30‏/10‏/2010

اجورا - تحليل تفصيلى.

ممدوح شلبى .


يبدأ فيلم اجورا وينتهى بلقطة لكوكب الارض بشكلها الكروى، وفيما بين بداية الفيلم ونهايته، فان صراعا حادا يدور بين المسيحيين والوثنيين فيما يعتبره المؤرخون بداية التاريخ الحديث للبشرية، بينما يركز الفيلم ايضا على صراع من جانب آخر حول الحقائق العلمية فيما يتعلق بالارض فهى مجرد جرم سماوى يدور حول الشمس وهى النظرية التى تتبناها حبيشة السكندرية مُستندة الى نظرية أرستاركيس فى مواجهة رجال الدين المسيحى الذين يتبنون نظرية الخلق من المنظور التوراتى حيث الارض مركز الكون، لكن موقف المسيحية الرسمى لم يتم تقديمه فى الفيلم ، لكننا نستحضره من معارفنا حول العصور الوسطى، وهذا هو مدلول اظهار كوكب الارض بشكلها الكروى فى مواضع عدة من الفيلم.

هذه الخلفية التاريخية للفيلم يتصدرها عمل درامي يمتلأ بالتشويق وعناصر الفرجة، فحبيشة محور علاقتين عاطفتين، حيث يحبها تلميذها اورستس ذلك النبيل الذى سيصبح بعد عشرين عاما محافظا للاسكندرية، وبين عاطفة اخرى من عبدها ديفيس الذى يعتنق المسيحية كخلاص ليس فقط لعبوديته ولكن ايضا طلبا لمعجزة لكى يحظى بمحبوبته، بينما حبيشة نفسها لا تحب ايا منهما ليس تكبرا ولكن لان عقلها مكرس للعلم، فهى عالمة فلك ورياضيات وفيلسوفة .

فى المشهد الاول من الفيلم نرى حبيشة (راشيل وايز) فى قاعة محاضرات تشرح لتلاميذها ان الكون واجسامه كلها تدور وهذا هو السبب فى عدم سقوط النجوم، ثم تفسر لهم ظاهرة سقوط الاجسام الى اسفل لان حركتها ليست دورانية، وتتجادل مع تلاميذها وتسألهم ما الذى يجعل الاشياء تسقط فيرد احدهم قائلا الثقل ويرد الاخر قائلا الوزن، فترفض حبيشة اجاباتهما ثم تبدى رأيها فيما يتعلق بمركز الكون، وتوضح لهم ان الارض لو كانت مركز الكون فان الكون سيكون بلا شكل ومحض فوضى .

وفى المشهد الثانى نرى قداسا فى المعبد القيصرى يبتهل فيه الكاهن اوليمبيس (ريكارد باردن) الى آلهتم عجل آبيس وايزيس وحورس ، وسوف نلاحظ مقدار الشبه بين هذا القداس وبين اى قداس كنائسى معاصر، وكأن المخرج يريد اخبارنا بان طقوس العبادة واحدة، كما نلمح ثيون والد حبيشة والذى يمثل دوره مايكل لونستال ، وسوف نعرف لاحقا انه امين مكتبة الاسكندرية .


ثم نخرج الى الساحة الخارجية لمكتبة الاسكندرية حيث تتابع الكاميرا شابا سبق ان رأيناه فى محاضرة حبيشة ، انه ديفيس احد عبيدها والذى يمثله ماكس مينجالا، نراه  يحمل ادوات حبيشة العلمية  ويدخل المكتبة ، وفى داخل المكتبة نرى صوانات اللفائف ونرى  ديفيس يتلصص على حبيشة فى اشارة واضحة الى شغفه بها ، حيث نرى حبيشة تستمع الى حوار هامس من اورستس ( اوسكار اسحاق )  وعندما تنتبه الي تلصص ديفيس  تأمره فى اقتضاب ان يُخبر زمليه الاخر فى عبوديتها انها سترحل .
فيخرج ديفيس الى الساحة ويستخدم فمه فى اصدار صافرة مقتضبة ينهض على اثرها العبد الآخر ويُسارع بالاتجاه الى المكان المُشار اليه .

ان هذا التقديم السلس لمكان الفيلم مع استعراضه من الداخل والخارج يأتى فى سياق من المتعة البصرية وعدم الارهاق الذهنى او الرتابة ، فنحن نتابع موضوعات يقدمها المخرج  تأسيسا لمكان وزمان الفيلم وعرضا لاهم شخصيات الفيلم .

لقد انتهى يوم عمل حبيشة كما انتهى والدها ايضا من طقوس العبادة فى المعبد القيصرى ، وها هما  فى طريق عودتهما الى البيت وخلفها العبدان  يحملان ادوات حبيشة كمعلمة ، وتتبادل حبيشة مع والدها حديثا عاديا فى اجواء من الود الاسرى ، حيث تخبره عما دار بينها وبين اورستس فى حوارهما الهامس ، فاورستس يحبها ويريد ان يكرس نفسه للموسيقى ، بينما يرد عليها والدها بان اورستس عبيطا مثل والده .
ثم نرى زاوية اخرى لهما حيث يتجهان فى اتجاه المدينة التى يقدمها المخرج بتقنية الجرافيك فى محاولة لاعادة تشكيلها على نفس الصورة طبقا لابحاث ودراسات شارك فيها كبار العلماء حول العالم .

انه من اللافت ان نذكر ان المخرج اختار مدينة ديليمورا الساحلية فى مالطا ليبنى ديكورات الفيلم ، محاولا الاقتراب من نفس طقس ومناخ الاسكندرية ، ومن اللافت ايضا ان الديكورات واعمال الجرافيك يجسدان بموضوعية شكل وتفاصيل المدينة القديمة التى زالت تماما، كما يسترعى انتباهنا كثرة الديكورات والاكسسوارت والملابس ، وجميع هذه التفاصيل تم التأكد من تاريخيتها طبقا لمستشارى الفيلم من الاثريين .

ويستكمل المخرج تعريفنا بمنزل حبيشة من الداخل فى لقطات سريعة حيث نراها تتحدث مع والدها على طاولة مذاكرة ، ونراها ايضا فى حمام منزلها الفاخر تنهض من المغطس ، ونرى عبدها ديفيس يناولها المنشفة ويختلس النظر الى وجهها فى تأكيد على ولهه بسيدته .

ما هى الاجورا ؟

ومع بداية يوم آخر  نرى انفسنا فى السوق ، وينبغى توضيح ان كلمة اجورا اليونانية معناها مكان الاجتماع ، والمؤكد ان اليونانيين لم يقصدوا مكانا مغلقا بل مكانا مفتوحا واسعا اشبه ما يكون بميادين المدن المعاصرة وهذا المكان مُخصص لسماع الخطب السياسية او لتجميع الجيش قبيل الحرب  .

وقد اشتهرت كلمة اجورا فى الآداب العالمية بعد ان سمى فرويد احد رُهاباته باسم اجورا فوبيا ، ولقد ترجم المصريون هذا الرهاب باسم رهاب الشارع  ، وهذه ليست ترجمة دقيقة .
كما اننى اتذكر معنا آخر لكلمة اجورا وهو كلمة السوق  – والعهدة على من علمونى -  فانا لم ادرس الكلاسيك وانما تعلمت المسرح اليونانى على يد اساتذة الكلاسيك  سواء فى قسم المسرح بجامعة الاسكندرية او فى المعهد العالى للسينما ، فقد تتلمذت على يد اساتذة عظام وابرزهم لطفى عبد الوهاب يحيى  وعبد المعطى شعراوى  ويحيى عبدالله .

ولعلى ايضا اذكر ان اهالى الاسكندرية من معمريها المعاصرين  - مثل جدتى لامى - كانوا يُسمون المنشية باسم الميدان وليس باسم المنشية كما نسميها نحن الاجيال الجديدة ، وربما كان اسم الميدان هو الاصح من جميع هذه التأويلات عن معنى كلمة اجورا الاصطلاحى ، واضعين فى الاعتبار ان الاسكندرية لم تمت ابدأ - رغم ان عدد سكانها كان اربعة آلاف نسمة فقط وقت الحملة الفرنسية فى عام 1798 - لكن هذا العدد الصغير وجميع اجيال الاسكندرية وعلى مر تاريخها الذى دام 2300 ظلوا يتناقلون نفس الاصطلاحات ويترجموها الى اللغات التى انتقلوا اليها ، مما يجعلنى اعتقد يقينا ان كلمة اجورا معناها الميدان .

ولقد تصفحت موسوعة ويكيبيدا لاعرف ان كلمة اجورا تعنى المعنيين ، فهى مكان مفتوح واسع ، ثم انطبق الاسم ايضا على السوق طبقا للموسوعة ، وهذا فعلا ما ينطبق على الميادين ، فميدان المنشية من امكنة التسوق كما استخدمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لالقاء احد خطبه السياسية .

والامر يُشبة كثيرا  ميدان التحرير الذى اتخذه ثوار مصر مكانا لهم ، وثمة قدر من التشابه بين الثورة فى فيلم اجورا وثورة ميدان التحرير ، فالاولى كانت نقطة فارقة فى تاريخ الانسانية ، حيث يُؤرخ بها علماء التاريخ العالمى ببداية تاريخ العالم الحديث على اعقاب اندحار الوثنية ،  وهو ما يتطابق مع ثورة مصر التى سينظر  التاريخ اليها لاحقا على انها نقطة فارقة فى تاريخ الانسانية ايضا يمكن عنونته بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية فاصداء هذه الثورة مازال يتردد فى كل القوميات .

وليس غريبا ايضا ان ثورة مصر الحديثة سبقتها بعام ثورة الشعب اليونانى ولنفس الاسباب فقد كان مقتل احد الشباب على يد رجل شرطة يونانى دافعا لقلاقل سياسية لم تنته الا باخراج الحزب اليمينى من الحكم ليحل محله الحزب الاشتراكى ، لكن ثورة الشعب اليونانى لم تهدأ حتى الآن ولن تهدأ حتى تتحقق جميع مطالبه فى العدالة الاجتماعية .

ان اختيار اسم اجورا عنوانا للفيلم يمثل تلخيصا لصيغة الفيلم فهو فيلما ملحميا عن الحشود ، فالفيلم يتناول صراع الشعب السكندرى كله فى هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة ليس فقط فى تاريخ الاسكندرية ولكن فى تاريخ العالم كله .

ان احداث فيلم اجورا تتخذ ايضا بعدا اجتماعيا ، فهذا العهد شهد صراعا مريرا على خلفية قهر اجتماعى يتمثل فى نظام العبودية ، ان هذا الصراع ينتهى بانتصار المسيحية ولكن بثمن فادح ، فالعلم الذى رمزت له مكتبة الاسكندرية قد انهار تماما وارتد العالم الى ضلالات ما قبل عصر التنوير المبكر الذى انجزته الحضارة الهيلينية فى نموذجها الاستثنائى عندما تعانقت مع حضارة المصريين فى الاسكندرية .

المسيحيون يُواجهون الوثنيين .

ان اجورا الاسكندرية نراها مبكرا فى هذا الفيلم حيث نشهد جدالا بين حشد من المسيحيين يقودهم المسيحى  امونيس ( الذى مثله باقتدار واداء مسرحى فخيم ، الممثل الفلسطينى الاصل اشرف برهوم )  وبين حشد من الوثنيين .
ويتباهي قائد كل حشد بعظم شأن دينه  ، بينما نرى محرقة فيما بينهما ، حيث يقول المسيحى امونيس للوثنى انك تُهين نفسك عندما تتعبد الى رجال ونساء وعجل ابيس ويُشير الى تمثال آدمى لهذا المعبود الوثنى ، ونرى امونيس المسيحى يبرهن على قوة عقيدته بالمشى على الجمرات لكى يؤكد ما قاله من ان الهه الواحد سيحميه من النار ويمشى فعلا ويخرج سالما ، ثم يقوم اثنين من المسيحيين بدفع الوثنى قصرا ليسير على هذه الجمرات فيتعرض لنيرانها ، ان المسيحيين يحاولون تأكيد صدق معتقدهم الذى يحميهم فى مقابل ديانة وثنية عقيمة .

ان هذا المشهد يتبعه مشهد آخر فى احد اروقة منزل حبيشة حيث يقف ابوها ثيون فى مواجهه عبيده بعد ان اكتشف الصلييب فى منزله فيرميه على الارض فتركع فتاه من عبيدات المنزل لتحتضن الصليب ، فيبدأ الاب فى عقاب الفتاه ليكتشف ان ديفيس يتقدم اليه ويذكر له انه مسيحى ويطلب من سيده ان يعاقبه ، وتحاول حبيشة ان تستعطف والدها لاثناءه عن العقاب لكنه يجلد ديفيس .

ان تقديم حبيشة كمتسامحة يتوافق مع منقول سيرتها فقد كان تلاميذها من الوثنيين والمسيحيين على حد سواء وهى لا تفرق بين الناس على اساس المعتقد ، كما اننا سنرى لاحقا فى الفيلم انها تعتبر نفسها من المؤمنين بالفلسفة ، وهو تعبير يعنى العلمانية .

وفى قبو العبيد  نرى حبيشة تدخل الى ديفيس والعبد الآخر  وتطلب الانفراد بديفيس لكى تداوى جروحه وتهون عليه الامر ، حيث نلمس مقدار رقتها ، ثم تلمح نموذجا للكون على شكل كريات ، فيستوقفها هذا الامر وتسأل عنه ديفيس وتطلب منه بتواضع العالمة ان يعلمها هذا الشئ  .


ان نفس هذا النموذج نراه فى قاعة محاضرات حبيشة فى صباح اليوم التالى حيث يقف ديفيس امام النموذج ويبدأ فى شرحه ، فالكرة فى المنتصف تمثل الارض مركز الكون طبقا للمعتقد التوراتى ، وهو ما يتنافى مع نظرية الكون طبقا لارستاكوس الاغريقى ، فالارض ليست مركز الكون وانها تدور حول الشمس ، لكن انموذج ديفيس للكون يمثل عقيدته المسيحية ، وهذا يؤدى الى جدال ساخر مع اورستس الوثنى ، تُنهيه حبيشة بطلب الجميع ان يتقبلوا اراء ومعتقدات المخالفين لهم ، وان يكونوا اخوة .

خلاص ديفيس .

وننتقل الى الاجورا مرة اخرى حيث المسيحى امونيس يخطب فى حشد المسيحيين ، بينما ديفيس يرقب ما يدور ، لقد عرفنا سابقا ان ديفيس مسيحى ، وها هو المخرج يستخدم هذه الشخصية التى ابتدعها ليقدم لنا من خلاله المجتمع المسيحى فى مدينة الاسكندرية ، فعلى اثر حواره مع امونيس فيما يتعلق بالمعجزات - وعلينا ان نحيل دوافع ديفيس كلها الى عاطفة حبه المستحيل بسيدته فهو  يريد معجزة -  يذهب به امونيس الى رواق كنيسة ، فنتعرف على الوجه الآخر للمدينة فالفقراء والجوعى كثيرون ، كما نتعرف على الاسقف يلقى خطبته ، بينما امونيس يشرح لديفيس ما بدا جديدا على معارفه .

اورستس يعزف الموسيقى لحبيشة .

لقد سبق تقديم اورستس ، فهو تلميذ حبيشة وهو احد ابناء الطبقة الراقية ووثنى مثل حبيشة وقد اسر لها بحبه فى المكتبة ، ولكننا نراه هنا فى المسرح – تللك البنيه الحجرية المدرجة على شكل حدوتة حصان ، وجدير بالذكر ان بنيه المسرح اليونانى تطورت وتغيرت عبر تطور المسرح الاغريقى نفسه ، لكن الثابت ان المسرح الرومانى الاثرى فى مدينة الاسكندرية ، كان مخصصا لعروض موسيقية وليس لعروض درامية ، وربما تتواصل الدراسات عن هذا الامر الذى مازال يحتاج المزيد من الابحاث .

فى هذا المسرح المحتشد بالجمهور نرى اورستس يتخذ مكانه على المنصة وهو يحمل فى يده مزمارين ، ويوجه كلمة لآلاف الحضور يعترف فيها بانه يحب حبيشة ، وانه كرس نفسه للموسيقى ، ثم يبدأ فى نفخ مزماريه لنسمع نغمات تُشبه موسيقى القرب الشهيرة ، كما نرى رد فعل غريمه ديفيس الذى يقف خلف الباب الخارجى للمسرح يتفرج من بين قضبانه الحديدية ، لقد استمع الى اعتراف الحب ، كما نرى ردا للفعل على حبيشة وابيها فالكاميرا تتركز عليهما ، لكن رد فعلهما سنعرفه لاحقا فى منزلهما .

وينقلنا المخرج الى منزل حبيشة ليلا حيث يجتمع ثيون والدها مع اصحابه فى ابهاء الطبقة الارستقراطية السكندرية ، يناقشون عرض الزواج المُفاجئ ، بينما يقطع المخرج على حبيشة فى غرفتها وحدها يتناهى اليها صوت المتناقشين فى امرها ، وكأنما تلوى على شئ .


وفى صباح اليوم التالى نعرف ما استقر رأيها عليه ، ففى قاعة المحاضرات تُعلن قبولها لهدية اورستس فقد قدم لها المزمارين فى نهاية عزفه الموسيقى الذى كان فى المسرح ، ثم تتقدم منه وتعطيه منديلها ، فيأخذه من قبضتها وعندما يفتحه يجده مصبوغا بالدم ، فتعلق حبيشة بان هذا هو دم دورتها الشهرية ، وانها لا تتسم بالهارمونية التى تحدث عنها والتى تتناسب معه ، ان كلامها المهذب جدا واضح فى معناه فهى ترقض الزواج ، فيفهم اورستس مقصدها فيرمى منديلها على الارض وينصرف غاضبا مما لحق به من اهانة .

ثم يدخل احد العاملين ويعلن لحبيشة ولجميع الحضور ان يخرجوا لامر هام ، وبدلا من ان نذهب لهذا الامر الهام ، فان المخرج يكشف لنا  ديفيس الذى ينحنى على الارض ويلتقط منديل دم حبيشة الذى يُمثل رفضها لاورستس ، انها المعجزة من وجهة نظر ديفيس ، فقد سبق لنا رؤيته بالامس يبتهل الى الله لكى يُساعده  ، فمحنته فى الحب لا رجاء فيها ، وها هو الآن يرى ان دعاءه تحقق فيشكر ربه وهو يتابع انصراف الجميع من خلال جدار قاعة المحاضرات الافريزى.

وعندما نخرج لنستوضح الامر الهام نعرف ان كاهن المعبد القيصرى هو الذى دعى كل الناس للاجتماع ليعرض عليهم الرد على الاهانة التى ألحقها المسيحيون بآلهتهم ، فقد جاءت الاخبار بان المسيحيين يسبون آلهتم ، وهذا الامر يستحق رد فعل ، فتتدخل حبيشة وترفض هذا المنطق ، فلا يقوى الكاهن على الرد ، لكنه يُوجه السؤال الى ثيون ابيها بصفته مدير المكتبة ، فيرد بان اهانة آلهتهم تستدعى ردا ، لقد بدأت الحرب .

كيف نفذ أليخاندرو امينابار مشاهد المعركة .






ان امينابار ليس مخرجا كبيرا فى السن فهو من مواليد عام 1972 ، لاب شيلى وام اسبانية ، وكانت ولادته فى شيلى التى عاش فيها عامه الاول فقط ، قبل ان ينتقل مع والديه الى اسبانيا ليتجنس بجنسيتها ويتعلم فى مدارسها ، ويدخل جامعاتها ، ليدرس تكنولوجيا المعلومات ، والتى ربما يظهر اثرها فى اعمال الجرافيك فى فيلم اجورا ، لكنه لم يكمل تعليمه الجامعى ، وبدأ حياته السينمائية مبكرا باخراج الافلام القصيرة ثم الطويلة ،  لقد انتج واخرج وكتب اول افلامه القصيرة وكان بعنوان ( la cabeza  ) وكان عمره 19 عاما ، وعندما كان عمره 23 عاما  اخرج اول افلامه الروائية  "الأطروحة" Tisis"  "، ثم حظى فيلمه  Open your eyes الذى اخرجه فى عام 1997 على نجاح ساحق فى اسبانيا وتم توزيعه عالميا ، وهذا الفيلم تم اعاده انتاجه فى هوليوود من اخراج كاميرون كرو وحمل اسم Vanilla Sky  ثم قدم أليخاندرو  فيلم The Others  وكان فى عام 2001 ايضا وكان اول افلامه باللغة الانجليزية ، كما ان له فيلما رائعا يمكن مشاهدته على شبكة الانترنت بعنوان  The Sea inside ولكنه ناطق بالاسبانية .

نستطيع من مشاهد الحرب فى اجورا ان نحدد ملامح اسلوبه الاخراجى واقتصاده البليغ ، وبراعته الاسلوبية وذكاءه الحاد ، ووعيه الفنى العميق بفن السينما كوسيط خاص يمتلك أليخاندرو ناصيته  كما امتلكه ستيفن سبيلبيرج ذلك التقنى الاستثنائى الذى اذهل العالم بابداعاته ، تلك التى احب منها فيلم اللون القرمزى ، تحفته الاجتماعية البديعة .

لقد نفذ أليخاندرو مشاهد الحرب فى الاجورا بعدد لا يزيد عن 500 كومبارس ، ومع ذلك فانه استطاع ان يستعيض بها عن عشرات الآلاف ، حيث نرى الاجوارا تزدحم بشعب الاسكندرية كله الوافد من جميع اتجاهاتها وفى كل بقعة من الاجورا .

لقد اسس اليخاندرو مشهد الحرب مبكرا فعندما كنا امام المعبد القيصرى ، كان اليخاندرو يُصور حبيشة يحيط بها حشد كبير من زاوية مرتفعة قليلا ، حيث تمتلأ اللقطة بالناس ، ان زاوية الكاميرا المرتفعة قليلا تحجب ما بعدها ، حيث تهيمن الحشود فى اللقطة ، وبالتالى فانه لا يحتاج لتنفيذ هذا المشهد الا الى مئات الاشخاص ليُعبر بهم عن الآلاف .
ثم تبدأ الاستعدادات حيث يسحب كل منهم سيفا وينطلق خارجا من الكادر ، ثم لقطات لبوابة حرم المعبد القيصرى حيث يخرج الوثنيون تباعا .

لقد تم تأسيس مكان الاجورا فى مشاهد سابقة مثل مشهد المحرقة عندما كان المسيحيى يتباهى على الوثنى ، لذلك فان المخرج لم يكن فى حاجة الى اظهار هذه الاجورا فى لقطة عامة بعيدة من اعلى ، لان امره سينفضح حتما ، ان اليخاندرو ينقلنا اليها الآن حيث نرى اسقف الاسكندرية يقف عند المحرقة يتندر على احد التمائيل الوثنية بينما جموع المسيحيين يرشقون التمثال بالطماطم ، والاسقف يتندر عليه قائلا ، انه لا يسمع ولا يتكلم بينما الضحك يملأ المكان ، ثم نرى لقطات لدخول الوثنيين من اطراف الكادر فتهيج الجموع ، ثم يستخدم المونتاج فى تركيب لقطات اخرى لهذا الهجوم الذى يستهدف الباعة فى السوق وتدمير مظلاتهم .

ان كل لقطة على حدة لا يزيد عدد الاشخاص فيها عن 500 شخص ، ولكن تتابع اللقطات مع الصرخات والمؤثرات وحركات التقاتل بالسيوف وهرولة البعض وصمود او سقوط البعض ، كل هذا يتم سريعا بحيث لا تستطيع العين الا ان تنخدع بان عشرات الآلاف شاركوا فى هذا القتال الذى نرى اثره بامتلاء الارض بالجثث ، ثم  يتواصل عندما تبدأ جموع جديدة من المسيحيين يتوافدون على الاجورا ، حتى يلوذ الوثنيين بحرم المعبد القيصرى ويُغلقون بابه المهيب .

ان اليخاندرو لا تفوته مناسبة الطابع الاجتماعى للصراع ، حيث نرى عبد ثيون الآخر ينقلب عليه وبعد ان يقتل احد الاشخاص يعلن انه مسيحى ويهاجم ثيون سيده حتى يرديه ارضا ، فهذه المرارة الكبيرة التى عاش هذا العبد يتجرعها ، جاء اوان تقيؤها الآن بهذا القدر من الوحشية .

ان هذه المعركة التى شنها الوثنيون تنقلب رأسا على عقب ، فالمسيحيون يتوافدون من جميع الانحاء ، فيضطر الوثنيون الى الهروب والاحتماء بباحة المعبد القيصرى ويُغلقون بابه الخشبى المنيع ، ولا ينسى المخرج ان يعرى الكاهن اوليمبيس عندما يقول له اورستس قبل ان يغلقوا الابواب ، ان المسيحيين مازالوا فى الخارج فيرد عليه الكاهن ، ان الالهة معهم .

وفى باحة المعبد القيصرى  يقرر الكاهن اوليمبيس  وضع تلاميذ حبيشة المسيحين قيد الاعتقال فى الزنازين فترفض حبيشة ويدعمها اورستس ، وتبدأ عملية مداواة جرحاهم بينما المسيحيين فى الخارج قد نصبوا حصارا ، وسوف نلاحظ ان المخرج لا يفوته تقديم ديفيس عبد حبيشة المسيحى الذى لا يُفارفها رغم هذه الاحداث ، ويُقرر الوثنيون عقد هدنة مع المسيحيين .

ان اجواء الحصار تُخيم على الوثنيين ، وفى احدى الليالى نرى حبيشة مُنشغلة بعلم الفلك ، وتطرح الموضوع الذى يُشارك فيه احد الشيوخ متحدثا عن نظرية ارستاكوس بان الشمس مركز الكون ، ثم ينبه الى ضرورة الحفاظ على مكتبة الاسكندرية فهى تضم العلم والحكمة .

وفى نهار يوم تالى يأتى مبعوث الامبراطور فلاميوس اوغسطوس ، ويقرأ قراره ، الذى ينص على تحرير الضحايا الوثنيين المأسورين فى باحة المعبد القيصرى ، ثم اعطاء الحق للمسيحيين بان يدخلوا المعبد والمكتبة ، فيضج المكان بهتاف المسيحيين .

فيسارع الوثنيون بجمع ما يستطيعون من برديات المكتبة والهروب بها على وجه السرعة ، وعندما نرى المسيحيين يدخلون المكتبة فانهم يدمرونها كما يُسقطون تمائيل الوثنيين تعبيرا عن انتصارهم وبادئين فى تحقيق مطالب ثورتهم بازالة اى اثر للوثنية . 

ازمة ديفيس 

ان المخرج يركز على ديفيس ، هذا العبد الذى تتلمذ على يد حبيشة ، فهو مسيحى ويشارك فى تدمير احد التماثيل ، لكنه يعرف اهمية العلم ، انها اسوأ لحظات حياته بلا شك .

ثم تعرف حبيشة ان والدها مات ، ان الذى يخبرها بذلك هو احد عبيدها ، انه الظهور الاول فى الفيلم  للممثل الايرانى هيمايون ارشادى ، الذى قام ببطولة فيلم طعم الكريز لعباس كياروستامى .

ان ديفيس يدخل على حبيشة ويعانقها عنوة لاشباع رغبة لا يستطيع مقاومتها ، لكنها تقاومه ، فتفل رغبة دبفيس وينهار ويركع امامها وهو يقدم لها السيف لكى تقتله ، لكنها ترمى السيف ، وتفك طوق العبودية الملفوف حول عنقه ، وتقول له انه اصبح حرا وتطلب منه الرحيل .
ونراه فى مشهد تال يحمل بؤقجته راحلا فى شارع سكندرى تظهر علامات انتصار المسيحية فيه لينتهى القسم الاول من الفيلم .

القسم الثانى .


يبدأ القسم الثانى بعد عشرين سنة بلقطة لكوكب الارض وتتقدم الكاميرا تتدريجيا فى لقطة بديعة حتى تكشف الاسكندرية ، وتواصل التقدم حتى تتركز على مبنى المعبد القيصرى الذى اصبح مبنى الكاتدرائية ، بينما نستمع من اول اللقطة الى نحيب نسوة .

وفى الكاتدرائية نجد الاسقف ميت تحيط به النسوة ، لقد مضى عشرين عاما ، ونلاحظ ان الاسقف الجديد شاب ، انه سيريل المتشدد - سامى سمير - الذى تتجه الاحداث فى حقبته منحنا دمويا .
ان اثر السنوات العشرين يبدو واضحا على مكتبة الاسكندرية فبعد ان استلمها المسيحيين فانها خربت ، حيث  حل العنكبوت والحمام والماعز محل لفائفها .

ويستهل سيريل عهده بارهاب اليهود ، حيث يتعرض اليهود الى هجوم بالحجارة وحشى من المسيحيين اثناء حضورهم لاحتفال موسيقى فى المسرح الرومانى ، يترتب عليه انعقاد جلسة تحقيق يحضره سيريل وحبر اليهود جون ، حيث يحتكمان الى اورستس الذى صار محافظ الاسكندرية  واعتنق المسيحية ، وفى هذه الجلسة يقول الحبر باستياء فى شكواه ان اليهود لم يكن لديهم القدرة فى الدفاع عن النفس فى هذا الاحتفال لانه صادف يوم سبت ، وهو اليوم الذى لا يعمل اليهود فيه  ، فيلومه سيريل على ذلك فالاولى ان يكونوا فى المعبد وليس فى المسرح ، ان رد سيريل يٌمثل استهزاءا واضحا لليهود ، وان اكثر ما يلفت النظر هم تعليق اورستس الذى يتحدث عن الاخوة بنفس الطريقة التى سمعناها من قبل من حبيشة وكان اورستس تلميذها وقتئذ .


تظهر منارة الاسكندرية لاول مرة فى الفيلم دالة عن الاسكندرية ، ولعلنا نقارن هذه اللقطة بلقطات تمثال الحرية فى الافلام المعاصرة التى تتحدث عن نيويورك ، فالاسكندرية التاريخية كانت تضاهى نيويورك المعاصرة من حيث الاهمية .
هذه اللقطة تتصدر مشهدا بحريا هو الاول الذى تظهر فيه مياه الاسكندرية ، حيث يجمع المشهد بين حبيشة واورستس والعبد اسبيسيس الذى يُمثله هيمايون ارشادى ، حيث يدور الحوار الحميمى بينهما عن سلوك الاسقف سيريل الذى تتوجس حبيشة منه ، ثم ننتقل الى موضوع حبيشة الاثير الذى لا يبرح فكرها ابدا ، انه العلم والبحث عن اجابات لغموض الظاهرة الكونية التى وبرغم معرفتها ببعض الحقائق الا ان الغموض يحيط  بالكثير ، انها تطلب من اسبيسيس ان يصعد بجوال الى اعلى السارى ثم يُلقيه ، وتشرح لاورستس ان هدفها من هذه التجربة ان تُثبت ان الارض تتحرك ولكننا لا ندرك حركتها .

حرفية سيناريو الفيلم .

لا شك اننا امام سيناريو رائع ، فهو من ناحية يلتزم بحقائق السيرة الذاتية لحبيشة ويُؤرخ لها كفيلسوفة وفلكية وعالمة رياضيات ، ويؤكد طوال الفيلم على هذه الامور فدائما نحن نرى حبيشة منشغلة بعلمها ، فالفيلم يحتشد بالمشاهد غير الدرامية التى يصلح اعتبارها مشاهد تسجيلية  حيث نرى حبيشة منشغلة دائما بعلمها تحاول ايجاد اجابات لغموض الظاهرة الكونية ، وهذه من اهم ملامح هذا السيناريو الذى كتبه أليخاندرو امينابار وماثيو جيل ، وهو من الامور التى تستحق التقدير ، لانهما وبرغم ذلك كتبا سيناريو تتوفر فيه عناصر الفرجة والمتعة .

وفى نفس الوقت فان الفيلم يُؤرخ للاسكندرية فى هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ العالم الذى يشهد انتهاء وبدء عصر عالمى جديد ، فيركز على ملامح هذا التحول ويحدد قواه المتصارعة بين المسيحيين والوثنيين من جهة ثم بين المسيحيين واليهود من جهة اخرى ، ثم ذلك التركيز على ديفيس بصفة خاصة ، ذلك الذى اعتبره الشخصية الدرامية الوحيدة فى الفيلم ، عكس حبيشة التى اعتبرها شخصيتها معادلا للبطل التراجيدى بالمفهوم الارسطى فنوع صراعها يتشابه مع انتيجون ، لكن مصيرها شبيه باوديب ، حيث لا نملك الا ان  نتوحد معها فهى نبيلة وعظيمة وتلقى مصيرها مثل ابطال التراجيديات الاغريقية ، ليس لذنب اقترفته ولكن لقدر له الكلمة الاخيرة فى مصيرها .

ان أليخاندرو امينابار وماثيو جيل ، راجعا العديد من الكتب والوثائق عن هذه الحقبة وعن حبيشة ليستطيعا تقديم فيلمهما بكل هذه التفاصيل الدقيقة وبهذا القدر من الحرفية دون الاخلال بضرورات التوثيق وضرورات الدراما .

القضاء على اليهود اولا .

يهرع حشد من المسيحيين لنجدة اناس يستغيثون ، وسوف نلاحظ لقطة بانورامية بديعة تظهر الاسكندرية مُضاءة على ضوء القمر فى عمق الكادر - او لعله ضوء المنارة -  وعندما يصل المسيحيون الى المكان ، فان ابوابه توصد عليهم ليكتشفوا انهم تعرضوا الى كمين من اليهود الذين ارادوا الانتقام منهم على افعالهم مثل حادثة المسرح فيُلقون عليهم الاحجار ايضا .

وعلى اثر ذلك يتخذ سيريل اسلوب التحريض ضدهم ، فتشهد شوارع الاسكندرية عملية تقتيل وتمثيل بجثث اليهود ، وتخريب لمنازلهم .
ان هذا الامر يستفذ حبيشة لانها شهدته بنفسها فى الشارع ، فتلتجأ الى المحافظ اورستس ، ويرد عليها مساعده وهو مسيحي ايضا ، ان اجراءات حماية اليهود فى هذه الظروف سيترتب عليها هياج مسيحى وانه سينقلب على هذه الحكومة ، ان حبيشة تقول ان هذا الاختيار لن يمنع سيريل ان يكرر نفس الامر مرارا وتكرارا الى الوقت الذى لن تجد هذه الحكومة شعبا لتحكمه ، ودعونا نتأمل ايضا بلاغة هذا الحوار ليس فقط فى هذا المشهد ولكن طوال الفيلم .
 ان مرارة حبيشة هائلة ، وهى تعرف ان اليهود اولا ثم سيأتى الدور عليها ثانيا .

ومع مشهد هجرة اليهود تُشيعهم الحجارة الملقاة عليهم من اعلى احد الجسور ، نرى احد تلاميذ حبيشة عائدا الى الاسكندرية ، لقد اصبح الآن اسقفا فى بلد اخر ويرى ما يحدث ، ان موقفه اقل تشددا من سيريل ، لكن هذا العصر كان داميا .

ديفيس الحاضر ابدا .

عندما انتهى القسم الاول من الفيلم برحيل ديفيس ، فاننا توقعنا انتهاء ظهوره فى الفيلم ، ولكن هذا الرحيل كان رمزيا ، فديفيس رحل من براءته الى شئ آخر آخر يختلف تماما عنه ، انه حاضر طوال القسم الثانى من الفيلم ، فهو عضو فى جماعة متشددة يقودها امونيس ، ويُشارك فى جميع اعمال العنف ، وسيفه مُلطخ بدماء الابرياء باسم الدين .

ان الفيلم يقدم ديفيس فى مشهد النهاية ، وهى نهاية مُؤلفة لكنها لا تخالف منقول سيرة حبيشة التى رجمها المسيحيون حتى الموت على اثر ( فتوى ) سيريل بانها ساحرة ، وكلمة ساحرة فى العقيدة المسيحية تعنى اعمال الدجل والكفر وعصيان الله والخروج عن الكنيسة ، وعقوبتها الاعدام .

فالفيلم يستحضر ديفيس فى هذه الاثناء ، حيث يترك مجموعته فى طريقه الى انقاذ حبيشة من الرجم ، انها لحظة الوعى وما يترتب عليها من انقلاب سلوكى ، فيذهب الى قصرها لكنه لا يجدها ، ويعرف انها فى قصر اورستس ، وفى قصر اورستس فان حبيشة تعرف مصيرها وترفض ان تسير فى حماية قوة عسكرية ، وتختار ان تسير بمفردها ، بينما ديفيس الذى يلهث للحاق بها يستوقفه صوت احد زملاءه يخبره انهم وجدوها ، ونراهم يدفعونها الى ان تصل الى المعبد القيصرى - الكاتدرائية - فيمزقون ثيابها .

وهنا يتدخل ديفيس وينفرد بها عندما يقررون ان يُعدموها رجما ويخرجوا ليجمعوا حجارة الرجم ، فيلتصق ديفيس بحبيشة العارية تماما ، انها تحس بمشاعره وتستسلم له دون مقاومة  وترفع يدها وتكمم انفاسها فتمتد يد ديفيس على يدها حتى تلفظ انفاسها الاخيرة ، انه الموت الرحيم ، انها ايضا نهاية تليق ببطلة الفيلم ، وعندما يأتى منفذو الاعدام يجدونها ميتة ، ولكنهم يرجمونها برغم ذلك .

وينتهى الفيلم بلقطة للكرة الارضية كما بدأ الفيلم ، لكن الامر اكثر من مجرد تذكير المشاهدين بالثمن الباهظ الذى دفعته الانسانية نتيجة الممارسة اللانسانية للمسيحيين فى هذه الحقبة ، ان احساس الغصة يملأنا مع هذه النهاية التراجيدية ، ونستدعى فورا جميع الممارسات التى تحدث باسم الدين – اى دين – ضد العلم والانسانية .

ان افلاما اخرى تأتى متوازية مع فيلم اجورا فى نقد المسيحية ، وهذه الافلام لمسيحيين غربيين ، مثل فيلم شفرة دافنشى الذى يُشكك فى سلوك اجيال المسيحيين الاوائل وتعمد اخفاء حقائق ، لقد سبق لى ايضا ان شاهدت فيلما بريطانيا للبى بى سى برايم منذ نحو تسع سنوات ، كان يتناول باسلوب الجرافيك سيرة المسيح نفسه وشخصيته ، مؤكدا على تشكيك صانع الفيلم عن منقول سيرته .
ان هذه الافلام لا تندرج تحت مسمى الافلام الالحادية ، لكنها افلام تُهاجم وبعنف تقاليد المجتمعات الغربية ، وهو ما نحتاجه ايضا فى ثقافتنا ، فثمة رعب على الابواب التى يطرقها السلفيون باحجار رجمهم .



مع اجمل تحياتى .
ممدوح شلبى .

الممثلون
راشيل وايز .. حبيشة
ماكس مينجالا .. ديفيس
اوسكار اسحاق .. اورستس
اشرف برهوم .. امونيس المسيحى ، اسرائيلى الحنسية من اصل فلسطينى . حاصل على ليسانس مسرح وفنون من جامعة حيفا الاسرائيلية
مايكل لونسدال .. ثيون والد حبيشة وامين مكتبة الاسكندرية .
روبرت ايفانز .. سينيسيس
هيمايون ارشادى .. اسبيسيس ، سبق له بطولة فيلم طعم الكريز لعباس كياروستامى .
سامى سمير .. سيريل
ريكارد باردن .. اوليمبيوس
عمر مصطفى .. ايسيدوريس
مانويل كوشى .. ثيوفيليس
اوشرى كوهين .. ميدوروس
تشارلز  ثيك .. ميسكويس
هارى بورج .. ايفراجيوس
يوسف سويد .. ليس له اسم فى الفيلم .
اخراج .. اليخاندرو امينابار ، وهو مخرج تشيلى الاصل وفيلم اجورا هو خامس افلامه
سيناريو .. اليخاندرو امينابار وماتيو جيل
تم تصوير الفيلم فى مدينة ديليمورا بمالطا
انتاج اسبانى
تم عرض الفيلم جماهيريا فى 9 اكتوبر عام 2009