيها انتباه المُشاهد، وهدف هذه الافلام لا يمكن ان يكون واضحا، ومن أمثلة ذلك افلام (العام الاخير فى مارينباد) و (بُعد نظر) و (خدعة العنكبوت) و (المُمتثل) و (على مزاج الحب) هذه الافلام لا تستخدم الذاكرة والوقت كثيرا ولكنها تستكشفهما.

 لا يمكن العثور على اجابة يقينية فى الفيلم، فالحقيقة ان رينبة كلير مخرج فيلم (العام الاخير فى مارينباد) لا يعتقد ان شيئا يحدث فى مارينباد، بينما المؤلف آلان روب- جريل يُصر ان الامر ليس كذلك، واذا لم يتفق المؤلف والمخرج فالنتيجة هى تشوش الفيلم وهذا ما حدث لفيلمهما.

 كيف يستطيع المشاهد فهم الفيلم؟ لكن قد تكون وجهة نظر رينية كلير، انه يريد للذاكرة ان تتنشط وفى نفس الوقت ان تتقدم القصة فى الزمن، وهذا جعل الفيلم شديد الصعوبة لنرسم عنه صورة مُكتملة، فالاحاطة البانورامية للاحداث تنقطع بصورة تامة.

 افلام كثيرة لم تكن راديكالية ومتطرفة مثل (العام الاخير فى مارينباد) لكن هذه الافلام ايضا تتلاعب بالازمنة وتضع القصة فى ترتيب زمنى متداخل حتى تستطيع ان تلعب على توقعات المُشاهد: فافلام مثل (الثور الهائج) و (المواطن كين) و (علاقة فاجابوند وماتى) تستكشف الحياة، وتفعل ذلك عن طريق القطع المونتاجى بين أطر زمنية مختلفة فى محاولة لعمل احاطة ضمنية بكينونة الشخصيات خلال السنوات.

3

ما هو الفرق بين تصعيد قصة وبين دفع موضوع، وهل عنصرا واحدا من عناصر اهتمامنا بالواقعية التى تتضمنها القصة ضمن اهتمامات اكثر، أهم من تنمية السرد واشباع رغبات الجمهور؟ من وجهة النظر هذه فان فيلم (الحثالة) لآلان كلارك قد يكون فيلما واقعيا مثاليا كما انه يختبر طبيعة اللوائح من خلال خصوصية مركز حبس للمراهقين، وايضا وفى نفس الوقت يبدو الفيلم انه يخالف الواقعية فى الشكل، واذا كان الناقد الواقعى العظيم اندريه بازن يعتقد ان الواقعية تكمن فى اللقطة – المشهد – عندئذ ماذا نفعل بواحدة من احد اساسيات المونتاج، وهى اللقطة واللقطة العكسية المُستخدمة فى هذا الفيلم؟

فيما يمكن اعتباره اكثر مشاهد الفيلم اهمية، تستكشف شخصية آشر مشكلة اللوائح مع احد السجانين، بينما الفيلم يوفر سلسلة من اللقطة واللقطة العكسية (الكونتر) المتبادلة، ونلاحظ ان هذا يختلف مع معظم مشاهد الفيلم الاخرى التى تستخدم ايضا اللقطة واللقطة العكسية، بينما آشر توجه اسئلتها الى السجان حول طبيعة القوة، وعندما تقول آشر انه لا يوجد لدى الشخصية الفرصة لعمل لائحة تعبر عن روح الشخصية، ورغم اننا نلاحظ ان السجان يستطيع ان يفهم المقصود من النقاش، لكنه فى نقطة محددة لا يستطيع قبول الفلسفة المتخفية فى النقاش بدون المخاطرة بانهيار العديد من اشكال التعامل على السجناء.
 
الحثالة

 غالبا تكون اللقطة واللقطة العكسية احد وسائل التعبير عن الصراع، فهما من الناحية التكنيكية يمكن ان يخلقا توترا بين الشخصيات فى الشكل كما فى المضمون، ويمكن ان يعبرا عن صراع الارادات، لماذا يمكن تذكر المشهد الذى يدور بين نيكولاس وكروز قرب نهاية فيلم (رجال قلائل جيدون) فذلك لانه يُرقى الطريقة النمطية لتقديم الشكل فى علاقته بالمضمون.

 وعلى الرغم من وجود اعداد من مشاهد اللقطة واللقطة العكسية فى فيلم (الحثالة) وهى تتميز بالابتكارية اكثر من المشهد الذى نناقشه هنا، فهذه المجموعة من اللقطات تحقق الموائمة فى المشهد ببعض الطرق، فيوجد المشهد المبكر فى الفيلم حيث يتم استجواب العديد من السجناء من قبل رجال الادارة، ويُؤطر كلارك لقطة الصبى من زاوية منخفضة بين اثنين من السجانين، وعندئذ يُصور رجال الادارة من زاوية مرتفعة خلف الصبى مع تأطير مُبدع على شكل مثلث يعبر عن القمع بينما الكاميرا تميل الى اسفل لتصوير رجال الادارة يتطلعون الى أعلى.

 ويبدو هذا الاسلوب مخالفا للاسلوب التقليدى الذى يُصور رجال الادارة دائما بزاوية مرتفعة، فالزوايا المنخفضة تعبر عن المقهورين، ولكن يبدو ان كلارك غير مهتم بمشكلة القوة فى وضعية اللوائح، وبينما السجناء يُجبرون على الوقوف، فان رجال الادارة يجلسون، ويستخدم الفيلم اللقطة واللقطة العكسية فى هذا المثال ليستكشف ديناميكية القوة التى لا تكون فى قوة الفرد بل فى قوة اللوائح.

 فى المشهد الذى يجمع آشر مع السجان حيث يتبادل المخرج اللقطة واللقطة العكسية، فان طبيعة القوة تتعلق ايضا باللوائح، لكن ديناميكية القوة تكمن فى الافكار وليس فى الاجسام الضخمة، وعندما نشاهد فى وقت مبكر من الفيلم ان المساجين يقفون بينما رجال الادارة يجلسون، فان الحارسين الذين يقفان امام المساجين يكبحان حركتهم باجسامهم الكبيرة، فالمخرج كلارك يقدم التأطير بمهارة كبيرة.

 وفى مشهد آخر تبدو القضية اقل رسمية واقل تجسيدا فالاهمية كانت للبساطة والحالة النفسية، فالسجان – بالمعنى الحرفى - هو حارس تم الفبض عليه، وبينما هو يسمح بمساحة للنقاش عن اللوائح، فعلى العكس من ذلك تظهر لنا بصمة اللوائح فى روح السجان.

 يقدم كلارك بساطة فى الشكل من خلال بساطة تبادل اللقطة واللقطة العكسية، وبينما آشر تقدم نقاشا مقنعا من وجهة نظر شخص صغير عقلانى مهتم ببناء الذات وخصوصة الفرد، وهو نقاش خطير لانه من وجهة نظر شخص يقضى حياته ناكرا الفردية لانه يُطيع اللوائح، فاذا وافق على نقاش آشر فماذا يتبقى له؟ 

 فى المشهد الآخر للقطة واللقطة العكسية الذى ذكرناه من فيلم (حثالة) نجد ان الشكل يعبر عن السجن، وفى المشهد الذى ذكرناه اخيرا فان غياب الشكل يُفسح مكانا لتبادل اللقطات التى سمح بها مأمور الاصلاحية التى يعمل بها السجان، الذى نود الاشارة اليه هنا، ان القضية ليست فى مشهد افضل من مشهد، ولا حتى ان يكون احد المشاهد اكثر سينمائية من الآخر، لكن القضية هى ان نفكر فى اللقطة واللقطة العكسية باعتبارهما تكنيك يخدم متطلبات مختلفة فى ظروف مختلفة وايضا فى نفس الفيلم.
 
4


لماذا يقدم المخرج مشهدا باسلوب الفلاش فورورد؟ فهذا ما فعله المخرج نيكولاس روج فى فيلم (لا تنظر الآن) الذى صوره فى مدينة فنيسيا الايطالية، أول وأهم الاسباب ان روج يحكى قصة حزينة، ودونالد ساذرلاند لديه وجهة نظرة ثانية، وينخرط فى افكار المستقبل، لكن لماذا يستخدم الفلاش فورورد فى مشهد يدور بين زوجين فى الفراش؟ مشهد الفلاش فورورد لا يبدو انه يستشرف شيئا: فلا يوجد احساس ان اى من الشخصيتين الموجودتين فى المشهد يفكران فى احداث المستقبل.
 
لا تنظر الآن

 وبرغم ذلك يجب علينا ان نتذكر ان فيلم (لا تنظر الآن) وحتى اذا كان يُنظر له على انه فيلم رعب كبير، فهو أولا واخيرا فيلم عن الحزن، ما فعله روج هنا انه استخدم بناء استشرافى لكن من اجل مساعدتنا على فهم علاقة تحطمت بسبب وفاة ابنة الزوجين، انها المرة الاولى التى يمارس فيها الزوجان الجنس بعد وفاة ابنتهما وان هذه هى المنطقة الأولى للعيش معا - التى من الواضح وجودها الآن بينهما.
 
اذا كان فرويد يعتقد ان الجنس أمر اساسى لهويتنا، فان فيلم (لا تنظر الآن) يقدم الجنس على انه المنطقة المشتركة التى يلجأ اليها الزوجان عندما يجدان نفسيهما منخرطين فى حزن شديد الوطأة.

 على الرغم من ان شخصية دونالد ساذرلاند تقول اشياءا مثل (لاشيئ يبدو على ما هو عليه) و (العقل اللاواعى يتحرك اسرع من العقل الواعى) فانه برغم ذلك رجل ينتمى للحياة العقلانية، بينما جولى كريستى من جانب آخر تجد نفسها تنتقل نحو حالة الدعة عندما تفكر فى رحابة ما بعد الحياة: لديها وجهة نظر ايضا، وساذرلاند عقلانى بصرامة على الرغم من طاقة الاستشراف لديه.

 الآن، اذا كان الفيلم يستخدم اسلوب مونتاج خشن ومُحبط ليعبر عن جمالية تميل الى اللاعقلانية، كما فى مشهد الجنس بشكل خاص فانه ايضا يساعد بشكل خاص فى توحيد الشخصيتين خلال ممارسة الجنس، وايضا يهتم الفيلم باظهار المعقولية من خلال التركيز على ما بعد الممارسة الجنسية.

 انه من المثير للاهتمام كيف ان السينما الامريكية تقتقد مثل هذه المشاهد لممارسة الجنس بالنسبة لزوج وزوجة، فبالنسبة لمن هم من المفترض انهم اخلاقيون فى هوليوود فهم يقدمون هذه المشاهد لعلاقات قبل الزواج، واحد اسباب التركيز على ما قبل الزواج هو ان السينما السائدة تركز على الأبهة وتستخدم التوتر ولذلك فالشخصيات وهى تتحرك فى اتجاه التجربة الجنسية فانها تحقق ما هو مُتوقع منها، بينما ممارسة الجنس بين زوج وزوجة يؤدى – ربما - الى حالة فكرية من خلال الفلاش فورورد وباظهار دونالد ساذرلاند وجولى كريستى يلبسان بعد ممارسة الجنس، فهذا تجسيد – اذا سمحتوا لى – لحداثية الفيلم او بالاحرى لرفض الفيلم للأبهة.

 افلام روج بما فى ذلك (توقيت سيئ) و (المسرحية) و (الرجل الذى سقط على كوكب الأرض) كلها تستخدم المونتاج المُجزأ لتخلق تأثير الغربة مع زمن يفتقد الناس فيه الى ما هو مُشترك، ان الغرابة فى هذا المشهد هى الطريقة التى توفر اللا غربة للحفاظ على الاحساس الانسانى القوى.

 فيلم (لا تنظر الآن) هو فيلم رعب – فالمشاهدون وجدوه مرعبا جدا- لكن هذا الفيلم جاء تعبيرا عن الدفء الانسانى واحساس الفقد على انسان عزيز، هذا المشهد يظل من المشاهد الاساسية فى السينما (ان هذا الفيلم – على سبيل المثال – تم سرقته من قبل المخرج ستيف سودربرة فى فيلمه (بعيدا عن النظر) وتم اخراجه بطريقة تقليدية جدا).
 
محلضرة:- تونى مكيبن
ترجمة:- ممدوح شلبى