02‏/10‏/2012

السينما تكافح للبقاء



محمد سعد فى فيلم بوحة


ممدوح شلبى

تحقق السينما المصرية عائدا سنويا من دور العرض السينمائى فى مصر يبلغ نحو 100 مليون جنيه مصرى ، بينما تحقق السينما الامريكية فى عروضها السينمائية فى الولايات المتحدة الامريكية وكندا نحو 10 مليار دولارا سنويا .

ان الارقام دالة ولا يمكن ان نمر على هذه الحقيقة بدون تعليق ، فالمواطن المصرى ينفق نحو جنيها وربع سنويا على سينماه الوطنية بينما نظيره الامريكى والكندى يدفع نحو 28 دولارا سنويا ، انه فارق شاسع ويزيد اذا وضعنا فى الاعتبار فارق صرف العملتين ، فتكون النتيجة ان المواطن الامريكى والكندى يدفع نحو مائة وخمسين ضعف ما يدفعه المواطن المصرى .

وايضا ينبغى الاشارة الى ان معدل مشاهدة الامريكيين للسينما يبلغ نحو ثلاث مرات سنويا ، فعدد التذاكر المباعة يصل الى اكثر من مليار تذكرة سنويا ، بينما المصريون يزورون السينما مرة واحدة كل عشر سنوات  فعدد التذاكر المباعة  يصل الى نحو ثمانية مليون تذكرة سنويا .

ان المليارات العشرة من الدولارات ، تحصدها السينما الامريكية من شباك التذاكر فقط ، فهذا الاحصاء لا يشمل العوائد الاخرى للسينما الامريكية مثل التوزيع فى باقى انحاء العالم وخاصة اوروبا ، عوضا عن اشكال التوزيع الاخرى مثل الدى فى دى او العروض التليفزيونية ، ان الرقم الاجمالى الذى تحققه السينما الامريكية يمكن تقديره بنحو 20 مليار دولارا سنويا .

هذه المقدمة لا غنى عنها لبدء النظر الى السينما المصرية ، فهى غير قادرة على التطور ولا تستطيع ان تنافس ، كما ان استحواذ الاسلاميين على الشأن السياسى والتشريعى فى مصر يضع السينما المصرية فى ازمة نظرا للعداء الضمنى بين التيارات الدينية وبين الفن - وعلى الرغم من ان الرئيس المصرى الاخوانى محمد مرسى اعلن عن وقوفه بجانب الفن والفنانين وانه مع حرية الابداع – الا ان هذا لا ينفى حقيقة ان العداء للسينما متأصل فى ادبيات التيارات الدينية وهو ما يُؤشر لصعوبات هائلة ستصادف الانتاج السينمائى فى مصر فى السنوات القليلة القادمة  وقد تصل الى حد الغاء الانتاج السينمائى تماما او جزئيا .

ومن هذه المقدمة ايضا نفهم ان الشعب المصرى لا يعتبر السينما شيئا هاما باستثناء جمهور الاطفال الذين يذهبون الى السينما بكثافة فى الاعياد ، وهو الموسم المسؤول عن مبيعات السينما المصرية  ، اننى اقرر هنا وبناءا على هذه الارقام ان السينما المصرية شديدة الضعف وليس لها جمهور يساندها .

ان  شيئا هاما آخر ينبغى الاشارة اليه ، وهو ان ما تحصده السينما من اموال والبالغ 100 مليون جنية ، هى نفس تكلفة هذه الافلام ، فالتقديرات تشير ايضا الى ان تكلفة الانتاج السينمائى فى مصر تصل الى 100 مليون جنية ، وهنا ايضا نتوقف عند حقيقة ان عائد شباك التذاكر يتشارك فيه اربعة شركاء هم المنتج والموزع وصاحب دار العرض والضرائب ، ما يجعلنا نقرر ايضا ان العائد الذى يصل للمنتجين لا يتعدى ربع ال 100 مليون جنية ، فتكون النتيجة ان السينما المصرية تخسر سنويا نحو 75 % وهذه الخسارة لا تعوضها العوائد الاخرى مثل الدى فى دى او العروض التليفزيونية ، فهذه العوائد قليلة جدا ، كما ان الدى فى دى يتم استنساخه او عرضه على شبكة الانترنت بصورة غير شرعية .

هذه هى الحقائق فيما يتعلق بالانتاج السينمائى فى مصر ، واذا وضعنا فى الاعتبار ان افلاما معينة تنجح جماهيرا فانها بالكاد تغطى تكلفتها ، اما باقى الافلام فانها تفشل فشلا ذريعا .

لقد تداعت الى ذهنى كل هذه الاشياء عندما استمعت الى زعيم حزب دينى سلفى يقترح فيه الاستغناء عن القرض من البنك الدولى والبالغ اكثر نحو 4.8 مليار دولارا امريكيا ، وتجميع هذه الاموال من مصر عن طريق الغاء النشاط الفنى لمدة عام ، وكأن النشاط الفنى فى مصر يحقق ارباحا تصل الى اكثر من اربعة مليار دولار سنويا .

ان كلام الزعيم السلفى يعبر عن عدم ادراكه لتكلفة الانتاج الفنى فى مصر ، لكنه يُظهر العداء والتربص من جانب التيارات الدينية لاى نشاط فنى وثقافى مصر وهو ما يهدد صناعة السينما فى مصر الى حد الغاءها جزئيا او كليا كما سبق وان اشرت .

ان المنتجين فى مصر يستشعرون الخطر ، انهم لن يخاطروا بدفع اموالهم فى انتاج سينمائى كان يحقق لهم الخسائر ، والآن وبعد ان قفزت التيارات الدينية لتتسيد المشهد السياسى والتشريعى ، فان المنتج السينمائى المصرى لا يجد امامه الا ان يتوقف تماما ونهائيا عن الانتاج السينمائى .

ودعونى ارد على الزعيم السلفى لكى اثبت ان السينما تمثل اضافة كمية فى الاقتصاد ، فالسينما تتميز بانها سلعة  زمنية لا تتأثر بعدد مستهلكى هذه السلعة سواء كان العدد كبيرا او صغيرا ، وهذه الميزة تتشابه مع سلع زمنية اخرى مثل المسارح والمتنزهات والمباريات الرياضية .
ان المستهلكين لهذه السلع لا يتعاطون مع مادة تفنى بالاستهلاك مثل  سلعة الطعام او الشراب او الدواء ، لكنهم يستهلكون الزمن ، ولان الزمن متاح وهو ممتد ومتصل ويمكن اختيار هذا الزمن والتوقيتات المناسبة ، فان سلعة السينما بهذا الوصف تُعتبر سلعة زمنية ، وهى احد مزايا صناعة السينما لان ازدياد مستهلكى السينما لا يتطلب بالضرورة زيادة استثمارات جديدة ، فالامر يمكن اختصاره على انه اشغال لمقاعد دور العرض السينمائى الموجودة اصلا لكنها خالية .

لكن تشجيع الجمهور المصرى على الذهاب الى دور العرض السينمائى ليس عملا سهلا كما انه اصبح اكثر مشقة عن ذى قبل فى ظل هذه المقترحات التى سمعناها من الزعيم السلفى بايقاف الانتاج الفنى ، ان ما يجول فى عقل الزعيم السلفى يلخص وجهة نظر التيارات الدينية فى الفن والسينما على وجه الخصوص .

 ان هذا لابد ان يكون قد اثر على منتجى السينما المصرية الذين يفكرون فى تأجيل انتاجهم لحين وضوح الرؤية ، ولا شك انهم يضعون فى اعتبارهم احتمال اشتداد تأثير التيارات الدينية بعد ان عاصرنا ظهور كيانات منظمة تنتسب للتيارات الدينة قامت بغزو مدينة الانتاج الاعلامى منذ اكثر من شهر لارهاب المذيعين واصحاب القنوات الخاصة التى تنتقد الاخوان المسلمين ، ان هذه الكيانات المنظمة  تستطيع اذا شاءت ان تغزو دور العرض السينمائى وتدمرها ، تماما كما تدمرت مكتبة الاسكندرية فى بداية القرن الخامس الميلادى على يد متشددين دينيين ايضا بدعوى محاربة الوثنية ، ان الدعوة الحالية ستكون تحت اسم جديد مثل محاربة الضلال .

لكن هذا الامر سينطوى على خطيئة كبرى وهى نفس خطيئة احراق مكتبة الاسكندرية ، فالسينما فنا يستهدف توحيد الشعب ويستهدف الارتقاء بذوقه وتثقيفه ، عوضا عن ذلك تأثيره الايجابى على الاقتصاد الوطنى .


واذا كنا لا نستطيع ان نلمس فى الوقت الحالى اى اثر للسينما على الاقتصاد الوطنى نظرا لضآلة العائد من هذه السينما ، فمبلغ ال 100 مليون جنية سنويا لا يساوى شيئا اذا قارناه مثلا بثمن غذاء المصريين ليوم واحد ، فالمصريون ينفقون نحو 800 مليون جنيه يوميا على الغذاء ، وهذا يهمش عوائد السينما المصرية ، الى حد اعتبارها كأنها غير موجودة .

لكن حال السينما المصرية الحالية ليس قياسا لاهمية السينما المصرية من الناحية الاقتصادية ، فقد حققت السينما نجاحات فى الماضى جعلتها تصل الى ثانى مورد تصديرى بعد القطن ، كما وصلت هذه السينما الى ابعد من نطاقها الجغرافى ، فبعض افلام ام كلثوم تم توزيعها فى البرازيل وحققت نجاحا جماهيريا .

لقد انتظر السينمائيون ثورة 25 يناير لكى يبدأوا فى اصلاح حال السينما وتحويلها الى فنا شعبيا واسع الانتشار كما كانت ، بحيث تتضاعف ايرادات هذه السينما ، فيظهر اثر ذلك على الاقتصاد القومى ..

دعونا نتخيل لو ان المصريين انفقوا 1 % من دخلهم فى شراء سلعة زمنية مثل السينما ، ان الاثر المباشر هو انخفاض اسعار الغذاء والسكن بنفس النسبة وهو ما يحد من عامل التضخم الذى يعانى منه المصريون وخاصة محدودى الدخل .

اننى اؤكد على ان زيادة عوائد السينما المصرية من الممكن تحقيقه ، وان هذه الزيادة لا تعنى زيادة الاستثمارات الحالية ، لكن الامر يتعلق بتحسين صناعة السينما وتشجيع الجمهور على ارتياد دور العرض السينمائى ، والرد على دعاوى التيارات الدينية ومقاومتها .

مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى .